في إطار فعاليات اليوم الثالث من الملتقى الفكري رمضان الإسلام، استضاف عمران الحضارة الدكتور طارق السويدان والذي قدّم محاضرة عنوانها "لصلاح الدنيا والآخرة.. كيف تعد خطتك لرمضان؟" وذلك يوم 10 أبريل 2021. تقرؤون فيما يلي نص المداخلة كاملا.
عندما طلب مني شباب عمران التحدث عن التخطيط في رمضان كنت أحضر موضوع حول (رمضان شهر التغيير) ووجدت تقاطعا كبيرا حول الموضوعين لأن رمضان شهر التغيير هو شهر التخطيط! والتغيير مفهوم أشمل من موضوع التخطيط.
التغيير هو باختصار الانتقال من واقع مرفوض إلى حال منشود عبر خطّة! وطبعاً توجد تفاصيل أكثر من هذا أشرحها في دورتي في شركة الإبداع في موقعي الإلكتروني واسمها دورة التغيير. أريد أن أطبق موضوع التغيير على كيف نخطط لرمضان بناءً على طلبكم الكريم، فأنا سأستعمل علم التخطيط وعلم التغيير وأربطهما بجانب إيماني روحاني وهو الحديث عن رمضان لكنه أوسع من الجانب الروحاني الإيماني فهذا مختلف قليلاً لأنني أحاول أن أجمع بين العلوم وما كتبته من أسرار الصيام ومعاني رمضان.
كما قلنا سنبدأ بتغيير الواقع المرفوض، والواقع المرفوض أنواع ولنستعرضها بسرعة ونعلق أيضاً على رمضان :
الجانب الإيماني والعبادي
في الحقيقة لدينا أزمة في الجانب الإيماني والعبادي ولا تخفى هذه المسألة على أحد، ويأتي علاج هذه الأزمة من خلال معالجة الجانب الإيماني والعبادي بـ :
- أهداف محددة: كثير من الناس وحتى الدعاة عند طرح الحديث عن الجانب الإيماني والعبادي يطرحوا طرح وعظي عام مثل (كن قريباً من الله ..) لكن ما هي أهدافكَ المحددة؟
- بعد رمضان أنت أفضل: الفكرة التي أريد طرحها لكم هي أننا نريد أن نمارس عملية تغيير لأنفسنا بحيث نصل لمعادلة خاصة وهي كالتالي: نحن اليوم هنا في رمضان سنرتفع لمكان أعلى وبعد رمضان بالتأكيد سننزل وهذا أمر طبيعي، فلو بقى الفرد على نفس المستوى الروحاني العبادي والإيماني فإننا سنقترب من الصحابة والملائكة لكن لا.. سننزل وهذا أمر طبيعي، فما هو المطلوب؟
المطلوب أن المعادلة تكون كالتالي: إذا كنا هنا وسنرتفع لمكان محدد أعلى فنرجع بعد رمضان لنكون أعلى مما كنا عليه قبل رمضان، فليس المطلوب أن نظل نحافظ على نفس المستوى الذي وصلنا له في رمضان فهذا غير ممكن في الغالب، لكن لو استطعنا أن نتقدم في إيماننا وعبادتنا خطوة، فبعد رمضان نصبح أفضل وهذه هي الفكرة التي أريد أن أطرحها.
- عبادات القلب أهم: الأمر الذي أريد أن أطرحه في الجانب الإيماني والعبادي أن هناك تركيز شديد على الجانب العبادي ولكن الجانب الإيماني التركيز عليه قليل. هناك حرص شديد على عدّ الختمات والصفحات لكن كم أتفكر منها؟ وكم تؤثر في إيماني؟ وكم ينعكس هذا في سلوكي؟ ليس مسألة مهمة، فيبدأ الناس في رمضان مع الأسف بالتركيز على الجانب العبادي وأنا أريد أن أركز على عبادات القلب مثل الخشوع والتقوى والإنابة والخلوة مع الله سبحانه وتعالى وهذه المعاني هي معاني أهم.
الجانب الاجتماعي والسلوكي
اجتماعي في علاقتنا مع أهلنا وصلة الأرحام وكل من لهم حقوق علينا، وفي نفس الوقت جانب سلوكي كالتدخين والمرور والنظافة وغيرها لدينا أزمة واضحة جدا. المبدأ الأول الذي نريد أن نحث عليه هو:
- صِل من قطعك: أي لا تحاولوا فقط أن تكونوا جيدين ولكن حاولوا أن تكونوا مبادرين، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه أحد الصحابة الكرام وقال يا رسول الله إن لي أهلاً أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلى، وهو يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أفعل معهم فقال له: إن كانوا مثلما تقول فإنما تسُفُهم المَل –كأنما تضع تراب في أفواههم- لكن لاحظوا لم يقل له اقطعهم بل معنى كلامه استمر أنت تأخذ الأجر وهم يأخذون الإثم، فهنا الفكرة أننا نبادر وليس فقط نكافئ .
- المسامحة في قلبك: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص لما قال عن رجل سيخرج عليكم رجل من أهل الجنة فهو حديث رئيسي في قضية صفاء القلب، وتتبع عبدالله بن عمرو هذا الرجل ووجد أنه ليس كثير الصيام ولا العبادة وليس له مكانة في الإسلام أو قيادة لكنه كان يبات وليس في قلبه غلٌ على أحد؛ فهذا الجانب هو الذي سيحسن سلوكنا وسيحسن علاقاتنا الإجتماعية .
- السلوك الحضاري: من العبادة أن نتذكر السلوك الحضاري، فمثلما قال أستاذنا دكتور عبد الرزاق أن حضارتنا حضارة روحية ونحن نتعبد الله سبحانه تعالى بهذه العبادة الروحية من خلال سلوكنا الحضاري، فترك التدخين والمحافظة على النظام والمرور وهكذا هي أشياء نتعبد الله من خلالها، ولذلك أنا أتعبد الله سبحانه وتعالى عندما أكون في الطريق وأرى سيارة لا يسمح لها أحد بالمرور فأتوقف وأقول له تفضل؛ أنا أتعبد الله بهذا لأنني أعتقد أنه باب للأجر وهو في نفس الوقت سلوك حضاري للأسف تحتاج أمتنا لأن تعمل عليه.
الجانب الثقافي الفكري
نتذكر في هذا الجانب مبادئ رئيسية:
- التدبر أهم: لماذا التدبر مهم؟ لأن التدبر يشكل الفكر والفكر هو أساس القيم والسلوك وكل شئ. فإذاً أنا لدي نصيحة للشباب وهي أن يقوموا بعمل ختمتين في القرآن؛ ختمة لعدد الصفحات وهذه ستكون سريعة، لكن قوموا ختمة ثانية أو جزء من ختمة للتفسير ولو كان تفسير سريع جداً، وأنا أنصح ببعض التفاسير اللطيفة جداً كتفسير صفوة التفاسير للصابوني أو تفسير زبدة التفاسير للأشقر فهي تفاسير خفيفة كل صفحة من القرآن معها صفحة فقط لكن الفرد يفهم القرآن من خلالها.
- كتب الروحانيات: أنا أنصح جداً بمتابعة كتب الروحانيات التي سترفع من الروحانيات بشكل كبير، ليس فقط التدبر الفردي لأن الإنسان أحياناً لا يصل إلى بعض المعاني التي وصل إليها العلماء فأنصحكم بثلاثة كتب هنا: كتاب (إحياء علوم الدين) وكما يقولون من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء، وكتاب (شرح الحِكَم العطائية) وله أكثر من ثلاثين شرح فأي واحد منها ممتاز، والحكم العطائية في الحقيقة من أجمل ما كتب في الروحانيات في الإسلام ولخصتها جميعاً في كتيب صغير اسمه (جدد إيمانك) وقررنا توزيعه مجاناً فقد صدر حديثاً يمكن الحصول عليه من موقعنا شركة الإبداع الخليجي.
- سلام Salam4all.com: أنصح أيضاً بتعلم الروحانيات بأسلوب جديد وهو الربط مع علم النفس والفهم العميق للفكر والأسماء الحسنى ودورها الرئيسي في الرقي بالروحانيات وهنا يوجد مشروع ممتاز جداً لابنتنا ياسمين حفظها الله وأنصح به بشدة Salam4all يعطيكم كيفية الحصول على هذه الروحانيات الجميلة والسلام الداخلي والخارجي وكيف نغرس الأسماء الحسنى بأسلوب جديد وليس بالأساليب التقليدية.
الجانب المالي والاستثماري
هناك مشكلة عند معظم الناس في هذا الجانب في رمضان فأحب أن أوضح بعض الأشياء هنا:
- الواجبات الشرعية المالية: هناك واجبات شرعية مالية طبعاً لا تجب على كل الناس لكن الذين تجب عليهم يجب أن يفعلوها، ولديكم الزكاة (زكاة الفطر) وطبعاً الكل تجب عليه زكاة الفطر، وأيضاً الالتزامات تجاه من إعالتهم واجب شرعي عليهم، فهذه التزامات وليست أُعطيات.
- تعويد النفس على الصدفة: أتمنى أن نعالج هذا الشح الموجود في نفوسنا في رمضان بالذات فتعودوا أن تفعلوا ولو شئ بسيط فإذا أخرجتم ما قيمته نصف دولار أو أقل يومياً، فإخراج المال يومياً سيُعوّد النفس على الصدقة ويتذكر الإنسان أنه ما نقص مالٌ من صدقة. قال العلماء لن ينقص في الدنيا وليس فقط في الآخرة فسيعوضك الله سبحانه وتعالى.
- الاستثمار في الآخرة: وهو أن ما عند الله خيرٌ وأبقى، حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءته شاه هدية فأمر السيدة عائشة أن يتصرفوا فلما رجع سألها عن الشاة، فقالت يا رسول الله ذهبت كلها إلا كتِفُها -أي قاموا بتوزيع جميعها إلا الكتف- ، فقال صلى الله عليه وسلم معلماً إيانا الاستثمار في الآخرة: بقيّت كلها إلا كتفها!
نحن نبحث الآن عن استثمارات بخمس بالمائة وعشر بالمائة وهكذا، فماذا عن ألف بالمائة؟ وسبعة آلاف بالمائة التي وعدنا بها في الآخرة؟ فنتذكر هذا المعنى ويتثبت في نفوسنا.
سياسي وحضاري
يتضمن هذا الجانب:
- الاهتمام الفعلي بالأمة: فالاهتمام الحقيقي بالأمة عبادة حقيقية يجب أن نتعبد الله بها، فمثلاً المشاركة في مشروع عمران هذا اهتمام فعلي بالأمة والمشاركة في الحركات الإسلامية والمشاركة في اتحادات الطلبة لتوعية الشباب، والمشاركة في الأنشطة المختلفة والمشاركة حتى في الحراك الذي يعمل على التغيير؛ فكل هذا عبادة. بعض الناس يتصور أن العبادة هي الجلوس في المسجد والصلاة. لا، فيجب أن نتفاعل مع كل هذه الأشياء على أنها عبادة. دخل رجلٌ إلى المسجد النبوي في العشر الأواخر من رمضان وإذ من بين المعتكفين سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة، فجاء إليه وتحدث معه بشكل خاص، ثم قام سيدنا عبدالله بن عباس ومشا معه فالتفت أحد المعتكفين ونادى سيدنا عبدالله بن عباس وقال ألست معتكفاً يا ابن عم رسول الله؟ قال بلى، قال: فيكف تخرج من المسجد؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن تسعى في حاجة أخيك خيرٌ من صلاةٍ أربعين سنة عند الحجر الأسود . فلابد أن يتغير مفهومنا للعبادة وينصب الاهتمام الفعلي لكل مشاكل الأمة سواء جانب إغاثي أو خيري لكن الأهم منها الجانب السياسي والحضاري، فاليوم كثير من الشباب عندما يعمل عملا خيريا يفكر في بئر ماء أو بناء مسجد وهذا شئ جميل جداً ليس فيه خلل لكن كثير من هذه الأعمال هي إطفاء حرائق، فنحن نلهث وراء معالجة هذه الأمور ويأتي الطغاة يعملون المزيد من المصائب في هذه الأمة. الحل الصحيح هو أن نعمل على إزالة هؤلاء الطغاة ونتعبد الله سبحانه وتعالى بإقامة حضارة الإسلام من جديد فالاهتمام الفعلي بالأمة جزء من العبادة.
- ضرب النموذج الحضاري: حضارتنا حضارة روحية، هنا يأتي معنى جميل فعندما أحافظ على النظام وأحافظ على المرور والنظافة وأمثال ذلك فنحن نحاول أن نضرب مثلا هو نموذج حضاري لكن كثير من الناس لا يستشعر معنى العبادة. عندما يحدثنا الله سبحانه وتعالى عن معنى العبادة يقول إن الله جميلٌ يحب الجمال؛ فإذا عملت شئ يحبه الله ألن أخذ أجراً عليه؟ فضرب النموذج الحضاري والرقي بالأمة والرقي بالجمال وتذوقه هذا كله جزء من عبادتنا ورمضان فرصة لممارسة هذه المعاني، أعطيكم مثال كم يزعجني عندما نكون بالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ومعنا عدد كبير من المعتكفين ويوجد عدد كبير ينام ليلاً ولا مشكلة، فقمنا لصلاة الفجر، يأتي بعضهم يصلي الفجر بملابس النوم! فما هذا الطرح الحضاري؟ هل تتعبد الله بمثل هذا؟ ما هذا الذوق والجمال؟ فأنت مرتاح لكننا نريد أن نرى بعيوننا الجمال، فالله جميل يحب الجمال ونريد أن نتعبد الله سبحانه وتعالى بذلك.
- السياسة عبادة متعدية: يقال في اللغة العربية أن الفعل قد يكون لازما أي لا يحتاج مفعول به أو قد يكون متعديا أي لا يكفي فيه الفاعل ولابد من وضع مفعول به وقد يكون متعديا لمفعولين يعني فيه مفعولين، العبادة بالطريقة المطروحة اليوم من قبل المشايخ والوعاظ كله حديث عن العبادة الفردية وهي جميلة من حيث ذكر الله وصلاة وقيام ليل ولم يقصروا في هذا الجانب بارك الله فيهم
لكن أنا أريد أن أتحدث للذين لديهم اهتمام حضاري وسياسي وأريدهم أن يفكروا في هذه المسألة أنه لو فاتته صلاة قيام الليل في رمضان بسبب انشغاله بجانب سياسي من أجل تغيير قوانين أو من أجل إيقاف حزب فاسد أو طاعية أو غيره، أرجو أن يتذكر هؤلاء أنهم في عبادة أعظم من قيام الليل والسبب أن قيام الليل هذا عبادة فردية –هو الوحيد الذي يستفيد منها- بينما هذا الذي يعمل في السياسة يتعبد الله ويترك أثرا قد يستمر لأجيال وعلى مستوى البلد كلها ربما، فدائماً العبادة والعمل المتعدي أعظم من العمل اللازم. فتذكروا أن السياسة هي عبادة متعدية.
هذا عن الواقع المرفوض، الآن نذهب لتحديد الحال المنشود وما هو؟
تحديد الواقع المنشود
هو ما يسمى في علم التخطيط بالرؤية، وجميعكم ربما مرت عليكم هذه المسألة والرؤية هي صورة ذهنية عند نقطة مستقبلية. ففي ذهن الإنسان يعرف ما هي الصورة التي يريد أن يصل إليها، نحن هنا نتحدث عن الصورة الذهنية لما بعد رمضان مباشرة، يعني مع بداية شوال أو صيام ست من شوال، ما هي الصورة الذهنية لنفسك في تلك النقطة؟ أنتم الآن كما ذكرنا في أمر معين ونريدكم أن تتخيلوا أنفسكم في هذه النقطة بعد شهر. ودعونا نفصل قليلاً في هذه المسألة، فمن ناحية علم التخطيط وعلم التغيير أهم صفات الرؤية -وطبقوها على رؤيتكم لأنفسكم بعد رمضان- يعني نفس المعايير طبقوها على أنفسكم وسأعلق عليها:
أهم صفات الرؤية:
- طموحة وممكنة: إذا كان الهدف صغير وبسيط وفرقه بسيط عن واقعي اليوم ولذا أتحسن قليلاً فهذا سهل، لكن أيضاً إذا صار خياليا فهذا أيضاً خطأ! فنحن لدينا تعريف للرؤية الجيدة، نقول صعبة ولكنها ممكنة. إذا كانت سهلة فهي سيئة وإذا خيالية فهي سيئة، فطموحة تعني صعبة ولكنها ممكنة، فضعوا لأنفسكم أهدافاً ومستوى تريدون الوصول إليه في كل جوانبكم واجعلوها طموحة ولكنها ممكنة.
- قابلة للقياس: فلا يجوز أن تكون الأهداف (أريد أن أكون بعد رمضان أفضل) فهذه غير قابلة للقياس، ماذا نقصد بأفضل؟ فنقوم بتحديدها في كل جانب تحدثنا عنه، مثلاً في العبادات والنوافل أو المقصر في صلاة الفجر يجعل لديه هدفا بعد الانتهاء من الرمضان سيصليه في الوقت، والمحافظ على صلاة الفجر يبدأ يفكر في المحافظة على النوافل. هذا في العبادات وكذلك في بقية الجوانب الأخرى لا تضعوا أهدافا عامة مثل أريد أن أكون أفضل وأريد أن أكون أحسن وأُحسّن علاقتي مع الله سبحانه وتعالى، هذه عامة وغير قابلة للقياس. وهي رؤية سيئة.
- مكتوبة: نكتب خططا بأهداف قابلة للقياس طموحة وصعبة لكنها ممكنة ونحدد لها موعدا، مثلاً أنا بالتاريخ الفلاني سأكون حافظت على صلاة كذا ولا أتركها، في التاريخ الفلاني سأكون حافظت على كذا ركعة من النوافل وهكذا. أنا لا أحب أن أنصح بشئ لا أطبقه فقد كتبت فعلاً أهدافي لرمضان بحمد الله وكلها بهذه المعايير طموحة قابلة للقياس ومكتوبة.
الخطة..
أما خطة الانتقال من الواقع الذي نحن فيه إلى الرؤية التي نتمناها هي في الحقيقة ما نسميه (الاستراتيجيات).
تعريف الاستراتيجية هي المسار، يعني أنا أستطيع أن أذهب من الكويت مثلاً إلى الجزائر وتوجد عشرات الطرق فهنا أنا حددت واقعي وحددت الهدف ولازم أحدد المسار، هل سأذهب عن طريق اسطنبول أم باريس أم القاهرة؟ ما هو الطريق الذي سأذهب إليه؟ هذه نسمية المسارات، كذلك خطتنا حتى في رمضان.
القانون الرئيسي في علم اتخاذ القرارات أنه كلما زادت البدائل تحسّن القرار. ماذا أقصد هنا؟ أقصد اكتبوا أهدافاً أكثر مما تتوقع تحقيقه فيصير لديك بدائل. عندنا قانون في التخطيط يقول: إذا حققتم 50% أو أكثر من أهداف مكتوبة سواء أهداف يوم أو أسبوع أو شهر أو خمس سنين، إذا حققتم أكثر من 50% فأنتم أعلى من المتوسط العام في البشر، فالمتوسط العام في البشر أنهم يحققون حوالي 50% من أهدافهم. ماذا عن الخبراء؟ الخبراء لا تتخيلوا أنهم يحققون 100% من الأهداف التي يكتبونها، حتى نحن كخبراء تخطيط لا نحقق 100% من الأهداف التي نكتبها، نحن نستطيع بخبرتنا أن نصل إلى 80%، فماذا يعني هذا؟ وما علاقته بكم؟ علاقته أنه إذا كنت كتبت ثلاثة أهداف وسرت بالمعايير التي تحدثنا عنها وحققت هدفين فقط فالبدائل التي أمامكم قليلة جداً، لكن لو كتبت سبعة أهداف أو عشرة أهداف وحققتم 50% منها فأنتم وصلتم إلى 5. إذاً اكتبوا أهداف طموحة، حتى الذي يقول لا أريد أن أكتب أهدافا ولا أحققها نقول له اكتب الأهداف حتى لو لم تحققها؛ فهذا طبيعة علم التخطيط وعندكم بدائل إن لم ينجح هذا نحقق ذاك فلدينا بدائل لكن الذي يقلل بدائله تكون خطته ضعيفة. لدينا مشكلة كبيرة جداً وهي أن كثير من الناس يكتب أهدافا ولكن لا يحدد من سيساعده فيها؟ متى؟ و كم؟ فحددوا كل هذا.
المشكلة الكبيرة في تحقيق الخطط والأحلام وحتى في دوراتي أتحدث عنها وأقول أنني أستطيع تعليمكم الإدارة لكن توجد مسألة لا أستطيع منحكم إياها ولا أحد يستطيع ذلك بل لابد أن تأتي منكم أنتم وهي نقص الإرادة وهي مشكلة علاجها من داخل الإنسان! فهل توجد طريقة يستطيع الإنسان من خلالها أن يحسن الإرادة ؟ ما هي المشكلة في أهدافنا في رمضان ولماذا بعض الناس ماشاء الله يحققون أهداف عالية جداً؟ وأنا دائماً بفضل الله تعالى أعتبر رمضان شهر إنتاجية عالية وعادةً إنتاجي في رمضان أكثر من إنتاجي في أي شهر في السنة! هذه فلسفة عندي لأنني لا أعتقد أن رمضان هو شهر نوم وشهر كسل، لا بل أعتقد أنه شهر همّة وبذل وعطاء وإنتاج.. الذي لديه مشكلة في نقص الإرادة هناك طرق لعلاج هذه المشكلة الكبيرة..
السؤال الذهبي الذي نريد أن نجيب عليه هو كيف أرفع مستوى الإرادة عندي؟
مهما تعلمنا الإدارة ومهما أعطينا وعظاً فإن لم يكن لدينا إرادة فلم نفعل شيئا! فكيف ترفع مستوى الإرادة عندك؟ هناك طرق باختصار شديد أعطيكم إياها:
تعميق الإيمان وتعظيم الله تعالى ودرجات الآخرة:
ولذلك قراءة كتب الروحانيات توصلكم إلى أمرين هما تعظيم الله سبحانه وتعالى وتعظيم درجات الآخرة بأن يصير الفرد طموحاً، ليس دخول الجنة وليس حتى أن يصل لمرتبة جيدة في الجنة وليس فقط أن يكون في الفردوس الأعلى في الجنة وإنما تكون همته مثل همة ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه -من الأنصار من بني سلمة- يقول ابن تيمية من أراد أن يرى مراتب الهمم فلينظر إلى همة ربيعة بن كعب الأسلمي، ربيعة الذي كان فقيراً جداً جداً فكان يقال أن لا أحد أفقر منه في المدينة، وفي يوم من الأيام كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع الصحابة وكان جالساً على يمين النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت غنائم فيها إبل وغنم وفضة وغيرها، فوضعت أمام النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس بعد سماعهم بأن هناك غنائم قادمة وكان صلى الله عليه وسلم في منتهى الكرم فلا أحد يقول له يا رسول الله أعطني هذا إلا وأعطاه، والوحيد الذي كان صامتاً كان ربيعة وهو أفقر الناس! والنبي صلى الله عليه وسلم منتبه وهذا من دقة انتباهه لأصحابه، هو يعرف تماماً ربيعة ويعرف أنه صامت، فالتفت النبي إليه وقال يا ربيعة سلني؟ أي أطلب كما يطلب بقية الناس فهذا من حقك! قال: أو تعطيني يا رسول الله؟ قال: قُل، قال: أسألك مرافقتك في الجنة!
هو لا يريد الجنة ولا يريد الفردوس! هو يريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك يا ربيعة؟ قال: هو ذاك! فانظروا عندما يتعمق الإيمان ونفهم درجات الآخرة فما هو الهدف الذي يريده ربيعة.؟ قال صلى الله عليه وسلم معلماً له ولنا: فأعنّي على نفسك بكثرة السجود..
شُدّ همتك في العبادة، وكثرة السجود نموذج للعبادة وأنواع العبادة التي تحدثنا عنها أشد همة، يعني إذا عرفت حقيقة الإيمان وتعظيم الله سبحانه وتعالى والكون بعظمته كلها يبهرنا فما بالك بخالق الكون؟ ودرجات الآخرة وأن أهل الغرفات يتراءون كما يترائى أحدكم النجم في السماء. بين درجة ودرجة مثل رؤية النجوم في السماء فما بالكم برفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟!
وضوح الأهداف والمواعيد لتنفيذها:
أي أهداف قابلة للقياس ومتى مواعيد تنفيذها، ويقولون كما علمونا في أمريكا: Thanks god for deadlines without it nothing will happen (الحمدلله أن هناك مواعيد نهائية لإنجاز الأعمال، لولاها لما أنجز أي عمل)، فلا تكتبوا أريد أن أختم! بل أكتب متى ستختم. مثلاً بعد عشرة أيام؟ وعندي لكم نصيحة لا تضعوا أول ختمة بعد عشرة أيام وإنما سبعة أيام لماذا؟ لأنكم إذا تأخرتم أو كذا يكون لديكم ثلاث أيام احتياط.. إذاً ضعوا مواعيد نهائية فوضوح الأهداف ومواعيدها سيساعدكم على الإنجاز.
وضوح الحد الأدنى وعدم التنازل عنه:
أي لن أنزل بأي حال من الأحوال عن كذا ركعة من النوافل ومن هذه الأمثلة.
مصاحبة أهل الهمم والطموح العالي، أو قراءة سيرهم:
مثل شباب عمران بارك الله فيهم وأساتذتنا الكرام في الحركات الإسلامية وقادتها مثل الدكتور عبدالرزاق أو قراءة سير العظماء مثل مالك بن نبي رحمه الله تعالى والقدماء والمحدثين، حتى غير المسلمين وهذا يرفع الهمم.
وقفات التقييم والتعديل:
التقييم والتعديل المستمر، مثلاً وضعت خطة لا تثبت عليها وإنما أعيدوا النظر في خططكم، حتى خطة رمضان أعيدوا النظر فيها بعد مرور أسبوع من رمضان (هذا الهدف تأخر، وهذا الهدف غير ممكن، و يمكن أن أضيف كذا...) أعيدوا النظر، فالتقييم والتعديل يرفع الإرادة ويرفع الهمة لكن الإنسان الذي لا يقيم إلا إذا انتهى رمضان الأمور التي لم يحققها لن يستطيع الرجوع إليها وهذه كلها أمور تساعد.
الدعاء وخاصة في الخلوة:
وطبعاً الدعاء للعمل وأثناء العمل وبعد العمل وخاصةً في الخلوة وأنا أريد هنا أن أذكر معنى ربما يغفل عنه بعض الناس وهو أن صلاة المرء للنافلة وحده خيرٌ من صلاته للنافلة مع جماعة، إلا أنه يوجد بعض الناس لا يشعر الفرد بخشوع وحده لكنه يشعر به عندما يصلي وراء مقرئ جيد الصوت فلا مشكلة.
لكن الذي يريد الأجر الأعلى والمعاني الأعمق أنا أُفضّل له أن يصلي وحده، وأنا شخصياً غير صلاة الفرض أصلي صلاة النوافل لوحدي ولو أني أستمتع بقراءة القرآن لكن استمتع بها بالاستماع بالهاتف، لكن في الصلاة في الخلوة حتماً الأجر فيها أكثر فصلاة المرء للنافلة في بيته خير من صلاته لها مع الناس.
اجعل رمضانك شهراً للتغيير
اجعلوا رمضان شهراً للتغيير وأسأل الله سبحانه وتعالى لكم القبول ولا تنسونا من صالح دعائكم وكل من أحب أن يتواصل معي يمكنه مراسلتي عبر الايميل ومرة أخرى تقبل الله منكم وبارك فيكم وشكرا لشباب عمران وفتياتهم على الاستضافة الكريمة وأستودعكم الله والسلام عليكم.