خلال شهور الحرب الطويلة، تحول قطاع غزة إلى مختبر لأحدث الأسلحة الغربية والإسرائيلية. فقد استخدم جيش الاحتلال صواريخ أمريكية ما زالت في طور التجريب، كما اعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد آلاف الأهداف دون تدقيق بشري أو اكتراث بدقة الإصابة. ففي بعض الحالات، لم تتجاوز المدة بين اختيار الهدف آلياً والمصادقة البشرية عليه 20 ثانية.
‏هذا النهج ترافق مع تطور آخر لا يقل خطورة، حيث تم تحويل غزة إلى مختبر للأفكار والمشاريع اليمينية الأكثر تطرفاً. عمل الاحتلال على فرض وقائع سياسية جديدة، خاصة في شمال القطاع، الذي أصبح مسرحا لتطبيق أفكار التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
‏بدأت هذه المخططات تتبلور نهاية عام 2023، حين سيطر الاحتلال على محور نتساريم. في ذلك الوقت، تم الحديث عن استلهام خطة “الأصابع الخمسة” لشارون، بهدف تحقيق سيطرة أمنية دائمة على القطاع. لكن الأخطر من ذلك كان استخدام السيطرة على نتساريم ضمن استراتيجية لتفريغ شمال القطاع من سكانه، حيث أغلق الاحتلال المنطقة وجعل الحركة باتجاه واحد، وأطلق نيرانه على كل من تبقى في شمال الوادي.

  • ‏في فبراير 2024، حاول الاحتلال تشكيل كينتونات في حي الزيتون، كخطوة تجريبية لليوم التالي للحرب. إلا أن المقاومة تصدت لهذا المخطط عبر عمليات الإثخان التي قامت بها.
  • ‏وفي مارس، حاول الاحتلال التواصل مع عشائر وعائلات في شمال القطاع لإقناعهم بقبول مساعدات مشروطة بهدف إنشاء نموذج حكم مشابه لروابط القرى. لكن هذه المحاولات أُفشلت بفضل رفض العشائر وتصدي المقاومة.
  • ‏في أبريل، سمح جهاز الشاباك بدخول عناصر أمنية محسوبة على السلطة إلى القطاع، بهدف منحهم مساحة من السيطرة تحت غطاء تأمين المساعدات. ومع ذلك، نجحت المقاومة في إحباط هذا السيناريو بالقوة.
  • ‏في يوليو، شن الاحتلال عملية عسكرية لإنشاء نموذج “الفقاعات الإنسانية” في ثلاث مناطق في شمال القطاع، تحديداً في بيت لاهيا وبيت حانون. لكن المقاومة، التي ظلت متماسكة، تصدت لهذه التوغلات وأفشلت المخطط.

‏أما المحاولة الأخطر، فكانت في سبتمبر، حين بدأ الحديث عن “خطة الجنرالات”. استهدفت هذه الخطة تفريغ شمال القطاع من سكانه لفرض منطقة عازلة، لكنها اصطدمت بوقائع ميدانية أعاقت التنفيذ؛ مثلت عملية التصدي لهذا المخطط واحدة من أعظم الملاحم القتالية التي سطرتها المقاومة.
‏هذا يعني أن شمال القطاع تعرض لمخططات صهيونية بصورة متتابعة؛ وهذا ما هو معلن فقط.
‏جميع هذه المخططات تؤكد أن اليمين الصهيوني جعل شمال القطاع مرتكزا لرؤيته الاستيطانية، وهو الأمر الذي يشير إلى أن هذا هو الهدف المركزي غير المعلن لهذه الحرب.
‏وعليه، فإن عودة السكان من الجنوب إلى الشمال في أي صفقة مقبلة تعني انهيار مشروع اليمين الصهيوني في غزة، وتعلن فشل الهدف السياسي غير المعلن للحرب.