تعد الأخلاق من أهم أركان الوجود الاجتماعي باعتبارها نظاما حيويا يؤطر الحياة الإنسانية، إذ بها تقوم أسس المجتمعات على اختلاف أفكارها واتجاهاتها، فهي الدرع الواقي وصمام الأمان لكل المسببات التي من شأنها أن تجعل المجتمعات على شفا جرف هارٍ، كما صنفت أيضا أنها معيار الحكم على المجتمعات، وميزان انضباطها، فهي مرآة المجتمع وصورته التي تبعث للعالم بأسره لتصير عَلَماً عليه ومنها يشق اسم المجتمع ورسمه؛ ومنه وجب الاعتناء بعملية تخليق الأفراد والمجتمعات، فهي عملية ليس بالهينة كما يظن البعض وخاصة في ظل هذا الزخم من المتغيرات والمستجدات على صعيد كل المجالات.

وكما يجب العلم أن ممارسة عملية تخليق الحياة قد باتت صعبة للغاية على الأفراد، لذلك يجب أن يصرف الخطاب للمؤسسات المجتمعية للمساهمة ٍلتُسهم بشكل فعال في هذه العملية لما لها من مكانة في المجتمع وباعتبارها مرجعا خصبا لعدد الفئات؛ مما ينعقد معه التساؤل الآتي: ما الأخلاق وأين تتجلى آثارها؟ وكيف يمكن لأهم مؤسسات المجتمع أن تباشر دورها في عملية التخليق المجتمعي؟ 

أولا: ماهية الأخلاق وموضوعها وآثارها

يعد مصطلح الأخلاق من المفاهيم التي لها مركزيتها في التداول المعرفي قديما وحديثا، الشيء الذي جعله أكثر جريانا على الألسنة لما لها من إنارة واستنارة في المجال الإنساني والتربوي والإصلاحي، مما يوحي لأهمية ما انطوت عليه هاته الكلمة من معانٍ سامية، ومضامين راقية جعلها تتقاطع وتتفاعل مع عدد من المفاهيم الأخرى كالضمير، والواجب...إلخ، الشيء الذي جعل مفهوم الأخلاق يتسع ليتمثل في أن: "الأخلاق هي منظومة من القيم والمعايير السلوكية التي يرتضيها المجتمع لنفسه وأفراده نُشْدَاناً لفضائل الحق والخير والجمال، وهي من حيث وظيفتها توجه الأفراد إلى ما يجب عليهم القيام به وتنهى عما يجب تجنبه في مختلف مواقف الحياة الإنسانية". (1)

إذا الأخلاق بوصلة السلوك الإنساني ومعيار موجه لرغباته وميولاته، ذلك أن الجنس البشري إذا خُليَّ بينه وبين نزواته وغرائزه، خلف دمارا شاملا للصرح القيمي الأخلاقي الذي بذل الأولون جهداً جهيداً في تشييده، ومنه لا تقوم للمجتمعات قائمة دون الأخلاق، لأن تخليق المجتمعات صار مطلبا علميا، ومبتغى حضارياً، وعاملا فيصليا لدى الأمم والشعوب لاستئناف سيرها الحضاري والاستخلافي.

ويستفاد مما ذكرنا أن الأخلاق موضوعها أعمال الناس وما صدر منهم،"وما يتصل بعملهم ونشاطاتهم وما يتعلق بربهم، وعلاقتهم بأنفسهم، وعلاقتهم مع غيرهم من بني جنسهم، وما يحيط بهم من حيوان وجماد". (2) فتكون هي بمثابة الحاكم على هذه الأعمال بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، بحيث يبرز لنا صراع أبدي يتجاذب أعمال الناس، حيث الأخلاق تكون كاشفا سباقا للنأي بالنفس عن هذا الصراع، "فالأخلاق أيا كان مصدرها، أرضيا أم سماويا، نفسيا أم سوسيولوجيا، دينيا أم وضعيا، وجوديا أم براغماتيا، غربيا أم شرقيا، قديما أم حديثا، هي انتصار للفضيلة واندحار لقوى الشر والطغيان والرذيلة" (3). إذا الأخلاق عملية إخراج النفس الإنسانية من دائرة المصالح الضيقة إلى فلك المصالح المجتمعية المنضبطة بالضمير والواجب والقيم.

ومن هذه الصورة عن الأخلاق وموضوعها تتمخض لنا أهمية الأخلاق وآثارها على الفرد والمجتمع في نسق متكامل يشد بعضه بعضا، إذ من دونها ينهار بناء الفرد ويتصدع الصرح الأخلاقي للمجتمع، ومن هذه الآثار التي تجعل الفرد والمجتمع على مستوى قيمي أخلاقي رفيع في المجتمع الإنساني، ما يلي:

 الأخلاق في حياة الفرد:

  • الأخلاق تسهم في إنتاج أفراد يتسمون بالسلوكيات والصفات الجيّدة مثل المثابرة على العمل والتميز، والنجاح بعيداً عن الصفات السلبية وغير الجيدة. 
  • الأخلاق تهيئ للأفراد اختيارات معينة تحدد السلوك الصادر عنهم، وبمعنى آخر شكل الاستجابات، وبالتالي تؤدي  القيم دورا هاما في تكوين الشخصية الفردية ورسم أهم معالمها وفق معيار صحيح.
  • الأخلاق تثير في نفوس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتـهيج معها دوافع الاتباع والتنافس المحمود، فيتولد لديهم حوافز قوية لأن يتمثلوا أخلاقها السامية وقيمها الراقية.
  • الأخلاق تعطي للفرد إمكانية أداء ما هو مطلوب منه، وتمنحه القدرة على التكيف والتوافق الإيجابيين، وتحقق الرضا عن النفس للتجاوب مع الجماعة في مبادئها وعقائدها.
  • الأخلاق تحقق للفرد الإحساس بالأمان، فهو يستعين بها في مواجهة ضعف النفس وتحديات الحياة.
  • الأخلاق درع متين يحمي الفرد من الشهوات الزائفة وغرائزها.
  • الأخلاق حماية ووقاية للفرد من الانحراف والانجراف وراء الشبهات.
  • الأخلاق تساهم في تغيير سلوك الفرد من السلبي إلى الإيجابي.

الأخلاق في حياة المجتمع: 

كما أن للأخلاق دورا مهما في حياة الأفراد، فلها أيضا دور أهم في حياة الأمم والشعوب، ولا ريب أن المجتمع الإنساني مجتمع تحكمه معايير في تعامله وعلاقاته مع الآخرين، بحيث تشكل هذه المعايير مجموعة من الأخلاق المتضمنة للقيم وأقوال وأفعال ومواقف وقرارات، والتي تظهر أهميتها من خلال:

  • أن الأخلاق تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه بتحديد الاختيارات الصحيحة والسليمة التي تسهل على الناس حياتهـــــــــم.

- الأخلاق تحفظ للمجتمع بقاءه واستمراريته وتماسكه فتحدد له الأهداف ومثله الأعلى ومبادئه الثابتة والمستمرة.

- الأخلاق تربط أجزاء الثقافة المتناثرة ببعضها البعض حتى تبدو متناسقة، كما تحفظ للمجتمع هويته وتميزه.

- الأخلاق تسهم في بناء مجتمع متماسك وقوي يستطيع مواجهة التهديدات الخارجية.

-  الأخلاق تعمل على إعطاء النظم الاجتماعية أساسا إيمانيا وعقليا يصعب زعزعته أو اقتلاعه.

-  الأخلاق تقي المجتمع من الأنانيات المفرطة والنزاعات والأهواء والشهوات الطائشة التي تضرب في عمق وحدته.

ثانيا: المقاربة المؤسساتية لتخليق الحياة العامة

لا شك أن الأخلاق في المشهد الاجتماعي الراهن تشهد نزيفا حادا على مستويات عدة ومنعطفا صعبا، خصوصا في خضم هذا الكم الهائل من المتغيرات والتحولات التي تُفَجِر معها جماً من المغريات اللامتناهية، الشيء الذي يبرز مجددا أهمية الاعتناء بتخليق الحياة، لكن بمسالك وآليات جديدة حيث أضحى تنزيل عملية تخليق المجتمعات من لدن الأفراد أمرا صعبا للغاية، الأمر الذي جعل القضية ملقاةً على عاتق أهم المؤسسات المجتمعية، وأخذ الأمر على محمل الجد تُجاه  كل ما من شأنه أن ينخر جسد مجتمعنا أخلاقيا.

ولا يتأتى هذا الأمر لهذه المؤسسات المجتمعية إلا من خلال مقاربة متكاملة الأركان ممتدة الأفق بعد ترشيح أهم المؤسسات التي لها وقع على بناء الأفراد والمجتمعات بغية تخليق الحياة العامة، وذلك من خلال وضع حلول استراتيجية تنظيرا وتنزيلا عن طريق مؤسسات عريقة في المجتمعات والمتمثلة في: مؤسسة الأسرة، مؤسسة المسجد، مؤسسة التربية والتعليم: (المدرسة والجامعة)

مقاربة الأسرة في تخليق الحياة العامة

لا نبالغ إذا قلنا أن الأسرة أول مؤسسة اجتماعية في تاريخ الإنسان، وهي عبارة عن رابطة اجتماعية تخضع في تكوينها للدوافع الطبيعية، والاستعدادات الفطرية، والقدرات الكامنة في الطبيعة البشرية النازعة إلى الاجتماع، في ضوء التعاليم منضبطة، وبما لا يتعارض مع ظروف الحياة الاجتماعية، ولا يقتصر دور الأسرة كما هو الحال عند العديد على تلبية متطلبات وإشباع النفس غريزيا والحاجة البيولوجية، بل هي أكبر من ذلك فهي دعامة مجتمعية سامية المقام قادرة على المساهمة وبشكل فعال في تخليق الحياة العامة من خلال وظائفها المنوطة بها، والمتمثلة في معان متداخلة فيما بينها: الحفاظ والتلقين والضبط والمراقبة بحيث:

  • يجب على الأسر الحفاظ على الموروث الأخلاقي فهي حلقة الوصل بين أفرادها وبين الموروث الأخلاقي باعتباره لبنة من لبنات بناء المجتمع الأخلاقي، فهي ليست دعامة قاصرة على استمرار النوع البشري فحسب بل هي مؤتمنة على استمرار الأخلاق الفاضلة التي شَيَّدَ بها الأولون صرحا قِيمِياً مُتَرَاصاً، والتي من دورها أن تسهم في تخليق الحياة. مع انضباط الأسرة وتحليها بروح المسؤولية تجاه أفرادها من خلال التربية على الرقابة الذاتية، والتي تتجاوز الرقابة الإجبارية التقليدية، وخصوصا لما للرقابة الذاتية من أثر بالغ على الأفراد والمجتمعات في التزام الأخلاق.
  • ومما يكون طريقا سهلا للأسرة هو تعويد أبنائها على استثمار الجانب الروحي لديهم، والذي لا يتم إلا بتقوية صلة الأبناء بالله وبكل ما من شأن أن يقوم أخلاقهم، ويرقى بها في سلم التخليق، كما يجب اعتماد مبدأ القدوة الحسنة في التربية، فهو من أهم أساليب وآليات تخليق الأفراد، وذلك بأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأطفالهم وبقية أفراد الأسرة، وخصوصا أن الناشئة في الأسرة يكتسبون جل تربيتهم عن طريق التقليد والمحاكاة لكل السلوكيات والتصرفات التي تبصرها أعينهم.
  • كما يجب على الأسرة متابعة أفرادها أخلاقيا، كما تتابعها دراسيا وصحيا...إلخ، خاصة في زخم هذه التغيرات والمنعطفات التي يجب على المجتمعات تَخَطّيها دون أدنى خسائر معنوية، المتمثلة في اعوجاج التربية والأخلاق، كما تشرف الأسرة على اختيار الصحبة لأبنائهم بناء على معايير أخلاقية وليست مادية، سواء داخل أسوار الأسرة أو  خارجها. كما يجب التأكيد على هاته الأسر تنمية جسر التواصل مع مؤسسات المحيط الخارجي وعدم إغفال هذا الأمر، إذ الأسرة  لوحدها لا تكفي، بل لابد من التعاون للمساهمة في  تخليق الأفراد والمجتمعات. مع شيء من المراقبة والمعاينة  أو الأحرى المتابعة بغية حماية أفرادها من كل دخيل يهدد سلامة أخلاقهم أو  يضعف أركانها.  
  • كما يمكن تخصيص ندوات للمرأة سواء الأم أو غيرها. يحاضر فيها العديد من المختصين لتوعيتها بأهمية التربية على الأخلاق، وكيف لها أن تغرس مبكرا في أوقات معينة، وبضوابط معينة.

ومن خلال أداء وظيفة الحفاظ والتلقين، مع الضبط والمراقبة تكون الأسرة أمام منطلقات لمقاربة تكاملية داخليا بين أفردها وخارجيا مع ما يحيط بها من مكونات المجتمع. لتحتل مركزها الريادي في تخليق الحياة العامة مما يعود عليها بالرقي المجتمعي وتجاوز دورها النمطي المقصور على السعي الأبدي لتوفير الراحة ابتداء، والترف انتهاء وغيره من الأمور المادية.

مقاربة المسجد في تخليق الحياة العامة

إن مكانة المسجد في المجتمع الإسلامي أوضح بكثير من أن يشار إليها بحديث مثل ما نعرض له، وما سنتطرق له هو من باب معرفة أثره ولو كان جزءا بسيطا جدا في تخليق الحياة العامة عن طريق تلقين الأخلاق لمكوناتها، مع حمايتها من كل ما غايته أن يحط من أخلاقها، وما أقصد بالمسجد هنا ليس قاصرا على المكان المخصص للآذان وإقامة الصلوات الخمس. لكن أتحدث عن المسجد نواة المجتمعات، وأهم ركائزه الثابتة على مر العصور، حيث لا يقتصر دوره على أداء الشعائر التعبدية المحضة فقط كالصلاة والذكر والدعاء، بل يمكنه أيضا وأؤكد المشاركة الفعالة في تخليق الحياة العامة.

 كـيف ذلــك؟ 

يعتبر المسجد أحد المؤسسات الأخلاقية التربوية ذات الأثر المباشر على حياة الفرد وسلوكياته ومعاملته مع غيره من أفراد المجتمع حوله، فالمسجد جامع وجامعة في ذاته، لأنه يمثل منبرا مقدساً عند المسلمين قاطبة وغيرهم، وهو بحق أفضل مكان، وأطهر بقعة وأرقى بيت يمكن أن تتم فيهالتربية والتزكية،  لِيُكَوِّن فرداً صالحاً في ذاته، ومصلحا مجتمعه بفضل ما تخلق به. وعليه يمكن للمسجد بهذا الاعتبار مركزيته أن يؤدي دوره في تخليق الحياة العامة من خلال:

  • الخطب الدينية والدروس العلمية والمحاضرات العلمية التي تلقى من لدن العلماء والفقهاء داخل أسوار المسجد، وكذلك من خلال بلورة  ندوات لمناقشة القضايا ذات الصلة بضعف الأخلاق وآثارها السلبية، بغية معرفة الأسباب الكامنة وراءها مع محاولة معالجتها وتقويمها ما استطاعت لذلك سبيلا.
  •  وكذلك من خلال الدور التعليمي التربوي الذي يتمثل في غرس القيم الإسلامية الصحيحة في نفوس الأفراد، بحيث تنأ هذه القيم بمجتمعاتنا عن الثقافات الدخيلة التي من آثارها السلبية الانحراف والتمييع. كما يجب  إقامة الحلقات العلمية والمعرفية  قصد إشراك جل فئات المجتمع وذلك عن طريق دعوتهم وتحفيزهم وتشجيعهم والاحتفاء بهم. 
  •  كما يمكن  للمسجد الانفتاح على محيطه الخارجي وخصوصا المحيط الأسري والتربوي كالمؤسسات التعليمية وذلك بعقد شركات ذات طابع قيمي أخلاقي حتى  تصبح مقاربته التي يُراد  لنزيلها متكاملة الأسس مع باقي المؤسسات، مع عقد ملتقيات تخصصية يشارك فيها  العلماء والدعاة الذين لهم دراية بالأخلاق وآثارها. ولكن ما يلاحظ اليوم من انحسار لدور المسجد عن تلك المعاني الأخلاقية والمهام التربوية الهامة حيث نراه اليوم مقتصراً على تأدية الصلاة فقط فإنه يرجع لعدة أسباب أهمها:

أولا: نظرة المجتمع الخاطئة  للمسجد بأنه مكان للصلوات الخمس فقط لا غير، ويؤكد هذا ما نلاحظه في واقعنا من عزوف الناس عن حضور ما يقام فيه. ومن عاد لِسُنة سيد الأنام صلى الله علـيه وسلم تجلى له وظيفة المسجد والمهام التي يقوم بها. ومنه ما حصل اتجاه

ثانيا: عدم انفتاح جل القيمين على المسجد (الأئمة – الخطباء...إلخ) على المحيط الخارجي ومواكبة المستجدات، ولا يتأتى لهم ذلك إلا بمزيد من التعليم والتكوين والتأطير للارتقاء بوظيفتهم المنوطة بهم.

مقاربة المؤسسة التربوية التعليمية (المدرسة والجامعة) في تخليق الحياة العامة

مقاربة المدرسة:

تعتبر المدرسة مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع قصد تعليم أبنائه وتربيتهم وتزويدهم بالثقافات والتراث العلمي المعرفي، وقد أصبحت المدرسة مؤسسة من المؤسسات الرسمية، وأصبحت الدراسة فيها رسمية تسير وفق مناهج وبرامج وقوانين محددة . (4) التربية في المدرسة ليست من أجل منطلق حر لا ضابط له، ولكن من أجل دعم نظرية الحياة العامة للأمة، ذلك أن الأمة صاحبة الرسالة الإسلامية التي يجب أن تقوم على الصغار بالتربية والتعليم ليكونوا ورثة صالحين ومصلحين، لهدف حياتها ولنظام مجتمعها. (5) قد تطورت المدرسة الحديثة تطوراً ملحوظاً ساعدها على تأدية المهام المنوطة بها بكفاءة عالية، فهي كأداة مهمة من أدوات التربية وإحدى وسائطها، ذات وظائف محددة. وقد لخصها عبد الرحمن النحلاوي فقال: وظائف المدرسة اليوم  في توسيع آفاق الناشئ وزيادة خبراته، بنقل التراث الثقافي، والتوجيه المتعلمين، وتنسيق الجهود التربوية المختلفة، وتكملة مهمة المنزل التربوية. (6)

ويمكن للمدرسة أن تؤدي دورها في تخليق الحياة العامة، والتقليل من مخاطر المحدقة بها من خلال الوظائف السالفة التي تؤديها الجهات المسؤولة وذات الصلة المباشرة بالمتعلم  وهي: مديرية المناهج، والإدارة التربوية، والعنصر الفعال والقلب النابض في ذلك كله وهو الأستاذ.

أولا: مديرية المناهج والإدارة التربوية

  •  فمن خلال المناهج والبرامج المقررة يمكن أن يدرس الطالب حيزا واسعا مما يتعلق بقضايا الأخلاق وآثارها ، وخصوصا الآثار المختلفة  في الفرد والمجتمع ، وفي سائر المجالات  الدينية والصحية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وذلك من خلال الربط بين خطة التعليم والمجتمع عن طريق برمجة دعائم أخلاقية .
  • كما يمكن للإدارة التربوية محاربة الانحرافات الأخلاقية من داخل المؤسسات التعليمية وذلك بإعداد برامج للعمل السنوي الخاص بالأنشطة المدرسية، وتفعيل مختلف الأندية التربوية، لمعالجة  الظواهر المستعصية التي يترتب عليها خطر الانحراف الأخلاقي.
  • و كذلك من تجسيد لمطلب الانفتاح على المحيط الخارجي، وذلك بإبرام اتفاقيات وشركات واستضافات ذات صلة وثيقة بالتربية والأخلاق مع مختلف الفاعلين سواء من داخل البيئة المحلية أو من خارجها، وذلك لإعطاء هذا الانفتاح بعدا  أخلاقيا تربويا تنمويا يؤسس لعلاقات جديدة بين المدرسة والمجتمع بغية المساهمة في تخليق الحياة، قائمة على مبدأ توحيد الجهود للقضاء.
  • ويمكن أيضا للمدرسة عن طريق الإدارة التربوية بناء جسر للتواصل مع الأسر المتعلمين أي الشباب، وذلك عن طريق جمعيات آباء وأولياء التلاميذ في إطار مقنن ومنظم، وذلك أن "التربية ليست وقفا على المدرسة وحدها، وأن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي تؤثر في تنشئة الأطفال وإعدادهم" (7) وغيرها من المهام التي من شأنها أن تجعل مقاربة المؤسسة متكاملة مع غيرها قصد تخليق الحياة العامة.

ثانيا: الأستاذ

وباعتبار المعلم هو المربي في المقام الأول والعنصر الفعال في العملية التربوية، وأهم المتدخلين فيها فيمكنه وبدوره المهم  محاربة الظواهر السلبية في المؤسسات التعليمية كالإدمان، والحد من مخاطرها المحدقة بالشباب ذلك من خلال:

  • غرس القيم السامية والأخلاق الفاضلة، وأن يكون المعلم قدوة تربوية تجاه  متعلميه بحيث  يكون حريصا بألا يصدر منه ما يخدش مقامه كمربي ومعلم.
  • تطرق الأستاذ لهذه لقضايا الأخلاق وبسطها للمتعلمين ، كما يمكنه القيام بمهمة التوجيه  والتأطير والمواكبة النفسية لمن انحرفت أخلاقهم بغية التقرب من الناشئة و معرفة مشاكلهم ومعرفة الأسباب وراء انحراف أخلاق بعضهم بغية تقويمها.
  • مشاركة الأستاذ الفعالة في الإذاعة والصحافة المدرسية وعمل لوحات فنية تعبر عن قيمة في الحياة المجتمعية، مع تحفيز المتعلمين للبحث في الأخلاق وقضاياها المعاصرة عن طرق عمل مجلات مدرسية ونشرات دورية وغير دورية  تحث على التحلي بالأخلاق الفاضلة. كما يمكنه أيضا الحد من الانحراف الأخلاقي بتفعيل خلية الإنصات داخل المؤسسة التربوية لتتبع ورصد المتعلمين الذين انحرفت تربيتهم، قصد مواكبتهم، وتأهيلهم للتخلي عن  الرذيلة والتحلي بالفضيلة.

 

المقاربة الجامعية:

تعتبر الجامعة هي معقل الفكر الإنساني في أعلى وأرفع مستوياته، ومصدرا لاستثمار وتنمية أهم ثروات المجتمع وأغلاها، وهي ثروة العقل والفكر البشري، وتهتم الجامعة ببعث الحضارة العربية والتراث التاريخي والتقاليد الأصيلة، والارتقاء للتربية الدينية والخلقية والوطنية، وتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات الأخرى وربط الصلة بين مختلف الهيئات العلمية العربية والأجنبية.

ويمكن حصر دور الجامعات والمعاهد في التدريس والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، ومنه يمكن للجامعة أن تؤدي دورا تربويا تعليميا مهما في تخليق وسطها المتضمن أعلى نخب المجتمع وذلك من خلال وظائفها المنوطة بها، حسب ما حدد لها: 

  • فمن خلال التدريس يتم وضع برامج ومناهج دراسية تعالج قضايا الأخلاق والقيم، وخصوصا في بعض الشُّعب التي تعتبر ذات صلة وثيقة، كشعبة الدراسات الإسلامية  وعلم الاجتماع وعلم النفس.
  • وكذلك من خلال أجرأة البحث العلمي، بحث يمكن عمل أبحاث علمية متخصصة حول الأخلاق، بدراسة أسباب تدهورها المختلفة، وتحليل نتائجها للوصول إلى توصيات لعلاج الآفة الانحلال الأخلاقي، كما يمكن طباعة تلك البحوث العلمية وتمكين  الطلاب بها: ضعها في المكتبات الجامعية  لتكون في متناولهم..
  • كذلك عمل مسابقات للطلبة حول هذه القيم والأخلاق بهدف تزويد ثقافتهم من خلال البحث العلمي المتعلقة بها، مع طرح استكتابات فردية وجماعية لتأليف الكتب العلمية التي لها  صلة بالأخلاق بحسب رؤية كل تخصص تنظيرا وتنزيلا، ومنح أصحاب البحوث والكتب المتميزة مكافآت مادية للتحفيز، وطبعه تلك البحوث والكتب لتكون في متناول . الطلبة والباحثين.
  • تنظيم الندوات العلمية والمؤتمرات والملتقيات بشراكة مع مراكز الخبراء والمتخصصين في هذا المجال. وتشجيع البحث العلمي من خلال إنجاز  رسائل الماجستير والدكتوراه حول هذه القضايا بغية اقتراح حلول ناجعة تُسعف  تسعف المجتمعات على التخليق.
  • ومن خلال وظيفة خدمة المجتمع تقوم الجامعة بعمل خرجات وحملات توعوية  مؤطرة من لدن الأساتذة والمختصين تجوب النوادي الرياضية والمدارس التعليمية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، لتبين أهمية الأخلاق  في الحياة.
  • ومنه تكون الجامعة أيضا قد ساهمت في تخليق الحياة العامة.

وختاما، فإن تخليق الحياة العامة ليس بالأمر الهين أو السهل كما يظن البعض، وخاصة أن مسألة التخليق هي مهمة الأفراد أولا، والمجتمع ثانيا، من أجل  المساهمة في تخليق الحياة العامة، لأن بالأخلاق سيتم المساهمة في إصلاح المجتمع، وتخليق الحياة العامة، والمساهمة في النهوض الحضاري للأمة الإسلامية.