السياسة الصحية الحالية في دولنا للحد من انتشار وباء كورونا محل شك كبير، فهي لا تغطي الجانب الأخلاقي المرتبط بالمعلومات الخاصة في حصر جميع الحالات المصابة المسجلة والغير المسجلة بالفيروس ولا يتم نقل الحقائق كاملة للرأي العام، حيث يتم الإخفاء والتستر على أغلبية الحالات الحقيقية المصابة الأمر الذي يُزَيِّفُ الواقع الحقيقي لانتشار الوباء كورونا في المجتمعات ويُزَيّف الوعي الجمعي؛ فينتشر المرض بصورة واسعة مستقبلاً.
هذا الأمر يجعل قيمة المصداقية كقيمة أخلاقية مشتركة في خطر. ولكن الحكومات (اَلْمُشَرِّعُونَ والسياسيون) لا تهتم بالجانب الأخلاقي إلا ما رحم ربي، وتخشى فقدان رصيدها السياسي من المناصرين لها في الميدان، ولا تريد إظهار عجزها البشري والمادي في مواجهة أي كوارث وأزمات لكي لا يلعنها الرأي العام، ولا تريد أن يكون العقل الجمعي للمجتمع مبني على معلومات حقيقية لأن هذا يتنافى مع مصلحة الحكومة في البقاء في الكرسي.
لهذه الأسباب مجتمعة يتم التستر على البيانات الحقيقية للوفيات والإصابات بفيروس كورونا في دولنا الرشيدة (أقصد غير الرشيدة). وهذا يجعل الفيروس ينتشر بصورة واسعة في المستقبل القريب لأن الناس سيعتقدون حينها متوهمين أن معدل الإصابات قليل جداً وبالتالي لا مشكلة في كسر الإجراءات الوقائية ولا مشكلة في التفاعل والتواصل مع الآخرين. فالسؤال الموضوعي هو:
هل معدلات الإصابة والوفيات الحالية بكورونا في دول الشرق الأوسط ذات مصداقية؟
الأغلبية الكبرى من الناس (مثقفين، أرباب أسر، كتاب، إعلاميين، باحثين وأطباء وغيرهم) يعتقدون أن البيانات التي تصدرها وزارات الصحة ومنظمة الصحة العالمية المتصلة بالحالات المصابة بكورونا شفافة ودقيقة، فيقوموا بمشاركتها مع بعضهم ونشرها في المواقع الإلكترونية واتخاذها مصدراً موثوقاً للمعلومات للحكم بها على حقيقة الوباء؛ ما يعني أنهم صدقوها دون أي مساءلة نقدية لصحة ودقة المعلومة؛ ثم يحاولون نصح الناس بأن يأخذوا ويستقوا معلوماتهم المتصلة بالجائحة الكورونية من وزارات الصحة الحكومية الرسمية زاعمين أنها صحيحة وذات مصداقية.
نحن نقول إن معدل الإصابات والوفيات جراء فيروس كورونا في دولنا (التي فيها المسلمون أغلبية) غير دقيق وغير شفاف حسب ما توصلنا إليه في الآونة الأخيرة. فالنقطة الأولى هي أن مواطني هذه الدول: أولا يفتقرون إلى المعرفة بالثقافة الصحية وليس المقصود ثقافة الوقاية؛ ثانيا يفتقرون إلى الجدية في الالتزام بإجراءات الوقاية الصحية الرسمية. بينما تفتقر بنية هذه الدول إلى:
- أولاً: مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة في مكافحة الجوائح والأمراض.
- ثانياً: تفتقر إلى الكادر البشري المؤهل للتعامل مع الأزمات الصحية مثل وباء كورونا.
- ثالثاً: تفتقر إلى الموارد المالية الخاصة بتمويل القطاع الصحي.
- رابعاً: تفتقر إلى التكنولوجيا الطبية الحديثة لاكتشاف ومكافحة انتشار الجوائح. هذا ما يؤكد فرضية أن المعدلات المعروضة علي الشاشات غير دقيقة وغير ذات مصداقية.
النقطة الثانية أن معدلات الإصابات والوفيات بالمرض في دول الشرق الأوسط التي فيها المسلمين أغلبية المقارنة مع نظيرتها في دول الاتحاد الأوروبي ضعيفة جدا الأمر الذي يؤكد فرضية أن هذه المعدلات غير دقيقة وغير ذات مصداقية.
فمعدل الإصابات في الشرق الأوسط (21 دولة) هي 81.993 ألف إصابة وموزعة كالتالي (إيران 62589، باكستان 4072، السعودية 2795، قطر 2057، مصر 1450، البحرين 811، العراق 1122، لبنان 548، الإمارات 333، المغرب 1184، الكويت 743، تونس 623، الأردن 353، عمان 419، أفغانستان 423، جيبوتي 121، سوريا 19، السودان 14، الصومال 8، ليبيا 20، فلسطين 263).(مصدر النسب: تقرير موقف كورونا-منظمة الصحة العالمية-الموقع الإلكتروني-نشر يوم 8/4/2020).
من الناحية الأخرى، معدل الإصابات في 61 دولة أوروبية هو 720.219 ألف إصابة (يمكن النظر إلى أرقام الإصابات الأوروبية في موقع المنظمة في للينك أسفل المقال)، ونود أن نوضح للسادة القراء أن معدلات الإصابة في دول الشرق الأوسط في زيادة ولكن هذا لا يعني أن المعلومات الحكومية المتصلة الواقع الحقيقي للجائحة الكورونية صحيحة وشفافة (ذات مصداقية) وأن نشتري ونثق بما ينتشر في الوسائط والأعلام.
فالسؤال النقدي الأخلاقي هو: كيف يكون معدل الإصابات في 61 دولة أوروبية بهذا المعدل الكبير ( 720.219 ألف) بينما نظيراتها في دول الشرق الأوسط 21 دولة فقط تكون بهذا المعدل الضعيف (81.993 ألف) حيث أن هذه الدول (تفتقر إلى الثقافة الصحية لدى مواطنيها، تفتقر إلى الجدية لدى مواطنيها في الامتثال لإجراءات الوقاية من المرض، تفتقر للتكنولوجيا الطبية لإصحاح البيئة ومكافحة انتشار الجوائح، تفتقر إلى الموارد المالية الخاصة بتمويل القطاع الصحي، تفتقر إلى مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة في مكافحة الجوائح والأمراض)؟ وهل يعقل أن تكون الإصابات في السودان مثلا 14 فقط وفي سوريا 19 فقط وفي ليبيا 20 والصومال 8 فقط؟
وبالنظرة التأملية في معدلات الإصابة والوفيات التي عرضناها بالأعلى الضعيفة جدا في دول الشرق الأوسط مقارنةً مع نظيراتها في الدول الأوروبية وأمريكا، يتضح أن البيانات الحكومية التي تصدرها وزارات الصحة في هذه الدول عن معدلات الحالات المصابة والوفيات غير دقيق ويفتقر إلى المصداقية في حصر وكشف ونقل كل الحالات المصابة المسجلة عن المرض وتمليكها للرأي العام، الأمر الذي يشير إلى أنها تخفي البيانات الحقيقية للوفيات والإصابات في دولها.
وهذا ما يؤكده تصريح المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أحمد بن سالم المنظري العماني في مؤتمره الصحفي الأخير فيما ما معناه:"هناك عدم شفافية في تغطية الحالات الحقيقية المصابة المسجلة بمرض كوفيد 19، وأن هناك بعض الدول لا تزود منظمة الصحة العالمية بالمعلومات الكافية عن الحالات المسجلة والغير المسجلة المصابة بالمرض". فتصريح المدير الإقليمي يشير إلى أن البيانات التي تصدرها دولنا ومنظماتنا غير شفافة في حصر وكشف ونقل الحالات الحقيقية المصابة المسجلة بمرض كوفيد 19 ولم يتم إظهارها للرأي العام.
وهذا عندنا مؤشر خطير على انتهاك أحد القيم الأخلاقية في التعامل مع الأزمات والمصائب العامة المتمثل في انتهاك مبدأ شفافية المعلومات وتمليكها للرأي العام كما هي في الواقع أي مبدأ المصداقية من المنظور الإسلامي اَلْقُرْآنِيّ.
ويلمح بأن معدل الإصابات الحقيقي في دول الشرق الأوسط أكبر بكثير مما يتم إعلانه في المؤتمرات الصحفية الكاذبة عبر ومرارات الصحة المزعومة والمنابر المساندة لها، ولكنهم يتسترون على الواقع الحقيقي للإصابات المسجلة والغير المسجلة كما يتستر المجرم على جريمته بعد طمس الأدلة، فيعتقد أنه نجح في إخفائها تماماً.
ولكن لماذا تخفي الدول البيانات الحقيقية للوفيات والإصابات بفيروس كورونا عن الرأي العام؟
الدول لا تريد فقدان رصيدها السياسي من المناصرين لها في الميدان، ولا تريد إظهار عجزها البشري والمادي في مواجهة أي كوارث وأزمات لكي لا يلعنها الرأي العام، ولا تريد أن يكون العقل الجمعي للمجتمع مبني على معلومات حقيقية لأن هذا يتنافى مع مصلحة الحكومة في البقاء في الكرسي. لهذه الأسباب مجتمعة يتم التستر على البيانات الحقيقة للوفيات والإصابات بمرض كوفيد في دولنا الرشيدة (أقصد غير الرشيدة). وهذا يجعل الفايروس ينتشر بصورة واسعة في المستقبل القريب لأن الناس سيعتقدون حينها متوهمين أن معدل الإصابات قليل جداً وبالتالي لا مشكلة في كسر الإجراءات الوقائية ولا مشكلة في التفاعل والتواصل مع الآخرين.
فعدم الشفافية (عدم المصداقية) وعدم تمليك الرأي العام (المواطنين) المعلومات الحقيقية أثناء الأزمات له آثَار سلبية مدمرة على المجتمعات، خاصة تلك المعلومات المتصلة بالحالات المصابة المسجلة وغير المسجلة (مثل جائحة كورونا).
من هذه الآثار أنها ستجعل المواطنين يواصلون ويستمرون في مباشرة اللقاءات والمقابلات الاجتماعية والأسرية بصورة اعتيادية سواء في الشوارع أو في البيوت (وهذا موجود حالياً في دول الشرق الأوسط)؛ الشيء الذي يجعل الناس المصابين بفيروس كورونا ينقلون العدوى للآخرين دون معرفتهم بها فينتشر المرض في كل أرجاء المجتمع والدولة.
ثانياً، سيجعل المواطنون يستسهلون حقيقية تفشي المرض في دولتهم (وهم يستسهلونها حالياً بصناعة نكات ترفيهية هزلية)، فيتصورون أنه لا بأس من كسر إجراءات الوقاية من عدم المصافحة وغيرها، ما يجعل فايروس ينتشر انتشارا واسعاً في المجتمع بسبب عدم الشفافية. فهذه المجتمعات ينعدم فيها (الثقافة الصحية المواطنون، التكنولوجيا الطبية المتطورة في مكافحة الأوبئة، مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة لمكافحة الأوبئة، الموارد المالية، جدية التزام المواطنين بإجراءات الوقاية، الكادر البشري المؤهل)؛ الشيء الذي سيساهم في انتشار الوباء بصورة واسعة في حال استمرار عدم الشفافية في حصر جميع الحالات المصابة بالمرض كما هي في الواقع وكاملة (وليس إخفاء بعضها) ثم تعميمها ونقلها للرأي العام (المواطنون) بصورة شفافة.
فالناس عندما يعرفون يقيناً أن هذا الأمر خطير وجاد ويهدد حياتهم وبقاءهم جميعاً، سيقومون بالالتزام بالإجراءات الوقائية والأخلاق الخاصة بها المتعلقة بالتعامل مع الحالات المصابة المسجلة وغير المسجلة.
لهذا يتحتم على المواطنين بكل مرجعياتهم وخاصة المسلمين منهم أن يهتموا بالبعد الأخلاقي في السياسات الحكومية عموماً (الصحية خصوصاً أثناء الأزمات والمصائب العالمية) ويسألوا مدى صحة ودقة ووثوقية وكمالية المعلومات المتصلة بالجائحة الكورونية.
من هذا النقاش أعلاه، يتضح جلياً أن التعامل مع الأزمات في مجتمعاتنا يعاني من أزمة أخلاقية كبيرة الأمر الذي يحتم على العقل الجمعي أن يبقى نقديا في التفكير وبحثيا في التعامل مع المفاهيم والنظريات الجاهزة وفلسفيا في النظرة الكلية. فما هي القيم الأخلاقية الإسلامية (القرآنية خاصة) في التعامل مع الأزمات (كورونا مثالاً)؟