شخصية الإنسان كما يقول علماء النفس وخبراء التنمية الذاتية هو مجموعة من العادات فشخصيتنا هي في أساسها مجموعة مركبة من العادات "اغرس فكرة، احصد فعلاً، اغرس فعلاً، احصد عادة، اغرس عادة، احصد شخصية، اغرس شخصية، احصد مصيرا" هكذا تمضي الحكمة الشائعة.

والعادة ببساطة كما يقول جاك كانفيلد في كتابه "قوة التركيز": ذلك الشيء الذي تفعله كثيرا، حتى يصبح أمرا سهلا  أو بعبارة أخرى هي "سلوك تداوم على تكراره، فإذا ما داومت بإصرار على اتباع سلوك جديد، فإن إتيانه يصبح أمرا لا إراديا في آخر الأمر".

والعادة هي: الأمر الذي يتكرر بانتظام في حياة الإنسان بوعي أو بغير وعي، بإرادة وبغير إرادة، أحياناً بإملاء من العقل الظاهر، وأحياناً بإملاء من العقل الباطن.

ويرى خبراء النفس أن 90 % من سلوكياتنا المعتادة تعتمد على العادات، فالكثير من أنشطتنا اليومية هي ببساطة أعمال روتينة… فمنذ اللحظة التي تنهض فيها من فراشك في الصباح، حتى اللحظة التي تأوي فيها إليه في الليل، هناك مئات الأشياء تقوم بفعلها بالطريقة نفسها كل يوم، وهذه الأشياء تضم الطريقة التي ترتدي بها ملابسك، وتستعد بها ليومك، وتتناول بها إفطارك، وتطالع بها الجريدة، وتقود بها سيارتك إلى عملك، وتلقي بها التحية على الأخرين، وتحدد بها مواعيدك، وتعمل بها على المشروعات المهمة، وهذه الأنشطة التي تقوم بها منذ سنوات، أصبحت مجموعة من العادات الراسخة بشكل قوي، تؤثر وتحيط بكل جانب من جوانب حياتك، بما فيها عملك، وأسرتك، ودخلك وصحتك وعلاقاتك. ومجموع هذه العادات تحدد الطريقة التي تسير بها حياتك، وملامح مستقبلك. (جاك كانفيلد: قوة التركيز، ص17)

وقد نقل تشارليز دويج في كتابه "قوة العادات" عن باحث في جامعة ديوك الأمريكية في عام 2006م" بأن 40 بالمائة من الأفعال التي نقوم بها في حياتنا اليومية هي عبارة عن عادات ليس لها علاقة بهل فكرنا بها أم لا تم اكتسابها بشكل تراكمي حتى أصبحت روتينا". ص13

وما قاله علماء النفس وخبراء التنمية الذاتية ليس أمرا بِدْعا في البحث العلمي، بل قاله علماؤنا الأقدمون. حيث يقول ابن قيم الجوزية في كتابه الداء والدواء: "الخطرة تنقلب وسوسة، والوسوسة تصير إرادة، والإرادة تقوى فتصير عزيمة، ثم تصير فعلًا، ثم تفسير صفة لازمة وهيئة ثابتة راسخة" ص 99.

ويقول أيضا "دَافع الخطرة فَإِن لم تفعل صَارَت فكرة، فدافع الفكرة، فان لم تفعل صَارَت شَهْوَة، فحاربها فَإِن لم تفعل صَارَت عَزِيمَة وهِمَّة، فَإِن لم تدافعها صَارَت فعلا فَإِن لم تتداركه بضدّه صَار عَادَة، فيصعب عَلَيْك الِانْتِقَال عَنْهَا" كتاب الفوائد ص 31.

ويقول الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502هـ): "وأما العادة: فاسم لتكرير الفعل أو الانفعال، من عاد يعود، وبها يكمل الخلق، وليس للعادة فعل إلا تسهيل خروج ما هو بالقوة في الإنسان إلى الفعل" ص 97.

ما من شك أن العادات السلبية يمكنها أن تؤثر بشكل كبير في شخصية الإنسان، وطريقة تفكيره، ومن هذه العادات على سبيل المثال: أن تستسلم لآراء الآخرين فيك، بالاعتقاد أن رأي الآخرين بك هو واقعك، أن تتصف بعادات المماطلة، التأجيل، الكسل، أن تقارن نفسك مع الآخرين فتُصاب بالإحباط، أن تكون لديك أفكار رائعة دون وجود النية لتنفيذها، الخوف من الانتقاد، الخوف من الفشل… إلخ.

"فالعادات خيارات أوتوماتيكية تؤثر على القرارات الواعية التي نتخذها. نعم، يمكن أن تكتمل العادة بعد بضع ثوان، غير أن بمقدورها أيضا أن تتشكل الأفعال التي تستغرق الدقائق أو الساعات التالية عليها" جيمس كلير، العادات الذرية، ص 185.

إذن تذكر أنَّ ما تختار أداءه تكرارا سيُصبح بالنتيجة عادة، من الصعب التخلي عنها. فإذا اخترت أن تبدأ نهارك بمهمات ذات قيمة منخفضة، فسوف تُطوِّر حالا عادة الاستمرار بالبدء بالمهمات ذات القيمة المنخفضة؛ وليس هذا نوع العادة التي ترغب بتطويرها أو الاستمرار فيها.  

كما أن اكتساب العادات الإيجابية مثل التواصل والتأثير والتخطيط والتنظيم واتخاذ القرار.... تُكتسب بالتدرب والتمرن والصبر. فبناء أي عادة يحتاج إلى وقت، وعلماء النفس يحددون إحدى وعشرين يوما لبناء العادات، وطبعا يعتمد ذلك على نوع العادة، فإذا كانت سهلة، ويسيرة احتاج الأمر إلى أسبوعين أو ثلاثة، وقد تكون العادة معقدة ومركبة وقد يتطلب هذا الأمر إلى عدة شهور. لكن طباع البشر مختلفون، والعادات نفسها مختلفة عن بعضها، فمنها من يحتاج لقوة إرادة عالية، والبعض لا يحتاج، ومن الممكن أن بعض الأشخاص يحبطون عندما يمر الوقت المحدد.

إذن "خذوا في حُسبانكم أن كل ما تفعلوه يؤثر على الشخص الذي تصيرونه، وهو ما يحدد في نهاية المطاف الحياة التي ستبتكرونها أخيرا وتعيشونها" هال إلرود، معجزة الصباح، ص 77.

إن مسألة الاعتياد كون الإنسان يكسب عادات حسنة جميلة، أو يتخلى عن عادات سيئة، ويجعل هذا مؤثراً في شخصيته؛ بحيث يكون الخير عادة عنده وجزءاً من شخصيته، العادة دافع إضافي، مثلاً: يعتاد الإنسان على صلاة الجماعة في المسجد، أو يعتاد على صلاة الوتر قبل أن ينام، أو يعتاد على أن يقرأ حزباً أو حزبين من القرآن في كل يوم، أو يعتاد على صلة الأقارب والأرحام، أو على بر الوالدين، أو يعتاد على القراءة.

أفضل الأشياء أن يحول الإنسان عاداته إلى عبادات، وليس العكس، بمعنى أنه حتى ما تفعله بمقتضى العادة، تحاول أن تستجمع وتستحضر فيه النية. والعبادة تصبح عادة بمعنى التكرار والمداومة، لا بمعنى أنها تحولت إلى مجرد عادة بلا فهم ولا تدبر.

وقد تحدث تشارليز دويج (Charles Duhigg) في كتابه قوة العادات عن القاعدة الذهبية لتغيير العادات، تلك القاعدة مبنية على خطوتين، لتغيير العادة، يجب أولاً أن نحدد مكونات حلقة العادة التي هي الدليل والروتين والمكافأة، ثم نقوم بتغيير جزء واحد فقط في الحلقة، وأسهل تغيير جزء يمكن تغييره في تلك الحلقة هو الروتين.

يتضمن هذا المطبوع (PDF) -والذي أرجوكم طباعته- 31 خانة (شهر)؛ حدد كل يوم عادة أو عادات إيجابية تريد اكتسابها، وكل يوم نفذت تلك العادة، ضع علامة (+) مثلا في اليوم المقابل، وإذا لم تنفذها، ضع علامة (-) في اليوم المقابل، ولكن حاول في اليوم الموالي استدراك الأمر لتنفيذ العادة الإيجابية، وواظب على هذا حتى نهاية الشهر، ثم الشهر الذي يليه، وسترى آثار العادات الإيجابية على حياتك. كما يقول "جيمس كلير": التغييرات البسيطة تبدو غالبا، وكأنها لا تُحدث فارقا كبيرا، إلى أن تجتاز عتبة حرجة معينة. وأقوى النتائج الخاصة بأي عملية تراكمية تأتي متأخرة. عليك أن تكون صبورا. العادات الذرية، ص 39. 

وكما يقول روبن شارما: "التحسينات اليوميّة الصَغيرة إنْ تمّت على نحوٍ مُستمر سَتؤدي بِمرور الوَقت إلى نتائجَ مُدهشة" نادي الخامسة صباحا ص 63

خذ مثالا عادة "القراءة" فلو بدأت بقراءة فقط 10 صفحات، فإنك تستطيع قراءة كتاب من حجم 300 صفحة كل شهر، والنتيجة كما يقول "جاك كانفيلد" إذا قرأت كتابا واحدا كل شهر، في النشاط أو المجال الذي تعمل فيه، ففي عشر سنوات تكون قد قرأت مائة وعشرين كتابا، وهو الأمر الذي سوف يجعلك من الصفوة في مجالك (قوة التركيز، ص 28).

ومن له وقت، فليتفضل بمشاهدة الفيديو، ليتعرف على كيفية اكتساب العادات.