إن إدارة الأزمات هي مجموعة من الاستعدادات والجهود الإدارية التي تبذل لمواجهة أو الحد من الدمار المترتب على الأزمة، ومن المعلوم في علم الاقتصاد أن هناك العديد من الأزمات الاقتصادية التي تواجه المجتمعات إما بصفة دورية أو بصفة عشوائية وبالنظر إلى هذه الأزمات نجد أنها قد تسببت في الماضي والحاضر بأضرار كثيرة للفرد والمجتمع سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ولم يكن في عهد الدولة الإسلامية الأولى خبراء اقتصاد بالمفهوم السائد اليوم.

ولم تكن هناك مراكز لإدارة الأزمات الاقتصادية ولا وزارات تخطيط ومالية واقتصاد واستثمار ومؤسسات اقتصادية ضخمة كالتي نراها الآن في دول العالم، ومع ذلك تلاحقها الأزمات الاقتصادية من كل جانب وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين عقول نقية مخلصة تعرف كيف تتعامل مع كل أزمة من دون أن تلجأ إلى عقد مؤتمرات ولا استدعاء خبراء من هنا وهناك وكانت أفكارهم وتجاربهم تحقق الهدف لأنها تنطلق من نفوس صادقة تستهدف المصلحة العامة.
ويمكن أن نلخص الخطوات التي اتخذها عمر رضي الله عنه في حل أزمة عام الرمادة في النقاط التالية:

الاتجاه التربوي

يتمثل ذلك بأن جعل الخليفة عمر رضي الله عنه من نفسه قدوة للناس في الزهد والشعور بالمسؤولية من خلال الإحساس بمعاناة الناس الجائعين المعوزين.
قال عمر رضي الله عنه أنه لا يذوق سمنا ولا لبنا ولا لحما حتى يحيى الناس ويقول: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم ولم يتوقف الأمر عنده بل بل شمل ذلك أهل بيته أيضآ فقد رأى رضي الله عنه في عام الرمادة بطيخة في يد ولده فقال:بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين تأكل الفاكهة وأمة محمد هزلي!

ووصل به الحال ألا يأكل إلا الخبز والزيت حتى اسودّ جلده ويقول بئس الوالي أنا أن شبعت والناس جياع حتى كان يقول صحبه لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت.

الاتجاه الاقتصادي

ذلك فإن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم ينس أن يأخذ الأسباب المادية لمعالجة الأزمة الاقتصادية وذلك من خلال:

  • الاستعانة بأهل الأمصار لكي يرسلوا إليه المدد.
  • تشكيل لجان تقسيم الأطعمة، فقد أمر الخليفة عمر رضي الله عنه رجالا يقومون عليهم ويقسمون عليهم أطعمتهم وادامهم مقسمين على نواحي المدينة فكانوا إذا امسوا يخبرونه بكل ما فعلوه.
  • عمل الإحصائيات الدقيقة للناس الفقراء القادمين من البادية وكذلك إحصاء الفقراء والعيال وعمل وجبات طعام جماعية يومية لهم إذ كانت دور عمر تقوم من السحر لعمل الاطعمة.

الاتجاه الإيماني

واللجوء إلى الله (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) من هذه الآية انطلق عمر رضي الله عنه بالتوجه بالدعاء الى الله بأن يفرج ما حل بالمسلمين من بلاء يتمثل بالجوع والقحط والجذب.
وقد استسقى عمر رضي الله عنه بِعم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بن عبدالمطلب بن عبد المطلب وقال اللهم إنا نستسقي بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يلح في الدعاء فما زال العباس قائما على جنبه وعيناه تهملان ويدعو الله قائلا اللهم إن عندك سحابا وعندك ماء فانشُر السحاب ثم انزل الماء ثم أنزله علينا واشدد به الأصل وأطل به الفرع وادر به الضرع اللهم شفعنا إليك بمن لا منطق له من بهائمنا وأنعامنا اللهم اسقنا سقيا وأدعة بالغة طبقا، اللهم لا نرغب إلا إليك وحدك لا شريك لك اللهم نشكو إليك عدم كل عادم وجوع كل جائع وعري كل عار وخوف كل خائف فما برحوا حتى سقاهم الله. 


وهكذا فقد كان للإجراءات العملية التي اتخذها عمر رضي الله عنه دور كبير في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي واجهها المسلمون من تجاوزها ولم يترك الخليفة عمر رضي الله عنه أي إتجاه الا وسار فيه تربوي، اقتصادي، إيماني من أجل أن يمكن المسلمين من اجتياز هذه المحنة.
ونؤكد هنا أن الفكر الاقتصادي الإسلامي يعد الطريقة التي تعامل بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحل هذه الأزمة أساسا عمليا يرتكز عليه من أجل حل الأزمات الاقتصادية المعاصرة التي تحدث من حين إلى آخر حيث أن التوازن بين التوجه المادي والتوجه الروحي هو الطريق الأمثل لحل الأزمات الاقتصادية.