استضافت أكاديمية عمران في برنامج فنجان بزنس الدكتور ملهم الحراكي في جلسة حوار تناولت موضوع "كيف نحافظ على صحة نفسية جيدة للموظفين مع ضغوطات العمل؟" وذلك بتاريخ 10 يناير 2022 وقد حواره في البث المباشر على الصفحة الرسمية لعمران على الفيسبوك الأستاذة ديمة رجب، تطالعون فيما هو آت نص الجلسة.

ديمة رجب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا وسهلا بكم متابعينا في حلقة جديدة من برنامج بزنس وهي الحلقة الأولى لهذا العام والتي تطل عليكم إن شاء الله بطابع مختلف ومواضيع جديدة وشيقة بإذن الله تعالى ومختلفة تماما عما تعرضنا له سابقا وهو حول الصحة النفسية، واليوم جميعنا يدرك ويقر بأننا نعيش مجموعة من الضغوط النفسية وخاصة في العمل وكون العمل يأخذ وقتا كبيرا من يومنا بشكل عام وأيضا مع ازدياد الاحتياجات المادية زادت حاجتنا للعمل وبالتالي زادت الضغوطات أكثر. 

معنا اليوم الدكتور ملهم الحراكي استشاري الطب النفسي العام والعلاج النفسي للأطفال والمراهقين، رئيس الجمعية السورية للصحة النفسية سمح والمشرف العام على برنامج بصيرة للتدريب والاستشارات النفسية والتربوية أونلاين فأهلا وسهلا بك دكتور ملهم.

الدكتور ملهم الحراكي: أهلا وسهلا بك ديمة حياك الله وأسعد مساءك وسعيد باستفتاح سنة 2022 معكم.

ديمة رجب: ونحن أيضا سعداء، طبعا توجد نقطة أريد الإشارة لها أن الدكتور ملهم الحراكي وخاصة نحن في عمران رائدون في العمل عن بعد، فالدكتور ملهم الحراكي من أول من كان معنا في العمل عن بعد في البداية في الاستشارات النفسية صحيح؟

الدكتور ملهم الحراكي: نعم بدأت فيها كعمل كان متقطعا نوعا ما لكن في 2016 بدأت بشكل رسمي لوجود الاحتياج خاصة لأهلنا في سوريا كانت الأزمة فكنا نتدخل أونلاين، والحمد لله وجدت لها فائدة كبيرة ثم بعدها سنة 2019 خططت لعمل البزنس انطلاقا من الأراضي التركية والحمد لله بدأنا قبل كورونا، سابقا كنا مترددين لكن كورونا أعطت لنا دفعة كبيرة جدا للمواصلة في عمران.

 

 

ديمة رجب: الحمد لله يعني الأمر رائع وفي التوقيت المناسب. طيب دكتور، ما هو الأمر الذي يمكن أن يجعل المرء سعيدا أو غير سعيد في عمله؟ 

الدكتور ملهم الحراكي: جميل أن نبدأ هكذا، أنا أسأل دائما أنت لماذا تعمل فيقول أعمل حتى أعيش، فالإنسان إذا سأل نفسه وتحرى نيته "إنما الأعمال بالنيات" نحن دائما نسأل في علم النفس لماذا أنت تذهب وتخرج للعمل صباحا حتى ربما لوقت متأخر من المساء؟ لماذا مثلا تمت استضافتني اليوم وربما أني تركت شيئا آخرا وأتيت إلى هذه الحلقة؟     

فإذا نحن حاولنا التفتيش في هذا الموضوع فنجد أننا نحن كبشر مبرمجون أن نبحث عن المتعة، أن نبحث عن السعادة ولكن البعض يضيع البوصلة ويحاول أن يعمل فقط وينسى موضوع الاستمتاع، وينجب الأولاد ويبقى على نفس الشيئ، فأنت إذا ارتقيت بهدفك من العمل بأن تكون سعيدا في عملك وبالتالي لما يكون الإنسان سعيدا في عمله هذا يعني أنه مع السعادة سيحقق الرزق باذن الله تعالى، فأنا دائما أنصح نفسي وغيري أن تسأل نفسك أنت لماذا تعمل؟ وهل تستمتع بعملك أم لا؟ 

يوجد كتاب اسمه السعادة في العمل وهو كتاب مترجم قرأته صدفة في إحدى المكتبات وهو معروض للبيع بسعر منخفض اقتنيته ولما رأيت أن الكتابة متخصصة في شيء اسمه علم نفس الوظائف وكنت في تلك الفترة أعاني منذ فترة في نفس الوظيفة وأصبحت مملة بالنسبة لي وكنت أحس أنه يبغي أن أعمل شيئا آخرا كان ذلك في حدود 2013/2014 فلما وقع هذا الكتاب بين يدي أحسست كم نحن مغبونون.. كيف يكون هذا الكتاب مرميا بهذه الطريقة والأشياء التي يحتويها قيمة جدا ويتحدث عن المواضيع التي سنتناولها الآن والتي يمكن أن ينساها أحدنا في سياق حياته ويقول أن أعمل وأحصل على راتب وانتهى الأمر، يمكن أن يقول أحدهم لابد أن أعمل حتى أعيش يعني أنت ستعمل ستعمل، ذلك سيستغرق بالضرورة وقتا فلماذا لا تستمتع بذلك ويكون ممتعا دون أن تشعر بالضغط وتعيش على أعصابك؟ لماذا لا تقرر الاستمتاع في هذا العمل؟ وفعلا لما الإنسان يأخذ قرار ويغير النية باتجاه هذا العمل سيجد في ذلك متعة ورزقا ويزداد الرزق لوجود أجواء إيجابية في العمل.

ديمة رجب: يعني تصبح الأجواء أكثر متعة.

الدكتور ملهم الحراكي: نعم بالضبط.

ديمة رجب: طيب دكتور هل توجد ضغوطات في العمل يمكن أن يشعر بها الموظف؟ وهل فعلا هي مرتبطة بالسعي في الرزق أو ربما بطريقة تعامل الموظف مع بقية الأشخاص أو غير ذلك.

الدكتور ملهم الحراكي: ضغوطات العمل قد ترجع لشخصية العامل أو الموظف نفسه مثل بعض الشخصيات التي أسميها الوسواسية والقلقة التي غالبا تضخم الأمور وربما أنها الأحسن في إنجاز هذه المهمة، فهذه الشخصية متعبة في العمل تتعب نفسها وغيرها. الضغط الأكبر يأتي من المدير، قرأت دراسة أن أكثر الأشخاص تُضغط في العمل بسبب العمل المباشر بين الموظف ومدير العمل، أحيانا توجد أمور صغيرة تسبب ضغوطا في العمل إذا انتبه لها تتحسن سعادته في العمل. مثلا قرع الباب وفتحه عدة مرات هذا التصرف من بعض الأشخاص يسبب قلقا للآخرين وأنا أحدهم فربما مثلا أن أشتغل على كتابة ملف فإذا كل لحظة يقوم أحد بدق الباب ويدخل هذا الأمر يقطعني عن العمل ويزعجني، فإذن توجد بعض الأمور في العمل تظهر على أنها بسيطة ولكن قد تكون مزعجة بالنسبة لك. ربما يشعر الشخص بالضغط من شيء ما ولكن لا يعرف بالضبط ما السبب، فهنا توجد مقاييس يضعها المتخصصون في علم نفس الوظائف مثلا مقياس رضا النفس الوظيفي، مقياس السعادة في العمل…

 

هذه المقاييس تنبهك لأمور ربما لم تنتبه لها ببساطة، إذا لم تستطع الحصول على هذه المقاييس حاول أن تمسك ورقة وقلم وتقوم بتدوين الأشياء التي تحس أنها تزعجك ممكن تكون شعارات جوالك أو ربما لا يوجد أمامك ماء لأنه أحيانا الريق الجاف يسبب القلق، وجود رائحة زكية أو نبات في مكان.. فإذن توجد تفاصيل صغيرة إذا قمت باضافتها في مكان عملك قد تحسن مستوى رضاك في هذا العمل.

وأعود وأكرر أن وقتك في العمل سيمضي سيمضي فالأحسن أن تكون مستمتعا به، مع الأسف نحن مبرمجون في مجتمعنا أن لقمة العيش ممزوجة بالدم دلالة على أن العمل فيه ضغط وتعب وذل وقهر. فهذه البرمجة الداخلية أنا لا ألوم أي أحد فيها، لأنه إذا رجعنا لزمن سابق في مجتمعنا فنلاحظ أن العمل كان صعبا جدا في تلك الفترة وفيه قهر واضطهاد وديكتاتورية وفعلا كان العمل شاقا جدا ولكن أنت الآن إذا تحسن عملك ولا يوجد فيه هذه الظروف القاسية، فلماذا أنت تفتعل هذه الظروف وتضغط على نفسك.

أنا لاحظت الآن الناس تعمل عن بعد وهذا فيه ضغط يمكن أن البعض لا ينتبه له. فمثلا ليس له مكان معين بالبيت للعمل فربما جلس إلى طاولة الأكل من الصباح حتى المساء وهو يعمل، فأنا أنصح دائما أن يختار غرفة أو زاوية و لو صغيرة إذا كان بيتك صغيرا وأغلق على نفسك واعتبر نفسك أنك فعلا في مكان العمل خارج البيت وخذ الوضعية الوظيفية يعني ارتدي ملابس العمل لأن الإنسان في طبيعة عقله يميل إلى التنظيم فإذا أنت تعمل بملابس البيت وتجلس على سريرك أو مع أولادك وتعمل فهذا الأمر غير سليم ولا تقل أنني تعودت فأنت تدمج بين ضغط العمل وضغط الأولاد مثلا وعليه أنا أنصح للعامل أونلاين أن يفصل بين عمله الوظيفي في البيت وبين حياته العائلية ولما ينتهي يعود إليهم ويخبرهم أنه انتهى فهذا أمر مهم ينبغي القيام به حتى لا تدمج ضغوط العمل مع ضغوط العائلة.

ديمة رجب: حتى التشتت يؤثر لما يشعر الإنسان أنه لم يأخذ المحيط المناسب.

الدكتور ملهم الحراكي : صحيح، وخاصة بالنسبة للذي يعمل على مكتب، واجهة المكتب تؤثر فمثلا كان مكتب أحد الموظفين يقابل الحائط مباشرة فقلت له أنك غير مرتاح فقال لي مديره: بلى، هو مرتاح. قلت له: لا هو غير مرتاح ولم يخبرك، فرد الموظف فعلا أنه غير مرتاح. 

فيوجد أمور بسيطة لا ننتبه لها نصبر ونمررها وهذا خطأ فلما تكون مستمتعا بعملك حتى مديرك يفرح لهذا الأمر ويشكل جوا إيجابيا، وحتى هذا كما ذكرنا بإذن الله يزيد الرزق لأنه يصبح هناك إبداع وأفكار جميلة فهذه الأخيرة لا تأتي مع الجو المشحون والانفعالات.

ديمة رجب: يعني الأمر الذي نستنتجه أن العمل بهذا الضغط والانفعالات يضعف الإنتاجية وكذا نفس الشيء بالنسبة لرائد الأعمال. طيب في البداية ذكرنا أن الأمر مرتبط بالشخصية والتعاملات مثلا مع المدير هل هذا يدخل ضمن الذكاء العاطفي وضرورة التعامل مع الشخصيات المختلفة مثلا؟ 

الدكتور ملهم الحراكي: الذكاء العاطفي أعتبره علما إداريا فأول نشأة له هي نشأة إدارية وتطوير مهارات الذكاء العاطفي حسب أول كتاب نشر دالين جونمن يقول كلما نحن اتفقنا على الذكاء العاطفي دولار يأتينا مقابل 20 دولار في الذكاء العاطفي، الذي لم يسمع عنه أو لا يعرفه هو فن إدارة المشاعر الداخلية وفن التعرف على مشاعر الآخرين والتعامل معهم إذا هو أن أعرف هذا المدير ما وضعه؟ أو أنني أعرف طبيعة الموظفين، أعرف كيف أتعامل، كيف أتصرف، كيف أحل المواقف.. هذه طبعا مهارات إدارية مهمة جدا جدا، أيضا يوجد الذكاء العام المتعلق الانتباه والتركيز والذكاء واللغة … إلخ وهذا أيضا مهم، ولكن إذا كان الإنسان ذكيا جدا وكانت بيئته إيجابية الذكاء العاطفي يبقى مهما جدا. الذي يصنع الشاي والقهوة مع احتراماتي لكل الحاضرين أن يكون لديه ذكاء عاطفيا أفضل من المدير نفسه، أن يكون لديه القدرة على مواساة الآخرين والتعاطف معهم، يتفهم الشخص الذي يغضب فتجده محبوبا من الجميع فهذا نتعلم منه الذكاء العاطفي. 

بالمناسبة لدينا شخص يعمل عندنا بالتنظيف والصيانة وهو ينشر جوا إيجابيا من أفضل ما يكون، الواحد منا ينظر إليه كيف هو يحب عمله ومستمتع به فهذه النفسية الطيبة والقدرة على إدارة المشاعر والتحكم فيها تعبر من مهارات الذكاء العاطفي.

ديمة رجب: فقط أضيف مداخلة في إحدى الحلقات ذُكِر أنه في كندا عامل النظافة له مكتبه فيحس أنه يقدم عملا مهما ومهمته تجميل المكان، فأنت لما تقدم الاحترام للشخص مهما كانت وظيفته فأظن هذا من الأمور التي تجعل الشخص يرتاح أكثر بعمله صحيح؟

الدكتور ملهم الحراكي: صحيح فعلا، يعني الآن وأنا أشرب الشاي تذكرت أن الانسان وهو يعمل بحاجة أن يكون بجانبه شيء من المشروبات أو الماء مثلا لأن هذا يحسن من عملية الاسترخاء. توجد معلومة لا يعرفها الكثير وهي جدا مهمة وتصنع الفارق عند معرفتها مثلا أنصح أن يضع الانسان بجانبه علكة فمثلا توجد أعمال تأخذ وقتا وتحتاج إلى المداومة على التركيز، العلكة أو ارتشاف الشاي مرة على مرة سيساعدك فأنا أقول دائما للشباب معي تذكروني بالشاي والقهوة لأن الواحد فينا ينسى نفسه حتى يدخل في حالة عصبية فجفاف الشفاه يجعل الدماغ مشدودا قليلا بمجرد أن تقوم بترطيبها تحس بالاسترخاء شيئا فشيئا أيضا الإماهة عن طريق شرب الماء يؤثر بشكل إيجابي فمن الأحسن أن تضع أمامك أو على مكتبك كوبا من الماء أو شيئا من المشروبات المريحة أو المنبهات وضع نبات وغيره بالمكتب، هذه الأجواء جميل أن يحرص عليها الإنسان.

أتذكر في أحد المرات اشتكى لي أحد الأصدقاء وكان طبيبا سألني كيف تتصرف مع الأطفال لما يزورون العيادة، فسألته ما الذي يوجد عندك أشياء للأطفال التي يمكن أن يتسلى بها الأطفال عند زيارتك؟ فقال لي لا يوجد عندي شيء، يعني في الأخير هي عيادة ما الذي يمكن أن يوجد بها؟

فقلت له لابد أن تحضر على الأقل ألوانا ودفترا فجرب ذلك وبعد فترة شكرني على الفكرة، فأحيانا نحن لا نعرف كيف نتصرف مع الأطفال فيقوم هو بتصرفات تزعجنا فدائما الأماكن التي يزورها الأطفال لابد أن تحتوي هذه الأمور أقل شئ ألوان و أوراق بيضاء يتسلى الطفل وينشغل بها وهذا مهم جدا ويدخل ضمن إدارة الضغوط. هي أمور بسيطة لكن لها أثر في العمل وتحس أنك مسيطر على جو المكان ففي إدارة الضغوط المفتاح هو القدرة على سد الأمر الذي تأتيك منه ضغوط.

حتى العمل على شاشة الكمبيوتر، فالأصل العمل ل20 دقيقة ثم تلغي هذا التركيز، أيضا الدماغ الذي يكون عليه ضغط كبير بالإضافة لمواقع التواصل والكمية الهائلة من الرسائل التي يمكن أن تأتي الشخص فهذا الدماغ يتعب، فعلى هذا الشخص أن يجعل دماغه يستريح ويسترخي بالماء وببعض المكسرات. فإذا بعض الأمور فعلا تلعب دورا في تحسين بيئة العمل مثلا أحد الأشخاص يعمل في البنك فيقول لي أن لديه عمل كثير وقلق عال من مدير العمل فعليه ضغوطات عالية حتى أنه يتناول أدوية فاقترحت عليه بعض هذه الأمور وحبة علكة مثلا فقال ممنوع عندهم في العمل فقلت له على الأقل اختر شيئا إما علكة أو ماء وتشرب باستمرار فهذا الأمر جد بسيط ويلعب دورا في إدارة الضغوط.      

ديمة رجب: الإنسان اليوم حياته كلها ضغوطات ليس فقط ضغوطات العمل توجد مقولة يقولها الكثيرون: أفصل وقت العمل عن وقت البيت ووقت البيت عن وقت العمل، هل فعلا الإنسان قادر على الفصل؟

الدكتور ملهم الحراكي: صحيح، هذا مختلف بين الرجل والمرأة بهذه الحالة، فالرجل يستطيع الفصل لأنه يستغرق في عمل واحد في وقت واحد على عكس المرأة كما هو شائع أنها يمكن أن تقوم بعدة أعمال أو تفكر في عدة أشياء في وقت واحد وهنا الرجل إذا عاملته المرأة حسب عقلها تتعبه فتعامله على أساس عقله وهو يعاملها على أساس عقلها كيف يعني.

يعني مثلا أن الرجل بمجرد عودته من العمل إلى البيت من المتوقع أنه يحتاج لوقت يغير فيه عباءة العمل ويرتدي عباءة البيت وبالتالي على الزوجة أن تُعلّم الأبناء أن ينتظروا قليلا الأب حتى يرتاح ويأكل بعدها بإمكانهم اللعب والفضفضة معه. أما النساء ربما هن أسرع في عملية الانتقال أنا أعتقد هذا لأنه وهي في العمل تفتح ملف العمل وملف البيت والأولاد وملفات أخرى فلديها القدرة على هذا.

​​​

ديمة رجب: جميل، بالرجوع إلى بيئة العمل عن بعد على الإنسان أن يحاول قدر الإمكان خلق بيئة منفصلة تساعده على العمل بصحة نفسية أكثر.

الدكتور ملهم الحراكي: وبالنسبة للحياة الزوجية المفضل أن يكون هناك ابتعاد واقتراب فالبقاء طيلة الوقت بالبيت يتوقع أن يحدث مشاكلا فمن عمله عن بعد ومضطر للبقاء بالبيت فلابد أن يبحث عن يوم أو يومين يغادر إلى مكتب خارج البيت ويبتعد قليلا.

ديمة رجب: والجميل في وقتنا هذا توجد مكاتب للاستئجار للعمل بها ومقاهي توفر هذه الأجواء للعمل. طيب هل التعامل مع الضغوطات تختلف من شخص إلى أخر؟ و هل توجد أنماط محددة للشخصيات يمكن الحديث عنها؟

الدكتور ملهم الحراكي: لا بالنسبة لأنماط الشخصيات يوجد لدينا أنماط شخصيات مضطربة نفسيا لأنه يوجد لدينا اضطرابات نفسية واضطرابات شخصية. الاضطرابات الشخصية عادة تتشكل من بداية عمر الإنسان إلى عمر 18 سنة فنقول أن هذا عنده اضطراب شخصية مرتبطة.

إجمالا إذا أتينا إلى الوضع الآن نقول أن شخصية الإنسان تنضج في حوالي سن 23 إلى 25 سنة وهكذا يكتمل النضج إلى سن 40 سنة فهذا تصنيف أحد العلماء. رسميا بلغة التشخيصات العلمية الرسمية في سن 18 سنة. إذن الآن نتكلم حول الاضطرابات الشخصية. فإذا قلت لي "اكتئاب" أقول لك هذا اضطراب نفسي، إذا قلت لي "انفصام" أقول لك هذا اضطراب نفسي، هذان لا نتكلم عنهما الآن. نحن نتكلم حول الاضطرابات الشخصية التي تبدأ في التشكل في الست أو سبع سنوات الأولى من عمر الإنسان بعلاقته مع والديه، علاقته مع المدرسة، ويكتمل هكذا إلى سن 18سنة. بعدها يمكن أن أقول أن هذا الشخص معه اضطراب نفسي وأتوقع الأمر أكثر بعد سن 23 إلى 25 سنة. الآن بالنسبة لتصنيف الشخصيات يوجد الكثير من التصنيفات ولكن دعينا نركز عن تصنيفات الشخصيات المتعلقة ببيئات العمل.

الشخصية القلقة أو الشخصية الوسواسية: هذه الشخصية التي تهتم بتفاصيل كل أمر، دقيقة جدا وقلقة وتنشر القلق. عادة الشخصية الأعلى من هاته الشخصيات في العمل المدير يراهم أشخاصا مثاليين لأنهم يهتمون بكل الأمور إلا إذا دخلوا في وسواس قهري، أما من ناحية الإتقان والاخلاص فهم جيدون وهم من الشخصيات التي نبحث عنها في بيئات العمل من ناحية الإتقان والدقة في العمل وهذا الحرص يتعب من يعملون تحتهم فأمر التعامل معهم صعب قليلا.

يوجد هناك نمط شخصية جميلة في تصنيف الشخصيات وهي الشخصية غريبة الأطوار تجده عادة انعزاليا باردا عاطفيا، همه الوحيد العمل وتجد علاقاته الاجتماعية قريبة من الصفر همه الجلوس على حاسوبه والعمل دون الاختلاط مع الناس.

وتوجد شخصية الشكاك تجد أنه اجتماعي لكنه شكاك لا يثق في الغير ودائما يتوقع أن تكون شخصا سيئا ويطرح السؤال كيف نتعامل معه.. فهذا الأفضل أن تهرب وتبتعد عنه لكن إذا كنت مضطرا لا تحاول تغييره لأنه أمر صعب وهذه شخصيته وحاول قدر الإمكان أن تجعل مسافة بينك وبين هذا الشخص، حاول أن تكون واضحا جدا معه ورغم هذا سيبقى يشك فيك تجنبا لمشاكل قد تأتيك منه.

الشخصية متقلبة الأطوار فتراه أحيانا شخصية محبوبة جدا وأحيانا أخرى ينعكس ذلك وهنا الناس التي لديها ذكاء عاطفي تنتبه لهذه الأمور وتعرف كيف تتعامل معها.

وهنا يوجد ما يعرف بمرض ثنائي القطب، أحيانا الشخص يكون في سعادة وبشاشة وأحيانا أخرى كئيبا جدا لدرجة لا تطاق وهي تأتي في أيام وليس في ساعات وهنا الأحسن في وقت الاكتئاب نحاول عدم الضغط لأنه يحتمل أن تكون ردود فعله سيئة.

ديمة رجب: هل يوجد اختبار يمكن لصاحب المؤسسة القيام به لمعرفة هذه الشخصيات قبل التوظيف؟

الدكتور ملهم الحراكي: الآن بأمريكا ظهر ما يعرف بعلم النفس الوظائف أو المنظمات وهو مطلوب كثيرا لكن بوطننا العربي ممكن بعد عشر سنوات يكون وهو فرع مهم جدا جدا من فروع علم النفس وهو متخصص في المهن والعلاقات والميول المهني، الضغوطات المهنية، رضا الموظف لأن الآن كل الشركات تعتمد بالدرجة الأولى على المورد البشري وهو أمر مهم في العمل لما يكون المورد البشري مرتاحا يأتي لنا بأعمال جديدة.

ديمة رجب: بالنسبة لقضية الصحة النفسية واختباراتها الآن مثلا في تركيا أصبحت تطبق على شهادات السياقة. لكن توجد شخصية طبيعية وعادية ليس فقط الشخصيات التي ذكرناها صحيح؟

الدكتور ملهم الحراكي: صحيح أكيد، مثلا نحن شكاكون لكن ليس لدرجة كبيرة. فلا يصح أن يكون الإنسان قلبه طيب جدا ولا يشك أبدا، فكل شخص له درجة من الشك ودرجة من القلق ودرجة من تقلبات الأحوال في الشخصية. فنحن متى نقول أن هذا الشخص لديه اضطراب في الشخصية؟ لمّا هذا القلق يحدث له اضطرابا في الشخصية وهذا يؤثر على وظيفته وأدائه العام ويؤثر على مهنته وأسرته وأصدقائه، هنا نقول هذا اضطراب الشخصية القلقة وهنا نعود مثلا للأشخاص المبرمجين الذين يعملون كثيرا على جهاز الكمبيوتر فهو يفضل البقاء هو وحاسوبه وهنا ممكن أن يكون هذا الشخص تجنبيا وقد يكون طبيعيا. فانا كأب إذا لمست عند ابني أن هذه السمات أو أنا كمدير لاحظتها عند موظفي فلا يجب التركيز على نقاط الضعف بهذه الشخصية، بالعكس لابد من التركيز على نقاط القوة. 

فمثلا إذا لاحظت أنه تجنبيا فلا أقول أنا كمدير لابد أن أوجهه وأجعله في المقدمة، بل أضعه في أعمال تجنبية حتى لا أخرج نقاط ضعفه والعكس إذا كان الشخص منفتحا واجتماعيا وقد ينزعج بالبقاء لوحده فأضعه بمكان منفتح مع الناس.

ففهمي للسمات الشخصية لها لا يقوم على تغييرها فالأصح التعرف على هذه السمات وتوظيفها في المكان المناسب. توجد أيضا الشخصية الاعتمادية، فهذا الشخص يصعب أن تغير شخصيته والأمر صعب جدا وليس بتلك البساطة لأن له علاقة بأمر ماضي والرجوع الى الطفولة وهذا صعب قليلا.

ديمة رجب: طيب، في اختبار الشخصية مجال السمات القيادية يمكن اعتماده في التوظيف؟

الدكتور ملهم الحراكي: نعم توجد اختبارات علمية معتمدة وذات مصداقية عالية مثل اختبارMB3A هذه اختبارات شخصية إدارية أو عيادية يحتوي حوالي 300 سؤال يأخذ ساعتين من الوقت في الأسئلة.

ديمة رجب: الآن أعود بك أستاذ لقضية الضغوطات فكم يحتاج الموظف من الإجازات والاستراحة؟

الدكتور ملهم الحراكي: إذا أردنا الحديث حول الإجازات فهي أنواع. أنا لاحظت بعض الأشخاص يعمل ثلاث أو أربع سنوات دون أخذ إجازة، فيمكن القول أنه توجد إجازة يومية أنصح الموظف التوقف بعد حوالي ساعتين لاستراحة مدتها من دقيقتين إلى عشرين دقيقة، استراحة بأي شكل: أكل، شرب، صلاة مشي وخاصة المشي لأن الجلوس لمدة كبيرة دون تحرك خطير جدا وله مشكل على الجهاز العصبي والهيكلي والقلب. فالذي أنصح به هو المشي السريع بدون كلام لمدة ثلاثين دقيقة في اليوم أو سبعة آلاف خطوة أو مائة وخمسون دقيقة في الأسبوع مجتمعة أو متفرقة. وهذه السبعة آلاف خطوة تقي من عدة أمراض نفسية وجسدية لو يحافظ عليها الإنسان يوميا. أما إذا كنت تريد الأقل توجد دراسة حول مئة وخمسين دقيقة أسبوعيا تعادل فعالية الأدوية النفسية وهذا المعيار الذي أنصح به الناس عادة. أيضا لابد أن تكون ساعات العمل أربع ساعات يتخللها فترة استراحة. أيضا بالنسبة لبعض المناطق الحارة مثلا ببعض دول الخليج لابد أن لا يبقى كل تلك الفترة الصيفية هناك وأنا أنصحه بترك المكان ليومين، هذا يساعدك على إدارة الضغوط ولابد من التحضير للإجازة مسبقا.

ديمة رجب: وخاصة أستاذ قضية وسائل التواصل الاجتماعي ودخول الإنسان إليها وما تولده من ضغوط، فأظن أن الإنسان مرات يحتاج الانقطاع عن مثل هذه الوسائط.

ملهم الحراكي: نعم فعلا صحيح حتى قضية مسك الهاتف على الأذن أو السماعات، كما هو معلوم أن الهاتف يحتوي على أشعة ودارات كهربائية وحتى الدماغ فيه أشعة ودارات كهربائية فهذا الأمر في حد ذاته يسبب قلقا. وأيضا أريد الإشارة الى بعض العبارات التوكيدية وهي فعلا مهمة جدا وتصنع سعادة عندي مثل استشعار نعمة الوظيفة وربما غيري لا يملكها وتحمد الله على نعمة التعلم مثلا وكل الأمور التي تعودت عليها، من المهم تجديد النوايا. 

ديمة رجب: هل سبق لك أستاذ أن قابلت مؤسسات أو شركات تهتم بالصحة النفسية لموظفيها أو تقدم فقط الوظيفة.

الدكتور ملهم الحراكي: للآسف يعني هو الصراحة الآن مطلوب ترند علم النفس الوظيفي لأننا دائما نتحدث في شركاتنا عن الربح أولا ودائما الضغط يكون على العمال أما الأجواء المريحة في العمل مثل ما رأيت في بعض الشركات في السعودية توفر بيئة عمل جيدة للعمال. فالمطلوب تقديم الراتب للموظف وأيضا جعله سعيدا في عمله، هذا يعطي ولاء أعلى للموظف لكن مع الأسف لا يوجد هذا الأمر بصورة كبيرة. مثلا شركة غوغل لا يريد موظفيها مغادرة مكان العمل كونهم مستمتعين بالمكان وبالعمل هناك لأن البيئة مريحة وجذابة للموظفين.

ديمة رجب: قرأت في التقارير أن إحدى الموظفات مستاءة من بيئة عملها ولا تراها محفزة رغم أنهم يوفرون لهم قاعة رياضة وحفلات وأكل صحي مجاني غير أنها تبحث عن توفير متخصصين في الصحة النفسية لمتابعتهم كموظفين.

الدكتور ملهم الحراكي: هم عادة يحضرون ممرنا نفسيا لإدارة الضغوط التي نتكلم عنها، في إحدى الدراسات على المدراء والموظفين سألوا المدير أنت ما الشيء الذي تريده وترغب فيه؟ وما الذي يريده الموظف فقال أكيد يريد رفع الراتب ولكن الشيء المفاجئ أن الموظفين كانوا يبحثون عن التقدير، فالمدير كان يعتقد أن الموظف فقط يرغب في رفع الراتب ولكن هناك حاجة معنوية يجب العمل عليها كمسألة حب التقدير والانتباه للجهد.

ديمة رجب: فعلا، صحيح. طيب لدينا بعض الأسئلة نمر إليها.

السؤال يقول ماهو المقياس الذي يمكن استخدامه لقياس الضغوط عند الموظفين؟

الدكتور ملهم الحراكي: نعم توجد مقاييس للضغوط وهي مقاييس مهنية، يوجد استبيان الصحة العالمية هو اختبار اسمه الصحة النفسية للإنسان بشكل عام تبحث هل هناك موظف مكتئب أو حزين وتوجد أيضا استبيانات خاصة بالقلق وهذا تابع لقسم الإرشاد النفسي وله مستقبل واعد.

ديمة رجب: السؤال الثاني،

في حال لم يجد الشخص مجال العمل الذي يناسبه كيف يؤثر عليه عمله في مجال غير مناسب له لأنه مضطر لهذا؟ وكيف يتعامل مع هذا الأمر للحفاظ على نفسيته؟

الدكتور ملهم الحراكي: لما يكون الإنسان مضطرا فالأحسن يرتب الأولويات ويبحث عن مجالات أخرى ولا يعجز فالله أعطى لنا قدرات كبيرة وتنظيم الوقت.

ديمة رجب: ما الحل مع المدير النرجسي المتسلط في العمل؟

الدكتور ملهم الحراكي: إذا كان الشخص مسيئا لا تتحمل الإساءة، فالكرامة رقم واحد لا تسمح لأي أحد بإهانتك والرزق على الله وليس صاحب العمل وضع خطة لتغيير العمل.

ديمة رجب: إلى أي مدى يساهم رئيس العمل في التخفيف من الضغوط المهنية التي يفرضها هو نفسه؟

الدكتور ملهم الحراكي: العلاقة مع رئيس العمل هي التي تعطيك السعادة وهي التي تجعل عليك ضغوطا. العلاقة لابد أن تكون شاقولية فلابد أن نلمس من رئيس العمل المحبة والاحترام، والخوف لا يجتمع مع المحبة نفسيا وأسوأ شيء بالعلاقات التفكير في أنني مهم ولايمكن أن يتركني فهذه لابد الانتباه لها. 

لابد لصاحب العمل أيضا أن يلمس فيك الأمانة والإخلاص واستثمار الوقت، فكل ما كان الرئيس والموظف يعملون بفاعلية عالية مع وجود متعة سيكون العمل ايجابيا والمنفعة متبادلة، فيوجد فرق بين أن يكون الموظف منتجا محسنا مبدعا وبين أن يكون منتجا فقط.

ديمة رجب: توجد نقطة كنت مررت عليها سابقا وهي تقصير مدة العمل، هل ممكن يكون التركيز في العمل على هذه الساعات؟

الدكتور ملهم الحراكي: الآن توجد دراسات على عدد ساعات العمل التي لا تجعل الموظف يدخل في اضطرابات نفسية، فأنا حسب الدراسات التي اطلعت عليها هي أربعون ساعة في الأسبوع وهذه دراسة على المجتمع البريطاني ويوجد من ينادي بالعمل لثلاثين ساعة ولكن أظن فترة أربعين ساعة مع فترات متقطعة كما ذكرنا.

ديمة رجب: هل البقاء في نفس المركز مقبول وأظن أننا تطرقنا له؟

الدكتور ملهم الحراكي: الأفضل لما المكان ليس مكانك فالأحسن كل ثلاث أو خمس سنوات إلى سبع سنوات لا تبقى بنفس الوظيفة.

ديمة رجب: شكرا جزيلا لك دكتور ملهم أتعبناك معنا وقد استفدنا من الحلقة جزاك الله خيرا. إذا تريد إضافة أي شئ تفضل، تذكرت الآن مسألة التنفس العميق إذا ممكن نعرج عليه بشكل سريع.

الدكتور ملهم الحراكي: نعم التنفس العميق أمر مهم يجب أخذ نفس عميق كأنني أشم وردة بدون رفع الأكتاف حيث تكون بشكل معتدل ثم أحبس الهواء مقدار حركتين ثم أنخفض مقدار سبع حركات لإخراج الهواء ثلاث مرات خلال العمل وهذا يجعل الإنسان يستريح وأيضا الحركة وترك الجلوس لمدة طويلة جدا إن شاء الله يساعد.

ديمة رجب: إن شاء الله شكرا جزيلا دكتور وشكرا لكل المتابعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور ملهم الحراكي: وعليكم السلام ورحمة الله.