الإلحاد يفسر الكون ووجوده تفسيرا ماديا بحتا لا مكان فيه للقيم المعنوية والروحية أصلا، فلا حق ولا باطل، ولا خير ولا شر، وذلك لأن هذه قيم معنوية لا تفسرها المادة، وعندما يكون الإنسان ابن المادة ولا شيء إلا المادة، فلا معنى للرحمة، ولا للصدق، ولا للوفاء ولا لبرّ الوالدين وغيره الكثير، فالإحساس بهذا كله، إنما هو نتيجة طفرات جينية صدفية وعشوائية.

لهذا يقول عالم الفيزياء الملحد ستيفن هوكينغ - Stephen Hawking: الجنس البشري هو مجرد وسخ كيميائي، موجود على كوكب متوسط الحجم، فبالنسبة لمنكر وجود الله تعالى، كل القيم الأخلاقية التي يحس بها الإنسان، الأصل فيها أن تكون لا قيمة لها، ولا معنى لها ولا يتصرف على أساسها، فقد جاءت بها -حسب معتقده- العشوائية التي لا تدري ما تفعله، ولا تعد بشيء ولا تلتزم بشيء، ويكون بذلك هذا الشخص منسجما مع إلحاده وعدم إيمانه، كما أنه أراح نفسه من البحث عن أخلاق لهذا الوسخ -الإنسان-.

أما في الإسلام فالإنسان مكرم فيه، وذلك حتى يكون لائقا بمقام العبودية لإله وخالق كامل الصفات، أمر عباده بأخلاق تنسجم مع صفاته، حيث قال الله تعالى: (َلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء:70)، فهذا الخالق عدل، حرّم الظلم على نفسه، ومفهوم أن يحرّمه على عباده، وهو رحيم وأمر عباده أن يتراحموا، وقد فطر هذا الخالق الإنسان على محبة هذه القيم (الخير)، وكراهية ما يضادها كالشر والظلم، هذا وقد يغطي على الفطرة السوية أهواء الإنسان في إشباع رغباته وحب التملك والتسلط، لكن هذا لا يعارض أبدا أن الفطرة السوية هي الأساس والأصل فيه (فطرية).

لهذا فإن وجود هذه القيم الأخلاقية والروحية في الإسلام، له تفسير مهم وهو كونها لها قيمة، وحب الإنسان لها وكراهيته لضدها مفسر أيضا، والتفسير لهذا كله هو وجود الله تعالى، وعندما ينكر الإنسان وجود الله تعالى فإنه يدخل في مسلسل التخبط الإلحادي البائس، فلا خالق ولا صفات كمال، ليس إلا طبيعة أوجدت الإنسان، وهذه الطبيعة مادية لا روح فيها، وليس لها صفات كمال معنوية ولا يمكن وصفها بالعدل أو الحكمة مثلا، وبالتالي فلا مكان للقيم المعنوية في إنسان متولد عن هذه الطبيعة المادية الجامدة. 

أما عن شعور الإنسان السوي بمحبة الخير وكراهية الشر، فهي حسب الإلحاد طفرات جينية عشوائية جعلته يتوهم أن هناك خيرا ويحب ذلك الخير الوهمي، وأن هناك شرا ويكره ذلك الشر الوهمي، وقد قيل لأحد كبار الملحدين، ريتشارد دوكينز - Richard Dawkins: "هل اعتقادك أن الاغتصاب خطأ، أمر اعتباطي تماما؟ كواقع أننا تطورنا بخمسة أصابع بدل ستة؟ فقال دوكينز: نعم، تستطيع قول ذلك"، أي كان يمكن للصدفة العمياء التي يدّعونها أن تسير مسارا آخرا، ينتج عنه شعور الإنسان أن لا خطأ في الاغتصاب، والأمر اعتباطي تماما، فلا يمكن وصف أي من الشعورين بأن الاغتصاب خطأ أو مقبول، ولا يمكن وصفه بأنه حق أو باطل، فهذا الشعور إنما هو وليد الصدفة العشوائية، وهكذا فإن النزعة الأخلاقية عند منكر وجود الله تعالى لا يعرف مصدرها، ولا يمكن وصفها بحق أو باطل، ولا هي متوافقة مع صفات موجود أعلى، ولا حساب أخروي عليها، فهي ليست مطلقة، ولا يمكن من خلال ذلك وصف أي خلق بأنه ممدوح بإطلاق أو مذموم بإطلاق. 

وهنا سوف نرى إلى أين وصل الملحدون نتيجة لذلك، ففي مناظرة بعنوان: (الإسلام والإلحاد، أيهما أكثر منطقية؟)، سئل البروفيسور لورانس كراوس - Lawrence Krauss، عن سبب كون زنا المحارم خطأ؟ وبالنسبة له كملحد، ما لم يستند إلى قيم مطلقة على أساس وجود الله تعالى، فعلى أي أساس تخطئ زنا المحارم مثلا؟ فكان جوابه: (أنه ليس واضحا لديه أنه خطأ)، وقد علّق (ريتشارد دوكينز) في تغريدة له، على ما جرى لـ (لورانس كراوس) في تلك المناظرة بقوله: (سأل أحد الإسلاميين: لماذا زنا المحارم خطأ؟ حاول لورانس كراوس أن يستعمل المنطق في جوابه، المنطق؟ اللؤلؤ ملقى أمام خنزير)، حيث أصبح هنا منطق كراوس لؤلؤا في نظر دوكينز، لكن مشكلته أن الذي يستهجنه خنزير لم يقدر قيمة هذا المنطق، ودوكينز هذا هو نفسه الذي قال في كتابه (وهم الإله)، فصل - أخلاق روح العصر -: (نحن لا نغش، لا نقتل، لا نرتكب زنا المحارم)، وذلك من باب (النسبية لا القطعية)، لأنه يرى هنا أن مسألة زنا المحارم نسبية، واختياره الشخصي ألا يمارس هذا الزنا، ولهذا يدافع عن وجهة نظر زميله كراوس، ويعتبرها منطقا له وللآخرين.

وهذا طبعا نموذج صغير من نماذج أخرى من التردي الأخلاقي للملحدين، وكخطوة أكثر جرأة ووقاحة، يطالب البروفسور جريف – Greve، بعدم تجريم زنا المحارم أصلا، بل وحذف المادة التي تعاقب على ذلك من القانون، وإلا كيف سيستطيع الأب أن ينجب من ابنته بطريقة ما يعاقب عليها القانون؟، ولا تتعجب إن عرفت أن أحد الدول الأوروبية قد ذهبت إلى أبعد من ذلك لمناقشة تشريع زنا المحارم داخل البرلمان!!

الملاحدة حقيقة يدفعون بالأخلاق نحو الهاوية، فهذا الملحد الدكتور، (دان باركر - Dan Barker)، يقول: (أن الاغتصاب قد يكون أمرا أخلاقيا إن دعت الحاجة إليه)، أما الملحد البروفسور، (بيتر سينجر - Peter Singer)، فلا يرى بأسا ولا مانعا حقيقيا من (البهيمية - Bestiality)، ويقول: (يمكن أن يقيم البشر والحيوان علاقة جنسية مرضية للطرفين)، هذا عدا عن دفاع، (سام هاريس - Sam Harris)، عن الاغتصاب واعتباره جزءا من الاستراتيجية التطورية، ودفاع (ريتشارد دوكينز) عن الخيانة الزوجية، ورفض تسميتها خيانة أصلا، وذلك على اعتبار أنه ليس لأحد الزوجين أن يدّعي ملكية خاصة في جسد الآخر، كما يؤيد البروفسور (سينجر)، قتل المواليد الجدد المصابين بإعاقة إذا كان هذا لصالحهم وصالح والديهم.

هناك أيضا (ديفيد سيلفرمان – David Silverman)، رئيس جمعية الملحدين الأميركيين، والذي صرّح في مناظرة له بأن القيم الأخلاقية كلها نسبية، ولا وجود لقيم أخلاقية مطلقة، فقيل له: (بناء على ذلك، فإن تعذيب الأطفال وأكلهم مثلا ليس خطأ بإطلاق وإنما هو بالنسبة لشخص معين، أليس كذلك؟)، فأقر سيلفرمان بذلك!! بمعنى أنه يمكن لشخص ما أن يعذب طفلا ويشويه حيا ويأكله، ولا يكون بذلك مخطئا، وسيلفرمان يعلم أنه إن قال بأن هذا خطأ بشكل مطلق، فإن ذلك يتطلب منه التسليم بوجود معان مطلقة، وهي بدورها تستلزم وجود الله تعالى (خالق).

الإلحاد يقول إن الطفرات الجينية العشوائية قد تنتج أناسا مختلفين جينيا، وبالتالي سوف تكون مشاعرهم مختلفة جدا تجاه سلوك واحد، كالاغتصاب أو التعذيب، والسبب مادي بحت، ولا يمكن وصف أي من مواقفهم بأنه حق أو باطل، وبالتالي فلا يمكن تجريم أو تخطئة إنسان، مهما كان فعله لا أخلاقيا، لأن بإمكانه أن يقول هو لا أخلاقي بالنسبة لك، لكنه أخلاقي بالنسبة لي. 

ما ذكرناه سابقا هو النتيجة الطبيعية لفكرة النسبية الأخلاقية، وأنه لا مكان للحقيقة المطلقة، حيث قال الله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (النور:40)، وقد طرح الملحدون التساؤل التالي: "كيف يمكن تحديد الخير والشر والقيم الأخلاقية الفاضلة دون الإيمان بإله؟" وسؤالهم هذا مغالطة منطقية، لأنه بلا إله فليس هناك قيم معنوية، لا خير، ولا شر، ولا فضيلة ولا رذيلة، لكنهم تهربوا من هذه الحقيقة، وذلك لأنهم يعلمون أنه لا الإنسان ولا المجتمعات، تستطيع العيش بلا أخلاق.

هذا ومع ذلك بدؤوا بتأليف كتب للإجابة عن سؤالهم الخاطئ أصلا، منها كتاب (The Moral Landscape: How Science Can Determine Human Values) – (المنظور الأخلاقي: كيف يمكن للعلم أن يحدد القيم الإنسانية)، وكتاب (The Science of Good and Evil) – (علم الخير والشر) وغيرها كتب كثيرة، لكنها كلها محاولات بائسة، لأنها بماديتها البحتة وبتهربها من حقيقة أن لا مكان للقيم المعنوية بغير إله، فكأنها تقول: ما هو التفاعل المخبري المناسب لمعرفة الخير من الشر والعدل من الظلم؟ وهكذا بيّنا دلالة النزعة الأخلاقية على وجود الله تعالى، وأنه لا أساس للأخلاق في ظل إنكار وجوده سبحانه وتعالى.