مرحلة الإعداد
إن مرحلة الإعداد وتسمى أيضا مرحلة التكوين العملي أي مرحلة ما قبل البناء أو الشروع في مسؤوليات الحياة ومهامها وهي من المهام الأساسية في التربية وفي التعليم وفي التدريب وهي مهمة لإعداد الإنسان ماديا ومعنويا علميا وفكريا ليكتسب معرفة ومهارات تساعده في الولوج إلى ميدان مليء بالقدرات وليكون عضوا صالحا في مجتمعه، قادرا على تأدية واجبه الاجتماعي المناط به وقادر على تحمل مسؤولياته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته.
لذا فإن برامج التدريب وقبلها أساليب التربية وخطط الإعداد تؤثر تأثيرا بالغا في مستقبل التنمية في المجتمعات ذلك لأن من عناصر إعداد الإنسان الصالح في مجتمعه هو إعداد الإنسان المنتج المتحرك حركة تصاعدية معنويا وماديا بمعرفته وبمهاراته، ليكون الشخصية التي يعتمد عليها في المراحل المتقدمة خطوة بخطوة. ويأتي تأثير ذلك من:
المجال غير المباشر: هو مجال إعداد الشخصية الطموحة القوية صحيا ونفسيا وفكريا، بصورة غير مباشرة وذلك بانعكاس الطريقة التربوية أو الفكرية والاتجاه الحضاري والبيئي العام على شخصية الإنسان.
فمثلا الطفل الذي يربى على الكسل والاعتماد على الوالدين. وعدم الثقة بالنفس. ولا يوجه للاستفادة من الوقت والفرص ينشأ على الاتجاه المعاكس المطلوب عنصر بطيء الحركة والعطاء لنفسه ومجتمعه، محدود الطموح.
بعكس الطفل الذي يربى على الاعتماد على النفس وروح الجد والمثابرة. والتدريب على العمل وكيفية البوادر التي أن يكون منفعة خير في سنين حياته الأولى مثل هذا الطفل ينشأ عنصرا طموحا محب للعمل صاحب ثمار ونتائج مرضية ويؤدي تحقيق الإعداد السليم تحله وبأكبر قدر ممكن من شخصيته المثابرة في مجالات الحياة المطلوبة. ويكون عنصرا ناميا وقوة بناءة في مسيرة حياته وتطلعاته وفي وطنه وهنا نلاحظ الانعكاس وهذا مثال للطفل فقط.
ولكن في ميزان الوعي فالإدراك والتعلم والمعرفة في أي عمر كان وخصوصا في الشباب فهم المرتكز الأساسي لتحقيق النهضة وهم الجوهر الفعلي للوصول إليها فمرحلة الإعداد للشباب الأكاديميين والمتعلمين ومن لهم الخبرات والمهن والحرف الفريدة هم من تنطلق منهم بواعث النهضة وأصوات الرقي بتقديرهم وتجهيزهم وتوجيههم التوجيه الصحيح الذي يصل بهم إلى الغايات والأهداف التي رسمت من أجل ازدهار المجتمع ورفاهيته.
يكون الإعداد بحشد الجهود والطاقات نحو تجهيز العقول وشحذ المهارات وتحديد الأولويات التي يتم تجهيزها من أجل مرحلة البناء.
المجال المباشر: هو مجال التخطيط والإعداد من خلال التربية والتعليم والبرمجة المعدة من قبل المسؤولين لها.
التربية والتعليم والتدريب هي مسؤوليات كبرى في إعداد الأجيال وتهيئتها للمساهمة في تطوير المجتمع في شتى المجالات وأيضا التهيئة من أجل مواجهة التحديات، وسعادة الفرد والمجتمع وحفظ مكانته بين المجتمعات وتحقيق نهوضه بدوره الرائد في العالم.
ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية اهتماما بالغا بمسألة الإعداد فكان التوجه في الدعوة بأولويات الإعداد لنشرها في مجال التربية والأخلاق والسلوك البشري والمعاملات إذ أنه بدون الإعداد السليم والتهيئة الصحيحة والقوية للصحابة ولعموم المسلمين ما وصل الإسلام إلى ما وصل إليه من نشر مبادئه إلى أبد الآبدين.
مرحلة البناء
هي المرحلة الثانية والضرورية من بعد مرحلة الإعداد والتهيئة للإنسان بوعيه فكرا وعلما ومعرفة، وبحركته مهارة وقدرة وسلوكا وحتى يكون معدا إعدادا يؤهله من أجل المضي قدما في تحقيق النهضة، ينطلق في بدء مرحلة البناء وهي المرحلة التي تمكن الإنسان من وضع كل شيء في مكانه الصحيح مرحلة التعبئة لأي فراغ يمكن أن يسبب فجوة تعرقل التقدم وتتيح فرصة للفشل الزمن في المستقبل، فمرحلة البناء تلائم ما تم الإعداد له فيكون بناء مناسبا بحسب المجال والقدرات التي تم الاعداد من أجلها. فكل إنسان بحسب قدراته ومعرفته وعلمه وإمكاناته المعنوية والمادية سواء مالية عينية أو فكرية استثمارية.
وقد ركزت الدعوة الربانية على بناء الذات البشرية وتنمية ملكات الخير في الإنسان كما اهتمت بالفعل والممارسة.
والجدير بالذكر أن الأخلاق وهي مسار البناء ووجهته وتعني الملكات النفسية الباعثة على موقف إنساني معين. وأما السلوك فهو الموقف الإنساني من المثير والداعي. سواء أكان موقفا فكريا، أو نفسيا، أو ممارسة فعلية، والأخلاق في الإسلام هي أخلاق عملية اجتماعية. وليست أخلاقا نظرية أو فردية مثالية مجردة. فالإسلام دين عمل وممارسة اجتماعية وإن ما سعى إلى تحقيقه من أخلاق وسلوك هو متناسق مع أهدافه الكبرى في الحياة.
لذا فإن مفهوم الفضيلة والرذيلة في الأخلاق ومفهوم الحلال والحرام في التشريع، ومفهوم الهدى والضلال في الاعتقاد، كلها حقائق متناسقة تسير باتجاه واحد وتحقيق هدفا واحدا وهو الإعداد، ثم يكون البناء الذاتي ومن هنا نستطيع أن نفهم أثر الأخلاق والسلوك في عمليات البناء وكذلك أثر الوعي كل إنسان في مجاله العملي والوعي الشامل بدور التماسك والترابط والتعاون المجتمعي في البناء الفعلي الذي يؤدي إلى المرحلة التالية لتحقيق النهضة.
و يُعدّ التطور الفكري الواعي بواقعه ومدركاته المرافق للتطور المادي، شرط من شروط النجاح في البناء المجتمعي الامثل، ويتطلب التطور الفكري، اشتغالا متواصلا في عملية التحديث والتجديد، بنمط الأفكار وتفعليها وتحريرها من السكون والثبات، الذي يحرمها من مواكبة أفكار العصر المتجددة، لذا فإن الفكر الساكن لن يخدم أصحابه قط، وإن البناء المعرفي والبناء الإدراكي لتلبية متطلبات الواقع باحتياجاته وأساسياته يشمل جميع مجالات البناء من أجل تركيب سليم ويوضع الإنسان المناسب في مكانه المناسب بتخصصه ومعرفته وقدراته ومهاراته التي اكتسبها في هذه المرحلة وتم التأسيس لها في مرحلة الإعداد.
فبناء الإنسان يمكنه من تسخير إمكاناته وتطويرها في هذه المرحلة ليكون لبنة أساسية في رقي المجتمع وتقدمه ويعمل من أجل بلوغ المراحل التالية مرحلة الاستثمار والتنمية الاقتصادية والخدمية الشاملة والمستدامة لمستقبل الأجيال القادمة.
وإذا عرفنا أن النوازع البشرية الشريرة والحالات النفسية المرضية والممارسات السلوكية الشاذة هي السبب الرئيس وراء الجرائم والأمراض وتبذير الأموال والجهود فجرائم القتل والاغتصاب والاعتداء والتخريب والسرقات والتهريب والاحتيال والتزوير والدجل باسم الدين التي تقلق أمن المجتمعات اليوم وتدمر المشاريع التنموية تكمن وراءها الحالات النفسية والأوضاع الأخلاقية والسلوكية.
وإن مكافحة الجريمة والحفاظ على المجتمع غدا من أبرز مجالات الإنفاق الضائع التي تتحملها خزينة المجتمعات كافة، فهي في كل بلد تكلف نسبة عالية من الميزانية.
وكل ما سبق هو بسبب البناء العكسي أو البناء المتهالك الذي أدى إلى كل ما سبق فبدلا من أن يستثمر هذا المال في التنمية والإعمار وبناء المشاريع النهضوية يصرف في مكافحة الجريمة والآثار المترتبة عليها، ويوظف توظيفًا استهلاكيًا يستهلك الموارد المالية والبشرية والعلمية وغيرها من الموارد فتصبح الأمة في حاجة وتصبح عالة على غيرها ويعبث الدخلاء فيها ويمتص الطامعون دمائها ويستنزفون ثرواتها.
لذا فمرحلة البناء هي من تمهد السبل وتعمل على تسهيل السير فيها نحو مجالات الاستثمار والتنمية ومدارج الطامحين بحاضر أفضل لأنفسهم ولأمتهم ومجتمعاتهم وبمستقبل آمن مزدهر لأجيالهم.
وتتمة المراحل في المقال المقبل..