يعدّ الماء مؤشرا من مؤشرات نمط معيشة الإنسان؛ فهو يؤثر بطريقة أو بأخرى من خلال توفره أو ندرته أو نوعيته على صحة الإنسان واستمرار نشاطه في الحياة. ومن أهم التحديات التي تواجه العالم في عصرنا الحالي توافر الموارد المائية باعتبارها من البنيات التحتية المهمة القادرة على دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبخاصة المناطق التي تمتاز بمناخ جاف وشبه الجاف، وفي ظل التحديات والقضايا المتعلقة بالماء حاولت العديد من الدول أن تسطر مجموعة من الإستراتيجيات والأنشطة لاستغلال هذا المورد المهم استغلالا عقلانيا بهدف توفيرها على المدى البعيد، خاصة بعد بروز ظاهرة التصحر والجفاف التي مست عدة بلدان في العالم وبخاصة في صيف عام 2021؛ إذ شهد ندرة تساقط الأمطار وتغير في المناخ بسبب الاحتباس الحراري وثقب طبقة الأوزون ما قد يسبب في السنوات القادمة ندرة الموارد المائية في العالم، فحسب الدراسات والأبحاث في مجال الطاقة والمياه ستشهد السنوات القادمة حرب مياه لم يسبق لها مثيل من قبل.
 
إشكالية الدراسة:
الماء أساس الحياة وشرط ضروري لمزاولة النشاط الاقتصادي والزراعي، حيث يقوم الماء بدور كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد.
تسعى العديد من الدول جاهدة لتوفير المياه بكل الوسائل والتقنيات الحديثة، خاصة في فصل الصيف أو في فترة ندرة تساقط الأمطار..
والجزائر كغيرها من الدول تتميز بموارد مائية محدودة وغير منتظمة ويمكن القول إنها مورد نادر وثمين في الجزائر، فقد ظلت التحديات المرتبطة بالماء تشكل إنشغال الحكومة الجزائرية، وذلك راجع لعدة عوامل منها تزايد الطلب على الماء والعوامل المناخية وارتفاع عدد السكان وارتباطها بعوامل الفقر، والصحة، وأثرها على تحسين للظروف الاجتماعية والاقتصادية، هذا ما دفع بالسلطات العليا الجزائرية إلى ضرورة الاهتمام بشكل أكبر بالموارد المائية خاصة بعد تفشي جائحة كورونا، نتيجة التغيرات المناخية واختلال تساقط الأمطار والتلوث وسوء الاستعمال العقلاني للمياه وهي عوامل مهددة لهذه الموارد الطبيعية.


لذا سنحاول من خلال هذا المقال التطرق إلى البنية التحية للموارد المائية في الجزائر، والوقوف على إشكالية إدارة هذه الموارد من حيث مصادرها وندرتها، ومحاولة الخروج بأهم التوصيات والحلول المقترحة للتقليل من أزمة ندرة المياه في الجزائر.


المياه في الجزائر:
تنقسم الجزائر إلى خمسة أحواض نهرية رئيسة تضم 17 تجمعا وتتركز بشكل أساسي في الشمال، وتقدر موارد المياه السطحية المتجددة بحوالي 11 مليار متر مكعب. إن تدفقات المياه السطحية منخفضة في حوض الصحراء بإجمالي 0،5 مليار متر مكعب في السنة. في المقابل يعتمد الشمال بشكل أساسي على المياه السطحية، حيث يتم التقاط ما يقرب من 7 مليار متر مكعب في عدد من السدود المتوسطة والكبيرة، ويحدث الجريان السطحي على شكل فيضانات سريعة وقوية تغذي السدود خلال موسم الأمطار القصير الذي يمتد عادة من شهر ديسمبر إلى فبراير. (محمد فكري، 2020).
وتكتسي الموارد المائية في الجزائر طابعا استراتيجيا في مسار التنمية الشاملة للبلاد لارتباطها الوثيق بالتنمية المستدامة ولأن الماء في الجزائر مورد نادر وثمين يقتضي ترشيد استعماله لتلبية حاجيات السكان والاقتصاد الوطني دون رهن الحاجيات القادمة.
كما أن الجزائر بالنظر لمساحتها الكبيرة تتميز بندرة المياه السطحية التي تنحصر أساسا في جزء من المنحدر الشمالي للسلسلة الجبلية الأطلسية.
أما موارد المياه الجوفية تقدر بنحو 7،6 مليار متر مكعب، إلا أن الطلب أعلى بكثير في شمال البلاد. وتلبي أحواض المياه الجوفية المهمة في الصحراء الكبرى ما نسبته 96% من الطلب على المياه في الجنوب. (Walter fanack ،2021).
إن المياه الجوفية في الجنوب هي بشكل أساسي مياه أحفورية بقدرة منخفضة جدا على التجدد. وتوجد موارد المياه ضمن حوضين مائيين رئيسين متداخلين هما المركب النهائي والمتداخل القري اللذان يشكلان نظام الطبقات المائية في شمال غرب الصحراء الكبرى العابر للحدود. ويتم استخراج المياه من أحواض المياه الجوفية العميقة بشكل أساسي باستخدام الآبار العميقة، في حين يتم استخراج المياه من الأحواض الضحلة باستخدام نظام الفقارة التقليدي .(water fanack ،2021).
لذا فإن الموارد المائية هي محصلة المياه الجوفية نتيجة السيول والأمطار الموسمية التي تتأثر بالتغيرات المناخية والبيئية.
 
أزمة المياه في الجزائر
إن ندرة المياه خلقت أزمة في مجال التنمية الاقتصادية ولا سيما المتعلقة بالمجال حماية البيئة والمحيط، وهذا خلّف مشاكل عديدة على الجانب الصحي والاجتماعي في البلاد، خاصة بعد تفشي وباء كورونا الذي أصبح يهدد الحياة البشرية، إضافة إلى تفاقم ظاهرة الجفاف ما أدى إلى إثارة مزاعات معقدة بين مختلف المستعملين، علما أن الحاجة إلى مياه الشرب سوف تتضاعف بنسبة 2،5% على مدى خمس وعشرين سنة المقبلة، وسوف تمثل حوالي 40% من الموارد القابلة للتخزين سنة 2025.
واعترفت وزارة الموارد المائية بوجود أزمة في التزويد بالمياه الصالحة للشرب في 10 ولايات على الأقل بمناطق شمال البلاد وسطها.
ويربط الشيخ فرحات، الخبير الجزائري في شؤون البيئة والمناخ، أزمة "العطش" في بلاده بالتغيرات المناخية الحاصلة في العالم وارتفاع الحرارة وضعف تساقط الأمطار وكذلك التلوث الصناعي وغيرها، ويقول إن التغيرات المناخية لا تقتصر على الجزائر فقط، بل تشهدها دول المغرب العربي ومختلف دول العالم. ويرى أن المشكلة عالمية وهذا يؤدي إلى شح الأمطار خصوصا في إفريقيا وبلدان شمال إفريقيا. من بينها الجزائر، ما يؤدي إلى تراجع مستوى منسوب المياه في السدود. ويوضح فرحات أن العامل البشري يعد من بين الأسباب التي أحدثت ندرة في المياه، جرّاء نقص الوعي بأهمية الماء والتبذير، وكذلك التأخر في إصلاح التسربات التي تحدث بين حين وآخر على مستوى شبكة التوزيع. (حسام الدين إسلام، 2021).
 
التوصيات:
1_ لابد من إشراك الخبراء والباحثين في مجال التخصص من خلال تشخيض الأزمة والخروج بحلول واقعية، كما هو معمول به في الدول المتقدمة.
2_ برمجة دورات تحسيسية وتوعية الناس بضرورة التحلي بروح مسؤولية إستغلال العقلاني للموارد المائية، وأن يشعر بالقلق إزاء المشاكل التي تترتب عن نقص في المياه.
3_ على الحكومة المعنية إعداد ميزانية خاصة للحد من أزمة المياه من تسطير برامج واستراتيجيات ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع، منها بناء محطات جديدة لتحلية مياه البحر وتصليح المعطلة، وحفر آبار تسمح لها بمرور المياه عبر مختلف المحطات المائية الأخرى.
4_ يجب الأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المتخلفة في توفير المباه في عملية التسعير، فالسعر يمثل حافزا أساسيا لحسن استخدام الماء.