التجربة ليست بالمستحيلة! ولا بالعسيرة على نحو ما كنتُ أظن! وإنْ احتاجت إلى الفكر والجهد والوقت في كل محطاتها، لكن الأمر على ما يبدو يستحق شيئًا من المغامرة! وبعض التضحية أيضًا؛ فثمة زوايا مغرية في هذه المساحة من التجربة، مغرية للنفس بأن تجتهد وتَتَكَلَّف وتُقاوم، ومحفزة للقلم بأن يَدُرَّ ويُثري وينهمر مدادُه، وربما تلك الزوايا وحدها تكفينا نشاطًا لأن نُجري حبر أقلامنا بين الحين والحين، ونمارس هواية الكتابة والتأليف والتدوين في موضوعات وفضاءات متنوعة، لنستأنس بثمار ذلك الري الذي يمنحنا ما لم نكن ندركه ونحن بعيدون عن هذا الميدان وارف الظلال. 

لستُ ممن يملك تجربة مميزة في ميدان الكتابات المقالية الطويلة، كما أنني لم أُعايش صُنَّاع الكلمة المحترفين، الذين يثرون الصُحف والمدونات والمنتديات والمواقع الإلكترونية بسطورهم، ويُطرِّزون زواياها بحبر أقلامهم، ولا أُصَنِّفُ نفسي متابعًا للمقالات المنشورة والمبثوثة، وإن كنتُ عاشقًا للكتاب الورقي وهائمًا بصحبته والأنس به، ومع ذلك فإنني لم أتوقف يومًا عن التغريدات الصغيرة، ذات السطر والسطرين أو الثلاث، مُذ عرفتُ وسائل التواصل الاجتماعي قبل أكثر من عقد من الزمن، ومنذ ذلك الحين فأنا لا أكاد أُفَوِّتُ على نفسي يومًا تغريدة هنا ومنشورًا هناك، حول قضايا حياتية وواقعية مختلفة، منها ما يتعلق بالتربية أو الفكر أو اللغة أو الاجتماع أو الشريعة أو الأدب أو غير ذلك، مما أراه نافعًا ومستحقًا للوصول إلى عقل الجمهور من الخاصة والعامة.

والذي جرَّب التغريد المختصر، والكتابة المقالية العميقة، يُدرك الفارق الهائل بين المهارتين، من حيث العناء في إنتاج الأفكار وتفريعها ورصفها وتنسيق أجزائها، ومن حيث حجم ونوع الجمهور المتابِع للرسالتين، فقد تجتاح الذهنَ والخاطرَ فكرةٌ جميلة صغيرة، يعجل المرء إلى تدوينها بقلمه أو في جوَّاله، ليُسعفها الحظُّ فتجد طريقها إلى الحياة، عبر منصة مفتوحة فضفاضة، غير مبالية باختصار رأي أو عمق فكرة، كما لا تعنيها السطحية أو الهزل، أمثال "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما من وسائل التواصل، في حين أن الفكرة العابرة، والخاطرة المختصرة، لا تصلح للنشر لتُسمى مقالًا ما لم يتبعها قبل النشر جهد كبير وعميق، وربما بحث واستقصاء ورصد وقراءة وتأني وتحرير ومراجعة.

 ومع هذا الجهد والعمق الذي تحتاجه قد لا تستند إلى مادة مكتوبة تهذبها، أو تناقشها، أو تحاكيها على الأقل، وإنما عليك وحدك مؤونة صناعة الفكرة، ثم استحضار المفردات المعبرة عنها، وحياكة الجمل والعبارات الكاشفة عن أبعادها والمُصَرِّحة بمضامينها، لتنطلق بعدُ في فضاء التفريع عنها والبناء عليها. 

وهذا بالضرورة يحتاج:

1. مخزونًا من المفردات اللغوية المعجمية؛

لتستعين بها على أداء المعاني والأفكار التي تجول في الذهن، تتوالى هذه المفردات وتتابع بالتوارد وقت التدوين والتحرير، ولا يمكن بحال أن تُنتج مقالة تستحق أن يقال عنها جيدةً لغويًا من غير وفرة وثروة من المفردات اللغوية، تستوعبها هذه المقالة، وهي بدورها تستوعب أفكار المقالة وتؤدِّيها.

2. نظامًا قواعديًا مُحكمًا،

يَضبط لك منحنيات الإعراب وتنوع المواقع للكلمات، رفعا ونصبًا وجرًا، وهذا الذي يعرفه المختصون بقواعد النحو، وهو وإن كان عِلمًا تخصُّصيًّا دقيقًا، إلا أن الاغتراف من قوانينه قدر الحاجة متاح للطالبين، ومع شيء من التعلم والممارسة والتمرين، يستقيم جريان خط القلم، وتنضبط منعطفاته.

3. استيعابًا نصيًّا متكاملًا لما تكتبه؛

ليضمن ذلك الاستيعاب الكلي للنص ترابطه وتماسكه والتحام مفاصله مع وحدة الفكرة، فقد تكتب أحيانًا الصفحتين والثلاث وهي عديمة القيمة، حين تكون مفككة الأجزاء، مفتقدة للتلاحم والترابط بين وحداتها اللغوية الصغيرة والمتوسطة والكبرى، وبذلك يخسر النص شحنات الأداء ووسائط الإرسال، ويفقد قابليته على الإبلاغ والإفهام التي هي غاية النص غالبًا ومقصوده الأعظم.

إن أغلب هذا الجهد المنهجي المشار إليه آنفًا لا تحتاجه في الحقيقة مع التغريدات المختصرة العاجلة، والرسائل السطحية العابرة التي يمارسها الكثير في الفضاءات المختلفة وعلى صفحات المنصات المتنوعة، ولو احتجت بعضًا من قواعده وأدبياته فلن تجد كبير كُلفة في تحقيقه وتمثله، وبذلك يتضح لك الفارق الكبير بين المُنْتَجَين. 

وهكذا الحال مختلف أيضًا مع المتلقين لكلا الرسالتين، يكثر عددهم ويتنوع جمهورهم وقد تتوسع دائرة العوام مع الرسالة الأولى -وهي التغريدة الموجزة-، ويقل العدد المُتابِع ويرتقي في المستوى العلمي والثقافي مع الثانية –الرسالة المقالية العميقة-، لأن كُلفة القراءة الطويلة ومتابعة العمق وبذل الجهد في استيعاب الأفكار يتطلب نفوسًا تواقة وصبورة في العادة، وأرواحًا تعشق السباحة في الأغوار والأعماق التي هي محل الجواهر والدرر، وعقولًا حريصة على استيفاء الأفكار حتى منتهاها، وهذا ما لا يستطيعه أكثر الجمهور، وعلى ذلك فمسؤولية الكاتب هنا أكبر بكثير مما هو الحال مع التغريدات العاجلة المنسية والمندثرة، لأنه متوجه بخطابه إلى النُخب من أبناء المجتمعات، والطبقة المثقفة من الجمهور.

لقد ثبت لي بالتجربة العملية القاطعة أنَّ الأفكار الكبيرة والعميقة والمتفرعة، كثيرًا ما تكون عُرضةً للإهمال والتغافل والهدر عند الجمهور الأكبر من أبناء مجتمعاتنا، خصوصًا من جماهير العوام وأنصاف المثقفين.

وبهذا الهدر تكون خسائرنا جميعًا أكثر من أن نوردها ونجمعها في هذه السطور، أما الرسائل القصيرة المختصرة وحتى السطحية منها، فإنها تحظى عادةً بالحفاوة والتلقي وكثرة التداول عند جمهور المتابعين ممن ذكرنا حالهم وبيَّنا أوصافهم.

الفكرة –أيها القارئ الكريم- مهما كانت كبيرة وعظيمة لا تعدو أن تكون شرارةً لامعةً تنقدح في الذهن، ثم تتوارد منها ومعها وحولها الخواطر الكثيرة والمتشعبة، فتثريها وترويها وتزيدها تفصيلًا وعمقًا ومتانة، وإرسال هذه الفكرة للمتلقين بتغريدة عاجلة قد يُطفئ أنوار لواحقها وتوابعها وما يُستثار بوجودها، ولو تواردت الأفكار التابعة لها بعد التخلص منها قد تُهمل ويتغافل الفرد عنها في العادة، أما في المقال العميق فتجتمع كل هذه الخواطر والشواهد والشوارد والنوادر التي أنارت من إشعاع الفكرة الأولى، لتتنزل على الذهن أسرابًا متلئلئة بعضها يتبع بعضًا، فتُنسج أخيرًا في عِقد فريدٍ مطرز بأجمل الأفكار وأروعها، يسميه المثقفون: مقالًا.

وبين هذا وهذا شجَّعتُ نفسي بعد تزيين بعض الأخيار ودعوتهم لأمارس هذا الدور وأدخل ساحته، وأكتشف بعض أسراره، وأتفحص جزءً يسيرًا من أغواره، وأتعرف من قرب على جدواه في ميدان الثقافة والمعرفة اليوم.

 مع أني أعترف بأن المشاغل والصوارف لم تعد محدودة في عصرنا الحاضر، والمغريات والملهيات أكثر من أن تُحصى، تلك التي تخطف بمخالبها أوقاتنا وجهودنا وطاقاتنا وأعمارنا، وتزعزع بنيان خلودنا إلى المثابرة والإنتاج.

 لكنَّ قليلًا من الصبر والممارسة والتدريب تُسَلِّمُ النفوس راضيةً بأشغالها النافعة، ومُتَسَلِّيةً بعناء القراءة والبحث والتدوين.

بعد خطوتين أو ثلاث من المشاركة والتدوين رحتُ أتساءل! لماذا نكتب؟! لِمَ ندفع أنفسنا وأقلامنا إلى هذا المشوار؟ ما الذي يُحفِّزنا؟ ومن الذي يدعونا؟ ويبقى هذا السؤال ممدودًا على بساط المعرفة ولو أجبنا عنه هنا باختصار! لماذا نكتب؟ و"عَلامَ نُجري حِبرَ أقلامنا"؟

- إننا نكتب لنرصف لَبِنات أفكارنا على الواقع الحقيقي المشاهد،

نستخرجها من عالم الفكر والخيال والتصور، إلى عالم الحياة والواقع فننتفع وننفع، وبقدراتنا ومهاراتنا اللغوية نُطرِّزُ هذه اللبنات ونطليها ونُبَرِّزها أنيقةً تستهوي العقول وترضيها، ونحرص دائمًا على الارتقاء بمظهرها وجمالها وحُسن بنيانها، مع المحافظة الجادة على قاعدة الفهم والإفهام، ليتحقق المقصود مما نُشكِّله ونُدَوِّنه، فالفهم العميق ابتداءً خيرُ مركب يحملنا إلى محطة إحسان البنيان والتأليف والتدوين، والإفهام خير سبيل يوصلنا إلى محطة تحقيق الغايات ونيل المقاصد وإبلاغ الرسائل التي تحملها تلك المدونات.

- إننا نكتب حُبًّا بالمعرفة وكفى به مقصدا... فحب المعرفة يغري النفس بالمشاركة،

والسبيل الأسلم والمتاح لذلك هو الضغط على زناد القلم؛ ليُصَوِّب ما يختزن من علوم ومعارف وخبرات وثقافات، فنحن نكتب حُبًا بالمعرفة! وشوقًا إليها! وتعلقًا بها! وطمعًا بالاستزادة منها! ومثل ذلك حين نعشق كلَّ ما يُقرِّب منها، كمجالسة أصحابها وقراءة نتاجهم والتعرف على أحوالهم، فحب العلم والمعرفة هو حافز يدفع المثقفين دائمًا نحو مزيد من الكتابة والتأليف والتدوين في قضايا مختلفة وفي منصات متنوعة.

- نكتبُ لندير ماكنة العقل الإنساني العجيب،

بالبحث العلمي الجاد، والعمق والفهم والتحليل والتركيب المثمر، فنحن بما نكتبه علميًّا نؤسس -أو نحاول أن نؤسس- في نهاية المطاف مُنتَجًا جديدًا في حقل المعرفة، يصطف مع غيره، مما ينتجه عقل بني الإنسان في مختلف الأماكن والأوطان فوق هذه المعمورة.

- إننا نكتبُ لحراسة الأفكار المتقدة في أذهاننا... وكثيرا ما نُردد:

إن الفكرة بنت ساعتها، تتقد هكذا لأسباب قد نجهلها أو لم نتنبه لها، وسرعان ما تنطفئ وتموت وتتلاشى إن لم تجد لها محلًّا في صفحاتٍ بيضاء، وعلى سطور مصانة. 

نعم... نكتب لحماية هذه الأفكار من الذوبان والاندثار والتلاشي عن ساحة الثقافة. نكتب للحفاظ على هذه الشرارات والثروات الهائلة، نكتب للحفاظ على شعاعها منيرًا في دروب الحياة، والكتابة المُوَثَّقة وحدها من يضمن لنا بقاءها على قيد النشاط واللمعان. لذلك كانوا قديمًا يتحدثون عن ضبط الكتابة، ويحرصون على تقييد صيد الأفكار والخواطر، ويتواصون بتدوينها متى ما ترد، وقد أدركتُ عددًا من المثقفين وطلاب العلم يحرصون على هذه الخطوة في الحِلِّ والترحال، في الحَضر وفي السفر، إما على شاشات الجوال والحاسوب، وإما على صفحات المذكرات والدفاتر الصغيرة التي يصطحبونها معهم دائمًا لأجل هذا الغرض.

- نكتب لنشارك في مسيرة البناء الإصلاح...

والمشاركة في نهضة الأمة وتعجيل مسيرتها نحو الصعود، فمن أهم الأفكار التي تستهوي المخلصين في الكتابة هو علمهم بأنَّ قيمة الأمم تعتمد على كمية ونوعية ما تنتجه من معارف وعلوم وثقافات.

إننا نكتب مرةً أخرى لاستنزاف رصيد الأوهام والخرافات ومجموع الانحرافات والأمراض الفكرية والتربوية والدينية والاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا، ونمارس بذلك واجبنا في الإصلاح والارتقاء بأنفسنا ومجتمعاتنا.

- إننا نكتب لاستحضار مجد الماضي... واستنشاق عبق التاريخ،

واستنهاض همم الحاضر، واستشراف إشراقة المستقبل. فلنا مجد سالفٌ مهيب، وماضٍ مستنير، يستحق أن نردد ذكره، ونتدارس نجوميته وزهوه، ونقصَّ لأجيالنا رفعته وعدله، ولنا في ذات الوقت حاضر هو بأمس الحاجة إلى استثارة عزمه وهمته، ومداواة علله وتضميد جراحه، ونأمل بمستقبل يتلألأ ضياءً ونورًا، نُشارك جميعًا في صناعته، ونحثُّ الخطى للوصول إليه، ونحن موعودون به ولا نشك.

- إننا نكتب لنمارس حقنا في النقد... وتقديم النُصح والمشورة،

وربما المزاحمة في ميادين الفكر والقيم والتوجهات، نكتب للمطالبة بالحقوق المشروعة والحاجات المُغَيَّبة, التي نتمناها لأنفسنا وشعوبنا وأوطاننا.

- نكتب للتنفيس عن الروح والنفس المُثقَلة... ففي ظل زحام المدخلات عليهما نحتاج نوعًا من الترويح والاسترخاء، إن مشاعرنا المتعبة ونفوسنا المتأزمة قد نستفرغ بعضًا من شحناتها السلبية بما ندونه ونستفرغه من أعماقنا، فتسكن بذلك الروح والنفس قليلًا، وربما تأمن وتطمأن وتنتعش. إنه تحرر من ضيق الروح وسآمة النفس فعلا. فعندما نكتب نستدر مشاعرنا وأعماقنا ونستنطقها، وعادة ما نفشل باستدرار هذه الكوامن النفسية بوسيلة غير الكتابة والتدوين في الخلوات.

في أعماقنا تستقر كثيرٌ من الأسرار والأخبار والأفكار، وتتوطن عُصبةٌ أخرى من الهموم والغموم والمشكلات، ربما من الصعب البوح بها مشافهة وعلانية، وتتحاشى النفوس سردها بالكلام المسموع والصوت العالي، لكن الكتابة وحدها تقوى على كشف هذا النوع من الأسرار والهموم واستفراغها.

- إننا نكتبُ للتخفيف عن الذاكرة...

فذاكرتنا تدفع ضريبة مقابل المخزونات المرهقة في حقلها، هذه الضريبة تتمثل بالنسيان! أو القلق! أو التشتت وعدم التركيز! وكثيرًا ما نخسر بالنسيان أشياء في الذاكرة أقل أهمية من غيرها، قَصَّرنا في الاحتفاظ بها انشغالًا بما هو أهم وأولى بالمحافظة. وتحرير هذه الأفكار المخزنة بالمقالات المنظمة والأبحاث المنهجية والمؤلفات الجادة يُريح الذاكرة من بعض أحمالها، وهو نوع من التخلص من الأثقال المُشتَتَة التي تتحايل عليها الذاكرة، فتناقلها أحيانًا، وتركنها أو تتناساها وتتغافل عنها في أحيانٍ أخرى، وكل ذلك يزيد من إرهاق الذاكرة ويكلفها كثيرًا من الجهد والطاقة والإشغال، تنفك منه وتنعتق من رباطه وقت ما يُوَثَّقُ ذلك المخزون أمامها مُدَوَّنًا في محطات تعتقد بأنها آمنة، وقادرة على الحفاظ عليه بدلًا عنها، مع إمكانية استرجاعه واستعادته والاطلاع عليه وقت الحاجة إليه.

- نكتب لنُرَوِّض القلم ونُطَوِّعه...

فالأقلام مثل بعض المعادن؛ تصدأ وتنكمش بالإهمال والانزواء والاندثار، وتحافظ على جمالها وحيويتها ومرونتها بالاستعمال والاحتكاك، وهي مثل عضلات الجسم أيضًا، تخمل وتضعف وتتبلد بالسكون والركون والتوقف، وتنمو وتنشط بالممارسة والتمرين والعمل، وبذلك الجهد نكون قد أدينا لهذه الأقلام فضلًا تُرى عبقريته وإبداعاته بعد حين.

- إننا نكتب لتسجيل الحضور...

فذواتنا غائبة عن المشهد، مندثرة في هذا العالم الكبير مترامي الأطراف، فقد نكتب لأجل إثبات الشخصية في المحيط والمجتمع والحياة، نكتب لتسجيل رأينا ورؤيتنا وتصورنا، نكتب لنشغل حيِّزًا في مساحة لا يملؤها غير قلمنا وفكرنا ومنهجنا، نكتب لنُحدِث تغييرًا يُسَجَّل في صحائفنا، نكتب لنقول: نحن هنا.

- نكتب لتدوين تاريخنا...

فتسجيل تاريخ الفرد لا يتحقق بالقصص والذكريات والحكايات والسمر واللقاءات الاجتماعية الخاصة والعامة، كما أن رصد أفكاره وملاحظة نموها وتطورها عبر الزمن لا يتحقق بغير الحبر المذاب في صفحات الكتب والمدونات، وخلاصة ما تحويه عقولنا وأثمن ما أنجزناه عبر تاريخنا من علوم وفنون وحِكم وخبرات ومعارف يُثمرُ في سطور نكتبها وصفحات نسوِّدها في كتاب، وبهذا نكون قد أفلحنا في سرد تاريخنا وتدوين مسيرتنا في الحياة.

- قد يُكتبُ تَكَسُّبًا! ولأجل المال...

هكذا يكتب بعض المثقفين، من أجل المردود المالي والمادي، وليس عيبًا في ذلك، فمن حق المثقف أن ينال من ثمار نتاجه، وإن كان الأصل أن لا يكون المقصد الأسمى للكتابة هو المال تَنَزُّهًا وتَرَفُّعًا، والحقيقة التي يُدركها الكثيرون أن هذا المطلب ليس سهل المنال، ومردوده ضعيف شحيح في عالمنا العربي، فدُور النشر تغالب وتماكس وتتحايل، ولا جدوى من المراوغة معهم لكثرة المُنتَج ووفرته وبأزهد الأثمان، إذا استثنينا بعض الأسماء اللامعة التي تفرض على السوق رقمها وحجمها وسمعتها.

أخيرًا... شكرًا لك أنت؛ شكرًا لأنك تقرأ ما ينقشه حِبرُ أقلامنا، شكرًا لأنك تُتابع ما يرويه مدادنا، وهنا تكمن ثمار هذا الجريان الثقافي الدائم، شكرًا لك مرة أخرى لأنك تواصل الطريق بعزم وهمة، والسلام لك وعليك.