لا تزال الصين تمارس اضطهادها، وتظلمها للأقليات الإيغورية بشتى الطرق، ورغم الانتشار الواسع والمخيف لفيروس كوفيد 19، والذي لم يمنعها من ممارسة عنجهيتها تجاه المسلمين.

وتعتبر الحرب التي تشنها الصين على الأقليات المسلمة بمثابة الوجه البشع للصين، بعيدا على تفوقها الاقتصادي، وصعودها كمنافس قوي في الساحة الدولية، وكمصدر للصناعات، والتطور، والتكنولوجيا، وما يحدث داخل المشهد الصيني ضد أقليات الإيغور بمثابة صراع هوياتي، وصدام بين الحضارة الصينية والحضارة المسلمة، بحيث تقوم فيه الصين بشن حرب شعواء، من أجل السيطرة ومسح الهوية الإسلامية للإيغور، باعتبارهم جزء لا يتجزأ منها، بعد احتلالها وكانت تسمى تركستان الشرقية، وغيرت اسمها إلى شينجيانغ والذي يعني باللغة الصينية الحدود الجديدة.

وكانت دولة مستقلة حتى عام 1863 حين غزتها الصين وضمتها إليها ، ولكنهم نجحوا مرة أخرى في إقامة دولة مستقلة عام 1944، بدعم من «الاتحاد السوفيتي» السابق ، لكن مع اعتناق «الصين» الأيديولوجية الشيوعية عام 1949 تخلى الاتحاد السوفيتي عن دعمهم للتحالف مع الصين ، فسقطت دولتهم وضمتها الصين إلى أراضيها وأصبحت تركستان الشرقية جزءا من الإمبراطورية الصينية ، يتمتع الإقليم بالحكم الذاتي داخل الصين تماما مثل إقليم «التبت» في جنوب البلاد .

إقليم تركستان الشرقية.. هل لأنه "نقطة عُبور"؟ 

يقع إقليم شينجيانغ في أقصى الغرب الصيني، ويحده من الجنوب إقليم التبت، ومن الجنوب الشرقي إقليم كونغاي وإقليم غانسو، ومن الشرق منغوليا، ومن الشمال روسيا، ومن الغرب كل من قرغيستان، طاجكستان، أفغانستان، باكستان، الهند.

ويعتبر شينجيانغ نقطة عبور يمر عليها ما يسمى بطريق الحرير، ويزخر بالموارد الطبيعية كالبترول والفحم والرصاص، النحاس، الزنك، اليورانيوم، الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أنه توجد فيه عدد من الصناعات مثل تكرير النفط، وصناعة الصلب، والكيماويات، والأسمنت، ناهيك عن اهتمام السكان بزراعة الحبوب، والأشجار المثمرة وزراعة القطن وتربية المواشي [1]

الإيغور هم مسلمون، وتعود أصولهم إلى الشعوب التركية (التركستان)، كما يعدون أنفسهم أقرب عرقيا وثقافيا لأمم آسيا الوسطى، يبلغ عددهم حوالي 12 مليون نسمة، يشكلون نحو 45‎%‎ من إجمالي السكان.

كان الإيغور يعتنقون عدداً من الديانات، على غرار البوذية، والمسيحية، والزرادشتية، إلى حدود القرن العاشر الميلادي حيث دخلوا في الإسلام.

تنتهج الصين العديد من السياسات تجاه الإيغور، من أجل القضاء على هويتهم، وكبح جماح مطلب الانفصال، ومنعهم ممارسة حرياتهم، ناهيك عن سياسة الاستغلال لثرواتهم، باعتبار الإقليم خط حيوي مع العديد من الدول من الناحية الغربية للصين، وأهم هذه السياسات ما نرصده في هذا التقرير. 

الانقلاب الثقافي هو البداية.. فهل تشرح العقوبات على الهوية الأسباب الحقيقية؟ 

حسب المنظور البنائي في العلاقات الدولية: والذي يقوم على البعد القيمي الهوياتي وعلى كيفية نشوء الأفكار والهويات وتنامي الأقليات والخطاب [2]، فإن الصين ترى أن الهوية الإسلامية تشكل خطرا كبيرا على الثقافة الصينية، وبالتالي تعتبر الإيغور بمثابة تهديد لأمنها، سيادتها، نسيجها الثقافي، ومن خلال هذا المنطلق، سعت بكين بكافة الوسائل إلى محاولة طمس الشخصية الإسلامية، وإذابتها في البوتقة الصينية، من طقوس، وشعائر، ولو لم ينصاعوا لإثبات هويتهم الصينية فإنهم يتعرضون للعقوبات.

إن الشوفينية الصينية تُحاول بكافة أساليبها القهرية أن تعدل الشعب عن دينه، وكانت فترة حكم الدكتاتور الشيوعي (ماو) من عام 1966 حتى 1976 من أكثر الفترات تعصُّبًا، فقد طُبِّق ما يُدعى بالانقلاب الثقافي، وبموجبه هُدمت المساجد، ومُنعت صلاة الجماعة، وأُغلِقت مراكز تدريس القرآن الكريم.

وتمَّ توطين صينيين في تركستان الشرقية الذين بدورهم سعوا بكل الطرق لإهانة المسلمين، وانتشرت حملات الترويج للإلحاد في المدارس، وعلاوة على ذلك كرَّسَت جميع وسائل الإعلام جهودها لإبعاد الناس عن الدين، أما تدريس العلوم الدينية، فقد حُظر تمامًا، وعلى الرغم من كل هذا حافظ مسلمو تركستان الشرقية على الإسلام. 

الصيام في قائمة المحظورات.. وأسماء كـ"محمد" تحرمك حقوقك المدنية!  

من القرارات التي أصدرتها الحكومة الصينية ضد مسلمي تركستان، منها ما نشرته وكالة الأناضول للأنباء في العام (2015 م) بعنوان (الصين تواصل حظر الصوم على شرائح واسعة في تركستان الشرقية) حيث قالت: "حظرت السلطات الصينية الصيام على الموظفين والطلاب والمدرسين، طوال شهر رمضان في “تركستان الشرقية”..

وذكرت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ، أن السلطات أمرت بفتح المطاعم في المنطقة، خلال رمضان، حيث أرسلت دائرة الأغذية والأدوية، تعميما بهذا الخصوص.

وتزيد القيود المفروضة شدة الاحتقان لدى مسلمي المنطقة، فيما تشدد السلطات التدابير الأمنية،

في الأماكن التي يقطنها المسلمون بكثافة، خلال شهر رمضان. [3] 

ومن القرارات التي صدرت أيضا فبحسب ما ذكرته صحيفة الإندبندنت البريطانية أن الصين حظرت ارتداء البرقع والنقاب، وإطلاق اللحى “بطريقة غير عادية” في إقليم ذات أغلبية مسلمة، فيما تزعم أنها “حملة ضد التطرف الديني”.

وفي هذا العام أعلنت السلطات المحلية في تركستان الشرقية أنها حظرت قائمة أسماء إسلامية، مكونة من 29 إسما، تمنع بموجبها الأسر من إطلاق أسماء مثل “محمد” وقرآن” على أطفالهم حديثي الولادة، وأضاف البيان أن “الأطفال حديثي الولادة، والذين سيحملون هذه الأسماء، سيتم منعهم من الحصول على الرعاية الصحية الممولة من الحكومة، ومن التعليم”، وأوضح أن “الحظر شمل أسماء ترتبط بالدين الإسلامي مثل: محمد، إسلام، قرآن، جهاد، مدينة، مكة وغيرها.” [4] 

"يَعْقِدون فيها الولاء للرئيس الصيني".. المعسكرات القسرية إلى آجال غير مُنتهية! 

تتهم جهات عديدة الصين باحتجاز مئات الألوف من أفراد أقلية الإيغور المسلمة دون محاكمة في إقليم شينجيانغ غربي البلاد. وتنفي الحكومة الصينية هذه الاتهامات، وتقول أن أولئك الإيغور يحضرون طواعية إلى معاهد مهنية خاصة تكافح الإرهاب والتطرف الديني. [5] 

“وجزء من حربها الديمغرافية على السكان في تركستان الشرقية تقوم الصين سنويا باعتقال الآلاف من سكان المنطقة، وبحسب إحصائية لمنظمة العفو الدولية فإن الصين اعتقلت 100 ألف إيغوري في عام 1997 م. ووفقا لنفس المنظمة، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، قامت السلطات الصينية باعتقال أكثر من ثلاثة آلاف من الإيغور، وبررت عمليتها بالحرب على الإرهاب . وفي عام 2006 اعتقل 18 ألف إيغوري تحت ذريعة محاربة الانفصاليين والمتطرفين. وفي عام 2009 اعتقلت الصين خمسة آلاف من الإيغور خلال مظاهرات أورومتشي.

داخل السجون الصينية تُمارس أنواع مختلفة من التعذيب، ويقول عن ذلك الدكتور مانفريد نوفاك، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، التعذيب في سجون الصين لا يزال واسع الانتشار، ويستهدف بشكل كبير الإيغور والتبتيين، ويعلق على زيارة قام بها لبعض مراكز الاعتقال في تركستان الشرقية وبكين، بالقول على مدى السنوات الماضية استخدمت السلطات الصينية الكثير من طرق التعذيب منها الهراوات والصدمات الكهربائية والسياط، وأغطية الرأس والعينين، والإبر، والزيت الحار لتعذيب السجناء من بين أشكال أخرى مثل الحرمان من النوم وغمر المياه وتشويه جسدي. وتشير مصادر المعارضة الإيغورية أنه منذ عام 2000 قتل ما يقرب من 190 من الإيغور تحت التعذيب في السجون الصينية “[6] 

وفي 2019 قال أعضاء في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن التقارير الموثوقة تشير إلى أن بكين حولت منطقة الإيغور ذاتية الحكم إلى ما يشبه معسكر اعتقال ضخم.” وقدمت جماعات معنية بحقوق الإنسان بما فيها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش تقارير إلى لجنة الأمم المتحدة مستندات توثق مزاعم بالسجن الجماعي في معسكرات يُجبر فيها السجناء على أداء قسم الولاء للرئيس الصيني شي جينبينغ.

وقال مؤتمر الإيغور العالمي في تقريره له إن المعتقلين يحتجزون لأجل غير مسمى دون توجيه تهم إليهم ويجبرون على ترديد شعارات الحزب الشيوعي. وأضاف التقرير أن المعتقلين يعانون من سوء التغذية، وهناك تقارير عن حالات التعذيب منتشرة على نطاق واسع في المعسكرات. ويتابع التقرير بأن معظم السجناء لم يُتهموا بجريمة، ولا يتمتعون بتمثيل قانوني.

بوابة الصين نحو المساعي الاقتصادية.. ماذا عن باطن الأرض وظهرها؟ 

يعتبر إقليم شينجيانغ نقطة عبور يمر عليه طريق الحرير ويزخر بالموارد الطبيعية كالبترول والفحم والرصاص، النحاس، الزنك، اليورانيوم، الغاز الطبيعي بالإضافة إلى أنه توجد فيه عدد من الصناعات مثل تكرير النفط، وصناعة الصلب، والكيماويات، والإسمنت ناهيك عن اهتمام السكان بزراعة الحبوب، والأشجار المثمرة وزراعة القطن وتربية المواشي. [8] 

كما تنظر الصين من الناحية الاقتصادية لتركستان الشرقية على أنها ثروة ضخمة وبوابتها نحو آسيا الوسطى ومواردها، وتسعى بكين أيضا إلى استغلال أراضيها لبناء خط أنابيب للنفط يصلها بالدول المجاورة، فضلا عن روسيا، للمساعدة في تلبية الطلب على البترول المتزايد في الصين بسبب الطفرة الاقتصادية التي تعيشها.

ووقعت الصين عام 1997م مع كازاخستان اتفاقية لمد خط أنابيب للنفط بين غرب كازاخستان وتركستان. تم الانتهاء منه في نوفمبر 2005م. وفي عام 2004م، وقع كلا من رئيس كازاخستان، نور سلطان نزار باييف والرئيس الصيني هو جين تاو على اتفاق واسع النطاق للتنقيب المشترك وتطوير موارد النفط والغاز في بحر قزوين، ويسعى الجانب الصيني من خلال ذلك لربط حقول الغاز في بحر قزوين مع الصين، ولا يمكن إتمام مثل هذه الصفقة بدون استغلال أراضي تركستان الشرقية. 

كما وقع الطرفان اتفاقا لبناء السكك الحديدية لنقل الركاب والشحن الدولي، كجزء من جهد يرمي إلى تعزيز طرق التجارة وكاملة عبر كازاخستان إلى أوروبا. 

كل تلك المساعي لن تتحقق للصين ما لم تستطع القضاء على مطالب التحرر الذي ينادي بها الإيغور، وهي تقوم بطرق بشعة في سبيل تحقيق ذلك وسط صمت دولي إزاء محنة الإيغور بسبب النفوذ الذي تتمتع به الصين في المنظمات الدولية وترابط مصالحها مع القوى العظمة.

إذا كانت تركستان الشرقية ذات أهمية من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية إلى حدٍّ ما، فهي ذات موارد طبيعية وفيرة وعندها المواد الخام الإستراتيجية سواء في باطن الأرض أو فوقها؛ مثل: البترول، والتنجستين - هو: معدن مهم يُستخدَم في صناعة السلاح - والذهب، والفضَّة، والبلاتين، والفحم - يقدر بـ 2.2 تريليون طن - واليورانيوم، وتَستخرِج الصين 124 نوعًا مُختلفًا من المعادن من تركستان الشرقية من أصل 148 نوعًا تَستخرِجه من جميع أنحائها.

كما تعد تركستان الشرقية أكثر منطقة إستراتيجية بالنسبة للصين في مجال البترول والغاز الطبيعي؛ حيث أنها تحتوي على 25 % من مخزون البترول، و28 % من مخزون الغاز الطبيعي للصين، وهذه النسبة تمَّ الإفصاح عنها ونشرُها في جريدة Sankei Business) اليابانية بتاريخ 7 سبتمبر 2004، وما تَحويه تركستان الشرقية من مخزون البترول يُساوي عشرة أضعاف مخزون إيران والعراق؛ فقد ثبَت وجود بترول على بقعة تقدَّر بـ 910 ألف كيلومتر مربع، وكل عام يتم استخراج ونقل 10 ملايين طن بترول من تركستان الشرقية إلى الصين، وعلى الرغم من ذلك فإن سعر البترول في تركستان الشرقية أعلى من سعره في الصين نفسها.” [10]