أمتنا أمة عظيمة استطاعت أن تقود البشرية لقرون طويلة كما تعلمون، وبعد أن سادت البشرية تخلفنا منذ أكثر من أربعمائة سنة. ولكي ننهض ونفيق من هذا السبات وننتشل أنفسنا من هذا التخلف الذي نعيشه ونبني حضارة عظيمة كما كنا من قبل -بل أعظم إن شاء الله- إليك خمسة شروط لنهضة الأمة.

أولا: الدين الحق

الدين الحق الذي ارتضاه لنا الله تعالى له منهج واضح، فقد هدانا لصراط مستقيم يعالج كل شؤون الحياة، وأعطى لنا الرد عن الأسئلة الكبرى التي يعيش الناس بقلق دون إدراكها. هذا المنهج الواضح مبني على النصوص الثابتة في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهو أهم ما يميز أمتنا والذي يحرك الطاقات، ويعطينا هوية واضحة يجعلنا متميزين عن باقي البشر. وإذا التزامنا به استجلب النصر من عند الله تعالى، ما لم تشوه الدين لتأصيل الاستبداد وجعل الناس يعيشون في خنوع.

«يقول سيد قطب رحمه الله: إن البعض ينتظر من هذا الدين، ما دام منزلًا من عند الله، أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة الأسباب ودون أي اعتبار لطبيعة البشر ولطاقاتهم الفطرية وما ينبغي أن يكون هذا التواكل حال أمة تريد النهضة والرفعة. 

وقد خط لنا ديننا سبيل الإصلاح والسعي والأخذ بالأسباب، كما اختصنا بوظيفة العمارة والإصلاح، وما كان ديننا دينا كهنوتيا يدعو إلى الاعتكاف في الصوامع والبيع، متناسيا واقع الناس ومعاشهم قال تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" فلا يمكننا فصل الإعداد الروحي عن نظيره الصناعي والحربي، ولا أن نبقى أسرى مناهج التعليم التي تأصل للخنوع وموالاة السلاطين عملاء كل عدو لأمتنا والتطبيع مع المحتلين فلسنا معذورين فيما نعانيه من تأخر وتخلف ونحن لم نعد أو نتحرك لتغيير هذا الواقع وأسبابه».

ثانيا: التحدي

لا نستسلم لفكرة المؤامرة، أو لقوة الباطل مهما علت أو للذين ييأسون وينشرون اليأس، لابد من الإصرار على النهضة والتحرر من المحتلين الصهاينة ومن الطغاة. هذا تحدي ضروري للنهضة.

وكما قال هشام مصطفى عبد العزيز:

 «تحدث النهضة في الأمم والمجتمعات نتيجة استجابة لتحديات قائمة، وينتج عن هذا التحدي استجابة ما، فإذا كانت الاستجابة فاشلة بالاستسلام للتحديات فإن ذلك يؤدي إلى تخلف الأمة في جميع الميادين، أما إذا كانت الاستجابة ناجحة بقبول الأمة لهذا التحدي، بحيث يكون هذا التحدي حافزا لبناء النهضة والحضارة».

ويقول الشيخ يوسف القرضاوي: «علينا أن نواجة التحديات ببصيرة نافذة، ووعي عميق، وإيمان صادق، وعزم مصمم، وجهد دؤوب وإذا توافر العلم والعزم، والإيمان والعمل، فإن الله لا يضيع جهد العاملين، ولا أجر المصلحين».

ثالثا: القيادة القوية

القيادة القوية لها ثلاث مواصفات: 

1- المصداقية

أثبتت الدراسات العلمية أن المصداقية هي أساس القيادة، فلن يصدق الناس الرسالة إلا إذا وثقوا بحاملها، ولكن ماذا تعني المصداقية على المستوى السلوكي؟ تأتي الإجابة على هذا السؤال بمقولة: "افعل ما تقول أنك ستفعله" بتعبير آخر "تصديق الفعل القول"

يقول جيمس كوزس -خبير ومدرب القيادة العالمي- «كنا نسأل الناس حول العالم هذا السؤال: ما الذي تطلبونه وتقدرون وجوده في القائد، ذلك القائد الذي تتبعون إرشاده باقتناع ورغبة؟ ما وجدناه من بحثنا هو أن الناس يطلبون أكثر من أي شيء آخر أن يكون القائد موثوقا credible ببساطة يحتاج الناس إلى الإيمان بقادتهم.

ولأن نتائج بحثنا كانت معتمدة على نطاق واسع، ويتم تقديرها بشكل متقدم على الدوام، فقد خلصنا إلى وصف المصداقية والموثوقية "بقانون القيادة الأول". إن لم تكن تؤمن بالرسول فلن تؤمن بالرسالة.

وما هي الموثوقية سلوكيا؟ كيف تعرفها حين تراها؟ عندما طرحنا هذه الأسئلة كانت الإجابات التي حصلنا عليها واحدة في الأساس، هي القادة الثقات يتحدثون بأفعالهم، ويمارسون ما يطالبون الآخرين به، وثابتون على أقوالهم وأفعالهم، وينجزون ما يعدون».

2- الرؤية

القيادة القوية تعرف ماذا تريد، عندها رؤية واضحة للمستقبل، ومن ثم وضع أهداف واضحة وملموسة قابلة للتحقيق، وللنهوض من خلالها.

 

والرؤية الإستراتيجية هي التي تنطلق من الهوية الثقافية للأمة وفلسفتها الاجتماعية، وتهدف على تحقيق طموحات المجتمع وتحسين مستوى حياته وتعزيز حقوقه وحرياته.

لذلك فإن الدور الأعظم للقائد هو بلورة الرؤية والأهداف السامية البعيدة، فأي قيمة للقيادة إذا لم يكن الهدف صحيحا ساميا؟ وفي أي اتجاه سيتحرك الناس إذا لم تتضح الرؤية؟ 

تشير الدراسات إلى أن الرؤية الجيدة تتوفر فيها خمس صفات:

1- وضوح صورة المستقبل

 2- قراءة للمستقبل

 3- الهدف الواضح

 4- سقف إنجاز عال

 5- التفاؤل والصبر

يقول جون كونر "حدد ما سوف تفعله، وضع رؤية واستراتيجية للتغيير"

3- الكفاءة

لا يكفي الأخلاق والإيمان والعلم للقيادة، وإنما تحتاج إلى كفاءة إدارية وقيادية واضحة تتمثل بالقدرة على التخطيط الذكي والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وتنفيذ الخطط بكفاءة وفاعلية.

وتعتبر ضعف الكفاءة من أبرز العلامات التي تدل على وجود أزمة في القيادة، فكلما كانت الكفاءة منخفضة كان هناك أزمة عميقة في القيادة.

فليست القيادة للأقدم والأعلم والأتقى والأكبر سنا ولا تتعلق بالرجل أو المرأة، بل هي للأكفأ والأصلح والأنجح والأقدر على صنع التغيير والتأثير.

رابعا: العلم

نحتاج العلم العميق والمواكب لحركة العصر والفهم المتجدد للشريعة الذي يميز بين الثوابت التي يجب التمسك بها وعدم المساس بها وبين المتغيرات التي يجب تغييرها. كما نحتاج أيضا إلى العلم الدنيوي المتطور القادر على التنافس. ولا يتحقق هذا إلا بالتركيز على تطوير مناهج التعليم والبحث العلمي بشكل كبير وعميق.

 

فالأمة تحتاج إلى العلم المرتبط بالمهارات، لأن إنتاج الإنسان وثيق بمهاراته. والذي لا يحسن مهارة لا ينتج شيئا مهما بلغ من العلم، ومدارسنا مناهجها تعسة تعطي معلومات حشو ولا تعطي الطلاب مهارات، فلا يستطيع أن ينتج. فكيف للذي لا يحسن ولا يتقن شيئا أن يضيف لأمته؟

يقول د. عبد الحق حميش: «العلم هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها، به تبنى الأمم وتتقدم، ويساعد على النهوض بالأمم المتأخرة، ويقضي على التخلف والرجعية والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمور التي تؤخر الأمة». 

ومن الحكم العطائية: (لابن عطاء السكندري) «خير علم ما كانت الخشية معه، العلم إن قارنته الخشية فلك وإلا فعليك» فالعلم النافع الذي تأخذ ثوابه، هو ما اقترن بخشية الله. فأنت تتعلم العلم من أجل الله والنهضة بالأمة. وإن قصدت به المباهاة والتعاظم فعليك وزره. فإذا طلبتم العلم أخلصوا النية واجعلوها لله ولنهضة الأمة.

خامسا: القوة

الأمة تحتاج إلى ثلاثة أنواع رئيسية من القوة

1- قوة الوحدة

وحدة الأمة اليوم لن تكون على شكل الوحدة سابقا، فيمكن أن نغير المفهوم وتصبح الوحدة على قضايا رئيسية بدون طبقية، بأن تكون أمة واحدة تحترم خصوصية كل بلد، ولكن بدون عملات خاصة وإنما يكون لديها عملة موحدة مثل اليورو، وموقف خارجي موحد مثل البرلمان الأوروبي، وجيش مشترك مثل الناتو، وفتح للتنقل بين الحدود مثل منطقة الشنغن، ونظام معايير موحدة مثل الأيزو، وما عدا ذلك فليكن لكل بلد خصوصية من نظام سياسي وحكام، أو عقيدة أو فقه، وغيرها. فالإصرار على توحيد كل شيء لن يوحدنا! ويكفينا أن نتوحد في الأمور الخمسة أعلاه.

فليس الهدف من الوحدة أن نتوحد فقط، إذا كانت الوحدة على باطل أو فساد، بل يجب أن نزيلها من أذهاننا، غايات الوحدة هي القوة، وهي وسيلة لتحقيق العزة، وخطوة نحو سيادة الإسلام.

وليست الوحدة التي تُذهب ما بقي من عزة الأمة وكرامتها، والتي تبنى على فساد وباطل، وتضييع الحقوق، فلا قيمة للوحدة على قومية عربية أو أفكار مخالفة للإسلام.

2- قوة المعلومات

القوة اليوم هي امتلاك المعلومة والقدرة على التحكم بها وكيفية التعامل معها وتحديثها باستمرار تقول بعض التقديرات أن نحوا من 90% من جميع المعارف العلمية قد تم استخدامها في العقود الثلاثة الأخيرة وسوف تتضاعف هذه المعارف خلال 12 سنة.

يقول د. عبد الكريم بكار «إن 70% من المعلومات التي يكتسبها الإنسان ترد إليه عن طريق القراءة»

ويقول نيل غيمان: «إذا لم تقدروا المكتبات فأنتم لا تقدرون المعلومات والثقافة والحكمة. أنتم بهذا العمل تخرسون صوت الماضي وتضرون المستقبل».

 

وأيضا يقول ممدوح عدوان: «أحجب المعلومات الصحيحة من أي إنسان أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف.. إذا فقد دمرت كل تفكيره ونزلت به إلى ما دون مستوى الإنسان»

3- قوة السلاح

لا يجب أن نكون أمة هزيلة وضعيفة سريعة الاستسلام، فالأمة الضعيفة ينتهك حقها، أمتنا أمة سلام.. وليست أمة حرب، والأصل في علاقتنا مع غيرنا هي السلم والسلام، والشفقة عليهم. والحرب استثناء لا نلجأ إليه إلا لضرورة، حين ننتفض ونجاهد ونقاوم إن اعتدى أحد على مقدساتنا، أو احتل شبر من أراضينا، لنرد عدوان المعتدين، ولا نرضى الحياة بذل. والأصل أن ننفق طاقتنا وأموالنا وجهودنا على السلام والتنمية والنهضة وبناء الحضارة، لكن في نفس الوقت أن نستعد لأعدائنا.

كانت هذه الشروط الكبرى للنهضة وبناء الحضارة. لكن السؤال الأهم؛ ما دورك أنت في النهضة القادمة -إذا كتب لك أن تعيش لوقتها-؟