تقرؤون نص مداخلة "الفقه المقاصدي للتَعامل النبوي مع المخالف في الواقع المعاصر" قدمها د. ربيع حمو من المغرب عضو الأمانة العامة لمنتدى كوالالمبور في ملتقى ميلاد حضارة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الخميس 26 نوفمبر 2020. 

تُجمع الأمة على مركزية السيرة النبوية في حياتها، إعتباراً للمكانة التي بوأها الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم في مسار البشرية جمعاء، إذ لما كان آخر متلقي لكلمات الله عز وجل وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل، جعله الله تعالى في مقام الأسوة والقدوة والإعتبار فقال جل وعلا (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) [سورة الأحزاب الآية: 21].

لكن المثال المنهجي في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم يحتل أهمية كبرى لنتساءل كيف نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم؟

 إن أمتنا الإسلامية في مسيرتها قد اعتنت بالسيرة جمعاً وتوثيقا، بل وظهرت مناهج متعددة في توثيق السيرة النبوية، منها المغازي والسِيَر والشمائل، ولكن حتى يظل التأسي متواصلاً عبر الأجيال وجَب أن نؤسس لفِقه مقاصدي في زمننا الراهن يُحقق إدراكاً واعياً بالسيرة النبوية، ويُملكنا من أدوات استثمارها في هذا الواقع المتحرك المتجدد للأمة من أجل الاسترشاد به في مواجهة ما يحل بنا من تحديات معاصرة، لذلك ستتناول هذه المداخلة بشكل قاصد بعض الموجهات المنهجية في فهم السيرة النبوية والإقتداء بها، لا سيما في مجال التعامل مع الواقع المخالف.

بعيدًا عن التجزيء والتشظي.. تجديد فهمنا للسيرة في ضوء كُلياتها 

الملمح الأول الذي نقف عنده هو ضرورة تجديد فهمنا للسيرة النبوية وأحداثها في ضوء كُلياتها، لأنه في بعض الأحيان نتعامل مع نصوص الوحي أو مع أحكام الشريعة أو أحداث السيرة النبوية بصورة متشظية وجزئية، فلا تمتلك تلك الرؤية الكلية لحقيقة البعثة النبوية ومقاصدها، لذلك وجب فهم السيرة النبوية وأحداثها الجزئية في ضوء كلياتها والمقاصد الكبرى التي جاءت من أجلها.

من أهم مقاصد الرسالة المحمدية هو هداية البشرية إلى سبيل الرسل والخلاص للبشرية جمعاء منذ بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وهذا المقصد أبلغ وصف له هو وصف الله عز وجل للرسالة المحمدية بوصف جاء بصيغة حصرية عندما يقول ربنا تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [سورة الأنبياء الآية: 107]، ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في الحديث النبوي الشريف عندما يقول (إنما أنا رحمة مهداة) لذلك وجب علينا ونحن نتفاعل مع هذا الآخر المخالف لنا في الدين وفي الإعتقاد، أن نستحضر بأنه من أمة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو ليس من أمة الاستجابة وممن استجاب للدعوة المحمدية، ولكنه من أمة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه مخاطب بهذه الدعوة ومسؤولية تبليغ هداية الوحي ورحمة الإسلام تقع علينا.

 لذلك وجب علينا أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يغيب عنه هذا المقصد حتى في أشد مواطن الأذية تَتَمَلَكُهُ تلك الرحمة وتَتَمَلَكُهُ رسالة الدعوة أن يُبلغها للناس جميعا، وأن ينتشل الناس وأن يستنقذهم من سوء المآب، فبعد أذية أهل الطائف له صلى الله عليه وسلم نجده بعدما يمكنه جبريل فيقول له إن شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، فلا يرجو لهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم الزوال، بل يرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله سبحانه وتعالى، فهذا بعد استراتيجي في التصرف النبوي الذي يجب على المسلمين أن يتخذوه مرتكزاً وموجهاً في الموازنة في مختلف تصرفاتهم وتفاعلهم مع الآخر، لأننا عندما نتفاعل مع الآخر لا ننسى بأن خطابنا وتصرفنا لا يصل فقط إلى ذلك الجاحد وإلى ذلك المعادي، بل يصل إلى ذلك الآخر الذي ليس له ذلك الجحود وتلك المعاداة، وعندما لا نحسن التصرف فإذ ذاك قد نحرم الآخر من بلوغ الرسالة المحمدية والنور المحمدي.

إذاً قلت بأن الموجه الأول هو فهم السيرة النبوية في ضوء كلياتها ومقاصدها الكبرى، مقصد هداية العالمين فنحن قوم ابتعثنا الله لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد كما يصف ذلك ربعي بن عامر رضي الله عنه.

مراعاة المآل.. هل تجعل من الفعل المشروع مفسدة؟ 

الموجه الثاني الذي نستشفه من السيرة النبوية مراعاة المآل في التصرف مع المخالف، فالمُستقرئ لأحداث السيرة النبوية يجد أن تفاعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المخالف لم يكن تفاعلاً فقط، يحضر طبيعة الفعل من حيث اللحظية، أي أنها هذا الفعل مشروع سيقدم عليه، لكن يستحضر المآلات التي قد يؤول لها هذا الفعل، لأنه قد يكون مشروعاً، ولكن إذا كانت مآلاته تؤدي إلى مفاسد هنا وجب الإعراض عنه، وهذا من القرآن فيقول الله سبحانه وتعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) [سورة الأنعام الآية: 108].

 فهنا نستحضر رأس المنافقين وما كان يقوله عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العمرة بعد الرؤيا التي رآها، عندما يقول (لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل) عندما يكابر في زعزعة الصف الداخلي للأمة الإسلامية رأس المنافقين عبدالله بن أبي، فيبلُغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له (دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (دعه حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) هذه في رواية البخاري ونجد في رواية الإمام أحمد بن حنبل جاء فيها (معاذ الله أن تتسامع الأمم أن مُحمداً يقتل أصحابه).

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُقدم في محيطه وفي المدينة المنورة وفي دولة الإسلام يُراعي مآلات هذا التصرف، وإذا بلغ الأمم الأخرى كيف ستتفاعل معه؟ وما هو أثر ذلك عليه وعلى تبليغ الرسالة؟

فعلى الرغم من ضلوع المنافقين في زعزعة الصف الداخلي وإثارة الفتن في لحظة ومنعطف مفصلي في مسار الأمة الإسلامية، إلا أن الرحمة المحمدية وبعدها الاستراتيجي في التعامل مع ذلك التصرف الذي أرقى ما يمكن أن نصفه به في توصيف معاصر هو خيانة للوطن، ولكن نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار تعاملاً آخر يستحضر مآلات هذا الفعل وإن كان مشروعا، بينما إذا نظرنا إليه منعزلاً عن مآله فقد يكون من الطبيعي أن يُعاقب هذا الخائن لوطنه.

لكن نظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يُمكن أن يُنتجه هذا التصرف من تخوف لدى الآخر واستثمار المقرضين وحملتهم الدعائية التي قد تُرقي هذا الخائن إلى وصف الصاحب، أتريدون أن يقول الناس أن محمدا يقتل أصحابه، لذلك خالف الرسول صلى الله عليه وسلم رَأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل إنه لم يأذن لابن عبد الله بن أبي سلول بقتل أبيه الذي جاء يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فالمُوازنة بين مصلحة معاقبة خائن من جهة، ومفسدة سيؤول إليها هذا الفعل وهو نفور فئات من الناس والأمم من رسالة الإسلام، جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلك هذا المسلك.

ما أحوجنا في هذه اللحظات إلى تلك الموازنات المقاصدية في ضوء التحديات والأحداث المعاصرة، وأن نمتلك قدرة تعصمنا من الإنفعال وتعْصمنا من الاستفزاز من قبل الآخر، لاسيما في ظل الواقع الإعلامي الذي يُسلط الأضواء على الأفعال التي هي مدعاة للتشويه.

إذا استهزئ معسكر الباطل.. هل تنصرف الأمة عن مشروعها الحضاري؟ 

الموجه الثالث هو اليقين والترفع عن الاستفزاز الذي نستقيه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي اللحظات المفصلية التي تستقبل فيها الأمة فتحاً وانتصاراً ويتوسع إشعاع نور الرسالة المحمدية ماذا يفعل معسكر الباطل؟

لا يمتلك معسكر الباطل من أجل حجب هذه الهداية عن الخلق إلا أن يستهزئ ويستفز ويمكر وهذا الواقع الحالي، فيعمد إلى التشويه والإساءة والاستفزاز، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رمز الرسالة كانت الأذية متوجهة إليه بالأساس، وهذا الفعل من هذا الآخر المعادي والمعتدي ينبغي أن نفهم وأن ندرك مقاصده حتى لا نقع في شراكها، هذا الاستفزاز يقصد أمران:

  • وصرف الناس عن تلقي رسالة الإسلام وتوجيهه، قال تعالى: (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [سورة فصلت الآية: 26].
  • ليدفع أتباع الرسالة المحمدية إلى الانصراف عن مشروعهم الحضاري، وعوض الانشغال بمن هم في حاجة للبلاغ القرآني والنبوي، ننشغل بهؤلاء المستهزئين.

 لذلك وجدنا حتى الخطاب القرآني يقرر منهجاً متميزاً في التفاعل مع مثل هذه الأحداث، يقول ربنا جل وعلا موجهاً رسوله صلى الله عليه وسلم ولأمته بعده (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) [سورة الروم الآية: 60]، فالآخَر عندما يستخف بك فهو إذ ذاك يصرفك عن هديك فاصبر، نجد حتى الله تعالى عندما تحدث عن هؤلاء المستخفين إلى ماذا كان يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم؟ كان يوجهه إلى الفعل وإلى التوجه إلى عبادة الله عز وجل، إلى تبليغ الرسالة وعدم الانشغال بهؤلاء، وأيضاً يقول ربنا جل وعلا (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) [سورة الحجر الآية: 94]، وهنا يقرر القرآن الكريم الطبيعة البشرية وهذه كانت للرسول صلى الله عليه وسلم، وتكون لحملة دعوته من بعد ذلك وأنهم يضيق صدرهم بما يقولون ويحزنون لذلك، قال تعالى: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [سورة الحجر الآية: 97].

 إذا توجيه إلى العمل والدعوة والتبتل بين يدي الله عز وجل وتزكية النفس التي يحصل بها اليقين في الله عز وجل وفي نصر الله تعالى للمؤمنين ويتحصل بها ويَتأسس بها ذلك الحافز الأقوى الذي يدفع الى العمل ابتغاء ما عند الله عز وجل والآخرة خير وأبقى، ويدفع أيضا إلى استنفاق عالم الأسباب والتوكل على الله عز وجل، ليأتي النصر والتمكين بإذن الله عز وجل.

وقت الهزائم والمنعطفات.. ما هو الهم الشاغل؟ 

الموجه الرابع نجده عند التأمل ملامح أحداث السيرة ملمحاً مهماً جداً في التفاعل مع هذا الآخر المخالف والمعادي وفي مواجهته، دائماً عندما نمر بهذه المنعطفات يجب مراجعة الذات وتقويم المسار، بعض الأحيان تطغى ردود الفعل تجاه واقع معين وتُجاه أحداث معينة وانْهزامات معينة، لأنه في كثير من الأحيان وفي مراحل الامتحان العصيبة التي تمر بالإنسان، كثيراً ما تتوجه الذات الى انتقاد الآخر وفعله، بينما وجدنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم انشغالاً بما يقع تحته أمر الله التكليفي أي بما كلف الله عز وجل به هذا الإنسان المؤمن.

فها هو المصطفى عليه الصلاة والسلام في مناجاته لله عز وجل بعد موقف عصيب، خرج فيه لتبليغ الدعوة إلى الطائف يُسلطون عليه صبيانهم وسفَهائهم بعد ما أفاق من غيبوبته نتيجة إيذائهم له قال (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي)، وهذا هو الشاهد عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان همه الشاغل أن لا يغْضب الله عز وجل عليه، وأن يكون قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة، كذلك يجب أن يكون هم من يحمل هذه الرسالة المحمدية ليبلغها، أن يقوم مساره وأن ينشغل بفعله وأن يقوم أداؤه وخطته واستراتيجيته، وهذه سنة الربانيين من أتباع الأنبياء والرسل جميعاً، ففي لحظات الابتلاء يراجعون ذاتهم، وذلك ما يمكنهم من تصحيح المسار واتخاذ أنجع السبل من أجل أن تبلغ دعوتهم غايتها.

ولنستحضر ما جاء في سورة آل عمران عندما يحكي لنا الله عز وجل ما كان يحل بأتباع الأنبياء وما كان تفاعلهم مع تلك الأذيات التي كانوا يتلقونها يقول ربنا جل وعلا (وكأين من نبي قُتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في عاقبة أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) [سورة آل عمران الآية: 146]، لذلك نجد أن الله تبارك وتعالى بعد أحد وجه المؤمنين الذين استغربوا ما حل بهم من هزيمة وهم مسلمون وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبههم أن ذلك من عند أنفسهم، قال تعالى (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة آل عمران الآية: 165]، إذا يجب على أتباع الهدي المحمدي أن يحرصوا دوماً على تقويم المسار والافتقار إلى الله تعالى في ساعات الشدة واتخاذ القرار.

حتى لا نتدحرج في سلم الأخلاق! 

الملمح الخامس والأخير هو الحرص على التمايز الأخلاقي مع المخالفين، فالرسالة المحمدية هي رسالة أخلاقية، حتى أنه لا يخلو حكم منها ولا توجيه من تأسيس لخلق ما، لقد حصر المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا البعد الأخلاقي عندما قال بصيغة الحصر (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) وفي رواية (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)، لذلك نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائم الحرص في التعامل مع المخالف على ذلك التمايز الأخلاقي، ونجده كذلك في حربه وسلمه، في حواره وتبليغه، في تمكينه وحال استضْعافه، وهذا المسلك هو الذي حول عدو الدعوة إلى ناصرها، والمبغض إلى حامد ونصير، والشواهد كثيرة. 

ولنَستحضر التمايز الأخلاقي الذي تجسد في حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فكانت الثمرة فتح باب مكة آمنة ليحج إليها المسلمون في السنة المقبلة، فيرى منهم أهل مكة تعبدهم ويَتأثروا بذلك، بل ذلك ما سيؤثر في التعامل في ذوي المروءات من أهل قريش فيَهتدو للإسلام، ومنهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص الذين أسلموا في هذه المرحلة بهذا التأثير القيمي والأخلاقي للرسالة المحمدية.

 إننا بحاجة إلى إقامة هذا التمايز الأخلاقي في واقعنا مع الآخر، حتى لا نصد أبواب الدعوة في وجه أهل الإنصاف وممن وقعوا في شراك دعاية التضليل، أما السقوط الأخلاقي في التعامل مع المسيء ورد السيئة بمثلها يجعلنا نتدحرج في سلم الأخلاق بل نكاد بالآخر نستوي.

أختم بمجموعة من التوصيات بعد أن أقول أن الفقه المقاصدي للمنهج النبوي في التعامل مع المخالف، يجعلنا نكثف الجهود في بناء الأمة وفعلها الحضاري لتكون مشعة، وأن نستحضر بأن حضور أتباع رسالة الإسلام أصبح يغطي الأرض كلها، وإن كان من واجبنا أن نفكر في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته في أوطان الإسلام، والتفكير أيضاً فيما يخدم إنتشار الرسالة في دار الدعوة، أي في الغرب حيث غير المسلمين هم الأغلبية والذين هم في أمس الحاجة إلى هدي الإسلام، بعد التردي الأخلاقي الذي وقعت فيه البشرية فمَسخ الإنسان، وفصلها عن فطرتها، وهذه العناية والإطلاع في هذه المهمات تقتضي العناية بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتجديد في فهمها وفي منهج تأليفها وفي منهج تربية الأمة ونشأتها.

مشاريع "التأسي" الاستراتيجية.. بهذا نستجيب لتحدياتنا المعاصرة  

  من المشاريع الاستراتيجية التي يجب العمل عليها إعادة صياغة السيرة صياغة بما يستجيب لتحَدياتنا المعاصرة من أجل أن نتبين مواطن الاقتداء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع يجب:

  •  إقامة برامج تدريبية لمختلف الفئات والأعمار تقوم على مبدأ حل المشكلات الحياتية، مثل التي في الأسرة، وفي العمل، وفي الفعل الإجتماعي والسياسي، إنطلاقاً من أحداث السيرة ومن التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم.
  • إقامة برامج تعليمية وتدريبية لتعريف البشرية جمعاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نتفاعل إيجاباً مع استشكالات الآخر، وأن نحَاوره وأن نتَقبله، وأن تتسع لهم صدورنا، وكلنا يشهد كيف أن الوحي والقرآن وَسِعَ رأياً مخالف، بل أعداء الله وأعداء البشرية ممثلة في إبليس نقل القرآن قوله. 
  • أن نغرس التربية النبوية في أجيال المسلمين من أجل الإشعاع بنور هذه الرسالة، فحَاملوا هذه الرسالة الربانية عليهم أن يتسلحوا بالعلم وبالَمعرفة، وأن ينفذوا مختلف أدوات الفعل الحضاري، ولكن عليهم بداية أن يكونوا نماذج متمثلة لذلك الهَدي، فأهم مصادر إشعَاعنا الحضاري هو الخروج من محاريب التبتل والدعاء كما خرج سيدنا زكريا على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا.

 ولنَستحضر التوجيه الرباني لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المواطن عندما قال له تعالى (ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [سورة الحجر الآية: 97].