برغم ما تعانيه الأمة الإسلامية من هوان وتقهقر وتراجع في كافة المجالات، إلا أن جهودا تبذل هناك وهناك من طرف مفكرين وعلماء وخيرين هدفها إعادة الأمة إلى جادة الصواب من خلال شخصيات ومؤسسات تحمل من العلم والتمكن ما يجعلها قادرة على إحياء حضارة غاصت جذورها في الماضي وامتدت رغم أفول نجمها إلى اليوم، ولن ينطفئ تاريخ كان ولا يزال مثار إهتمام الشباب والمفكرين في الأمة إلى اليوم، فَزمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة مدرسة مفتوحة على التاريخ الإنساني لما أعطت من نماذج فريدة لم نجد لها في تاريخ الأمم السابقة واللاحقة مثيلا، وهذا جعل هذه المدرسة تتحول إلى قدوة للكثير، لكن مراعاة فارق الزمن بيننا وبينهم بحكم الاختلافات الموجودة في كل زمن. وفي هذا الإطار استضافت مدونات عمران في برنامج ساعة فكر ليوم الخميس 8 سبتمبر 2020 الدكتور رضا الحديثي حاوره مُعدّ البرنامج أ. شمس الدين حيمود، أين يسلط الضوء فيها على مواضيع تهم القضايا العربية والإسلامية مفككين تراكيبها ومحللين أبعادها بما يوافق صحيح النقل وصريح العقل. 

هل يمكن استنباط معالم الإعجاز النبوي الإداري في توزيع الموارد البشرية؟ 
نستقبل اليوم ضيف فاضلا لأنه تفضل علينا بقبول الدعوة وكريما لأنه تكرم بمجالستنا وسمح لنا بمجالسته وطرح أسئلة عن استثمار الطاقات المعطلة، الدكتور رضا الحديثي المشرف على مؤسسة مدرسة الصحابة لاكتشاف المواهب. سؤالنا الأول حول برنامج مدرسة الصحابة ماذا يعني؟ وفيما تتمثل المدرسة؟

البرنامج حقيقة انطلق منذ أربعة أو خمس سنوات، منْطلقه كان سؤال كبير لم نجد من يجيبنا عليه وهو كيف نستطيع نحن شباب الأمة أن نحدد دورنا الأنسب لخدمة هذا الدين ولخِدمة أمتنا؟

ما هو دوري الأنسب؟ ما هو مكَاني الأنسب؟ من الذي يستطيع أن يعطيني ويَختصر عليَ الجهد والوقت والزمن فيقول لي هذا المكان يناسبك وهذا المكان لا يناسبك؟ 

هل من الصحيح أن نبقى نكرر التجربة والخطأ بحيث يقضي الإنسان من عمره سنوات وهو يجرب موضعا هنا وموضعا هناك، ثَغرا هنا وثغرا هناك، وبالتالي قد يكتشف بعد عشر أو عشرين سنة أنه لم يكن في المكان الصحيح وأن جهده كان هباء لأنه كان في غير محله.

فريق المشروع كاملا كان يرى أن هناك فجوة تستحق أن يبحث عنها، السؤال الأكبر كان "هل يمكن أن نستدل أو نستنبط من منهجية الرسول عليه الصلاة والسلام في توزيع الأدوار للصحابة منهجية أو نمذجة نستطيع من خلالها القياس عليها؟

  فنقول: لو كنت تعيش في عصر النبي وزمنه، وكان النبي يوزع الأدوار فغالب الظن على وفق اجتهادنا أنك أقرب في قدراتك ومواهبك إلى فلان وفلان من الصحابة، وبالتالي لو درست ما الأدوار التي قدمت لك من النبي، فنحن نرى أن دورك الحقيقي بمواهبك التي تشبه مواهبهم ستكون أقرب لمواهبهم أو لأدوارهم التي أدوها، بمعنى أن نكتشف أدوارنا بعيني النبي عليه الصلاة والسلام من خلال دراسة بحثية تحاول أن تربط بين مواهب الصحابة وشخصياتهم ومؤهلاتهم الفطرية، ونقاط قوتهم الأصيلة في مقابل الأدوار التي كلفوا بها من النبي، أو تميزوا بها بإقرار النبي عليه الصلاة والسلام، وهنا سنكتشف المعادلة أن أصحاب هذه القدرات هم الأفضل في هذه الأدوار.

البحث مازال مستمرا لتنْظيجه وتطْويره وتنظيمه، كانت هناك معالم الإعجاز النبوي الإداري في توزيع الموارد البشرية واضحا جدا لدرجة نستغرب أن هذا الكنز الكبير غير مفعل في حياتنا المعاصرة.

مشروع مدرسة الصحابة هو محاولة تقديم دراسة بحثية قابلة أن تتحول إلى مؤشر أو مقياس مواهب قابل للتطبيق يستخدمُه الدعاة والمربون والمُؤثرون والمؤسسات التربوية والدعوية لمعرفة مواهب من معَهم، ويَستطيعوا من خلالها أن يحددوا أنواع الأدوار المناسبة لهم بدل أن ينخرطوا في التجريب والتجريب المستمر، وبالتالي قد يضيعون في متاهات لا نهاية لها، أو قد يعرفوا ذلك بعد سنين طويلة من ضياع الجهد والوقت والمال وتعب النفس والحال.

 وبالتالي فمدرسة الصحابة محاولة لربطناَ بجيل الصحابة بطريقة منهجية نستلهم منهم أدوارهم في واقعنا المعاصر.

بعد دراسة أدوار 25 صحابي..ما هو مؤشر قياس المواهب؟
دكتور رضا منذ انطلاق هذا البرنامج الهادف ما هي الخطوات منذ البداية إلى اليوم؟ أين وصلتم الآن؟

الفكرة ابتدأت من جانب بحثي، بحيث انطلقنا في دراسة سبعين صحابي من خلال دراسة شخصياتهم وأدوارهم، أطلقنا المشروع بعد إتمام دراسة 25 صحابي الأساسيين نتيجة وضوح العلامات، وأطلقنَاه في البداية في سنة 2016 أمام جمع غفير من أهل العلم من مجلس علماء الأردن، عرضنا عليهم المشروع، ابتداءً طرحناه أمامهم لنسمع من أهل العلم رأيهم، وبفضل الله كانت ردود الأفعال والنتائج مبشرة جدا، طورنا المشروع وحَولناه إلى برنامج تدريبي، ثم طورناه أكثر وأكثر، الآن هناك موقع إلكتروني يمكن من خلاله أن يستخدم الإنسان الموقع ويدخل ويطبق مؤشر لقياس المواهب، فيحصل على تقرير كامل لمَواهبه الفطرية الموجودة معه، وبالتالي يحصل على جدول لأسماء سادتنا الصحابة الذين كانوا يملكون هذا النوع من الموهبة، وما هي الأدوار التي تفوقوا بها؛ ومن خلال ذلك نستطيع أن نحدد أحد هذه الأدوار ليكون دوره ثم ينتقل لكتابة خطة مختصرة بآلية إبتكَرناها تكون أسهل طريقة لكتابة خطة، هذا هو المنتج الأول. 

الأمر الثاني هي سلسلة الكتب التي سنصْدرها، الجزء الأول من كتاب مدرسة الصحابة يتعلق بالتأصيل الشرعي والعلمي لهذه الفكرة وبفضل الله قدم لها أحد العلماء الفضلاء من أساتذتنا وهو الأستاذ عبد المحسن زين المطيري، وهو رئيس قسم التفسير والحديث بكلية الشريعة في جامعة الكويت، هذا الكتاب يقع في 160 صفحة تقريبا، يمثل المادة التأصيلية، بحيث كمية الاستشهادات الشرعية فيها بخصوص الصحابة وبِخصوص الرسول صل الله عليه وسلم هو أكثر من تعليقاتي على الأحاديث؛ وكما يصفه أحد أساتذتنا الذي هو الأستاذ عبد المحسن أنه أحد كتب الأثر ما تفرق من شواهد سير الصحابة في كتاب واحد.

 الجزء الثاني الذي هو متعلق في التطبيق؛ تطبيق نموذج الصحابة المتعلق بالذكاءات الأربعة الأساسية سيصدر بإذن الله قريبا في خلال شهرين، شهرين ونصف على أقل تقدير.

 دكتور رضا.. المتابعون قد يتساءلون هل فيه جزء ثالث ورابع أم يتوقف الأمر عند الجزء الثاني؟ 

في خطتنا أكثر من ذلك: 

  •  نريد كتابا لطلبة العلم الشرعي في تحديد تخصصهم الأنسب. 
  • نريد كتابا خاصا بدور المرأة.
  • جزء عن القيادة.
  • جزء عن التربية.
  • جزء عن الدعوة والدعاة وأدوارهم المختلفة.

 وفي البال الكثير من الأمور نسأل الله أن ييسر ذلك، لكن حقيقة الجزء الثاني سيعطي التأصيل ليكمل اللبنة الأساسية، ونطمع ونتمنى أن من يساندنا في الأمة ومن الحريصين بعد أن يفهموا في الفترة الأساسية، ويزيدوا من تطبيقاتهم لنحول سيرة الصحابة لنمُوذج قابل للتطبيق، وبالتالي نرى جمال سيرتهم وجمال تربية النبي عليه الصلاة والسلام لهم، وكيف أخرج من هؤلاء الجيل القرآني الفريد الذي لا زلنا نتمنى أن نرتبط بهم ونتبع سيرتهم.

تحليل سير الصحابة.. هل يقودنا إلى الاتباع بإحسان؟ 
كون الجزء الأول يتعلق بالتأصيل، سرني جدا وأنا قد كنت عزمت على سؤالك حول قضية الجانب الشرعي في هذا الأمر، وقد يقول البعض أن خوض هذه التجربة أمر صعب مهيب، قد يُفَضَلُ سد بابه دفعا لخوف الإساءه لجَناَبِ الصحابة الكرام، بوضعهم على آرائك فرويد قصد التحليل؟ هل من طمأنة لمن ينتابه هذا الأمر؟

ابتداءً هو فيه فصل كامل عن مسألة التحليل وفكرتها، أعطيك مثالا واحدا أسْتدل به كثيرا وتَخَيَلْهُ معي: لما النبي عليه الصلاة والسلام يتكلم عن الصحابة فيقول أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر، هذه الصيغة صيغة أفعل هي صيغة مفاضلة، والمفاضلة باللغة العربية تستدعي أن هناك قياسا للأفراد جميعا، فتَمَيُزْ أحدهم جاء بصيغة أفعل. 

لمَا النبي عليه الصلاة والسلام يقول أرحم أمتي دلالة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس درجة الرحمة لدى الصحابة فتبين له أن الأكثر رحمة هو أبو بكر، لما يقول "وأشدهم في أمر الله عمر"، النبي عليه الصلاة والسلام لن يقول أشد ما لم يكن قاس درجة الشدة لدى الصحابة جميعا "فقال أشدهم في أمر الله عمر"، هذه الصيغة صيغة التفضيل من أكثر الصيغ التي استخدمها النبي عليه الصلاة والسلام مع الصحابة في شواهد كثيرة وضعناها؛ معنى ذلك هناك مَعْلَمْ مهم في علاقة النبي مع الصحابة. 

 لما التقى النبي عليه الصلاة والسلام بأَشج عبد قيس من أهل البحرين، لم يلتقي بالنبي إلا مرتين، لكنه في اللقاء الأول وقد يكون الثاني، الرواية غير واضحة، لما جاء هو وقومه ليسلموا على النبي، النبي عليه الصلاة والسلام لاحظ أن سلوكه حين تأخر عن السلام، فذهب وبدل ثيابه وربط دواب قومه، ثم بعد ذلك أتى، قال له النبي عليه الصلاة والسلام أن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله هما الحلم والأناة، فهذه عملية تحليل، لَماَ النبي عليه الصلاة والسلام يتكلم مع ابن مسعود ويقول له أنك غلام معلم، لما يتكلم عن أبو ذر يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق ولا أوفى من أبي ذر، كثير من الشواهد تدل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يميز صفات الصحابة ويخبرهم بها.

 وهذه الميزة غائبة عنا نحن، عملية تمييز هذا الفرق هل فيه مشكلة؟ لو قلت لك ما هو الفرق بين سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر؟ لما تقول سيدنا عمر شديد، وسيدنا أبو بكر رحيم، هل فيه مشكلة في هذا اللفظ؟ فهذا اللفظ هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم عنه العلماء حينما ميزوا الفرق بين الشخصيات، في نص جميل أيضا ذكرناه هنا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يتكلم مثلا لماذا سيدنا عمر وضع وزيره أبا عبيدة، وكان سيدنا أبا بكر قد وضع وزيِره خالدا، والوزير هنا هو وزيره في الحرب، فتكلم ابن تيمية فقال لأن عمر كان شديدا ولِأن خالد كان شديدا كعُمر، وأبو عبيدة كان رفيق كأبي بكر، تشبيه بتَشبيه.

عملية التحليل في سير الصحابة وسير العلماء السابقين كثيرة جدا، لذلك أي كتاب في السير سواء كتب الذهبي أو كتب ابن حجر أو غيرهم، تجده عندما يتطرق إلى سيرة الصحابي يحلل الشخصية، كيف يحلل الشخصية؟ من خلال قراءته لسيرة الصحابي هذا، فيُعطينا خلاصة أن هذه الشخصية شخصية رحيمة لطيفة زاهدة، شخصية شديدة، كان معروف بكذا وكذا، عملية التحليل هي عملية مستخدمة عند سادتنا الصحابة السلف في قراءتهم لسير الصحابة.

نحن نتكلم عن شيء تُحُدِثَ به، لكن عملية أن تجمع هذه الصيغ؛ بمعنى أحيانا نضرب مثالا ونحن في برامجنا نقول يا ترى ما الذي تعرفه عن شخصية ابن الزبير؟ سَيقول حَوَاري النبي عليه الصلاة والسلام، زوجته أسماء، أبوه ابنه عبد الله ابن الزبير، هنا يعيد طرح السؤال ويطلب أن تحكي له عن شخصيته ما الذي يميزه؟ نحن لا نملك تصور، فعبد الله ابن الزبير هو إسم دون أي دلالة ، هل هو كان رقيقا كأبي بكر أم شديدا كعمر؟ هل كان جريئا كخالد أم منضبطا كعمر؟ هذه معالم واضحة جدا في سيرته، لكن نحن في تناولنا لسير الصحابة لدينا اشكالية، هذه الإشكالية على ماذا تقوم؟

حين ننظر إلى جيل الصحابة على أنه جيل ملائكي لا يصح القياس عليه، نقع في اشكالية كبيرة لماذا؟

الاشكالية الأولى أننا نريد ونحن نربي الجيل أن نعيد جيل الصحابة، لكننا في نفس الوقت افترضنا أن جيل الصحابة هو جيل ملائكي لا يمكن أن يخطئ، ولا يصح النظر إليهم كبشر وأن هذه صفاتهم، واحد شديد وواحد غضوب وواحد كذا، وبالتالي رجعنا بخيبة وبِجَلْد الذات أننا لا نستطيع أن نصل إلى هذا المستوى، وهذه اشكالية أخرى.

 الخطأ الثاني الذي نقع فيه أننا ونحن نربي أنفسنا ونربي الجيل، نقع في خطأ كبير ونقول أنا أريد أن أربي الشباب أن يحملون شدة خالد، وجسارة عمر، ورحمة أبي بكر، وذكاء خالد، ودهاء عمرو بن العاص، تريد أن تصنع شخصية لن توجد في زمن الصحابة، ليس في زمن الصحابة شخصية تجمع الكل، كل واحد فيهم له صفته، كل واحد تميز بشيئ نحن في واقعنا المعاصر نريد من أنفسنا ومن شبابنا أكثر مما طلبه النبي من الصحابة أن يكونوا موسُوعيين في كل شيئ، ولذلك لو ذكرت أي إسم صحابي سترى أننا نعرف عنه معلومات أساسية، خالد ذكاؤه في الحرب، عمرو بن العاص دهائه في السياسة، عمر ذكاؤه في الإدارة، أبو بكر رحمته، جعفر رحمته بالمساكين، سلمان الفارسي الحكمة، عبد الله بن رواحة الشعر، لن تجد شخصا تذكر فيه كل الأدوار والميزات.

 وبالتالي التعامل مع الصحابة يحتاج هذا الشيئ، وهذه النظرة من جديد، لذلك مسألة قراءة سيرة الصحابة بهذه النقطة ستفتح لنا مجال كبير.

 مثلا سيدنا الإمام الذهبي عندما حلل شخصية سيدنا عمرو بن العاص ماذا قال عنه: أنه داهية قريش، ورجل العالم، ومن يضرب به المثل في الفطنة والذكاء والحرب، وبالتالي هو استنتج من مجموع قصصه ثلاث صفات أساسية الفطنة والذكاء والدهاء والحزم، إذن من أين أتى الإمام الذهبي بهذا الوصف الذي لم يذكر نصاً، إذن عملية استنتاج نقاط القوة من المواقف المختلفة، وبالتالي نقول نحن أصلا مقصرون وآثمون حين لا نعرف عن الصحابة إلا أسماءهم لماذا لأن الآية الكريمة لما تكلم الله سبحانه وتعالى بقوله (الأولون والسابقون من الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) [سورة التوبة الآية: 100].

 نحن مأمورون شرعا باتباع جيل المهاجرين والأنصار بإحسان؛ الاتباع بإحسان معناه أن أعرفهم لأَتبعهم، ولذلك قراءتنا لسير الصحابة لا يجب أن تكون عملية وقت فارغ حتى أقرأ قصة أو رواية، لا الأمر مختلف كليا، نحن مأمورون بنص الكتاب أن نتبع جيل الصحابة بوصف الجودة الذي هو صفة الإحسان.

في مرحلة بكل عُقَدِها.. بكل عدَاءاتها الموجهة.. أين يكْمُن التمكين؟ 
بالانتقال إلى محور حديث اليوم المتعلق بكيفية استثمار الطاقات المعطلة في الفعل الحضاري، الملاحظ أنه إلى جانب أدْواء وأرْزاء المجتمعات الإسلامية، أنه يضاف إليها داء على قدر فتكه على قلة الاهتمام به والانتباه له، هو مشكل ثنائي التكوين ذاتي وخارجي، جزء من علته ترجع للفرد نفسه، والجزء الآخر لمن يملك سلطة الأمر على هذا الفرد، فمن درس التاريخ واستنبأ أطواره، يلمس بُعْدَ الشقة، بينما ينبغي أن يكون وما هو كائن وما كان بالفعل، وأيضا سيرى هذا التفاوت قائما مع تربص الأعداء وذهول المدافعين كما ذكر الشيخ الغزالي رحمه الله.
في محاولة لتشخيص هذا الداء والبحث له عن دواء، سنجتهد اليوم مع الدكتور رضا الحديثي في الاجابة عن علة واقع الحال، وسبل المساهمة في تفعيل طاقات الأمة المعطلة. كبداية لماذا نحن بحاجة إلى استثمار الطاقات بصفة عامة وإذا تم استثمارها وفق أي أسس يكون ذلك؟

ابتداء ما تمر به الأمة في هذه اللحظة، وفي هذا الواقع هي مرحلة من أشد المراحل التي يمكن أن تتخيلها، هذه المرحلة بكل عقدها، بكل عدَاءاتها الموجهة ضد الإسلام وضد الأمة، تحتاج منا أن نقوم بفعل مضاغف، بمعنى حين تجد الآخرين يسبقونك في سباق وتريد أن تلحق بهم، هذا بغض النظر عن العواقب والعوائق التي يرمونها في طريقك، أنت أمام مرحلة حرجة في صناعة الحضارة، ما يحتاجه المتسابق هو أن يضاعف جهده أو أن يسْتبدل بمن يملك هذه القدرة، ماذا نريد أن نقول:

في الأمة من الطاقات ما تستطيع به أن تخوض ضمار هذا السباق، وتتفوق فيه، لكن إشْكاليتنا أين؟ الإشكالية في تفعيل هذه الطاقات، في قدرتنا على تفعيل الطاقات الكاملة والكامنة أولا، ووضعها في مكانها الصحيح، لذلك سأختصر العبارة بوضعها الصحيح، أنت ذكرت الشخص وذكرت المؤسسة، أنا أقول الإكتشاف هو التمكين.

التعريف والتمكين أن يكتشف الإنسان نقاط قوته التي يتميز بها، ومن خلال ذلك أن تكتشف المؤسسة ما تملكه من قدرات حقيقية في شبابها، ثم تأتي الخطوة الثانية وهي أن تضع هذه الطاقات في مكانها الصحيح، بين العنصرين ضاعت الطاقات وضاعت الجهود وضاعت الأمة، كيف تضيع؟ 

ابتداء من عجز الإنسان عن فهم ذاته، والحقيقة المؤلمة أنه قد يكون كثير من المخلصين، يظن في نفسه أنه أبسط من أن يؤدي دوره، أنا لا أستطيع أن أقوم بشيء، أنا إنسان عادي، لا أستطيع أن أقدم أو أضع بصمة معينة، ابتداء بثقة الإنسان بما أتاه الله من قدرات، ولذلك عندما تقدم في كثير من المحاضرات والمناسبات، نقول رب العالمين أودع في االجميع موهبة يستطيع أن يتميز بها وعليها يحاسب ليؤدي دوره المميز، لذلك في الحديث أول من تسعر بهم النار ثلاثة فيؤتى بشيت فيذكر نعم الله عليه، فيذكرها فيقال له ماذا فعلت بها؛ أنت محاسب على كل نعمة أنعمها الله عليك، ومن النعم هي المواهب التي أُعْطيتها؛ القدرات العقلية والفكرية والجسدية والتنظيمية والتحفيزية، أي قدرة وجدت فيك هي نعمة أنت محاسب عليها وتُسْأَلُ عنها في حساب يوم القيامة، بمعنى أول نقطة نحتاج أن نحييها في أنفسنا هي أن نزرع في أنفسنا ونفوس شبابنا أن رب العالمين أودع في الجميع نقطة قوته، متى تحدث هذه الإشكالية، حين أجهل هذه النقطة، فأصادر نفسي وأكون في ثغر غير مناسب، فأفشل فأعود بفشلي على ثقتي بقدراتي وبالتالي أنسحب من مرحلة العطاء ومرحلة التقديم.

بدل أن ندخل هذه الدوامة ويعيش الشباب ونعيش جميعا في دوامة الفشل المستمر لأننا في مكان لا يناسبنا، نحتاج أن نقف الوقفة الأولى ولذلك أقول الوقفة الأولى هي مرحلة الإكتشاف، وهذه المرحلة لها معالم وشواهد واضحة جدا في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام مع الصحابة، يعني هذا المعلم البسيط الذي هو غائب في سلوكنا التربوي كان واضحا جدا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، تخيل يأتي الصحابة وقد ضربهم علي أو ضربهم عمر أوضربهم أبو جهل وهم في دار الأرقم فبدل أن يدعو النبي على عمر أو على أبو جهل، يرى فيهم النبي قوة يتمنى أن تكون لهم ويدعو الله أن يعز الإسلام بأحد العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن العاص، تخيل ما هي ردة فعل الصحابي الذي يتربى بين يدي النبي وهو يسمع من النبي هذا الحديث، لا النبي يرى في الناس ما يرى فيهم من قدرات ويحرص عليهم، ليست المسألة مسألة إلغاء الآخر بقدر ما هي مسألة كسب الآخر، في معادلات مختلفة ولذلك كثير من الشواهد التي وضعناها في خمسة عشر قاعدة سميناها المنهجية النبوية في إكتشاف المواهب والطاقات في خمسة عشرة قاعدة أساسية وممكن أن تزيد طبعا.

نقول أن معالم التعامل مع الطاقات التي كانت واضحة في شواهدها الكثيرة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، هي غائبة في سلوكنا اليومي وفي مؤسساتنا، في تفكيرنا الفردي أو تفكيرنا المؤسسي، والتي تقوم ابتداء على أن النبي عليه الصلاة والسلام يدعو الصحابة أن يكتشفوا ما أتاهم الله، وبنفس الوقت على اكتشافها وبنفس الوقت بما يراه فيهم، هذه النقطة غائبة كليا وهي أن يحرص المربي أو القائد على أن يدعوا الذي يعمل معه، ويقول له أنت فيك نقطة قوة واحدة، إثنين، ثلاثة، والأكبر من ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصرح بنقاط القوة أمام الجميع، ويدعوهم لتَناقلها.

 فيه حديث أختم به هذه النقطة وهو حديث يرويه أبي ذر يقول قال النبي "ما أظلت السماء ولا أقلت الغبراء أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبيه عيسى ابن مريم" النبي يشبه صحابيا بنبي. قال: فقام عمر فقال يا رسول أفنعرف ذلك له يعني يقال نتعارف، يعني أخبر الناس بهذا الكلام أنك تشبه سيدنا أبا ذر في زهده بسيدنا عيسى عليه السلام قال نعم فاعرفوا له. 

في مجتمع النبي عليه الصلاة والسلام كان النبي يحرص على أن الكل يعرف ما عنده، ويعرف ما عند الآخرين، وبالتالي ستزول الكثير من الإشكاليات في نطاق العمل التي هي قائمة على التحاسد أو على سوء توزيع الأدوار والمناصب.

التدجين وإشكاليات التربية المؤسسية.. حتى لا نفقد شبابنا! 
في الحقيقة دكتور رضا شدني في حديثك مثال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو أن يعز الله الإسلام بأحد العمرين، فاحيانا أسرار النفوس عجيبة، تجد الواحد يأنس ويأوي إلى من يٌقَدره ويعرف تميزه، ولو كان من محيط مغاير أو بيئة مخالفة. في رأيك هل بالإمكان تأليف القلوب واستمالة البعض للمساهمة في المشروع الحضاري عبر هذه البوابة بالضبط؟

في ملاحظة مهمة تعليقا على كلامك حقيقة الشاب حين يجد من يفهمه يشعر أن هناك من يمكن أن ينتشله من ضياعه، وأنا مررت بشباب من أحد الدول العربية قالوا لي أين كنتم من خمس سنوات، خمس سنوات ضائعين لا نعرف ماذا نفعل بكل بساطة كانوا يعيشون مرحلة التيه، هذا الكلام يُبصرنا بشيئ كنا فاقديه، لذلك نقول الإنسان الشاب عندما يجد من يكتشفه سيجد أن طاقته قد تفجرت، في كثير من قصص المميزين نجد أنه يذكر أن أول من اكتشفه هو أستاذه في الثانوية حين قال له انت مميز، وهذه تكررت كثيرا، والكثير من المفكرين ذكروا هذه القصة والقصة هي حقيقية لماذا؟ لأن في هذا السن سن الشباب سواء بالثانوية أو بالكلية حين يفقد الإنسان من يخبره بما فيه من قوى سيبقى يشعر بأنه إنسان عادي لا يستطيع أن يقدم شيئا وهو تابع، وجزء من إشكالياتنَا هي التربية المؤسسية التي تربي الإنسان على أن يكون تابعا، يسمع ولا يطيع ولا يطلب منه أن يفكر ولا أن يعبر ولا أن يستلم دورا بخياره، بل عليه أن ينفذ، وهذا جزء من التدجين الذي يسبب مشاكل كثيرة في فقدان الطاقات والمواهب.

 لذلك نرى أن مؤذن النبي في مكة أسلم حينما اكتشف النبي موهبته الصوتية، كان كافرا وكان يؤذن استهزاء بالأذان، فلما سمع النبي صوته قال صوتك جميل لماذا لا تؤذن فأسلم، اكتشاف موهبة يسبب إسلام كافر كان يستهزئ قبل ساعة بالأذان.

 تخيل عمق الأثر الذي يمكن أن نحدثه في شبابنا حين نحي فيهم قدراتهم، ونوظفهَا في مكانها الصحيح، لذلك أنا تكلمت عن اكتشاف وتوظيف أو اكتشاف وتمكين، وهما جزئين متكاملين في إشكالية أين نترك أحدهما حين نعتمد على أحدهما دون الآخر، حين نمكن ولا نكتشف أو حين نكتشف ولا نمكن، ومنهجية النبي عليه الصلاة والسلام كانت مختلفة.

 أنهي بقصة حين جاء النبي إلى المدينة مهاجرا جاء بنو النجار بشاب عمره 11 سنة، هو زيد بن ثابت قالوا يا رسول الله إن هذا الفتى يحفظ من القرآن 7 أجزاء. قال فقرأت له 17 سورة تعلمها كان يحفظها فقرأت له فأعجبه ذلك فقال لي تعلم لغة يهود، أعطاه وظيفة قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له، مدير مكتب النبي عليه الصلاة والسلام للمراسلات الخارجية. في عمر 11 سنة بين التوظيف والاكتشاف وطلب الوظيفة دقائق بين طلب الوظيفة واستلام الوظيفة 17 يوما.

 حين يمتلك المربي والقائد القدرة على التحليل، ولذلك الدكتور طارق السويدان لما سئل ما أهم صفة على القائد أن يكون يملكها قال الصفات كثيرة لكن اختصرتها في صفة واحدة هي القدرة على التحليل، تحليل الأفراد وتحليل المواقف وتحليل المؤسسات، تحليل الأفراد هو هذا الذي نريده هو أن يكون القائد قادرا على أن يرى نقاط القوة فيمن معه، ويمكنهم ويوظفهم في مكانهم الصحيح.

الأتباع ليسوا أدوات تنفيذ فقط! 
دكتور سنُرجئ التفصيل في بعض ما ذكرت إلى قادم الدقائق، لأن الحديث معك له شجون، وأَعود بك الآن إلى الأسباب الأولى قبل أن نفصل أكثر في الحلول. ما هي الأسباب الحقيقية التي سيرت كتلة بشرية كبيرة جدا من الأمة إلى العطالة والتي جعلت البون شاسعا بين طبيعة الدين وواقع الأمة؟

أول نقطة نقول أن شعور الفرد أنه غير قادر على أن يعمل شيئ؛ إما عجزا حين يظن أن عليه أن يصلح كل الأمة، ويقوم بكل الأدوار، أو حين يقارن نفسه بهذا الخطيب المفوه ويقول أنا لست مفوها مثله، فيظن أن عليه أن يكون مفوها مثله وبالتالي ينسحب، ولكن لو فهم القدرات وتوزيعها لاكتشف ما عنده من مميزات.

النقطة الأولى شعوره بالعجز حين يظن أن عليه أن يقوم بأدوار الآخرين وليس دوره المميز، مرات يكون شعوره بالعجز لأنه جاهل، أي يجهل أن لديه نقطة قوة مُمكن أن ينطلق منها، علاج هذه النقطة هو أن يعرف ويكتشف، ويتعلم أو يتعرف على ما يناسبه من أدوا هذا هو علاج النقطة الأولى.

الجانب الثاني هو ما يتعلق بالمؤسسات، الإشكالية الكبرى في المؤسسات هي عدم شعورها بقدرات أفرادها، أحيانا ترى في أفرادها أنهم هم أتباع ينفذوا ما نقوم به، أو هم أدوات للتنفيذ فقط وهذه النظرة موجودة بصورة أو بأخرى وهذه إشكالية، أو أن لديهم طاقات ولكن لا يملكون منهجية لتوزيعها حتى لما يريد أن يُمَكِنْ يستخدم طريقة التجريب، يصبح الفرد كحقل تجارب، يوم نجربه في الدعوة، ويوم نجربه في الحقل الإعلامي، عملية التجريب دلالة على عدم وجود ما نقيس به هذه المواهب، صار عندنا اشكالية ثانية هي في المؤسسة، عدم وجود مسطرة أو عدم تبني فكرة توزيع الأدوار.

اشكالية أظنها الأكبر للكل هي القناعة أو الثقافة الغائبة سواءً أفرادا ومؤسسات أننا مأمورون بإقامة هذا الدين كل حسب وسعه، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها؛ والوسع هو القدرة التي أملكها أنا، وعدم فهمي لوُسعي يجعلني إما عاجزا أو مقتحما في مكان لا يناسبني. 

الفعل الحضاري.. فردي أم مؤسسيّ؟ 
جوابكم دكتور حول شعور العجز ودور المؤسسة والفرد والعلاقة بينهما، يقودني للسؤال حول أنه تراود الكثير قناعة تكاد تكون جازمة، أن تأثير المشروع الكبير الجامع هي أوسع، وأن من رام الإسهام والتأثير في الأمة وجب أن يكون جزءً من كلٍ، تنظيميا أقصد ألا يمكن أن تُساهم المشرعة الفردية في الفعل الحضاري، يعني ليس بالضرورة من لم يستطع أن يكون جزءً من منظمة أو جهد جماعي كبير فليُساهم بما استطاع، يبدأ بنفسه وبأهل بيته وبِأهل حيِه. 

ابتداء لا أظن أن هناك تعارضا بين الموقفين، يعني قطعا الفعل الحضاري أو ما نقدمه قد يكون يحتاج مؤسِساً تتكاثف فيه الجهود لهدف واضح ومحدد، وأحيانا يحتاج جهدا فرديا وقطعا بعض الناس قد يناسبه العمل الفردي أكثر من العمل المؤسسي، وبعضهم لا يناسبه إلا العمل المؤسسي.

 الاشكالية حين نظن أن أحدهما صح والآخر خطأ، وحين نظن أنْ يعمل فردا دون مؤسسة فهو على خطأ، وأن من يعمل لمؤسسة هو واقع في خطأ، الاشكالية هنا هي ليست في بنية المؤسسة بل في الاشكاليات التي تحدث في أمراض المؤسسات حين تطغى الهيكلية على الهدف، حينما تكون الوسيلة هي التي تخدم وليس هدف المؤسسة، الفرد حين يرى أنه لا يحتاج إلى أن يستعين بالآخرين ولا يستفيد من الآخرين، الإشكالية تقع على الجميع لكن الفعل الحضاري هو تكاتف بين الجميع، يقوم به كل إنسان حسب طاقته وقدرته، يتعاونون ولا يتصادمون، يبني أحدهما ويكمل الآخر لتكتمل الصورة ،وبالتالي حين نستطيع أن نكمل بعضنا نكون حينها قد أدينا ما علينا، أما ونحن مشغولون بجَانب والجانب الآخر متروك، أو نحاسب الآخرين إما يبنون معنا وإن لم يبنوا معنا فِبناءهم خاطئ، هنا الاشكالية مستمرة التكامل صورة واضحة جدا، أحيانا ترى خريطة الصحابة وترسمها حولك، ترى كل ما يخطر في بالك من قدرات ومميزات كانت موجودة عند واحد من الصحابة فدلهم النبي عليها. 

مجتمع فيه كل القدرات والإمكانيات الموزعة يعرف أحدهما نشاط الآخر، ويقدر أحدهما نشاط الآخر أحدهما في النشاط الجماعي وآخر جهده الفردي. الفكرة الأساسية هي أن تقدم لدينك أفضل ما عندك وأفضل ما عندك لن تستطيع أن تحدده، ما لم تحدد أفضل ما أتاك الله من قدرات، لتُحدد وفقها ما تستطيع تقديمه.

من يأخذ هذا السيف بحقه؟
قد قيل قديما إنما السيل اجتماع النقط، وأدرك الجميع ما ذكرته أنه ولو بادرة صغيرة قد تسهم وتساعد في بلورة تصور جديد يسهم في الخروج من هذه الضائقة التي تمر بها الأمة.

هل تكفي معرفة الحق واتباعه، أم أن تحري الوظيفة الأمثل في هذا الواقع أمر لا غنى عنه؟ 

لما جاء الأمر القرآني أن أقيموا هذا الدين، إقامة الدين هو واجب على الجميع مؤسسات وأفراد، أن يقيموه في أنفسهم، ويقيِموه على أرضهم، هذه الإقامة نحن حتى في العرف الشعبي العام ونحن نوزع الأدوار ونقسم المهام على فريق العمل، على الشركة، على العمال في المصنع الواحد، فيه مثل سائد في كل اللهجات العربية " أعطي الخبز لخبازه" يعني عرفاً غير متقبل لدينا أنه يأتي خباز وأسلمه شغل آخر ويأتي آخر وأسلمه شغل الخباز.

عملية تغيير الأدوار عرفا نحن لا نقبله إلا في خدمة الدين نحن نجتهد اجتهادا واسعا ونقول المسلم حيثما كان هو خير، وإن شاء الله البركة فيك، وحين ترجع لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام، النبي ما كان يرضى بنتائج 50% و60%، كان يقول: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فيقول الزبير وهو فارس أنا يا رسول الله فلا يعطيه، يقول الرسول من يأخذ هذا السيف بحقه، ويكررها مرات ومرات، إلى أن جاء أبو دجالة فأعطاه له.

 لما لم يعطيه للزبير والزبير فارس ما في ذلك شك ولا خلاف في فروسيته، هو وحمزة وخالد هم فرسان الصحابة، حتى سيدنا الزبير يقول فأخذت في نفسي وقلت لماذا لم يعطيه لي؟ فكنت أرقب أبا دجانة في الحرب ماذا يصنع؟ فكان يأخذ بالسيف يشق به هام المشركين إلى أن رأيته حتى اطمئننت، فالنبي أعطاه لمن يأخذه بحقه؛ كلمة بحقه هنا هي أعلى درجات الجودة. 

من كان يظن أن المسألة توزع عفويا، والذي يريد سينجح هذا غير ممكن، الرغبة وحدها لا تكفي للإبداع في العمل، ولو كانت الرغبة كافية لما رد النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا ذر قال: يا رسول ولني. قال: يا أبا ذر إني أحبك وأحب لك ما أحبه لنفسي، لكن لا تأمرن على اثنين ولا تَوَليَنَ مال اليتيم، إذا كانت المسألة بالرغبة فإنه جاء راغبا، ولكن المسألة ليست بالرغبة، إذا كان أصدق الصحابة الذي هو أبي ذر أخطأ في اختياره لدوره الحضاري لخدمة الدين وظن أن الولاية والإدارة تناسبه، لولا أن النبي نهاه، فما بالنا نحن، قطعاً لن نصل إلى صِدْقه ولا إلى وفائه،‘ كلنا معرضون أن نكون مخطئين في اختيار أدوارنا، ونحتاج من يربت على أكتافنا ويقول إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تفعل كذا ولا تفعل كذا؟ مكانك الصحيح هو كذا وكذا. 

هل ربى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته وفق نموذجٍ واحدٍ نقيس عليه؟ 
في الحقيقة إلى جانب ما ذكرته وتفضلت به من الجزئيات التي ساهمت في بلورة هذا السؤال الذي سألته، هو أن الكثير من الناس يبرر تقاعسه هو ممكن أعطى لك هذا بالقول أنه يعرف هذا الحق، وهو متبع له لكن دون أثر أو دون فعل، فيمارس عطالة فكرية وعملية، مثلا وردت كثيرا أن هذا الدين منصور وأن الله عز وجل يحفظ هذا الدين، لكن كيف يحفظه وأنت لم تحرك ساكنا وأنت تظن أن هذا الأمر أمر إلهي، هذه الأمور دفعتني إلى بلورة سؤال آخر وهو: إذا أردنا أن نتحدث عن قضية النمذجة إذا جاز لي الأمر تسميتها بهذا، بأن يحاول الإنسان جعل من سواه مثله سواءً كان مربيا أو والدا أو مسؤولا، ألا يعتبرهذا من تضييق الواسع وتضييع الطاقات؟

النمذجة فيها صورة سلبية وصورة إيجابية في نفس الوقت، الصورة السلبية التي ذكرتها أنت أُعَقب وأعلق على الثانية أقول النبي صلى الله وسلم وهو يربي الصحابة لم ينتج نموذجا واحدا نقيس عليه، سيدنا علي في صحيح البخاري يقول ما أكثر ما كنا نقول جاء رسول الله وأبو بكر وعمر، ذهبوا ورسول الله وعمر، دخلوا رسول الله وأبو بكر وعمر، وهذه تسمى المعايشة التربوية، أكثر اثنين رفقة وصحبة لِرسول الله كانَا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، كانت منهجية النبي في التربية أن يصنع نموذجا مثاليا، وهو المربي الأعظم المرتبط بمنهج الوحي، وأمامه خيرة البشر، أما كان من المفروض أن تخرج لنا النسخة النموذجية المطلوبة في التربية، فنقول صفات المتربي يجب أن تحقق فيه هذه الصفات، وبالتالي نحقق التربية، لذا كان مخرج التربية أبو بكر أرحم أمتي بأمتي، وعمر أشدهم في أمر الله؟ لماذا اختلفوا في توجهاتهم حتى في معركة بدر؟ وفي الكثير من الأمور، والاختلاف في شخصياتهم واضح للعيان؟ لو كان النبي ينتهج عملية صناعة نموذج الفرد المثالي لصنعه أمامنا، لكننا نجد صنعة النبي مختلفة، وصنعته لم تلغي طبعهم الأصيل، وهذا جزء من بحثنا سميناه طبع التأصيل وللعلم التربية لا تلغي الطبع، بل تهذبه وتطوره، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام" أي أن معدنهم مختلف والمعدن لا يتغير، التشبيه في الأمور المنظورة للعرب وهذا جزء من منهجية النبي أنه شبههم بشيئ موجود، وهم يعرفون الذهب والفضة ويعرفون أن الذهب لا يتحول إلى فضة والعكس إذا فقهوا. 

صفاتهم في الجاهلية عناصر قوتهم هي نفسها في الإسلام؛ إذا فقهوا هذه الاضافة التربوية التي أضافها الإسلام بأن يكون مستسلما لله وموحدا ومُرتبطا به، وأن يكون فقيرا أمام عظمته، هذه التربية هي التي صنعت التغيير، ولذلك عمر كان قبل الإسلام شديدا وبعده كذلك لم يتغير، خالد كان داهية في الحرب قبل الإسلام وبعده، عمرو بن العاص كذلك، والسؤال هل الإسلام صنع فيهم ذلك؟ والإجابة لا. 

هو وظف هذه النقطة في مكانها الصحيح، وبالتالي نكتشف أن المعادلة تقول أنه حين أربي عليَ أن أراعي الفروق الفردية، وبالتالي أن يكونوا نسخة مني هناك إشكالية لأني لن أستطيع أن أجعلهم نسخة مني وبالتالي سوف أحاسبهم وفق منْظوري، وبالتالي قد أخسر هذه الطاقات حين أريد منهم أن يكونوا نسخة مِني وعلى طبعيِ وسجِيتي ونِقاط قوتي وضعفي وطريقة تفكيري، وبالتالي هذه إحدى إشكاليات التربية والتأثير، هي عملية صناعة النسخ المتكررة لأناس لا يشبهوننا، وهذه مشكلة كبير ومن قرأ سيرة الصحابة مع رسول الله اكتشف هذه المشكلة.

ذكرت في حديثك الآن قضية الطبع أو التطبع، وهذا الأمر يقودني إلى قضية المفاضلة بين الطبع والتطبع، وهذه ممكن ملاحظة شخصية فأردت أن أسأل:

ألا ترى أنه في الجوانب الأخلاقية والسلوكية صاحب الطبع أو من تطبع صغيرا أفضل كثيرا ممن تطبع كبيرا، ليكون حائزا ممكن على أخلاق وسلوك الأفاضل إذا جاز لي ضرب مثال فأقول من سبقت أخلاقه تدينه تجده دائما أفضل بكثير ممن سبق تدينه أخلاقه؟

هذه النقطة حقيقة هي نقطة جوهرية ولها شواهد كثيرة وحَديث أشَج عبد قيس قال " أشيئ حدث أم جبلت عليه" قال: بل جبلت عليه فقال الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله.

صفات الإنسان إما جزء في الطبع أو التطبع، دائما نشبه بالهاتف فَصفات الطبع هو نظام التشغيل الذي جاء مع الجهاز، والتطبع هو البرامج التي أضفتها بنفسك أو جاءت مع الفيروسات غصبا عنك، وبالتالي الطبع والتطبع يصنع الكل. نقاط قوة أي شيء في نظام تشغيله الذي لا تستطيع أن تلغيه لكن تستطيع أن تكتشفه، أغلبنا لا يستطيع تمييز ما في جهازك من نقاط قوة، ثانيا أن تحمي نقطة قوتك، ثالثا أن تطوره بهذا التطبع الذي يكون مناسبا معه.

لذلك نحن نقول دائما الطبع هو محضن الموهبة، والتطبع هو المهارات المكتسبة، القدرة الحقيقية لكل إنسان تكمن في أن يحصل على المهارات المتوافقة مع الموهبة الأصلية، المعادلة قدرة + موهبة تتحول إلى مهارة حقيقية.

 لذلك نقول أنه مطلوب منك إذا قدر لك أن تدخل كل دورات المهارات التطويرية الموجودة في الدنيا، الأولوية للدورات التي تعطيك مهارة متوافقة مع الموهبة الفطرية التي لديك، أنت بفطرتك لديك موهبة التحليل، لما تاتي دورة التفكير الناقد أو أي دورة في الابتكار أو في الابداع هذه أولوية لك أكثر من غيرك لماذا؟ لأن هذه المهارة سَتتوافق مع موهبتك الموجودة لديك.

واحد له موهبة التعامل مع الطوارئ بسرعة عالية، هذا دورات التفاوض أو دورات إدارة الطوارئ أو دورة إدارة غرفة العمليات الطارئة أولى له من بقية الدورات، والقدرات التطويرية، لذلك تصبح المعادلة كما ذكرت نقاط القوة الأساسية.

 وهنا أعطي مثال لما سئل الدكتور طارق السويدان هل القيادة مكتسبة أم فطرية؟ فقال هي فطرية ومكتسبة، لكن لما يكون قائد بالاكتساب مهما طور نفسه وحاول أن يطور نفسه لن يكون بقوة القائد بالفطرة، وهذا الذي أقوله نقطة القوة الأصيلة موجودة في طبعنا ولدت معنا مِثالها كمثل البذرة تحتاج منا إلى ثلاث أركان:

  • أن نكتشفها.
  • أن نطورها.
  • أن نوظفها في مكانها الصحيح.
5 قوانين للتوظيف.. مستقاة من المنهج النبوي
سؤال متعلق بالحديث عن الطاقات المعطلة بالضبط عند الحديث عنها دائما ما يذكر شباب أضَاعهم قومهم إن جاز لي القول، هذا التأخير حينا وإرْجاء التقديم حينا آخر تحت ذريعة السن واحترام أهل السبق، وكل هذا الكلام المعروف لدى الكثير، ما أثر هذا الأمر، وهل من شواهد لتعامل الجيل الأول مع أحداث مثل هذه؟ هل كانوا مثل هكذا دائما يقدمون الأكبر ويؤخرون الأقل سناً؟

في محاضرة مجانية نقدمها من فترة لفترة اسمها " المنهج النبوي في التوظيف الدعوي" وضعنا فيها خمسة قوانين وهي قوانين التوظيف بطريقة منهجية:

أول قانون سميناه قانون الجدارة وهو أول وأهم قانون في التوظيف، وَواضح في تعامل النبي مع الصحابة، فالنبي عليه السلام جعل أسامة بن زيد صاحب 17 عاما قائدا لجيش، وجعل من جنده أبو بكر وعمر وهم كبار الصحابة، فتكلم الناس، فسمع النبي كلام الناس فقام خطيبا مصححا وموجها، إنكم إن كنتم تتكلمون فقد تكلمتم على أبيه سابقا، والله إن أباه كان لخليقا لها، وإن أسامة لخليق بها، ومعنى ذلك أنه جدير بها. 

اختلاف الصحابة وتكلمهم في الأمر دلالة على أن الأمر وارد أن الناس يمكن أن يستغربوا من أن يجعل صاحب 18 عاما أميرا في حرب، وليست مؤسسة وجنده هم أبو بكر وعمر لكن دور النبي في التصحيح الجماعي، وإن اسامة لخليق بها الجدارة مقدمة على العمر وهذه رسالة أوصلها النبي لهم؟

في موقف آخر لما عليه الصلاة والسلام نصب عمرو بن العاص أميرا على جيش ذات السلاسل في سنة 8 للهجرة، كان قد مضى على إسلامه أربعة شهور وأيضا جعل من جنوده أبو بكر وعمر، لكن النبي قدم عمر بن العاص، أثناء المعركة كان عمرو بن العاص يأمرهم بأوامر فكان سيدنا عمر يستغربها، ما تقبلها، فكان سيدنا أبو بكر يقول دعه فإن رسول الله لم يوله علينا إلا لعلمه بجدارته في الحرب؛ ولولا وجود ميزة فيه لما جعله علينا، أصبحت الموهبة مقدمة على سن الانتماء إلى الإسلام.

باختصار لو عدنا لقِراءة سير الصحابة لا تعدلت الكثير من المفاهيم الموجودة الآن، التربوية والدعوية والمؤسساتية، ووجدنا المسألة مختلفة، جماليتها أنها متوافقة مع طبيعة النفس البشرية بطريقة رائعة ولذلك نجد أن عليه الصلاة والسلام وهو يشجع وهو يحفز يستخدم التشبيه، يشبه صحابيا بنبي، يدعو له يذكره بنقاط قوته، ويذكر الآخرين بنقاط قوتهم، هناك أسلوب تعامل مع المواهب والقدرات والموارد البشرية، مدرسة مختلفة كليا عن واقعنا المعاصر، أسهل وأبسط من الكثير من تنْظيراتنا.

التربية النبوية للصحابة هي أبسط من تنظيِراتنا التربوية وأسهل في التطبيق من تعقيداتنا التربوية التي نطبقها على أنفسنا وعلى الآخرين.

عند ضربكم لهذه الأمثلة تذكرت السيد عندنا، وقضية عندما يلتحق فرد جديد بمؤسسة أو جماعة، فلديه مدة طويلة جدا تسمى مدة التأقلم قد تستغرق سنيناً حتى يتأقلم هذا الشخص مع واقعه الجديد، ثم ليبدأ تقديمه رويدا رويدا في الأخير إذا أمكن استغلاله بكافة ما لديه من قدرات، فيكون قد شارف على نهاية وقت خدمته.

من الملاحظات في سيرة النبي أنه كان يعطي تخصصا في سن مبكرة، زيد بن ثابت أعطاه تخصص لغات وعمره 11 سنة، سيدنا ابن عباس أعطاه النبي تخصص علوم القرآن وعمره 11 سنة، وكانت عملية التوظيف كلها قبل ال15 سنة ممكنة إلا في الجهاد كان السن المقبول 15 أما بقية الأمورفمثلا أنس كان يخدمه وينفذ أعماله وعمره تسع سنوات. 

التكليف المبكر إحياء هذه الطاقات المبكرة تقي الكثير من التأجيلات وتقي أن تبقى البذرة كاملة في الأرض، تستدعي منا وتستنجد منا، لكننا دائما نأجل للأسف ونقول أتركه يكمل الكلية أتْركه وأتْركه 

وتبقى هذه البذرة تنتظر منا الاكتشاف، وكانت منهجية النبي أن يذكر للصحابة حتى في اللقاء الأول كما فعل مع أشج عبد قيس حين قال له إن فيك خصلتين وهذا لقاء أول، لقاء زيد مع زيد بن ثابت لقاء أول أعطاه تخصص، النبي كان حريصا على أن يُفَعل طاقات الأمة، وكان وحريصا على أن يلاحظ علاماتها في سلوك الآخر، ويخبره بها مباشرة لكي يتحول هذا الإنسان إلى إنسان إيجابي، يعرف ما عنده من نقاط قوة، لذلك كان هذا الأمر في مدارس علم النفس يسمى العلاج بالمعنى. 

أكثر شيء مؤثر للإنسان أن يكون إيجابيا أن يشعر أن لحياته معنى، وهذا المعنى واضح جدا حين يكتشف الإنسان أن رب العالمين أودع فيه القدرة الفلانية، وعليه أن يحسن استخدامها وبالتالي يشعر بهذا المعنى، فيتحول ايجابيا لمِعْطَاء ويقدم أثره في خدمة هذه الأمة.

الذكاءات الأربعة.. كيف نوظفها في التأثير؟ 
آخر سؤال يتعلق بموضوع ما يتحدث عنه علماء الاجتماع، تحت تأثير الحداثة السائرة على المجتمع الاستهلاكي، تغير مفهوم القدرة على التفاعل أو القدرة في التفاعل مع الواقع، والتشابك معه وتغير الوسائل أيضا، الفاعلية في مواقع التواصل ما حدود تأثيرها في الفعل الحضاري؟ وهل تعكس فعلا أزمة القدرة التي نعاني منها؟

نحن من خلال تقسيمنا اعتمدنا على واحد من المقاييس العلمية التاريخية التي هي قديمة حديثة في نفس الوقت، التي تقسم القدرات الأساسية الأربعة وسميناها الذكاءات الأربع هي:

  •  إما الذكاء التحليلي الذي يقوم على عالم الأفكار.
  •  أو الذكاء التحفيزي الذي يؤثر في جانب الروح وهو جانب النفس.
  • أو الذكاء الميداني العملي الذي يستطيع أن يؤدي الفعل في مكانه الصحيح بالطريقة الصحيحة.
  • الذكاء الإداري المنضبط الذي يحافظ على المنظومة ويبني مؤسساتنا.

الغربيين كانوا يسمونهم الذكاء الاستراتيجي، والذكاء الديبلوماسي، والذكاء التكتيكي، والذكاء اللوجيستي. 

هذه المحاور الأربعة هي عناصر المجموعات الأربعة من المواهب.

الآن ونحن نريد أن نؤثر، علينا أن ندرك أننا نمتلك واحدة من هذه الطاقات أكثر من غيرها، كما علينا أن ندرك أن المتأثرين الذين أمامنا قد يفهمون إحدى اللغات أكثر من لغة أخرى، وكما يقال "خاطبوا الناس على قدر عقولهم" بمعنى أنت تحتاج خطاب عقلاني مختلف عن الآخر لبعض الناس، وخطاب تحفيزي مختلف وهكذا.

في ذلك عندنا مثال هو تجربة أحد الشباب في فريقنا له صفحة مشهورة، يتخاطب معه الشباب حول جزء من المشاكل التي تمر عليهم، وجزء من هذه المجموعات عندها بعض التوجهات الالحادية وغيرها الشاب لما يحلل بعض الأمور ثم يجيبهم. اكتشف التالي: 

كل مجموعة من المجموعات الأربعة يتعلق بنوع من أنواع الشبه تختلف عن الأنواع الأخرى 

بمجرد يعرف شخصيته يعرف بالضبط ما هي الشبهة التي طرحها النوع الأول وهي الشبهة العقلية والتحليلية، النوع الثاني الشبهة الروحية، النوع الثالث شبهة الحرية وهناك النوع الرابع لن يمر به أحد لأن طبيعته محافظة، يميل للانسجام مع مجتمعه وعدم الخروج على الأعراف وبالتالي صارت عنده معادلة.

 لذلك أقول حتى في جانب الفعل الإعلامي، في جانب مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها نستطيع أن نكون مؤثرين بطرق مختلفة، مثال تطبيقي على ذلك شعراء النبي وهذا جانب إعلامي حتى تتضح الصورة أكثر: هم ثلاثة وكل له تخصصه، حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك 

سيدنا ابن سيرين يقول: أما كعب بن مالك للفخر، وأما عبد الله بن رواحة فَلرقائق والإيمان، وأما حسان بن ثابت فلِلنقائص والعيوب. 

حين يريد خطاب منطقي يفاخر كان كعبا ابن فارس، وحين تريد خطابا إيمانيا لِيثبت المؤمنين كان خطاب عبد الله بن رواحة، وحين يريد شخصا يسب ويشتم في الاعلام كان حسان بن ثابت، وهذه الكلمة لا يعرفها الكثير من شبابنا حسان بن ثابت شاعر النبي فتخيل كانوا ثلاث قنوات فضائية موجودة في زمن النبي: 

  • قناة تنشر الجوانب الإيمانية للمسلمين وتخبر الكفار بالجانب الإيماني الذي عندها.
  •  وكان فيه خطاب عقلاني ومحاججة.
  • وكان هناك خطاب من نوع آخر إذا شتموا النبي يأتي بنفس لغتهم، بنفس ألفاظهم، ويذكرها في وجوههم 

ثلاث قنوات مختلفة كل له خطابه وكل تخصص بِشخص يناسبه.

دكتور الحقيقة وددت لوكان لنا من الوقت أكثر مما كان، حتى نستمر في الاستماع والانتفاع بجميل ما قدمتموه، فالحقيقة نعجز عن شكرك أولا لقبولك الدعوة وهذا التفاعل الرائع جدا مع الأسئلة، شكرا جزيلا لكم دكتور رضا إن شاء الله تكون فيه فرص أخرى نلتقي فيها.
كلمة أخيرة تقدمُونها لجمهور عمران.. 

هي توصية حقيقية من خلال ما أودع رب العالمين فينا من قدرات معينة، وهو من زرع فينا مواهب معينة، إنما زرعها فينا لنؤدي دورا يناسبنا حين نكون في عمل كبير، ونحمل هما كبيرا ومشروعا كبيرا، علينا ابتداء أن نشعر بعظم هذه المسؤولية، وعظم الدور الذي وكل لنا، وهذا يستدعي باختصار أن أعرف دوري الحقيقي الذي إذا قمت به أحدثت أثرا في وقت أقل وبجهد أقل، لكن بمتعة أعلى وجودة أعلى.

 العلامات الأربعة هي أنك اخترت مكانك الصحيح، أنك تنجز مقارنة بأقرانكَ انجازا أفضل في وقت أقل وبجهد أقل مع متعة أعلى وجودة أعلى كذلك.

ما أجملها من خاتمة الله يجزيكم خيرا والسلام عليكم ورحمة الله.