اختتم فريق مؤشر عمران ندوته الافتراضية بعنوان "في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية ... لماذا يتعثر العرب؟"، الذي أقيم يوم 13 يناير 2021 عند الساعة السابعة مساءً بتوقيت مكة المكرمة. وقد حضر الندوة مجموعة من الخبراء المختصّين من مختلف البلدان العربية لإثراء جلسات الندوة بنقاشاتهم وآرائهم حول الموضوع. وشارك في الندوة الافتراضية أكثر من 200 مشارك عبر منصة الزوم كما تابع الندوة 12 مشاهدا من الباحثين والخبراء والمهتمين عبر البثّ الحيّ على الفايسبوك. 

ويهدف مؤشر عمران من هذه الندوة إلى المساهمة في صناعة قناعات جديدة حول الوحدة الاقتصادية العربية، وأهميتها للتنافسية العالمية.

 افتتحت أ. شريفة حسين الندوة بكلمة أكدت فيها أهمية التكتلات الاقتصادية التي تشكل إحدى أهم وسائل تحقيق التنمية لدى الدول النامية، ومواجهة الأزمات ومنافسة الدول المتقدمة اقتصاديا. كما ألقى المفكر والاقتصادي المصري د. محمد عادل زكي كلمة افتتاحية بعنوان "لماذا نزداد تخلفا" أكد فيها أهمية التفريق بين مظاهر التخلف مثل الفقر والمرض وبين مفهوم التخلف الذي عرّفه بالحالة المزمنة من خروج القيمة التي تُنتج بفعل جهود العاملين في بلد ما إلى اقتصادات أخرى خارجية. 

كما أكد أنه عند الحديث عن تعثر العرب في تحقيق تكتلات اقتصادية، يستحسن التركيز أولا على طرح الأسئلة المناسبة لعلاج هذه القضية المهمة وأهمية التفكير في المنهج العلمي الذي يسلكه الباحث للوصول إلى الأجوبة بالإضافة إلى أهمية خلق مساحة للحوار البناء بين الخبراء المختصين في هذا المجال.

ما الذي تُقدمه التكتلات الاقتصادية للدول المنخرطة فيها؟

انطلقت أعمال الجلسة الأولى من الندوة بعنوان "التكتلات الاقتصادية العالمية والعربية" بإدارة أ.شريفة حسين، وكان أول المتحدثين فيها د.طارق المحيسن، الخبير الاقتصادي في البنك المركزي الأردني والمحاضر في الجامعة الأردنية حيث ألقى كلمة بعنوان" التكتلات الاقتصادية الحديثة، أنواعها ومنجزاتها" وذكر فيها بعض الإيجابيات المرتبطة بالتكتلات الاقتصادية مثل: إزالة المعوقات التي تحد من التجارة الخارجية، وجلب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحسين جودة الخدمات والسلع في الدول المنخرطة في التكتل الاقتصادي. كما ذكر بعض المخاطر التي قد تنتج عن هذه التكتلات مثل القضاء على الصناعات المحلية، وانتقال الأزمات الاقتصادية بين الدول المنخرطة للتكتل الاقتصادي وأخيرًا حرمان الدول الأعضاء من اتخاذ بعض القرارات التي تراها في مصلحتها لتعارضها مع الاتفاقيات المبرمة في التكتل الاقتصادي. ثم ذكر الدكتور طارق خمسة أنواع للتكتلات الاقتصادية، وهي تختلف بحسب السياسات والاشتراطات المصاحبة لها بداية من منطقة التجارة التفضيلية ثم منطقة التجارة الحرّة (Free Trade Area) ثم الاتّحاد الجمركيّ ثم السّوق المشتركة (Common Market) الذي يضمن حريّة انتقال عناصر الإنتاج بين الدول المنخرطة في الاتفاقية والنوع الأخير من التكتلات الاقتصادية هو الاتحاد الاقتصادي (Economic Union) الذي يعدّ أعلى درجات التكتلات الاقتصادية، وأكبر مثال على ذلك هو الاتحاد الأوروبي الذي يتضمن تنسيقًا كاملًا في السياسة الاقتصادية الكلية بين الدول الأعضاء. 

أما المتحدث الثاني في الجلسة، فكان الأستاذ إسلام عبد الحميد الخبير الاقتصادي المصري والمستشار المالي والباحث في مؤسسة G.World، وألقى كلمة بعنوان "دور المميزات التنافسية في الاتفاقيات الاقتصادية" ذكر فيها أهمية الاتفاقيات والتكتلات الاقتصادية التي تشمل زيادة القدرة الإنتاجية للدول وانتقال رؤوس الأموال للأسواق الناشئة، كما أكد على أهمية معرفة كل دولة ميزتها التنافسية وقدراتها التي يمكن أن تستفيد بها عند الدخول في تكتلات اقتصادية. 

وتحدث الدكتور إسلام عن تحدٍّ تواجهه الدول العربية في مجال التجارة البينية يتمثل في عدم وجود تنوع حقيقي في الإنتاج وتشابه الصادرات بدرجة كبيرة. وعرج على بعض السياسات التجارية التي أسهمت في إنجاح اقتصاديات دول "النمور الآسيوية" مثل سياسة إحلال الواردات وسياسة ترويج الصادرات. 

تحدث بعد ذلك من مصر الدكتور محمود فتح الله المستشار الاقتصادي لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بكلمة عنوانها "تجربة التكامل الاقتصادي العربي" وأكد أنه لا يجب الربط بين تجربة التكامل الاقتصادي العربي وبين الأوضاع الاقتصادية الداخلية لتلك الدول، وأحال على المعالم الأساسية لما يسمى بـ "منطقة التجارة العربية الكبرى" التي تخضع لها حاليا 18 دولة عربية من أصل 22، ومن أهم مبادئها تطبيق المعاملة الوطنية على السلع العربية ذات المنشأ الوطني كما يتم منح الدول العربية الأقل نموًا معاملة تفضيلية. إلى جانب ذلك، ذكر الدكتور محمود أن التكامل الاقتصادي العربي لا يقتصر على التجارة البينية بين الدول العربية فقط، وإنما هناك أمثلة أخرى على التكامل الاقتصادي منها مثلا العون الإنمائي العربي الذي يدعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تمويل مشاريع البنى الأساسية مثل الطاقة والكهرباء والمياه، إضافة إلى مشاريع الربط البري والكهربائي التي يتم تمويلها من صناديق تمويل عربية.  

الوحدة الاقتصادية العربية...أولوية استراتيجية

وفي الجلسة الثانية تحدثت الدكتورة مها الشال -رئيس قسم التنمية الصناعية ومدير مركز التخطيط والتنمية الصناعية في مصر- عن أهمية الوحدة الاقتصادية للصناعة العربية، معتبرة الظروف الحالية في ظل كورونا تدفع الدول العربية نحو التكامل بشكل أكبر. وذكرت الدكتورة مها بعض الصناعات التي تتميز بها الدول العربية مثل السيارات الكهربائية في المغرب والصناعات العسكرية في السعودية والإمارات وصناعة النسيج في تونس. وسلّطت الضوء على أمثلة لمشاريع يمكن تنفيذها للمساهمة في تحقيق درجة أكبر من التكامل بين الدول العربية.

وفي الجلسة الثالثة والأخيرة والتي قدّمها أ. أحمد القضاة من الأردن، ألقى د.علي مسعود من مصر -بروفيسور اقتصاد وعميد كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف- كلمة بعنوان خارطة الطريق نحو الوحدة الاقتصادية العربية بهدف تقديم مقترح قابل للتنفيذ للوصول إلى وحدة اقتصادية عربية. وأشار في كلمته إلى مجموعة من الخطوات التي يمكن العمل بها لتحقيق هدف الوحدة الاقتصادية بين الدول العربية: 

أولا: إعادة هيكلة بعض المؤسسات العربية التي تعنى بالعمل العربي المشترك وتفعيلها بشكل أكبر ابتداء من جامعة الدول العربية مرورًا بالاتحادات العربية ووصولًا إلى المؤسسات الاقتصادية العربية مثل صندوق النقد العربي،

ثانيًا: تشييد البنى الأساسية المشتركة للوطن العربي مثل الموانئ والطرق والربط الكهربائي، 

ثالثًا: توحيد قواعد المنشأ والمواصفات القياسية للدول العربية، 

رابعًا: حرية حركة رؤوس الأموال، 

خامسًا: حرية حركة العمالة،

سادسًا: تنسيق السياسات المالية للدول العربية، وأخيرًا الوحدة الاقتصادية العربية وإصدار عملة عربية موحدة.

أما المتحدث الثاني فقد كان د.سعودي محمد عضو مخبر التنمية المحلية المستدامة، وأستاذ محاضر بجامعة يحي فارس بالمدية وعضو محكم في عدة مجلات محكمة في الجزائر. وقد ألقى كلمة بعنوان "التجارة البينية كمدخل للتكامل العربي - الجزائر نموذجًا"، ذكر فيها أن الدول العربية فشلت في أن تكون جزءًا من سلاسل القيمة العالمية. ويقصد هنا بمصطلح سلاسل القيمة أن كل دولة ليس من الضروري أن تتخصص في إنتاج السلعة بشكل كامل، بل أن تتخصص في جزء محدد منها. ويتضح من خلال البيانات أن معظم الدول العربية مثل السعودية، واليمن، والعراق، وليبيا، والجزائر، والكويت تقع في المستوى الأول من سلاسل القيمة، أي: أنها تتخصص في عدد قليل من السلع الأولية فقط وأن دول مثل مصر والأردن وموريتانيا تقع في المستوى الثاني من سلاسل القيمة أي أنها تتخصص في سلع أولية أكثر تنوعا. أما المستوى الثالث من سلاسل القيمة، فنجد فيها دولًا مثل المغرب وتونس، أي أنها استطاعت أن تكتسب قدرة على التحويل الصناعي والدولة الوحيدة التي استطاعت أن تصل إلى مرحلة متقدمة من التحويل الصناعي والتطوير هي الإمارات. 

والمتحدث الثالث في الجلسة الثالثة كان د.عبدالرحيم اللاوي اليوتيوبر الاقتصادي المعروف في الجزائر وصاحب كتاب (المبادرة الاقتصادية) وحامل لشهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية. كانت له مداخلة بعنوان "التجربة الاقتصادية للأفراد طريقنا للوحدة"، تحدث فيها عن أهمية إخراج الأجهزة البيروقراطية من الحياة الاقتصادية وتسهيل مبادرات الأعمال والاستثمار الفردية بناءً على مبدأ الرغبة الطبيعية لدى الأفراد في تحسين مستوى معيشتهم. وأكد أننا لو رأينا أن المبادرة الاقتصادية الفردية هي الأساس، فإن مسألة التكامل الاقتصادي ستحدث تلقائيا.

وفي النهاية، قدم المهندس محمد حمزاوي مبادرة لإطلاق مجمع لريادة الأعمال والاستثمار في الدول العربية، حيث ذكر أمثلة عن أهمية التكتلات أو المجامع الاقتصادية بين الشركات ورواد الأعمال داخل الدولة الواحدة، والتي لها دور أساسي في ترويج صناعات البلد وتقوم أيضا بالتأثير على القرارات الحكومية والسياسات التي تخص مجال عملها. وذكر عدد من فوائد لمثل هذه المُجمعات الاقتصادية، من ضمنها التعريف بالمنتجات أو الخدمات التي تقدمها المؤسسة وأيضا مساندة المؤسسات الأخرى في إيجاد فرص لترويج أعمالها.