لماذا تأخرنا؟ سؤال نطرحه باستمرار على أنفسنا وعلى بعضنا البعض، يستنزف تفكيرنا تارة ويضعنا في موقع عجز وحيرة تارة أخرى، خاصة عند مقارنة ماضينا بحاضرنا وتأمل واقعنا اليوم. إيمانا منا بأن حال الأمة الإسلامية يستدعي دراسة جادة لأسباب هذا التقهقر ودور ذلك في تغيير الوعي وتنوير البصائر، نستعرض لكم في هذا المقال خمسة كتب تطرقت لأزمة التخلف بزوايا نظر مختلفة سواءً من حيث بعدها النظري التخصصي ما بين الاجتماع والاقتصاد والتعليم أو من حيث تأويلاتها المبنية على تصورات فكرية متمايزة ومتعارضة.

1. شكيب أرسلان يُجيب «لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟» 

هذا الكتاب بمثابة جواب المفكر الإسلامي الراحل على خطاب أرسله له "الشيخ محمد بسيوني عمران" سنة 1930م، عدّد الكاتب من خلاله أسباب ضعف وتقهقر المسلمين في أمورهم الدينية والدنيوية، وهي تشمل من منظوره عدة أمور من بينها: الجهل، العلم الناقص، فساد الأخلاق، العلماء المتزلفون للأمراء، الجبن والهلع، اليأس، نسيان المسلمين ماضيهم المجيد، ضياع الإسلام بين الجمود والجحود. ويرى الكاتب أن أسباب نهضة المسلمين في الماضي ترجع إلى الإسلام وهذه الأخيرة أضحت مفقودة عند الأمة بشكل كبير. ويؤكد أرسلان، أن المسلمين افتقروا للحماسة التي كانت عند آبائهم، وقد امتاز بها غيرهم من الذين ضحوا بأغلى ما عندهم، ألا وهي نفوسهم في سبيل نشر دينهم. كما أدرج ضمن كتابه، مثال اليابان ورقيها، فجعَلها عبرةً للعرب وسائر المسلمين. 

رد أرسلان على الذين نسوا فضل مدنية الإسلام وحضارته وتراثه، واعتبر أن سبب تخلف أوروبا واليابان في الماضي، وسبب نهضتهما الحاضرة، لا يتعلق بالدين، فلا ينبغي الزج بالأديان في هذا المعترك، ومن ثم اتخادها وحدها كمعيار التقدم والانحطاط. وأكد على أن الإسلام، وبلا جدال، سبب نهضة العرب، وهو ما اتفق عليه المؤرخون شرقًا وغربا، ولا يعود السبب في تردي أحوال المسلمين فيما بعد للإسلام وإنما لبعدهم عنه وعن تعاليمه. إلى جانب ذلك، يرى أرسلان أن بواعث نهضة العالم الإسلامي من جديد متعددة ولا حصر لها، وأولها حث القُرآن الكريم على طلب العلم، فهذا الحث حسب رأيه، لهو أقوى محفز للمسلمين على سبقهم للأمم الأخرى في الرقي، ويقول بأن أسباب انحطاط المسلمين في العصر الحديث هي نفس الأسباب في العصر القديم، بالإضافة إلى فقْد الثقة بالنفس والشعور بعقدة النقص واليأس؛ حتى ظن -بل تيقَّن بعضهم- بعدم النصر، وأخيرا يرى أرسلان أن المسلمين لن ينهضوا من جديد إلا عند جهادهم بالمال والنفس، والعلم.

2. «لماذا لا يستردّ المجتمع استقلاله؟».. نقد هشام الشرابي للنظام الأبوي.

 

يتطرق المؤلف إلى أسباب التخلف العربي التي تكمن حسب رأيه في أعماق الحضارة الأبوية وبسبب هيمنة الموروث على المجتمع، ويُعد الكتاب بمثابة نقد حضاري للمجتمع العربي من منظور علم الاجتماع في نظام "المجتمع الأبوي".

يعتبر شرابي أن المجتمع العربي يعيش أزمة وعي وتخلف، حيث يعود هذا التخلف بالأساس إلى نظامه الأبوي الذي هو بنية أساسية ثقافية معادية للحداثة والنقيض الجذري لها وتكرس البنية الأبوية للمجتمع السلطوية في أشكالها المختلفة، بدءًا بالسياسة ونظام الحكم، مرورًا بالنظام الأسري والنظام التربوي والتعليمي، وانتهاءً بسيادة منطق القبيلة والعشيرة على النظام الاجتماعي؛ الأمر الذي يكرس علاقات غير متكافئة بين أفراد المجتمع سياسيًا واجتماعيًا. وبالتالي فالكتاب محاولة فكرية لوضع منهجية تحليلية لتجاوز الموروث؛ بحيث يصبح بإمكان المجتمع استرداد استقلاله والسير نحو الأهداف التي يحددها بنفسه عبر رؤية مختلفة إلى تاريخنا وواقعنا العربي وبالتالي استنباط أساليب جديدة لتعبئة الطاقات البشرية والمادية لتفكيك المجتمع الأبوي وتغييره. وكما يقول المؤلف فإن هذا الإطار المنهجي ذاته ينمو ويتطور من خلال الممارسات الفكرية (النقد الحضاري) والممارسات الاجتماعية (الصراع السياسي) إلى أن يستنفذ من إمكاناته الفاعلة، وعندئذ يستبدل بإطار نظري جديد كفيل بإعادة بناء البنى الاجتماعية والسياسية على أسس رشيدة وعقلانية. 

3. الاقتصاد خارج معايير التقدم..عند جلال أمين «هل تختلف الحداثة عن الإصلاح؟»

يقدم المفكر الاقتصادي الدكتور جلال أمين فكرة التخلف والتقدم برؤية جديدة إذ يعتبرها غير موغلة في القدم ولا هي بديهية. فالكاتب يشكك في مدى صحة وصف دول أو أمم بأنها متقدمة وأخرى بأنها متخلفة أو متأخرة. ثم إن التقدم والتخلف حسب تحليل أمين لا يقاسان بمعيار النمو الاقتصادي وحده. إذ يعتقد أنه من السخف اعتبار بعض الأمم أكثر تقدما في مضمار «التنمية الإنسانية» من غيرها، كما أن اتهام العرب بأنهم «متخلفون» في هذا المضمار اتهام غير مقبول. كما يرى أن اعتبار بعض الأمم أكثر تمتعا «بالحرية» من غيرها ليس بالأمر السهل. والديمقراطية ليست في عصر الازدهار كما يشاع، ولا حتى في الدول المسماة «بالديمقراطية».

 

يُشير الكاتب إلى أن فكرة «حقوق الإنسان» تختلف من ثقافة إلى أخرى، ويعتقد أن أضرار «ثورة المعلومات» قد لا تقل عن منافعها، وفيما يتعلق بوصف بعض الدول والأمم «بالإرهاب»، فحسب نظر المؤلف هو اختراع حديث يراد به السيطرة على موارد وثروات هذه الدول والأمم، ومن ثم فالإصلاح المنشود ليس بالضرورة أن نقلد ما فعله الآخرون؛ «فالحداثة» تختلف عن «الإصلاح».

4. «لا مقاعد للمهمشين في العالم!».. نبيل علي يناقش أسباب تخلف العقل العربي

الكتاب بحث في أسباب تخلف العقل العربي المعاصر، حيثُ يرجع الدكتور نبيل علي هذا الأمر إلى تخلف أنظمة التعليم العربية العاجزة على تخريج أجيال تتمتع بأنماط تفكير نقدية مبدعة وخلاقة، ويرى كذلك أن أقصى ما يحققه المتعلمون هو الحد الأدنى في سلم المعرفة اللامتناهي.

"نحن نواجه عصرا جديدا بعقلية غاية في القدم، هذا هو المأزق الذي نجد فيه أنفسنا كعرب ونحن نواجه متطلبات العصر الحديث، هناك فجوة معرفية تزداد هوتها كل يوم وتهدد بعزلنا على الجانب الآخر من التاريخ حيث لا يوجد مقاعد للمهمشين في هذا العالم، لنبدأ الخطوة الأولى السد هذه الفجوة المعرفية، لنبدأ بالترجمة".

كما يشير الكتاب إلى وجود تعليم تلقيني في المدارس على اختلاف درجاتها، ومراحلها، وحضوره أيضا في الجامعات التي تقدم هي الأخرى نفس النمط التعليمي، ويقارن نبيل علي بين عصرين تعليميين، هما "عصر الصناعة" القائم على التلقين لتخريج كوادر، تلبي الحاجات في أعمال محددة، و"عصر المعلوماتية" الذي يتطلب العناية بالملكات الشخصية للمتعلّم، على غرار التفكير.

 

 

 وينتقد كذلك غياب الجانب العاطفي (الروحي) عن نظمنا التعليمية، رغم ثبوت أهمية الدور الذي تمارسه العاطفة في حبّ العلم والتعلّم، والمقصود بذلك تعليم الفنون بأنواعها، التي تعتمد على أنشطة تكشف عن المواهب الشخصية للفرد وتنميها وتميزها عن غيرها، غير أن التعليم العربي اليوم لا يعيرها أيّ اهتمام حقيقي ولا يسعى لتنميتها، إذ أنها لا تدرج في حساب الدرجات النهائية.

وعليه يرى المؤلف أنّ الإبداع فطرة في الإنسان، حيث أن التحدي الحقيقي هو التوصل إلى طرق عملية لتفجير الطاقة الكامنة في عقولنا، ومعرفة كيفية رعايتها في وقت مبكر من أعمارنا، والمداومة على تنميتها.

وأخيرا يشير الكتاب إلى أن التعليم التلقيني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنظم الاستبدادية والأوتوقراطية القائمة على حكم الفرد أو الأسرة أو القبيلة، لأنه الوحيد الذي يخدم بقاءها واستمراريتها، فهذا النمط من التعليم يشلُّ العقل، ويبقيه على ما هو عليه. 

5. «حصون التخلف موانع النهوضّ» إبراهيم البليهي في حوارات ومكاشفات

يضم هذا الكتاب مجموعة من الحوارات التي أجريت مع المفكر إبراهيم البليهي جاءت تحت عنوان "مكاشفات البليهي" وتتكون من خمسة أجزاء إضافة إلى حوارات أخرى أجريت معه في عدة جرائد.

ينطلق الكاتب من إشكالية مهمة ألا وهي «موانع النهوض»، لماذا لم ننهض نحن العرب؟ عبر تحليل عميق لتاريخ الحضارات، واستعراض لمقارنات عدة يدعم حججه ويقيم البرهان على صحة ما يقول، يركز البليهي على أهمية الفكر النقدي وضرورة أن تأخذ به جميع المجتمعات، فهو العامل الوحيد الذي يحررها وينور العقول ويكشف الأوهام والجهالات وينوع البدائل ويهيئ الحلول.

 

في كتابه، يعيب إبراهيم البليهي على الثقافات التقليدية انغلاقها على ذاتها ورفضها لأية فكرة طارئة، فالتجربة أثبتت سواء في الغرب أو الشرق بأن دخول حضارة العصر لا يمكن تحقيقه إلا بجهود فكرية عاصفة ومجلجلة تتوجه إلى كل الأمة وليس فقط لفئة من الدارسين، وأن تستخدم كل وسائل التواصل في التعليم والإعلام والمنابر وغيرها من وسائل الإثارة والحفز والتأثير كتوجه عام مثير وموقظ وحافز يستهدف خلق وعي جديد.

في جانب آخر، يبدي الكاتب إعجابه بالنهضة الفكرية للغرب الأوروبي، وهذا تصور مخالف لبعض الأطروحات السابقة، ويعتقد أن نهضة الفكر شرط أولي لنهضة العلم ومقدمة أساسية لتقدم المجتمع، فالنهضة الفكرية التي شهدتها أوروبا عند نهاية العصور الوسطى جعلتها متهيئة، حسب قوله، لإنتاج العلم واستقباله وتطبيقه، كما يضيف أن في المجتمعات التقليدية الاعتراف بالخلل الثقافي والصدق في إصلاحه هو مفتاح النجاح، ويشدد على التعليم الذي يجب أن تسبقه نهضة فكرية حقيقية تفتح الأقفال الثقافية التي تتوارثها الأجيال، فالأفكار قادرة على توليد وإنتاج العلوم.