ليكون فهمنا واضحا لما تقتضيه عبارة "الظاهرة السياسة" لا بد ان نستحضر تركيبة معينة (متغيرات) والتي ترتبط بوجود فعل (Act) + فاعل (Actor) وصيغة التفاعل (Interaction)، بمعنى أن النشاط السياسي يظهر في شكله المبسط بوجود علاقة تفاعلية ما بين القائم بالفعل السياسي وبطبيعة الفعل الذي يعبر عنه بالظاهرة أو النشاط السياسي والذي يترجم في بيئة التفاعل.
عادة ما يتم تحليل الظاهرة السياسية بين هذه المتغيرات وذلك بفصل أحد أطراف المعادلة كالفاعل مثلا ودراسته (تركيبته) وكيف يساهم في بلورة الظاهرة السياسية كحالة رئيس دولة، جماعة إرهابية، منظمة دولية، شخص معنوي وغير ذلك من الفواعل.
أو كأن نقوم بتفسير الظاهرة السياسية (طبيعتها) من خلال الفعل الواقع مثال على ذلك: انفجار عبوة ناسفة، انخفاض أسعار البترول. لنعود بالتحليل لمختلف التأثيرات وعلاقتها بسلوك الفاعل، هنا التحليل يختلف بين المدارس الفكرية والمنطلقات المعرفية التي ترتبط بعلم السياسة ومختلف تخصصاته وفروعه.
وفقا لهذا التصور يمكن معالجة إشكالية رئيسة تتمثل في: هل تكفي الأطر الفكرية (النظرية) السياسية بمفردها لتفسير سلوك الفاعل والفعل المُتبع وتفاعل البيئة الداخلية والخارجية مع كل ذلك؟ أو بعبارة أخرى هل تفسير سلوك الفاعل مرتبط بمداخل واتجاهات ونظريات ونماذج معرفية محددة في العلوم السياسية وفقط؟
قد تختلف الأسس الفرضية التي تعتمد عليها نظريات العلاقات الدولية وقد تذهب لأبعد من ذلك فيما يتعلق بانتقاد كل نظرية للنظريات السابقة وترفضها أحيانا، لكن ومنذ بداية تناولنا لهذه النظرية يمكن تسجيل ملاحظة رئيسية وهي أن مختلف هذه النظريات وإن اختلفت في بعض التفاصيل إلا أن مادتها واحدة لا تخرج عن إطار علاقات الصراع والتعاون، السلم والحرب، الدولة، الفرد والنظام الدولي.
منذ انتهاء الحرب الباردة إلى الوقت الراهن لا تزال المساهمات الفكرية تدور في فلك المتغيرات السابقة ولا تقدم حلول سلمية تعاونية بقدر ما تركز على جوانب الصراع والحرب وغيرها، ومرد ذلك قد يكون استمرار نفس أنماط التفكير الغربي وهيمنته على حقل التنظير في العلاقات الدولية، وعدم ادخال فرضيات جديدة قد تغير من موازين القوة في هذا الحقل فكريا قبل أن يكون واقعيا.
لو تحقق التغيير المطلوب في موازين القوى بين الغرب والعرب مثلا من أين يمكن لنا مباشرة البحث والتحليل في الظاهرة السياسية؟ على سبيل المثال عندما يفشل القائد السياسي في تسيير مرحلة انتقالية صعبة وحرجة كالتي شهدتها بعض الدول العربية في سياق الثورات العربية، هل نكتفي بتفسير هذا الفشل من منطلق سياسي ووفقا لنظريات العلاقات الدولية؟
عندنا تمتلك دولة ثروات جد مهمة ومتعددة كاليمن مثلا وليبيا لكن يتم تصنيفها كدول فاشلة سنة 2020 حسب المؤشر العالمي لقياس الدول الفاشلة FSI المعتمد من قبل صندوق السلامFFP، هل تفسر مقاربات العلاقات الدولية معيار الفشل وفقا لفرضيتها؟
بعد ثلاث سنوات تقريبا من انطلاق التظاهرات في الساحات الفرنسية وخروج المئات من المواطنين الفرنسيين منددين بسياسة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وسقوط جرحى وقتلى في أحد أكبر رموز الحضارة الأوروبية وأول دولة مؤسسة لفكرة التكامل والاتحاد الأوروبي، هل نقوم بتفسير الظاهرة الفرنسية سواء للرئيس ماكرون أو للشعب الفرنسي من منطلق سياسي؟ أو بعبارة أخرى، لماذا لا يمكن اعتبار فشل الرئيس الفرنسي في احتواء التظاهرات لأكثر من سنتين مرتبط بعجز في الجانب القيادي أكثر منه فشل سياسي؟ وإذا كان الشعب الفرنسي مستمر في مظاهراته التي تدخل سنتها الثالثة يعتبر مجرد حدث سياسي عابر أو نقطة تحول في مساره النضالي؟
ربما لا يختلف الأمر كثيرا لدى القارئ والباحث في الشأن السياسي، على اعتبار أن النتيجة واحدة بالنسبة له وهي الفشل في الإدارة والتخطيط السياسي أو الاستراتيجي والذي يعبر عن نظام سياسي مرفوض سياسيا وشعبيا، لكن ألا يمكننا توظيف جانب أو بُعد تحليلي أخر لتفسير هذه الظواهر المتكررة؟ ونكتفي بتحليل الظاهرة السياسية وفق منطلقات ومقاربات العلوم السياسية ومنها المرتبطة بالتخصصات الفرعية للحقل كالعلاقات الدولية مثلاً ونستغني عن بعض الدراسات المساعدة لتحليل الظاهرة السياسية خاصة المرتبطة بفشل الإدارة والتسيير في الحالة الفرنسية أو ما يمكن وصفه بالقصور القيادي لدى صانع القرار.
نبحث في المقالات المقبلة عن إجابات هذه الأسئلة: لماذا نحتاج لمفاهيم القيادة والتسيير في مجال العلاقات الدولية؟ ولماذا يحتاج الطرح الموسع في العلاقات الدولية لأن يوسع أكثر؟