يهدف هذا البحث إلى التعرف على أثر الحكم الرشيد في النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتكمن أهمية ذلك في الوقت الذي تمر فيه معظم الدول العربية بحركات إصلاحية هدفها تحقيق الحكم الرشيد ومحاربة الفساد، ذلك أن المجتمعات أصبحت تُدرك أن التراجع الإقتصادي والتنموي إنما ناشئ عن الحكم غير الصالح، وبالتالي، ناقش البحث بالتحليل خصائص ومبادئ ومؤشرات الحكم الرشيد وعلاقة كل ذلك بالنمو الإقتصادي، على المدى القصير، والقدرة على إدامته بما يُحقق التنمية الاقتصادية المُستدامة، على المدى الطويل.

كما تم تطوير نموذج إقتصادي رياضي لقياس أثر الحكم الرشيد في إدامة النمو الإقتصادي باستخدام الانحدار المتعدد ذو التأثير الثابت، وقد تم تطبيقه على مؤشرات الحاكمية والنمو الإقتصادي في الدول العربية خلال الفترة 1996-2011، التي أظهرت بياناتها تصدر دولة قطر لكافة الدول العربية ليس فقط في النمو الإقتصادي والسكاني وإنما أيضًا في مؤشرات الحاكمية الرشيدة.

 بهدف التأكد من اتجاه العلاقة من الحاكمية للنمو الاقتصادي، وليس العكس، فقد تم عنقدة البيانات واستخدامها في نموذج الانحدار المتعدد ذو التأثير العشوائي، الذي أكدت نتائجه ما تم استنتاجه من حيث وجود تأثير للحاكمية الرشيدة على معدل النمو الاقتصادي في الدول العربية. 

وقد أظهر التحليل أن معدل النمو الإقتصادي مرتبط إيجابيًا بمستوى تطوير المؤسسات والحاكمية في الدول العربية. وأن هذه العلاقة غير مرتبطة بمستوى دخل الدولة، كون الدولة إن كانت نفطية أم غير نفطية لم يُؤثر في هذه العلاقة. 

كما أظهرت النتائج بأن جميع مؤشرات الحاكمية ليست على نفس المستوى من الأهمية في التأثير على النمو الاقتصادي. فتمتلك مؤشرات جودة التشريع وسلطة القانون ومحاربة الفساد تأثيرا معنويا على النمو الاقتصادي، بينما ليس لمؤشرات المشاركة والمسألة والإستقرار السياسي وفعالية الحكومة تأثير واضح بسبب ضعف الهياكل السياسية ذات الطابع الديموقراطي، وعدم ملائمة هذه المؤشرات لثقافة وبيئة المجتمعات العربية، التي تتصف غالبيتها بضعف الوعي السياسي. 

تتعرض هذه الدراسة لإحدى الجدليات الأساسية المتصلة بتطبيق مفهوم الحكم الرشيد وعلاقته بالتنمية الإقتصادية، وذلك من خلال استكشاف مدى تطبيق وتأثير هذا المفهوم في الدول العربية. وتُعتبر هذه الدراسة من النوع الاستشرافي الذي يسعى إلى التنبؤ بمدى نجاح المبادرة. 

أصبحت الحاكمية مسألة ملحة في عصرنا الحالي لأنها تُشكل منظومة شاملة قادرة على تخفيف الصراع وتزيد من الإندماج والتفاعل بين مختلف الأطراف، وذلك بزيادة فاعلية الإفصاح والمساءلة والرقابة والتحفيز (Hitt et al. 2003)، وتعمل على تعظيم قيمة الدولة ودعم قدراتها التنافسية بما يساعدها في خلق فرص عمل جديدة والحصول على التمويل المطلوب، وتساعد على الاستخدام الأمثل للموارد وتعزيز المساءلة وحسن توزيع الخدمات وإدارتها، بما يؤدي إلى خلق مناخ ملائم للأعمال (Alter، 2003) وجذب الاستثمارات وتحسين كفاءة الشركات وتعظيم الفائدة منها (العبد، 2004). وبالتالي، يجب أن تكون الحاكمية الرشيدة من الأهداف الإستراتيجية للدول العربية، حتى تستطيع الإنتقال بسلام من هذه المرحلة العاصفة إلى بر الأمان، ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة، من حيث أنها تحاول أن تربط بين الحاكمية والتنمية الاقتصادية في الدول العربية، واستكشاف هذه العلاقة من خلال نموذج اقتصادي قياسي. 

وفي سبيل ذلك تتكون هذه الدراسة من أربعة أجزاء رئيسية، بالإضافة إلى هذه المقدمة، يناقش الجزء الثاني الخلفية النظرية للدراسة من حيث تحديد مفهوم الحكم الرشيد وتحليل خصائصه ومبادئه وعناصره وأشكاله ومؤشراته وآلياته، والتنمية المُستدامة وأهدافها، والعلاقة بين الحكم الرشيد والتنمية المُستدامة. 

وأما الجزء الثالث فيقدم إختبارات الدراسة والتحليل، من خلال اشتقاق فرضيات الدراسة، واستعراض بياناتها ونماذج الدراسة ويناقش نتائجها بالتحليل. وأخيرًا، يختتم الجزء الرابع الدراسة باستعراض أهم النتائج ويُقدم مُلخصًا بأهم التوصيات.