ﺭﺑﻤﺎ ﺗﻘﺮﺃ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺜﻴرًا ﻭﺗﺪﺍﻭﻡُ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﺜﻴﺮُا ﻣﺎ ﻳﻮﺟّﻪ ﻛﻞ ﻃﺎﻗﺘﻚ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﻴّﺔ ﻵﻳﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ... ﺭﺑﻤﺎ ﻟﻠﻔﺖ اﻧﺘﺒﺎﻫﻚ ﻟﺸﻲﺀ ﻣﺎ، ﻣﺸﻜﻠﺔٍ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻚ أو ﻗﻀﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮًا، أﻭ ﻓﻜﺮﺓ أﺟﻬﺪﺗﻚ ﺑﺎﻟﺘﺤﻠﻴﻞ والاستنباط، ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺘﻨﺰﻝ ﻋﻠﻴﻚ ﻛﺤﺎﺳﻢ ﻗﺎﻃﻊ ﺗﻄﻤﺌﻦ ﺑﻪ ﺫﺍﺗﻚ ﻟﻜﻞ ﺣﻜﻢ ﺻﺪﺭ ﻣﻨﻪ، ﻓﻴﺘﺨﻠﻞ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﻲ ﻫﺪوء.

       ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ، ﻧﺮﻳﺪ ﺍﻟﺘﻮّﻗﻒ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﺮ ﻓﻲ الآيات الخمسة ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻟﻨﺘﻜﺸّﻒ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴّﺔ ﺍﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﻓﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻭﻧﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻧﺴﻘﻄﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﻳﺎﺕ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻭﻣﺎ ﺗﻌﻴﺸﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﻝ ﻓﻲ ﺧﻄﻮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥِ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ. ﻭﻧﺘّﺨﺬ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﺒﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻴﻦ، ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻧﺴﺘﺄﻧﻒ ﺳﻴﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺀ ﺑﺼﻴﺮﺓ ﺗﻬﺬﺏ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻭﺗﻜﺴﺒﻪ ﺛﻮﺏ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺗﻔﻴﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ، ﻭﻛﻤﺎ ﺧﺘﻢ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‏(ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‏) ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﺴﻴﺤﺔ ﻗﺎﺋﻼ:

 "ﻓاﺳﺘﺄﻧِﻒ ﺗﻬﺬﻳﺐ ﺇﻃﺎﺭﻙ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻭﺃﻗِﻢ ﻛﻴﺎﻧﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً ..ﻣﺜﻞُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺇﻻ ﻓﺬﺍﺗُﻚ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ دخاﻥ". 

ﺃﻭﻻ: ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺬﻛﻮﺭًﺍ

"ﻫَﻞْ ﺃَﺗَﻰٰ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟْﺈِﻧﺴَﺎﻥِ ﺣِﻴﻦٌ ﻣِّﻦَ ﺍﻟﺪَّﻫْﺮِ ﻟَﻢْ ﻳَﻜُﻦ ﺷَﻴْﺌًﺎ ﻣَّﺬْﻛُﻮﺭًﺍ" ‏(ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ 1 ). ﻛﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﺒﻨﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﻤﻬﻠﻮﺍ، ﻣﺎﺫﺍ ﻛﻨﺘﻢ؟! ﺗﻮﻗﻔﻮﺍ، ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻗﺒﻞ ﺣﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻣﺬﻛﻮﺭﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺬﻱ أﻭﺭﺙ ﻓﻴﻜﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻐﺸﻮﺵ، ﻛﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﺟﻬﻼﺀ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻛﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﺳﺬّﺝ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻈﺎﻟﻤﻮﻥ، ﻛﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﺗﺸﻌﺮﻭﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﻘﺪّﻡ ﻋﻠﻤﻲ ﻭﺗﻜﻨوﻠﻮﺟﻲ، ﺇﻧﻜﻢ ﻻ ﺷﻲﺀ ﻟﻮﻻ ﻟﻄﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺗﻜﺮﻳﻤﻪ ﻟﻜﻢ، ﻭﺇﺧﻀﺎﻋﺔ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺘﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ ﻟﺸﺄﻧﻜﻢ.

  ﻛﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻢ ﺗﺸﺮّﺩ أﻫﻠﻬﺎ ﻭﺟﺎﻉ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﻭﻋﺬّﺏ ﺷﺒﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ، ﻭﺭﻣّﻠﺖ أﺯﻭﺍﺝ ﺭﺟﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺍﻧﻬﺎﺭﺕ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺭﻛﺎﻡ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ؛ ﻓﻘﻂ ﻟﻐﻴﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺴﺣﺔ ﻓﻲ ﺗﺼﻮّﺭ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺬﻛﻮﺭﺍ.

 ﻛﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺭﺟﻞ ﺗﺤﻮّﻝ ﻣﺘﺠﺒﺮًا ﻋﺎﺗﻴًا ﻟﻐﻴﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺪﺭﻛﺔ ﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻷﻛﺒﺮ، ﻗﻠﺐ ﺗﺨﺮّﺏ ﻓﻄﻐﻰ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻳﻬﻠﻚُ ﺍﻟﺤﺮﺙ ﻭﺍﻟﻨﺴﻞ. ﺃﻻ ﻳﺘﺄﻣﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ؟ ﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺭﺩّ ﺍﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﻭﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭﻳﻦ ﻓﺘﺴﻜﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺗﻌﻮﺩ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﻟﻤﺴﺘﻘﺮﻫﺎ ﻭﻣﺴﺘﻮﺩﻋﻬﺎ.

ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﻧﺒﺘﻠﻴﻪ!

"ﺇِﻧَّﺎ ﺧَﻠَﻘْﻨَﺎ ﺍﻟْﺈِﻧﺴَﺎﻥَ ﻣِﻦ ﻧُّﻄْﻔَﺔٍ ﺃَﻣْﺸَﺎﺝٍ ﻧَّﺒْﺘَﻠِﻴﻪِ ﻓَﺠَﻌَﻠْﻨَﺎﻩُ ﺳَﻤِﻴﻌًﺎ ﺑَﺼِﻴﺮًﺍ ‏( ﺍلإﻧﺴﺎﻥ 2 ‏). ﻣﺎ ﺃﺭﻓﻌﻪ ﻣﻦ ﺧﻄﺎﺏ! ﻓﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺁﻣﺎﻝ ﻭﺁﻻﻡ، ﻓﻘﺪ ﺑﻴّﻦ ﺍﻟﻠﻪ أن ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺤﻄﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪ ﻭالاﺧﺘﺒﺎﺭ ﻭﺍلاﺑﺘﻼﺀ ﻳﺪﻟﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻟﺼﻮﺭ سعي ﻗﺎﺩﻣﺔ، ﻓﻤﺎ ﺍلأﺭﺽ ﺇﻻ ﺭﺣﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﺗﺘﻠﻮﻫﺎ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﻗﺎﺩﻣﺔ.

 ﻟﻘﺪ ﺍﺑﺘﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﺮّ ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﺒﺄﺱ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﺴﺨﻂ ﺃﻗﻮﺍﻡ ﻭﺻﺒﺮ ﺁﺧﺮﻭﻥ، ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻲ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﺴﻂ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺘﻪ ﺗﻤﻜﻴﻨًا ﻓﻜﻔﺮﻭﺍ ﺑﺄﻧﻌﻢِ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻋﺘﻮﺍ ﻋﺘﻮًّا ﻛﺒﻴﺮًﺍ. ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺣﺎﻓﻞ ﺑﻤﺸﺎﻫﺪ ﺩﻣﻮﻳﺔ ﻓﻈﻴﻌﺔ ﺳﻄﺮﺕ ﺃﺣﺮﻓﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻨﻪ ﺍﻟﺒﺎﺋﺲ ﻛﺤﻄﺎﻡ ﺧﺒﻴﺚ ﺍﻭ ﻛﻌﺒﺮﺓ ﻟﻠﻤﺘّﻌﻈﻴﻦ.

ﺃﻣﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﻴﺾ، ﻓﻴﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﻗﺪَّﺭﻭﺍ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺣﻖ ﻗﺪﺭِﻫﺎ ﻓأﻟﺠﻤﻮﻫﺎ ﻋﻦ ﻧﺰﻭﺍﺕ ﺍﻟﻔﺠﻮﺭ ﻭﺍلاﺳﺘﺒﺪﺍﺩ، ﻧﻌﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﻛﻮﺍ ﺃﻥ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ ﻳﻤﻬﺪ ﻟﻄﺮﻳﻖ ﻃﻮﻳﻞ أﻓﺴﺢ أفقًا ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺽ، ﻓﻮُﺿﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺃﺳﺮﺓ ﻓﺼﺒﺮﻭﺍ ﻭﺍﺣﺘﺴﺒﻮﺍ ﻭﻭﺟﺪﻭﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺎﺡ ﺍﻟﻮﻏﻰ ﺍﺑﺘﻼﺀ ﺿﺪ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ﻓﺠﺎﻫﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻖ ﺟﻫادﻩ، وخاضوا ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓأﻗﺎﻣﻮﺍ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻧﺒﺴﻄﺖ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ. ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺟﻠﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ -ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ- ﻭﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ، ﻓﻤﻦ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺯﻫﺪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻫﺪ ﺍﻟﻤﺼﺤﻮﺏ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﺯﻫﺪ ﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﻐﺸﻮش؟

 ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﻤﺤﺮﻛﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻠﺐ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻫﻮ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺃﻥ ﺳﻴﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺧﻄﻮﻫﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺑﺘﻼﺀ ﻛﻠﻪ ﺳﻮﺍﺀ أﺃﺻﻴﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺨﻴﺮ أو ﺃﺻﻴﺐ ﺑﺸﺮ، ﻓﻼ ﻳﻐﺘﺮ إﺫﺍ ﻓﺎﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻌﻤﺔ ﻭﻻ ﺗﺘﺂﻛﻞ ﺫﺍﺗﻪ ﺇﺫﺍ نزلتْ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺎﺯﻟﺔ ﻓﺘﻨﺴﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻧﺴﻔًا ﻭﺗﺤﺠﺒﻪ ﻋﻦ اﺳﺘﺌﻨﺎﻑ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮ ﻟﻠﻪ. 

ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺤﺮﺓ

ﺇِﻧَّﺎ ﻫَﺪَﻳْﻨَﺎﻩُ ﺍﻟﺴَّﺒِﻴﻞَ ﺇِﻣَّﺎ ﺷَﺎﻛِﺮًﺍ ﻭَﺇِﻣَّﺎ ﻛَﻔُﻮﺭًﺍ ‏(ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ 3‏). ﺇﻥ ﺍﻹﺧﺘﺒﺎﺭ ﻟﻴﺘﺤﻘﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺣﺮﺓ ﺗﺼﺤﺒﻪ؛ ﻓﻘﺪ أﻓﺴﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﻭﻗﺎﺑﻠﻴّﺔ ﻟﻠﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﺗﺤﻘﻖ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺘﻬﺎ ﻭﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ، ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﺑﺬﺭﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻘﺮّ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﺎﻹﻛﺮﺍﻩ ﻓﺄﺳﺎﺱ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻫﻮ ﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻻ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻹﺟﺒﺎﺭﻱ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ.

ﻓﻘﺪ ﻫﺪﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ، ﻭﺑﻴﻦ ﻟﻪ ﻣﺼﺎﺋﺮ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﻋﻮﺍﻗﺒﻬﺎ، ﻓﺈﻣﺎ ﺷﺎﻛﺮًا ﻭﺇﻣﺎ ﻛﻔﻮﺭًﺍ، إما مدركًا لأبعاد تلك الحقائق وإما قاصر نظر متخبط ضئيل في أفقه فلا يبصر حقيقة غير المادة ولا يرى حيّزًا للوجود البشري غير الأرض فيهلكه الصراع كئيب النفس مكلوم القلب أدمى قدميه السعي المنفك عن قيم السماء، ولو أبصر تلك الأبعاد لنبتت في قلبه بذور الحياة متفتحة بأفقها الفسيح الممتد.

وعليه، قضية الحرية هي أعظم قضية في البناء الإيماني الصحيح فليس هناك حجة أكثر من أن يهديك الله السبيل، ويوضح لك معالمه ويمنحك الحرية في المضيّ، والقدرة على السير الصحيح، غير أن هناك حقيقتان عظيمتان توضحهما الآيتان القادمتان، فبعد أن بين الله طابع الإنسان وبين أن حياته ابتلاء وهداه السبيل والطريق يبين بعد ذلك الجزاء والمصير.

رابعاً: مصائر الطريق

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (الإنسان 5). وعليه، الكافرون المعاندون المصرّون قد أعد الله لهم السلاسل والأغلال والسعير والعذاب، فهم تمحّصوا الحق ومنحوا الإرادة والقدرة على السير فيه فاختاروا الضلال والعناد. أما الأبرار الأتقياء الصابرين في الأرض جهادًا وتحملًا للبلاء ومصابرة في الطريق، فيشربون من كأس مزاجه الكافور فهم هانئون صوّر الله لهم كثير من المشاهد في القرآن، وهل من عدالة الله تعالى أن يجازى الكفر بأنعمه مثلما يجازى به الحامدون لها.