يمثل الإعلام بالنسبة إلى الصحوة الإسلامية تحديا كبيرا؛ حيث إن النجاحات التي حققها الصحويون في هذا المجال متواضعة، وإذا أردنا الوقوف على الأسباب الجذرية لذلك، فيمكن أن نحصرها في الأسباب التالية:

أ- كانت المنابر قبل مئة سنة هي وسيلة التثقيف شبه الوحيدة، وكان الظن السائد بأن خطبة الجمعة، ستحتفظ بتأثيرها إلى ما لا نهاية؛ لهذا فإن كثيرا من الدعاة وطلاب العلم والصحويين عامة لم يهتموا بتأسيس الوسائل الإعلامية، ولا الانخراط في العمل في مجال الإعلام، كما أن كثيرين منهم استقبلوا الوسائل الإعلامية الجديدة (الراديو والتلفاز والفيديو) بشيء من التخوف والاستنكار لسوء ما كان يعرض فيها، وغاب عن أذهان بعضهم أن الوسيلة تبقى وسيلة، وأنه ينبغي الاستفادة منها على نحو إيجابي ومؤثر، وأذكر أنني قمت بزيارة إلى تسجيلات إسلامية مشهورة قبل ما يزيد على عشرين سنة، وكنت أشرت عليهم بأن ينتجوا أشرطة فيديو إسلامية من أجل مزاحمة الأشرطة السيئة الموجودة في الأسواق، وكان الجواب من أحد أصحاب تلك التسجيلات: إن هذا يشجع الناس على اقتناء الفيديو..

ب - لم يتح للصحويين الانخراط في الوسائل الإعلامية القديمة (الصحافة تحديدا) بسبب سيطرة العلمانيين والليبراليين واليساريين عليها في الأساس ومعظمها يخدم سياسات وتوجهات بعينها، ومن الصعب التأقلم معها، وإخراج رخص للجرائد والمجلات كان في معظم الدول الإسلامية صعبا للغاية.

ج - الآن في عصر الفضائيات صار من السهل على أي جهة أو فرد تأسیس فضائية، لكن يحتاج ذلك إلى أموال طائلة، ومعظم أصحاب رؤوس الأموال لا يملكون الحماسة للبذل في هذا المجال، ولهذا فإن معظم القنوات الإسلامية ضعيفة وغير مشاهدة، ولا تعد مكانا جيدا لتدريب الكوادر الإعلامية.

د- التلفاز ليس وسيلة للتعليم، ولم يتم اختراعه من أجل ذلك، وإنما من أجل التسلية، وتظل (الدراما) هي الملك غير المتوج فيما تتم مشاهدته في الفضائيات؛ والصحويون بعيدون كل البعد عنها وعن نجومها، كما أن إشكالية وجود المرأة فيها وإشكالية التمثيل عند بعضهم جعلت الفضائيات الإسلامية بعيدة عن الأعمال الدرامية وهذا حجم تأثيرها، وجعل جمهورها محدودا في معظم البلدان الإسلامية.

ه - اتجه خیار شباب الصحوة في وقت مبكر إلى دراسة الطب والهندسة والعلوم ولم يظفر مجال الإعلام بالعقول الفذة إلا ما ندر، وهذا أدى إلى ندرة النابهين والمؤثرین من الشباب المسلم في هذا الحقل الخطير.

ما العمل؟

كيف يمكن للصحوة أن تستفيد من الثورة الحاصلة، في وسائل البث والنشر والاتصال، في الدعوة إلى الله تعالى، وفي إعادة صياغة الشخصية الإسلامية بالإضافة إلى إصلاح المناخ الحضاري العام؟

أعتقد أن هناك إمكانات جيدة لعمل الكثير من الأمور المهمة على هذا الصعيد بشرط توفر شيئين: الوعي والاهتمام، ولعل من جملة ما يمكن عمله الآتي: 

أ- التعامل مع وسائل الإعلام:

إن من المهم جدا أن تكون الشخصيات العامة والمنظمات والجماعات الإسلامية أكثر انفتاحا على وسائل الإعلام، وتحقيق هذا يتم بأن يكون لكل جماعة ومنظمة... متحدث رسمي يعبر عن وجهة نظرها على نحو دائم، ويمكن أن يكون للمتحدث لقاء نصف شهري أو شهري مع وسائل الإعلام ليعرض عليها ما يتعلق بالجهة التي يمثلها، كما أن من الممكن تنظيم يوم أو يومين مفتوحين في السنة لاستقبال الناس والرد على أسئلتهم، وهذا ما تقوم به العديد من المنظمات الإسلامية في الغرب، وقد كانت له آثار حميدة في فهم الغربيين للإسلام واستيعابهم لأحوال المسلمين.

وأود أن أشير هنا إلى أن العلاقة مع وسائل الإعلام والتحدث إليها من الأمور الدقيقة جدا، وأعتقد أن كل القيادات وكبار الدعاة وكل أولئك المشغولين بالشأن العام في حاجة إلى أن يثقفوا أنفسهم بأصول تلك العلاقة، والتي منها:

- الالتزام بالحقيقة دائما.

- الدقة في التعبير مع تجنب المصطلحات الفنية التي قد تشوش ذهن المتلقي والحرص على الوضوح دائما.

- إذا لم يكن لدى المتحدث جواب فليقل: ليس عندي جواب على هذا السؤال، وإذا كان لديه جواب غير مكتمل، فليقل: النقطة الفلانية ليست واضحة لدي، أو ليس عندي معلومات حولها.

- التفريق بوضوح بين التحليل وعرض الرأي الشخصي للمتحدث وبين المعلومات التي في حوزته، كما أن من المهم التفريق بين وجهة النظر الشخصية ووجهة نظر الجهة التي يتحدث المرء باسمها.

- يحب الإعلاميون الصراحة، ومن المهم تحقيق تلك الرغبة، وهم يمقتون الذين يتعمدون الغموض، ويتضايقون من الذي يقال فيه: تكلم كثيرا، ولم يقل شيئا، ومع هذا فعلى المرء أن يكون حذرا من أن يستدرج إلى قول ما تقتضي المصلحة السكوت عنه، وقد قيل: ما كل ما يعلم يقال.

- من المهم أن يتحدث الإنسان على أساس أن كل ما سيقوله هو كلام رسمي، وسيتم نشره، كما أن من المهم في المقابلات الصحفية أن يكون النص الذي سيتم نشره مکتوبا، وليس مأخوذا من محادثة شفوية.

- الاحتفاظ بقائمة الإنجازات الجماعة أو المنظمة، وتحديث تلك الإنجازات باستمرار، كما يحدث الناجحون سيرهم الذاتية. 

إن الإنسان من خلال الإبداع والتفوق والمثابرة يستطيع فرض احترامه ومنهجيته حتى على المناوئين له، ويستطيع أن يجد المسرب الملائم لجهده وعطائه.  

- التحلي بروح الدعابة أثناء الحديث، والبعد عن الجدية الصارمة؛ إذ إن المرح يوحي بالثقة بالنفس.

ليس من المناسب قطع الصلة بالإعلاميين، وعدم الرد على اتصالاتهم، ولا سيما حين تكون أوضاع المنظمة سيئة، إن مثل هذا التجنب يفسر على أنه هروب من مواجهة الحقيقة المرة.

ب - تدريب الشباب على الكتابة الصحفية

قد يكون من الصعب على منظمة أو هيئة أو جماعة إنشاء قناة فضائية أو تأسيس مجلة أو جريدة... لكن لن يكون من الصعب عليها الدفع ببعض شبابها إلى الكتابة الصحفية المحترفة بعد تقديم التدريب المطلوب، والحقيقة أننا مقصرون غاية التقصير في مساعدة الشباب النابهين على الكتابة عامة، مع أنه مضى زمان ليس بالقصير على اهتمام الأمم المتقدمة بهذه القضية، ومما يذكر في هذا الشأن أن في فرنسا أكثر من مائة ورشة التدريب الشباب على الكتابة الإبداعية على نحو خاص، والصحويون مقصرون تقصيرا كبيرا على هذا الصعيد مع أن لديهم ملايين الشباب الذين يمكنهم من خلال المهارة والإبداع والاحتراف أن يخترقوا الأسوار العالية التي وضعها الليبراليون وغيرهم حول كثير من الجرائد والمجلات، وهذا التقصير قد يعود إلى عزوف الشباب عن الكتابة في صحف غير إسلامية أو غير نزيهة، وأنا مستوعب لهذا الحذر، لكن أقول: إن الإنسان من خلال الإبداع والتفوق والمثابرة يستطيع فرض احترامه ومنهجيته حتى على المناوئين له، ويستطيع أن يجد المسرب الملائم لجهده وعطائه أنا هنا لا أتحدث عن كتاب عاديين، فالعاديون موجودون، وإنما أتحدث عن كتاب يؤثرون في الرأي العام، ويتابعهم أصحاب القرار، كتاب يحسب لهم الفاسدون والمفسدون ألف حساب بسبب قدرتهم الفائقة على التواصل مع الجمهور من أجل كشف القضايا التي يفضل بعض المتنفذين بقاءها طي الكتمان.

ج - الإعلام الفضائي:

لا شك في أن الإعلام الفضائي قد جاء بالكثير من الشرور، لكنه في الوقت نفسه أتاح للعالم والمفكر والداعية أن يخاطب ملايين الناس وهو جالس في غرفة صغيرة، وكان أسلافنا من أهل العلم يغبطون من يجتمع في حلقته خمسمائة من الطلاب!

لدينا اليوم عشرات الفضائيات الإسلامية، وكثير منها يعاني من نقص التمويل، وبعضها تنازل عن شيء من استقلاليته ومنهجيته بسبب مراعاته لتوجهات الممولين، ومن رأيي أنه لا ينبغي إقامة أي فضائية إسلامية، إلا إذا كان لها وقف خاص من البداية تكفي موارده لتشغيل القناة، أو كان هناك رجل أعمال قوي مستعد للتمويل والمساندة، لكن هناك شيء لا يقل في تأثيره وأهميته عن القنوات الفضائية، ألا وهو الإنتاج الإعلامي؛ حيث نأمل أن يكون لدينا عشرات المؤسسات اللاربحية - التي تعمل على إنتاج البرامج الممتازة، من أجل تزويد الفضائيات الإسلامية بها، وأعتقد أن لإنتاج الأفلام الوثائقية أهمية خاصة؛ حيث إنها تعمل على كشف الواقع وتصويره بصدق وتلقائية ودقة، ومن ثم فإنها توفر معرفة ممتازة بالواقع الاجتماعي والسياسي والأخلاقي لبلد من البلدان في مرحلة من المراحل من غير إملاء مباشر، أو قسر على شيء معين.

كما أن في إمكان المصلحين عامة استخدام الأفلام الوثائقية في بيان القيمة الإنسانية والثقافية لمشروع من المشروعات أو مؤسسة من المؤسسات، ويمكن الاستفادة منها أيضا في توضيح الخلل في مسيرة النهضة وتسليط الضوء على الأجزاء المعطوبة من ثقافتنا الشعبية، وهذا يتطلب إعداد وتدريب المخرجين المهرة، ويحتاج إلى المؤلفات التي تقدم معلومات وافية عن موضوع الفيلم، مما يجعلنا نذكر بضرورة اقتحام مجال الإعلام وتشجيع الشباب على التخصص فيه، ولن تغني الأفلام الوثائقية عن اقتحام (الدراما) من أجل استخدامها في الدعوة والإصلاح؛ حيث إن المواطن العربي بثقافته الحالية يميل إلى تفضيل مشاهدة (الدراما) التي من شأنها تمثيل الواقع بحبكة فنية -على غرار الحبكة الروائية- على الأفلام الوثائقية التي تسعى إلى تصوير الواقع على ما هو عليه فعلا مع القليل من تدخل المنتجين.