هل الموضة هي الحرية؟ الموضة هي اللباس، والحرية هي الأفكار ومعادلة: حرية + موضة = حر موضة ليس كل موضة من الضروري، أن تتناسب مع ثقافتنا، وليس كل فكر متحرر يناسب قيم، وثوابت ديننا.
الحديث عن هذا الموضوع يبدو غريبًا جدًا وكذلك هذا المصطلح الذي أنتم تقرؤونه الآن مصطلح حُر موضة عندما عرضته عن أحد الأصدقاء قال لي: هذا مرض عصبي أو ماركة عالمية أم ماذا؟ أخبرته أن هذه الأمراض هي سموم اجتماعية وكفى.
بالبداية سنتفق سويًا أن هذه فكرة مصطلح "حُر موضة" هو ناتج عن تجربة اجتماعية وعلم- الاجتماع كما أعرف عنه- يقوم على -التجارب والمخالطة- فمن يُحدثك عن معاناة شعبٍ، أو ينقل لك صورة عن مجتمعٍ من المجتمعات، وهو أبعد منهم فهو يتحدث عن نصف صورة، والنصف الآخر للصورة هي لمن يحتقن بوريد هذا المجتمع.
تواردت لذهني فكرة قبل الذهاب للدوام في الجامعة، أن أسجل كم مرة سأسمع كلمة "موضة" في أثناء اختلاطيَّ بالزملاء، وبعض الأسئلة التي ستكون حول محور الدوران حول ثقافة "الموضة"، "…وللأسف كانت الورقة أشبه بتريندينغ- بي بي سي- أو كهاشتاغ على تويتر للأخبار المتداولة بكثرة، وهذه الكلمات كانت هي الأغلب على الورقة، إمَّا -موضة أو حرية- قمتُ بدمج المصطلحان لينتج لنا مفهوم جديد يسمى "حرموضة! " دون- ال- التعريف لتصبح مجهولةً غير معروفة أيّ حرية وأيّ موضة نقصد كمثل "جرثومة" في الجانب الطبي تُتطلق على نوع من أنواع، البكتيريا فمصطلح "حر موضة" مصطلح اجتماعي يدل على أعراض تحلل المجتمعات بين- الحر والموضة- وهذا هو الجمع بين هذين الكلمتين، يبدو مجهول تبادل هذا المصطلح، ولكني أرى أنه سيأخذ حيزًا له في علم الاجتماع، وسيرى النور في قادم أيامنا.
هل سمعت بكلمة السَّتر في أحاديثك اليوميّة كمثلي عندما حاولت أن أستمع لها أم أن مصطلح الموضة هو الرائج؟ استعمرت حياتنا مفهوم "حر موضة"، وأظن أنه من المعقول أن نطلق مصطلحًا عصريًا في هذا الشأن يُسمى "استعمار المصطلحات" وأصبحت نماذج مهيمنة تفرض حضورها على مجتمعاتنا، ومحاولة لتغيير الوعي داخل المجتمعات.
ولا أرى أيًَّا من الباحثين قد أشار إلى هذا المعنى المفاهيميَّ لتوصيف ظاهرة التنازع من أجل البقاء بين مفهوم غربيَّ أتى إلينا مستعمِرا لديارِنا بطريقة ناعمةٍ يحمل شكل العادات، والثقافات تخص هيئة الإنسان من محاكاة لواقع يختلف عن واقعنا- وصراع المصطلحات بين "حر موضة" الغربيّة ومفهوم إسلامي يسمى "السَّــتر" ظل يُقاوم هذا الأخير المستعمرِ الجديد، ولكن لاحياة لمن تُنادي فثبت الأول في واقعنا، وهو يحمل هشاشة في معناه، ويحاول الثاني الانقراض وهو في طور الهجران المميت من قِبل مجتمعات إذا فتحت تراثها الإسلامي، وجدت مفهوم السَّتر متأصل فيها، وإذا خرجت بين الناس تبحث عن هذا المفهوم من العيب جدًا أن تسال عنه، ومن الصعب جدا تسمع إجابة شافيةً عليه.
كنت أستمع لأحد القنوات المهتمة بطرح الأسئلة على الناس في أحد الشوارع العربية، وكانت الحلقة تدور على شخص يسأل الناس على معنى "الموضة " وهل يتقبلونها؟ الحمد لله أجاب كل الناس، لم يعجز أحد على الاعتذار حتى العجايز كانت لهنَّ إجابات في ذلك…. وأتعجب، وأقول ماذا لو كان السؤال عن ماهي سورة الإخلاص، أو هل الصلاة على الميت أربع ركعات أم خمس ركعات كما يسأل البعض ذلك هل كان سيجد إجابة عن أسئلته هذه؟
نعم قد يقول قائل إن، وجوه المقارنة هنا باطلة لا أعلم كيف تكون باطلة! لكني أجد أن مسلمًا يهتم بمفهوم غربيَّ، باحثًا عن آخر إصدار من الموضة من الموضات، والبعض منهم تكون من أهدافه السنوية شراء -ماركة من الماركات-، ولا يُكلف نفسه تعليم أمور دينه فأيَّ موضة تسلبني معرفة أصول ديني فتبًا لها، ولصاحبها اللهث، ورائها من موضة، والغريب الثاني في هذه المقابلات عدم معرفة بعض الأشخاص معنى الموضة من حيث معناه الحقيقي فإذا سمع كلمة "موضة" تبادر لذهنه -البنطال وقصات الشعر والملبوسات النسائية- بأشكالها، وأنواعها وهذا ما يعرفه المجتمع العربي من كلمة موضة، ولم يحدثونا عن الجانب الآخر للموضة التي تهتم بالرقي َّ، وبدلف المجتمع الإسلامي من البحر المتلاطم إلى البر الهادئ.
يجب أن نفهم أن-السَّتر والموضة- أصبح أكثر انتشارًا من حيث الاصطلاح، وكلًا من -السَّتر والموضة- يدور حول لباس المرأة وهذا الصراع المبدئيّ، وغيرها من الملبوسات التي أصبحت محل اهتمام كثيرين من الرجال أشدّ من النساء، ولكن المصطلحان أختلافا في جانبيَّ -التطيبق والتعميم- ونحن هنا نُبيّن جانب تشهير مصطلح الموضة على فضاء التواصل الاجتماعي حتى أصبحت طابعةً الموضة هي الأكثر انجذابًا، وتحبيبًا من مصطلح السّتر، ولكن الواضح أنَّ الموضة قد تصدّرت جُلّ ما نقوم به من اهتمامات، والبريق اللامع لها يجد لها طربًا ولحنًا جميلًا في عقولنا، وفي أجسادنا، حتى أصبح اللباس الإسلامي، فيه نوعًا من التوميض المعاصر من حيث التغيَّير في الهئية، والشكل لأن المصطلح الإسلامي "السَّتر" أصبحت تزاحمه كثيرًا من المصطلحات المستوردة، والتي يتلقفها أجيالنا، ويرضعونها ربما في حليبهم أمهاتهم، ونحن لا نشعر أنها موضة كما كانت تقول أحد الأمهات" أن الحليب الصناعي للأطفام أصبح موضة أكثر مما هي حل لمشكلة من المشكلات التي تخصُ الأمهات لأشياء، وأغراض لا يصح، ولا يجب عنها الحديث وهي أقرب للحفاظ على رشاقة الجسد من التشوهات، وهي أصبحت موضة من الصعب الإنفكاك عنها، أو كغيرها من الأفكار التي طفت على، واقعنا الاجتماعي.
عمليات "الولادة القيصريّة" التي أصبحت موضة بحجة أن العمليات الطبيعيّة تؤذي الجسم، وإن كانت المرأة تستطيع، وقادرة على أن تلد دون استخدام عملية، أو شق لإخراج الجنين، وإذا بحثت عن سبب ذلك سيقولون لك إنها الموضة يا عمنا المسكين".
المجتمع دون الوعيّ، وفي ظل الهوة الثقافية والمعرفيّة، بالإمكان أن تُغيّر الشخصية المسلمة شكلها، ومظهرها بحجة متابعة الموضة حتى أصبح مفهوم السّتر مفهوم تقليديًا، والموضة شيء حضاري عصري من لم يسكله فهو أجهل من حمار قومه.
وقد وجدتُ من تتبعي بعضًا من القرى التي زرتُها في بلدي هذا المصطلح يدور في كلام الشباب، وحتى الأطفال، ولكنهم لا يعرفونه إلا كلامًأ فيه تبريرًا إذا وُجد هنالك نشاز في قضايا هئية المجتمع الأخلاقية مثل -قصات الشعر التي تغير من شكل صاحبها أحيانًا، واللباس الضيق كانت هذه الأشياء في ما مضى لا أحد يكترثُ لها، وكانت ظاهرة القبول بالمظهر شيء مستحب بين أفراد المجتمع جمعيًا تبدلات الأوضاع، و-تعولمت الحواضر والبوادي- وبدأت تتفكك القضايا الاجتماعية شيءًا فشيئًا، إلا الندر اليسير من ذلك، وما رحم ربي أن يحفظ في ذلك.
وإذا خاطبت شخصًا مالذي حمل لك على فعل هذا قال: إنها الموضة وهذه الكلمة ربما تلقفها من أحدهم في السوق، أو في الشارع لكي يُحاجج بها، وسلاح لمن ينبس عليه بأيَّ كلمة، أو مجرد نصحية عابرة، وما عرف هذا المسكين أنه يعالج أخطأه بوسائل خاطئة قد تهوي به، وهو يتعلق بقشة الموضة، ولا نستغرب في يوم ما من الأيام أن تصبح قضية- الإنحلال على الدين موضة- كما يعتقد صاحبنا المموض، وإذا حاولت أن تشرح له أن مصطلح الموضة الذي يدندنُ به شيء فيه نوع من الخروج عن دائرة المباح، إذا زادت قدر جرعات هذه الموضة، وإن كانت لا تُحمد مساوئها، وضررها أكبر من نفعها، وخطرها يجني تحلل القيم، والمبادئ داخل المجتمع الإسلامي… ومن هذا كله يجب علينا، أن نُحرر المصطلحات حتى لا يحصل تجنيّ في الأفعال، والممارسات، وتكون الموضة كطاحونة الذرة تتطحن كل ما يقدم لها دون تمييزٍ، ولا إفراد، وتنحل بالقيمةِ الأخلاقية للمجتمع، وما شباهها من مصطلحات فأنا أحب، وأُعجب بموضة الكلام الحسن، واللباس الجميل الذي لا يطغي، ولا يزري، وهي، أن لا تتكلف بتغير شكل، أو هيئة، وأن تنأى بنفسك عن المثاقفة التي تستهدف شخصيتك الداخلية، ومزاجك العام، وأن نحب ذواتنا، ولا نسعى لتغليف أجسادنا بديكور الموضة التي هي ليست من صميم ثقافتنا، ولا من صُنع واقعنا.
الموضة العملية هي التي نحتاج الموضة الثقافية الموضة في كل المعارف الإسلامية التي تزيد من رصيد، وعي المجتمع، وتُثبت أركان أعمدته هذه هي التي نبحث عنها كما كان يبحث ديوجين بمصباحه في أزقة أثينا ويقول: الحقيقة تاهت، وهأنذا أبحث عنها ومشتقاتِها حيث الحق والعدل المنشود…
ونحن نقول أن حر موضة تاهت لدينا، ويجب علينا أن نبحث عنها في السَّتر، وأن نتحصن بما يمنحنا قوة لشخصيتنا لا لذوابنها في-محاليل-صُنعت عند غيرنا، ومطلوبُ منّا أن نذوب ونتحلل فيها، وكل حضارة من الحضارات لها قيمها، وثوابتها الحضارية فلا نكون كالوارث من أبيه صندوق ممتلئ -بالذهب والمجوهرات النفيسة-، وهو يخرج بين العامة يُمارس مهنة الشحاذة، والتسول.