أذكر في مرة من المرات عندما سألتني ابنة خالي عن مهنتي فأخبرتها أنني أعمل مصمم جرافيك فقالت متسائلة: "وما العلاقة بين شهادة التاريخ والعمل كمصمم جرافيك؟" وقتها أجبتها بأنه للأسف كثيرين من لا يعملون بشهاداتهم لأنها لا تتوافق مع مهاراتهم.
تمر الأيام وتمضي ويقوم الرئيس الأمريكي بإصدار مرسوم يتعلق بالتعيينات الوظيفية التي لا تعتمد على الشهادات بل تعتمد على المهارات.
لقد كانت جملة "يشترط الحصول على شهادة جامعية" واحدة من الجمل التي تجدها من الشروط المطلوبة للتقدم  للوظيفة، مهما كانت نوعية الوظيفة التي سوف تتقدم لها، ولكن الأمر الآن أصبح مختلف، فنادرًا ما تجد هذه الجملة.
مع انتشار وظائف العمل عن بعد أصبح المعيار الأساسي في اختيار الموظفين هو المهارة والتقييم المادي، والمهارة ليست فقط في إنجاز الأعمال بل يتعدى الأمر إلى السرعة والجودة والقدرة على التواصل في أي وقت من أوقات اليوم، فربما من يقوم بالعمل سنه أقل من سبعة عشر عاماً، وربما يكون شابًا تخرج من تخصص غير التخصص الذي يعمل فيه، ليس هذا مهم، المهم هو هل يمتلك هذا المتقدم المهارات المطلوبة؟

لقد سبق وأن سمعنا عن مصطلح مهن المستقبل ومصطلح مهن القرن الواحد والعشرين ولكن هل فكرنا ما هي هذه المهن وعلى ماذا ستعتمد؟ هل ستحتاج إلى اكتساب المهارة أم أنها سترتبط بوجود الشهادة الدراسية فقط؟

لقد أصبح الكثيرين يرددون أن لغة البرمجة هي لغة المستقبل وأن امتلاك مهارة مثل مهارة التعامل بإحدى لغات البرمجة أمر لا بد من معرفته، لأن البرمجة سوف تدخل في تكوين كثير من مهن المستقبل، ولكن هل أعددنا أنفسنا لتقبل هذه الحقيقة وهي أن كثير من مهن المستقبل سوف تعتمد في المقام الأول على امتلاك مهارات قوية في التعامل مع هذه التقنيات ومع متطلباتها، ومن لم يمتلك هذه المهارات سيفشل في الحصول على الوظيفة القوية التي يتمناها لنفسه.

البداية عند أطفالنا
ربما تقول أننا كبرنا وأن الحياة تمضي في سرعتها ولن تمهلنا الفرصة لأن نطور من إمكاناتنا الذاتية، وربما يكون لديك الحق فيما تقول، ولكن هل فكرت في أن تعد أبنائك ليصبحوا قادرين على امتلاك مهارات العمل بدلاً من امتلاك الشهادة المرجوة. نعم. البداية عند أبنائنا، ربما تكون الفرصة متاحة اليوم أمامهم لتعلم أمور لم نستطع نحن تعلمها في السابق، توفر أشياء تقدم لنا العديد من المواد التعليمية المجانية مثل قنوات اليوتيوب ومواقع التدريب المجانية لم يكن متوفرًا في أيامنا.
الحصول على المعلومة أصبح أسهل من ذي قبل، إنني أذكر عندما كنت أغوص في طيات الكتب من أجل أن أصل إلى معلومة واحدة، اليوم أصبحت الفرصة قوية لامتلاك آلاف المعلومات بضغطة زر واحدة.


كان تعلم البرمجة حكرا على الكليات والمعاهد الكبرى المتخصصة، واليوم أصبح الأمر أكثر سهولة من خلال فيديوهات اليوتيوب المتعددة والقنوات المتخصصة التي تقدم كل يوم سيلاً من المعلومات.

ما العائق أمام الوصول إلى ما نريد؟
إن العائق الذي يمنعنا من الوصول إلى ما نريد هو أننا لا نعرف ماذا نريد؟ هذه أكبر مشكلة، لا نمتلك القدرة على اكتشاف مواهبنا الحقيقية، بل وفي كثير من الأحيان نستسلم إلى ما نسمعه من الآخرين.
كان أخي يتمنى أن يدخل إلى كلية الصيدلة ولكن تفكير والدي منعه من ذلك لأنه يرى أن الصيدلي بائع يقف في محل لبيع الأدوية، وكانت النتيجة أن دخل أخي كلية طب الأسنان.
لقد استسلم والدي إلى ما سمعه من كلام الناس والذي لا يمثل سوى خبرات ناقصة، أما اليوم فالناس يرددون على ألسنتهم أنه يجب أن يحصل ابنك على شهادة لا يهم قيمتها، المهم أن يحصل عليها.
وكانت النتيجة أننا نسمع عن مهندسين بعد حصولهم على شهادتهم الجامعية أصبحوا يعملون في مجال النظافة أو البيع في المحلات.

الإنسان الذكي هو الذي يستطيع أن يفهم تطلعات أبنائه وينميها بداخلهم خطوة بخطوة حتى يصلوا إلى نقطة القمة في امتلاك المهارة التي تساعدهم على النجاح، ربما يكون ابنك رسامًا فيعمل في مهنة الرسوم المتحركة منذ صغره، أو ربما يكون قادرًا على تعلم البرمجة بسهولة، فبالتالي يصبح مطور للبرمجيات منذ صغره.

صاحب أبنائك واستمع إليهم
بالطبع الحديث عن الجوانب التربوية يطول شرحها، ولكن ما يهم هو أن تتعرف على إمكانات أبنائك بالمصاحبة والاستماع إلى الموضوعات التي يحبون أن يتحدثوا فيها، لا تهمل حبهم في أن يفتحوا الأجهزة ويعيدوا تركيبها، وتعرف على كيفية تنمية مثل هذه المهارة وتحسينها وتجويدها، فربما يستطع أحد أبنائك أن يعمل في هذا المجال في سن صغير بدلاً من أن تنتظر منه أن يصل إلى عمر الواحد والعشرين سنة حتى يستطيع العمل في هذا المجال .
الفقر ليس عائقاً
الكثيرون يدعون أنهم فقراء ولا يستطيعون أن يوفروا لأبنائهم فرصة التعلم المطلوبة، يقضون من أعمارهم أوقات طويلة ما بين ألعاب الهواتف ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي ولا يعطون لأبنائهم فرصة الجلوس معهم ولا يوفروا لهم متطلبات التعليم الصحيح.


أتعجب من أن فقراءً في دولة مثل الهند يتمكنون من تعليم أبنائهم أحسن تعليم ليصل العديد منهم إلى أماكن ريادية، بينما نحن نشتكي من سوء التعليم وقلة القدرات على الرغم من توفر إمكانات لا تتوفر لفقراء الهند.

نحن لا  نقرأ ولا نستكشف المستقبل جيدًا
ندعي أننا أمة القراءة ولكننا لا نقرأ، ولو كنا نهتم بالقراءة اليومية لتغير حالنا إلى الأحسن والأفضل. كيف سنصل إلى مهن المستقبل دون أن نقرأ عنها ونتعرف على أولوياتها وطرق الحصول عليها.
من الطبيعي عند التقدم لمهنة يجب أن تتعرف على متطلباتها، ولهذا فكيف أن نعمل على بناء أبناءنا من أجل أن يعملوا في مهن المستقبل دون أن نعرف ما هي متطلبات هذه المهن من أجل أن نعد أبنائنا لها.


إن القراءة هي المفتاح السحري لاستكشاف العالم من حولنا بل والذي يدفعنا نحو النجاح والتفوق في مجالات الحياة المختلفة، فعلى المستوى المهني والوظيفي فإن القراءة تجعلنا نتعرف على العديد من المستجدات التي تطرأ على وظائفنا والعديد من الإمكانات التي تجعلها أكثر سهولة وتجعلنا أكثر تفوقًا.

من يعرف لغتين لديه شخصيتين
نحن نولد ونتعلم بشكل تلقائي لغتنا الأم، ولكن هل فكرنا في أن نتعلم لغات الآخرين لنتعرف على ثقافاتهم وأفكارهم وبالتالي أسباب تقدمهم وتفوقهم. دائما ما يردد الأتراك هذا المثل " أنت تعرف لغة فأنت لديك شخصية واحدة وإذا كنت تعرف لغتين فأنت لديك شخصيتين"
 - وللأسف - فإن كثير من العلوم الحديثة مرتبطة باللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن تعلمها أصبح ضرورة ملحة لقراءة العلوم الحديثة باستخدام هذه اللغة.

الفرصة متاحة ولكن هل من مستجيب؟
لقد أصبحت الفرصة قوية ومتاحة لبناء جيل من الأطفال القادرين على مواجهة الحياة مبكرًا بدلاً من أن ننتظر السنوات واحدة تلو الأخرى لنراهم ناجحين ومتفوقين. فقط ندرك قيمتهم ونجعلهم يشعرون بالمسؤولية من أجل أن يمضوا مبكراً نحو بناء أنفسهم، فهل سندرك الفرصة أم سنخطئ خطأ مثل من سبقونا؟