وقد عملت دول العالم على تشجيع إنشاء البنوك الخاصة والمساهمة في بناء المؤسسات المصرفية نظرًا لأهميتها في تطوير الاقتصاد وإنعاش الاستثمار. غير أن تعامل المؤسسات المالية بالفوائد الربوية وما تبع ذلك من خسائر لدى الدول والطبقات الوسطى والفقير، فاالغنيّ يزداد غنًى والفقير يفني عمره سعيًا لدفع الفوائد. بالإضافة إلى توالي الأزمات الاقتصادية العالمية، وحنين الشعوب الإسلامية إلى العودة للتشريع الإسلامي في المعاملات الماليّة. كل هذه العوامل دفعت الدول العربية والإسلامية، ومنها الجزائر إلى سنّ قوانين وتشريعات تتيح إنشاء بنوك ومؤسسات مصرفية على قواعد الشريعة الإسلامية وتكون تعاملاتها وفقًا لمبادئها.

   البنوك الإسلامية عبارة عن مؤسسات مالية ينص قانون إنشائها ونظامها الأساسي صراحة على الالتزام بمبادئ الشريعة، وتقوم بأداء الخدمات المصرفية والمالية. كما تباشر أعمال التمويل والاستثمار في المجالات المختلفة في ضوء قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية بهدف المساهمة في غرس القيم والأخلاق الإسلامية في مجال المعاملات، والمساعدة في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من تشغيل الأموال بقصد المساهمة في تحقيق الحياة الطيبة والكريمة للأمة الإسلامية. 

و للمصارف الإسلامية خصائص تتميز بها، أهمها:

1- الابتعاد عن التعامل بالفائدة أخذًا وعطاءً كونها تدخل في الربا المتّفق على تحريمه.

2- السعي إلى تحقيق التكافل الاجتماعي من خلال تقديم مختلف الخدمات الاجتماعية كالقروض الحسنة، وإنشاء صناديق جمع الزكاة من أموال المساهمين والمقدمة من الأفراد والهيئات، وتولي توزيعها في مصارفها الشرعية.

3- ترفض المتاجرة بالنقود، فهي لا تقترض أو تقرض نقودًا، إنما تقدم تمويلًا عينيًّا فلا مجال لاستخدامه في غير الغرض الذي طُلب من أجله.

4- تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال إقامة مشاريع استثمارية حقيقية، توافق الضوابط الشرعية، وتساهم في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي، مراعيةً في ذلك البعد الاجتماعي من خلال تلبية حاجات فعليّة للمجتمع، فتكون بذلك قد حققت العائد المادي والاجتماعي على حد سواء.

   و من بين الأهداف التي تسعى البنوك الإسلامية إلى تحقيقها:

1- إحياء المنهج الإسلامي في المعاملات الماليّة المصرفيّة من خلال تقديم البديل الإسلامي للمعاملات البنكيّة التقليديّة.

2- استثمار الودائع التي تتلقاها وفق مجموعة من الصيغ التمويلية والاستثمارية مع مراعاة مختلف الضوابط والمبادئ الإسلامية التي تحكم نشاطها الاستثماري.

3- تحقيق الربح الذي يتم تقاسمه بين جميع الأطراف المشاركة في العملية الاستثمارية وبحسب النسب المتفق عليها.

4- توفير التمويل للمستثمرين بأساليب تتوافق مع ضوابط المعاملات المالية الإسلامية.

    ولتتضح الصورة أكثر فيما يتعلق بأهم خصائص ومميزات البنوك الإسلامية، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، نعرض مقارنة بين المصارف التقليدية الربوية والمصارف الإسلامية موضحةً في الجدول الآتي:

 

وجه المقارنة

المصارف الربوية

المصارف الإسلامية

الوظيفة الأساسية

الإقراض والاقتراض مقابل فائدة محددة.

المضاربة الشرعية ومختلف أشكال التمويل مثل المشاركة والمرابحة..

الأهداف العامة

تعظيم حقوق المساهمين بالاعتماد على سعر الفائدة مع التركيز على عامِلَين اثنين: المخاطرة والربحية في جميع تعاملاتها.

تعظيم حقوق المساهمين من خلال الربح والخسارة الناجمة عن ممارسة الأعمال الشرعية وتطهير العاملات المصرفية من الربا وبناء نظام اقتصادي إسلامي.

الضوابط المهنية

إدارة الأصول والخصوم بأفضل ربحية ممكنة من خلال سعر الفائدة.

إدارة الأصول والخصوم بأفضل ربحية ممكنة مضبوطة بأسس شرعية للمصرف.

العمليات والأهداف تتوافق مع

قوانين المصارف العالمية.

ضوابط الشريعة الإسلامية.

الوساطة المالية بين العميل والمصرف

تنفذ كمقرض ومقترض.

تنفذ كشريك.

المال هو

سلعة يتم الاتجار فيها. 

وسيلة يتم الاتجار بها.

الضمانات المطلوبة

عقارية وتجارية وشخصية.

ضمان المشروع ودراسة الجدوى وتقديم الكفلاء.

التضخم

يعادل سعر الفائدة السائد على أقل تقدير.

لا يوجد، لأن المصرف شريك في الربح والخسارة.

تحصيل وحسم السندات

موجود مقابل فائدة ربوية.

غير موجودة لأنها تعتمد على الربا.

التعامل مع المصارف الأخرى

على أساس الفائدة الربوية.

على أساس صيغ التمويل الإسلامية وفي المعاملات الجائزة شرعا.

العلاقة مع البنك المركزي 

على أساس الفائدة الربوية. 

وديعة بدون فوائد ربوية.

أسهم المصرف تباع في البورصة

نعم، تباع في البورصة.

نعم، تباع في البورصة.

الرقابة الشرعية

غير موجودة.

موجودة ويجب أن تكون ذات سمعة جيدة.

صيغ التمويل 

التمويل التقليدي يحدد علاقة المصرف بالمقرض بفائدة دوما.

التمويل الإسلامي مضارب في المدى القصير، ومتاجر على المدى الطويل.

المخاطر

يتحملها المقترض لأن للمقرض ضمانات. 

مشتركة بين المصرف ومالك المشروع. 

الخدمات المقدمة 

جميع الخدمات المصرفية بالإضافة إلى بعض النوافذ الإسلامية.

فقط، الخدمات المصرفية غير الربوية إضافة لخدمات تكافلية واستشارية.

كیفیة تأسیس المصارف الإسلامیة:
أولا: التأسيس القانوني والشرعي:

   لا تختلف شروط التأسيس كثيرا بين البنوك الإسلامية والتقليدية إلا في بعض الجزيئات. وقد عهدت كل دولة إلى مصرفها المركزي مهمة الوقوف على التأسيس القانوني للمصارف بحيث لا یُسمح بممارسة أي مصرف لأعماله إلا بعد استيفاء المتطلبات القانونية، والاختلاف یقع جزئیًا فیما إذا كان التطور القانوني في الدولة قد راعى قانونا خاصا للمصارف الإسلامية يتوافق مع الشریعة الإسلامیة. وفيما يأتي، عرض لخطوات التأسيس قانونا وشرعا:

1-عقد التأسيس:

   هو بوابة عبور المصرف من الفكرة إلى واقع الممارسة شريطة أن يستوفي العقد كامل المتطلبات القانونية الأساسية والشكلية. وتتم صياغته من طرف جهة قانونية مجازة، ويأتي دور الرقابة الشرعية لضبط النص والهدف بما لا يتعارض مع الشرع.

2-النظام الأساسي:

   تتم صياغته بالتعاون بين خبراء القانون وخبراء الشريعة في إطار يخدم الهدف العام للمؤسسة، وينظم العمل بصورة تنفیذیة تستطیع أن تتحرك داخلها أي إدارة توكل إلیها مهمة النهوض بالمؤسسة. وتتم المتابعة والرقابة الشرعیة للنظام عن طريق ضبط وسائل التنفیذ المتمثلة في السیاسات، والإجراءات والعقود بالشروط الشرعیة.

3-العقود:

   تحتاج العقود في المؤسسات المصرفیة الإسلامیة إلى جهد متميز في الصیاغة قانونا وشرعا لكثرتها وتعددها، والعقود تصنف على أنها قلب العمل المالي الإسلامي، ولا مجال لأن تتصف المؤسسة بأنها إسلامیة دون المحور الأساس لعملها، وهو العقود المتوافقة مع الشریعة الإسلامیة.

4-السیاسات:

   تمثل الخطوط العریضة لعمل المؤسسة وتتضمن:(السیاسات النقدیة والسیاسات المالية)، وهي أهداف خاصة لكل جانب من العمل، وتحقیق السیاسات یتطلب كتابة إجراءات تلعب دور أداة التنفیذ للسیاسة بما یحقق الهدف المنشود، وینظم العمل داخل المؤسسة.

ثانیا: التأسيس الإداري والفني:

   إن أولى القرارات الإستراتیجیة المطلوب اتخاذها للتأسیس العملي لحركة الأموال، التقریر بشأن رأس المال وطبیعة توظیفه في الممارسة، وتعتمد المصارف الإسلامیة في هذا الشأن على طریقتین:

الطریقة الأولى: هي أن یشارك رأس المال ودائع الجمهور المستثمر كامل العمل، وهذه الطریقة معتمدة في بعض المصارف الخلیجیة ذات الإعفاءات القانونية، وتتمیز هذه الطریقة بارتیاح الجمهور، بخاصة الشرعيون منهم، إلا أن لها بعض المحاذیر التي تراعیها المصارف المركزة، وذلك من ناحیة إرغام رأس المال على الدخول بالمخاطرة العالیة دون ودائع الجمهور العادیة.

الطریقة الثانیة: وهي عدم المشاركة بین رأس المال والودائع، وهذه الطریقة تعتمد علیها البلدان ذات التنظیم الفني المتشدد مع القطاع المصرفي، كون التقني یقیس المصرف الإسلامي على التقلیدي ویحرص أن یبقیه في دور الوسیط، وٕاخراجه من دور التاجر الممارس إلى التاجر بمرور الوقت.

نماذج عن المصارف الإسلامية في الجزائر:

   دخلت الجزائر عالم الصيرفة الإسلامية لأول مرة بعد إفراج البنك المركزي عن القانون المنظم لها، بعد سنوات طويلة من تردد السلطات في السماح بهذا النوع من الخدمات البنكية، الذي كان مقتصرًا على بنكين يشتغلان "خارج القانون"، الذي أطر عمل البنوك التجارية، إلى حين تعديل القانون في موازنة 2020. ويأتي ذلك في إطار محاولات الحكومة امتصاص الأموال المتداولة في السوق السوداء، ومواجهة أزمة السيولة التي تعصف بالبنوك والبلاد، بخاصة مع التداعيات الخطيرة لوباء كورونا على الاقتصاد. كما يأتي في إطار محاولات لجذب الأموال الجزائرية المستثمرة في بنوك إسلامية تعمل خارج البلاد بخاصة في أوروبا.

   وفق القانون الذي أصدره البنك المركزي الجزائري، فإن مفهوم العملية البنكية التي تدخل ضمن الصيرفة الإسلامية، هي كل عملية لا يترتب عليها تحصيل أو تسديد فوائد. بالتالي، فإن البنوك مرخص لها بتسويق ثمانية منتجات مصرفية إسلامية هي: المرابحة والمضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع وحسابات الودائع وودائع الاستثمار. وكانت الحكومة قد اتجهت لدعم الصيرفة الإسلامية والسماح للبنوك التقليدية بالعمل فيها بهدف مواجهة مشكلة السيولة التي خلفتها الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد منذ العام 2014، وتوجد في الجزائر 29 مؤسسة بنكية، منها 7 بنوك عمومية (حكومية)، وأكثر من 20 بنكًا أجنبياً من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية وواحد بريطاني.

واقتصرت الصيرفة الإسلامية على بنوك أجنبية (خليجية) بالدرجة الأولى، على غرار فرع الجزائر لمجموعة "البركة" البحرينية، وفرع "بنك الخليج الجزائر" الكويتي، وبنك السلام الإماراتي، وتتمثل أهم أنشطتها تمويلات لشراء عقارات (أراض وعقارات)، وسيارات ومواد استهلاكية (أثاث وتجهيزات)، فضلاً عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة.

   كما سمحت الحكومة لثلاثة بنوك عمومية بفتح شبابيك (نوافذ) إسلامية بدءاً من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، وهي بنك "القرض الشعبي الوطني" وبنك "الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط" و"بنك التنمية المحلية".

   منذ تأسيس أول بنك إسلامي بالجزائر (بنك البركة) سنة 1990، والصيرفة الإسلامية تواجه عقبات حالت دون انتشارها، لا سيما في ظل افتقارها إلى نظام تشريعي وتنظيمي يرسم معالم الصيرفة الإسلامية في الدولة، حيث يبقى المشكل في عدم امتلاك البنك المركزي لهيئة مؤهلة لإعطاء رأي شرعي في المنتجات البنكية التي ستقدمها البنوك التقليدية عبر وحداتها الإسلامية، وهو ما وقع في السابق مع البنوك الإسلامية المعتمدة التي لم يفصل البنك المركزي في تطابق تعاملاتها مع "الشريعة الإسلامية" رغم نشاطها لأكثر من 20 عامًا، كما هو الحال مع بنك البركة.