نظرية التطور هي من قول (تشارلز داروين - Charles Darwin)، وهو باحث إنجليزي في تاريخ الأحياء الطبيعية، حيث ذكر مشاهدات كثيرة له في الطبيعة جمعها من رحلاته ونقلها أيضا عن آخرين؛ وذلك كالتشابه الشكلي والتشريحي بين أنواع مختلفة من الكائنات وأنماط توزعها الجغرافي، كما وبنى عليها افتراض أن كل الكائنات الحية أتت من أصل مشترك؛ مرّ بعمليات تطور وتنوع، بحيث يتغير الكائن تغيرات بسيطة متراكمة، ثم الطبيعة تغربل بعد ذلك؛ فالتغيرات المفيدة تبقيها الطبيعة، وينتج عنها نوع جديد من الكائنات بمرور آلاف وملايين السنين، بينما قضت الطبيعة حسب داروين على عدد لا حصر له من الكائنات الانتقالية التي حدثت فيها تغيرات ضارة أو غير نافعة. 

إضافة إلى دور الغربلة الذي تقوم به الطبيعة، افترض داروين أيضا أن الطبيعة أسهمت في إحداث صفات جديدة في الكائنات الحية؛ بحيث عندما يكتسب الحيوان صفات معينة نتيجة بيئته فإنه يورّث هذه الصفات إلى أولاده، متفقا بذلك مع افتراض (لامارك – Lamarck)، والذي قال بأن الزرافة التي تمتاز برقبة طويلة جدا الآن، كانت في يوم من الأيام برقبة قصيرة، ولكن مع تغير الظروف الطبيعية من حولها واضطرارها لمدّ عنقها حتى تأكل من أعلى الشجر، ظل عنقها يستطيل جيلا من بعد جيل، حتى صارت إلى ما صارت إليه اليوم.

هذا وافترض داروين أن الكائنات الحية نتجت وتطورت دون تصميم ولا بفعل فاعل، وأن التغيرات الحادثة فيها جاءت بمجموع الصدف؛ أي دون قصد، وبتعبيره: (لم يكن هناك خطة للخلق في إيجاد هذه الأنواع الكثيرة من الكائنات)، وهو ما أكده في مواضع عديدة من كتاباته، وقد نشر داروين أفكاره هذه عام 1859م في كتاب بعنوان: (حول أصل الأنواع - On the Origin of Species)، ثم أراد أن يعطي آلية تفصيلية لتوارث الصفات المكتسبة، فنشر بعد أعوام من كتابه (أصل الأنواع) فرضيته التي سماها (شمولية التخلق – pangenesis)؛ والتي افترض فيها أن الطبيعة عندما تؤثر على خلايا الكائن، فإن هذه الخلايا الجسمية تفرز مواد صغيرة سماها داروين (جيمولز - Gemmules)، والتي تتركز في الأعضاء التناسلية للكائن لتنتقل إلى ذريته. 

لكن من أين جاء الأصل المشترك يا داروين؟! ومن أين جاء الكائن الأول؛ الذي بنيت عليه أفكارك، ونسبت إليه الكائنات الحية كلها؟! لم يبين داروين ذلك في كتابه!! لكنه ذكر في مراسلاته مع عالم النبات (جوزيف دالتون هوكر - Joseph Dalton Hooker) على أن رؤيته هي أن أول كائن نشأ في بركة دافئة من عوامل كالضوء والحرارة والكهرباء.

 وهذا يعني أن داروين اتفق بذلك مع فكرة (التوالد الذاتي) التي كانت شائعة في عصره؛ حيث كان يقال أن الكائنات الحية يمكن أن تتشكل تلقائيا من الجمادات، كما كان يظن مثلا أن الحشرات تنشأ من بقايا الطعام، وأن يرقات الذباب تنشأ من قطع اللحم المتعفنة.

وهكذا فإن أركان نظرية التطور لداروين هي باختصار، كائن حي تولد بطريقة ما من الجمادات، وطبيعة تكسب الكائن صفات جديدة يمكن أن تحوله من نوع لآخر، والصفات المكتسبة تورث من جيل لآخر، والطبيعة تنتخب صفات بشكل تراكمي؛ وصولا إلى كائنات أرقى، بحيث تركب نظما حيوية معقدة من تغيرات بسيطة متعاقبة، وأن الكائنات الحية (نشأت – evolved) دون قصد ولا إرادة ولا هدف.

أما التقييم العام لتلك الأركان التي بنى عليها داروين هذه النتيجة، هي أن تولد الكائنات الحية تلقائيا من الجمادات؛ فخرافة سقطت بتجارب أشهرها تجربة (فرانسيسكو ريدي - Francesco Redi) قبل داروين بقرنين، وتجربة (لويس باستور - Louis Pasteur) التي نشرت بعد كتاب داروين بخمس سنوات، والتي أثبت فيها أن الكائنات التي كان يعتقد أنها تولدت ذاتيا من الجمادات كبقايا الطعام، إنما أتت من خارج المواد الغذائية ومع الهواء الملوث بها، كما وإلى باستور هذا تنسب عملية التعقيم (البسترة) والحليب المبستر. 

هذا والحقيقة أن فكرة التولد الذاتي ساقطة عقلا أصلا؛ فكيف يمكن أن نتصور كائنا حيا ينشأ هكذا تلقائيا من الجمادات!! ومع ذلك أصروا أن يجربوا! فسقطت الخرافة بالعلم التجريبي بالإضافة إلى العقل، وأما إحداث الطبيعة لصفات جديدة في الكائن عن طريق الاستعمال والإهمال كمثال (رقبة الزرافة)؛ فخرافة سقطت أيضا باكتشافات (غريغور مندل - Gregor Mendel)، والذي أثبت بعد داروين بسنوات أن الصفات الوراثية للأبناء مهما تعددت فهي لن تخرج عن الموجود أصلا في الآباء.

وسقطت كذلك باكتشافات الوراثة (فوق الجينية – epigenetics)؛ والتي بينت أن العوامل الخارجية والبيئية يمكن أن تغير طريقة قراءة المادة الوراثية في كائن ما؛ لتفعيل صفة كانت كامنة أو إخماد صفة كانت منشطة، لكنها لا تضيف مادة وراثية لم تكن موجودة أصلا، وأما توريث الصفات المكتسبة؛ فخرافة ساقطة بالمشاهدة العادية؛ فعضلات الحداد والنجار مثلا والتي اكتسباها في حياتهما؛ لا تورث إلى الأبناء، ومع ذلك أصرّ أتباع داروين أن يجربوا! وظل العالم (فايزمن – Weismann)، يقطع ذيول 19 جيلا من الفئران في تجاربه، ليفاجئ بعد طول تعب بولادة أبنائها في كل مرة بذيول من جديد! بمعنى لم تنتقل الصفة المكتسبة وهي الذيل المقطوع إلى الأبناء.

أما ما بقي صحيح فقط من مجمل نظرية التطور هو الانتخاب الطبيعي، إلاّ أن القدر الصحيح منه أيضا ليس من اختراع داروين ولا من بنات أفكاره؛ فالكل يعلم أن الحيوان الأضعف سيكون من الصعب عليه التكيف مع الظروف البيئية الصعبة، لكن الانتخاب الطبيعي عند داروين تجاوز ذلك، ليعني أيضا إحداث نظم حيوية معقدة من تغيرات بسيطة متعاقبة صدفية، فالانتخاب الطبيعي عند داروين (خيال واسع) جاء له بفكرة أن الطبيعة والاستعمال والإهمال؛ أنتجت للكائنات القديمة تراكيب جسمية بسيطة يمكن أن تكون خدمت الكائن في شيء ما، لذلك أبقى عليها الانتخاب الطبيعي.

أما حتى تفهم منطق داروين في مفهوم الانتخاب الطبيعي، فتصور أرضا مليئة بالخردة، يمرّ عليها أعداد كبيرة من العميان، ويلتقط كل منهم قطعة خردة عشوائيا، ثم يدخل إلى مبنى كبير، يغلق بابه بعد كل داخل، مرت ملايين السنين، والعميان يلتقطون الخردوات، ويموتون فيدفنون تحت أرض المبنى، ففتحت أنت بوابة المبنى يوما ما، فاندفعت من البوابة سيارة أو طائرة عملاقة يقودها أحد العميان، وقادها في الأرض أو حلّق بها في السماء!! ثم تساءلت أنت: كيف تمكّن هذا الأعمى من صنع السيارة أو الطائرة؟! فقيل لك: لم يقصد أن يصنعها!! إنما الذي حصل مع العميان قبله، أن من التقط منهم قطعة خردة نافعة له؛ صمد وورثها لمن خلفه!! فمنهم من التقط قماشة التحف بها من البرد، وآخر التقط جناحا مسطحا حديديا من طائرة استظل به من الشمس، وثالث التقط من الخردة مقود سيارة حرّك بها طعامه أثناء طبخه، ورابع التقط سكين اتخذها درعا في حربه مع أعدائه من العميان، وهؤلاء كلهم جاؤوا على أزمنة متعاقبة، وورثوا قطعهم لمن خلفهم، وكانت القطع كلها تتركب من غير قصد ولا بفعل فاعل، وذلك حتى تشكلت منها هذه السيارة أو الطائرة العظيمة التي رأيت!! فإياك، ثم إياك أن تتوهم أن أحدا قصد أن تتشكل سيارة تسير أو طائرة تطير!!

هكذا وبنفس المنطق اعتبر داروين أن الانتخاب الطبيعي رقّع تراكيب الكائنات الحية على عمى؛ فأجنحة الطيور مثلا ومساعدتها للطير على الطيران، هي هدف وهمي وليس حقيقيا (pseudopurpose)، والعين في إبصارها هدف وهمي؛ لأنه ليس هناك خالق، فاعل، مريد مختار قصد أن تبصر العين، أو يرفرف الجناح، بل جاء هذا كله بتراكمات الصدف العمياء!! 

وهذه هي نكتة الانتخاب الطبيعي الأعمى التي خرج علينا بها داروين، وهي بالإضافة إلى سخافتها لكل عقل سليم، فإن الاكتشافات العلمية أثبتت استحالتها مع وجود (التعقيد غير القابل للاختزال - irreducible complexity)، وذلك في كل تفاصيل مكونات الكائنات الحية وعلاقاتها المتشابكة مع بعضها البعض؛ بمعنى أن تراكيب وأعضاء الكائنات الحية بالغة التعقيد والتكامل، بحيث لا يمكنها أن تتواجد إلا بتوافر أجزائها في وقت واحد وإلا فلن تؤدي وظيفتها، وبذلك فهي غير قابلة لفكرة التكون بتدرّج أبدا، وذلك حتى على مستوى أصغر وحدة حية؛ وهي الخلية التي لم يكن داروين يراها تحت المجهر في أيامه إلا كلطخة بسيطة!! فالانتخاب الطبيعي كما يصوره داروين لنا هو غباء وجهل وخرافة، لكن على كل هذه الخرافات الساقطة عقلا وحسا وتجربة، أقام داروين أسخف وأغبى فكرة في التاريخ، وهي أن كل ما نرى من إحكام وإتقان في هذا الخلق؛ إنما جاء بالصدف دون قصد، ولا يحتاج خالق عليم ولا حكمة.

أما ما بقي من نظرية داروين فهي خيالاته، الخيال الذي يضع ريشا على الديناصورات وهي تطارد البعوض فتطير، والخيال الذي قفز إلى ذهن داروين حول الدب الأسود وهو يسبح لساعات في المياه فاتحا فمه ليدخل أكبر عدد ممكن من الحشرات فيه، فذكّره بالحوت الذي يفتح فمه لتدخل فيه الأسماك، وما دام هناك شبه؛ فيبدو أن الحوت تطور عن الدب في منطق داروين، وأما عن المشاهدات الكثيرة التي جمعها في كتابه وعن دقة ملاحظته؟! فنقول: داروين كان أشبه ببرنامج، فيه الكثير من المدخلات، إنما المعادلة التي تربط بين هذه المدخلات خاطئة، لهذا فهي تعطي نتيجة خاطئة؛ لذلك لم ينفع داروين كثرة معلوماته ولا سعة اطلاعه، حيث إن جديد داروين لم يكن صحيحا، وصحيحه لم يكن جديدا، والنظرية التي ادعى داروين أنها تفسير لهذه المشاهدات، وصياغته لمصطلح الانتخاب الطبيعي، هي أصلا مجموعة من الأخطاء والخرافات أبطلها العقل والعلم، ومغالطات منطقية وخيالات سخيفة للتوصل إلى نتيجة أن الإتقان والإحكام في الكائنات لا يحتاج قصدا ولا إرادة ولا علما!!