تواجه العديد من الشركات الناشئة هذه الأيام صعوبات في إدارة السيولة النقدية نتيجة لانخفاض مبيعاتها بسبب تغير أولويات الزبائن باتجاه شراء المواد الضرورية من جهة، ونتيجة للاستجابة للتباعد الاجتماعي أو العزل المنزلي مما غيّر وبشكل سريع من العادات الاجتماعية والأنماط الاستهلاكية من جهة ثانية. وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية قد سنّت قوانين إسعافية بهدف تسهيل إقراض الشركات الصغيرة في هذه الأزمة إلا أنه من الصعب تعميم هذا الحل على كل البلاد العربية التي تواجه تحديات اقتصادية وسياسية من قبل ظهور فيروس كورونا المستجد من جهة.
ولأن الإقراض الميسر لا يحل جوهر المعاناة بل إنما يؤخر المشكلة بضعة أشهر ليس أكثرمن جهة ثانية. لذلك أعتقد أن على أصحاب الشركات الناشئة أن يغيروا منظور تفكيرهم من كيفية تقليل النفقات لكيفية ابتكار محفزات بيع جديدة تساهم في زيادة عوائدهم
وهذه بعض الإستراتيجيات التي أعتقد أنها قد تساعد في تجاوز الأزمة بسلاسة بل واكتساب قدرات جديدة لاستثمار فرص مستقبلية:
1- تحمّل الشركة جزء من المخاطر طويلة الأمد على حساب تحفيز المبيعات في المدى القصير: قد تقوم الشركة بالتقليل من مخاوف الزبون لما قد يحدث بالمستقبل من خلال تقديم ضمانات معينة له. مثلاً: قد تتيح الشركة البيع بالتقسيط مع تعهد الشركة بعدم المطالبة بالسداد ل 3 أشهر إن فقد الزبون وظيفته. قد يترافق هذه الإجراء مع مجموعة اتفاقات ومفاوضات مع البنوك أو شركات التأمين لدعم هذا التوجه. تعتمد هذه الاستراتيجية على تحفيز الزبون لاتخاذ قرار الشراء اليوم بتقديم مجموعة تسهيلات لايحصل عليها في الأوقات العادية.
2- البحث عن نموذج عمل جديد: قد تغيّر الشركة من نموذج عملها الربحي من خلال تقديم منافع مختلفة عن التي كانت تقدمها سابقاً فتستهدف عدد أكبر من الزبائن وتلبي حاجات مختلفة لهذه الظروف المختلفة. مثلاً: تحوّل بعض المطاعم المحلية من تقديم الوجبات المعتادة لبيع مواد غدائية رئيسية تصنعها هي ولاتبيعها بالعادة كصنع الخبز بعد نقص الأساسيات في السوق. أو تحوّل شركات التنظيف من خدمات التنظيف اليومية المعتادة لخدمات التعقيم. تعتمد هذه الاستراتيجية على تغيير المنفعة المقدمة للزبون بتغير الظروف التي يتعرض لها.
3- تسريع الابتكار: فالخطط المتوسطة والطويلة الأمد التي تضعها الشركات الناشئة لتطويرعملها قد تكون حاجة أساسية اليوم لكي تبقى موجودة في السوق؛ مثلاً تحوّل المتاجر التقليدية لمتاجر رقمية لم يعد رفاهية بل أصبح شيء رئيسي. وحتى بعد انحسار الوباء ستتغير العادات الاجتماعية والاستهلاكية من جهة، وسيقل معارضة الناس لاستخدام الخدمات الرقمية من جهة ثانية مما سيغيّر من حصة الاستحواذ لصالح الشركات التي تأقلمت مع هذا التحول. تعتمد هذه الاستراتيجية على ابتكار قنوات تواصل جديدة للاستجابة لمتطلبات ورغبات شرائح جديدة من الزبائن.
4- التحالفات من أجل تبادل الموارد غير المستغلة والتقليل من الهدر: يساهم تواصل أصحاب الشركات مع بعضهم البعض ومشاركة المعلومات بشفافية في بناء شراكات جديدة تضيف قيمة للطرفين. مثلا: شركات التوصيل أصبحت بحاجة لعدد أكبر من الموظفين المدربين ولوسائل التنقل من سيارات ودراجات وغيرها، بينما شركات النقل لديها فائض من كل ذلك ومستعدة لاستلام مهام جديدة على الفور. تعتمد هذه الاستراتيجية على ابتكار قيمة مضافة من خلال استثمار القدرات الجمعية بدل التركيز على القدرات الفردية لكل شركة على حدى.
5- العنصر البشري أولاً: تخطأ العديد من الشركات بالتركيز على المؤشرات السلبية للإيرادات والربحية والتوسع فقط وتنسى أن المؤشر السلبي الرئيسي هو الصعوبات التي تواجه حياة الناس من موظفين وزبائن. التواصل مع الموظفين والزبائن وتعزيز ثقة أصحاب الشركات بهم وإرسال رسائل إيجابية في وقت الأزمات يعد من أهم عوامل البقاء والولاء. مثلاً: التدوير في إجازات الموظفين قد تكون حلاً بدلاً من طرد بعضهم للتخفيض من كتلة الأجور الشهرية. إزالة بعض الميزات غير الضرورية لمنتج ما قد يكون حلاً بدلاً من رفع سعر هذا المنتج على الزبون نتيجة لنقص المواد الأولية المشكّلة له وارتفاع سعرها وصعوبة الحصول عليها. يجب أن تترافق هذه الإجراءات مع حملة علاقات عامة لتوضيح أسبابها والغاية منها وتُرسل إشارات إيجابية مع جميع أصحاب العلاقة والتأثير من خلال قنوات تواصل متعددة.
أخيراً، على أصحاب الشركات الناشئة أن يمارسوا دورهم القيادي من خلال استشراف المستقبل الجديد بدل النظرة الضيقة التي تركز على أحداث هذه الفترة والاستجابة الطارئة لها. عليهم أن يتوقعوا سلسلة الأحداث المترابطة القادمة لتتكون لديهم فكرة عن شكل المستقبل القادم والأدوات الواجب امتلاكها والقدرات الواجب بناءها اليوم ليبقى الغد بين أيديهم لا بأيدي الغير.