يوجِّه البعض في زماننا الحاضر بعض الشبهات في مجالات متعددة: كالعقيدة، والفكر، والتشريع، وفي مجالات المرأة، وكذلك في مجالات العقوبات، وغير ذلك.
وما أُثير في ذلك أن الدين الإسلامي – الذي يتبعه قريب المليار ونص المليار مسلم- هو صناعة بشرية، من صناعة محمد ﷺ! وليس وحياً من الله تعالى وليس القرآن الكريم كلاماً له، وبناء على ذلك شككوا بعالمية الدين الإسلامي، وديمومته وخلوده، بل هم في ذلك نفوا رسالة كل الأنبياء وليس رسالة محمد ﷺ؛ لأن رسالة الأنبياء واحدة ودينهم واحد.
 فنحن نذكر في هذه السلسلة من المقالات دلائل ربانية الدين الإسلامي العظيم، ورسالته الخالدة ونرد على هذه الشبه المثارة حول هذا الدين العظيم، دينِ الفطرة الإنسانية، وهذا من واجب العلماء جميعاً الذين هم ورثة الأنبياء، فوجب عليهم أن يقوموا بواجب البيان، وواجب الإفصاح، والصدع بالحق، قال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر: 94-95].

الدين الإسلامي الخالد ودلائل عالميته
1-تعريف الدين

الدين مجموعة من الاعتقادات، والقيم، والتعليمات التي يدين بها الإنسان، أي: يسير وفقها، ويلتزم بها.
والغالب أن الدين بهذا المعنى يكون - حسب اعتقاد أصحابه - من الله تعالى، وصل إلينا بواسطة أنبيائه، وإن كان الدين بالمعنى اللغوي فإنه يشمل غير ذلك، فإن الله تعالى يقول للمشركين: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين) [ الكافرون: 6]. ويقول تعالى في سورة يوسف: (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) [يوسف 76]. دين الملك: شرعه، وقانونه الذي تسير به البلاد، ويحَكم به على الناس، ولكن الغالب – كما ذكرنا -أنّ الدين يراد به: ما هو اعتقاد في الله تعالى، واعتقاد في تعاليمه، وأوامره وتوجيهاته. [1]  
وهذا المعنى مطابق للمعنى اللغوي فإنَّ كلمة: دان يدين: خضع للشيء، وسار عليه، والتزم به.

‌2-معنى عالمية الدين ومحدودية الرسالات السابقة

الدين هو الوضع الإلهي الذي اختاره الله لعباده ليصلحهم في الحياتين، ويكون عالميا بعدم اختصاصه بجنس من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقه في إقليم خاص أو بيئة معينة، وبامتداد هدايته أزمانا طويلة تتجاوز العصر الذي بدأت فيه، بمعنى أن يكون الدين صالحًا لكل جنس وكل جيل، أو لكل زمان ومكان، أو بمعنى آخر أن يكون الدين شريعة الإنسان من حيث هو إنسان، بقطع النظر عن العوامل والفوارق العارضة، التي لا تدخل في ماهية الإنسان كإنسان، وبدون ذلك لا يتحقق معنى العالمية في أي دين.
فهو لا يكون دين جنس تميزه فصيلة الدم، أو سمة اللون، أو ظاهرة اللغة، بل دينا لا يفرق بين العربي والعجمي والحبشي والرومي، ولا بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر، ولا يمنع من أن يستظل بلوائه متكلم بأية لغة من اللغات، وهو لا يكون دينا محلياً تحده حدود جغرافية واعتبارات إقليمية، بل يصلح لكل البيئات وكل الأجواء ويتناسب مع كل بقعة زراعية وصناعية وتجارية، برية وبحرية، بدوية وحضرية على اختلاف المستويات المادية والاعتبارات الأخرى.

وهو لا يكون دينا عالميا إلا إذا صحب الإنسان في جميع أزمانه المتطورة، وعصوره المتلاحقة، بمعنى أن يكون خالدا لا يعتريه نسخ أو زوال، ولا عقم أو جمود، موفيا بجميع مطالبه المتنوعة المتجددة في الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وفي كل الميادين التي يزاول فيها الإنسان بعقله الواسع نشاطه الكامل من كل نوع.

ولا يوجد دين من الأديان السماوية أو الوضعية فيه هذه المواصفات التي تجعله عالميا إلا دين الإسلام، فالدينان السماويان الكبيران وهما اليهودية والنصرانية، كل منهما خاص بقومه وبعصره.

فاليهودية لا تصلح أن تكون دينا عالميا لأنها مرتبطة بشعب معين تعرض للتشريد غير مرة، تقوم حياته على العصبية الحادة والعنصرية الجامحة، ذلك أنهم يحاولون أن يستأثروا بعبادة إله وصفوه بأوصاف خاصة، ويعتقدون أنهم شعب الله المختار وأن غيرهم أميون، ويستبيحون من غيرهم ما لا يستبيحون من أنفسهم كالربا، فهل مثل هذا الدين يصلح أن يكون عالميًا؟ على أنه لا يوجد نص في التوراة يتحدث عن هذه العالمية، فهي دين أسرة بشرية واحدة هي بنو إسرائيل وهم يكرهون أن يدخل بينهم غير عنصرهم.

ولو نظرنا إلى المسيحية لرأينا أنها عند تقرير العقيدة لا تعتمد على الدليل المقنع، بل توجب أن تؤخذ بالتسليم المطلق، والعقول في تطورها جريا على سنن الله الكونية، تأبى أن تظل حبيسة التقليد أو التلقين.

كما أنها تنادى بالزهد البالغ والرهبانية الشديدة، وتحرم الأغنياء أن يدخلوا ملكوت السماوات، وفى المسيحية تسامح متناهٍ وعفو واسع، ومن المعلوم أن امتثال هذه الأوامر يتعذر على غير الأذلة المستضعفين من الناس، وقد يكون من أكبر المفاسد بإغراء الأقوياء بالضعفاء الخاضعين. على أن سيدنا عيسى عليه السلام بدأ دعوته ببنى إسرائيل خاصة، كما جاء في إنجيل متى: "لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة" [2].

وإن الدين اليوم أشد منه، وأقوى مما كان عليه في القرن التاسع عشر – على سبيل المثال-.
وهذا السؤال كان وارداً في بداية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين؛ بسبب تراجعات كبيرة، وبسبب التقدم الكبير لما اعُتبر بديلاً عن الدين، أي: العلم ومجموعة من المبادئ التي سميت بالحداثة، ولكن الآن من أول القرن العشرين، حتى نهاية القرن العشرين، والآن قد مضى خُمس القرنِ الحادي والعشرين، الدينُ يتقدم، ويترسخ، ولله الحمد [3].