تؤخذ القيمة على أنّها تعني الأفكار الأخلاقية، المفاهيم العامة أو التوجهات نحو العالم، وبمفهوم أبسط فهي المصالح والمواقف والأفضليات والاحتياجات والمشاعر والتصرفات. غير أن علماء الاجتماع يستخدمون هذا المصطلح بمعنى أكثر دقة ليعني "النهاية العامة التي لها دلالات على الصواب أو الخير أو الرغبة المتأصلة".

وتعتبر هذه الغايات مشروعة ومطلوبة من قبل المجتمع، فهي تحدد ما هو مهم ويستحق الكفاح من أجله، وبالتالي فإن القيم هي تصورات جماعية لما يعتبر جيدًا ومرغوبًا وسليمًا أو غير مرغوب فيه وغير مناسب في الثقافة المحلية للمجتمع.

بمجرد أن نذكر قيمتي الشرف والعزة نجد أن حقلهما الدلالي أكثر ما يتكرر في الأوساط الإسلامية مقارنة بغيرها، ذلك أنّ الشرف والعزة مقرونين أساسا بموروث ديني وحضاري تميزت به الأمة الإسلامية عن غيرها، فشرف المؤمن يختلف عن شرف من لا إيمان له وعزة صاحب التاريخ والحضارة تختلف عن عزة من أوجدته العبثية والرياضياتية الخالية من أي منظومات قيمية، فإن كان للأمة الإسلامية نقاط قوى تتميز بها عن غيرها من الأمم فإن هاتين الخاصيتين منهما، ذلك أنها تحرك ضمائر الشعوب وتوقد حماستها وتشعل فتيل التغيير في أوساطها الراكدة.

الشرفُ والعزّة، قيمتان نجد صغير الأمّة قبل كبيرها يتغنى ويتحلّى بهما، إذ تقترنان بإرثٍ ديني وحضاري تتميّز به الأمّة عمّا سواها من الأمم، فشرفُ المؤمن حقيقٌ، وعزته عزةُ أمّةٍ حضارية، شتان بينه وبين شرفٍ زائفٍ بُنيّ على المظالم، وبين عزةٍ من لا تهمه سوى الماديات، فلهاتين القيمتين عظيم الأثر في تحريكِ ضمائر الشعوبِ وإيقاد الحماس وإشعال فتيل التغيير في عتمات الرُكود والاستلاب.

وتدور معاني الشرف حول الغلبة، ونفاسة الشيء، وعلو المنزلة، وعظم الشأن، أما العزة فتدور معانيها حول مبدأين ومعنيين: الأول: مبدأ الغلبة والانتصار، والشدّة والقوة، لأن مادّة (عزز) في لغة العرب تدلّ على شدّة وقوّة. والثاني: مبدأ رفض الإهانة، فالعزّ خلاف الذّلّ، والعزيز يرفض أن يهان أو يُذل.

وتعني العزّة أن يرتفع الإنسان عن كل المواضع التي تقلل من قيمتهِ ومن قيمة نفسه والارتفاع عنها، فهي صفة العظماء ولا يتحلى بها إلاّ أصحاب المبادئ، فكيف إن حملت تلك المبادئ عليتها من عزة الله؟، أين يتقمّصون ويأخذون هذه العزّة من الخالق ويستمدونها منهُ لأنّ الله هو القوي، فعزيز النفس يحفظ ماء وجههِ فلا تجد على وجههِ الذلة أو الخضوع، ولا يبذل عرضهُ بين الناس، فلا يشغل نفسهُ مع أي شخص إن كان هناك إهانة لنفسهِ، ولا يمشي إلاّ ما يرضي قلبهُ وعقلهُ ومبادئه، متحررا من رق الأهواء وذل الطمع، فعزّة النفس هي مرآة للنفس التي يحملها الشخص واحترامها لهُ.

ذلَّ من يغبطُ الذليلَ بعيشٍ

ربَّ عيشٍ أخفَّ منه الحِمامُ

والذلُّ يظهرُ في الذليلِ مودةً  

وأودُّ منهُ لمن يود الأرقمُ

وشرُّ الحِمامين الزؤامين عيشةٌ  

يَذلُّ الذي يختارُها ويُضامُ

لا تخضعَنْ رَغَباً ولا رَهباً فما المر

جوُّ المرجو والمخشيُّ إِلا اللّهُ

ما قد قضاهُ الَّلهُ ما لكَ من يدٍ

بدفاعهِ وسواهُ لا تَخْشاه

وللعزة مظاهر كأن يعتز المسلم بدينه والوطني بوطنيته والعربي بهويته ولغته ففي احترام الذات ودفع التبعية المطلقة عزة وتمكين واستخلاف وإرادة حرة من صكوك وآفات الإنقياد للآخر والتماهي في فكره وفلسفته وثقافته دون تمحيص أو فلترة، على قول الكاتب عبد السلام ياسين شارحها هيمنة الآخر والذل الفكري والهزائم النفسية التي ولدت شعورا بالتجزئة: "ذلك أن العطب الأفدح من تجزئة الأرض هو تجزئة الفكر وزحزحة الإيمان والهيمنة الثقافية التي صنعت وتصنع من بني جلدتنا بدائلَ ونظائر للمستعمر، على شكل فكره وشعوره وبِزته ونمط حياته وشُغْلِ عمره، يَخْلُفونَه من بعد انسحابه".

وفي التاريخ الإسلامي وكذا المعاصر صور وشواهد عديدة تورد شرف المرء وعزته في تعاملاته اليومية كفرد والشعوب في هباتها وتضامنها ورأيها كمجتمع إنساني موحد القيم والمبادئ. فبالتاريخ مئات القصص ومن أشهرها قصة المعتصم بالله، بفترة الخلافة العباسية كانت  مدينة “عمورية ” محل نزاع بين الروم والمسلمين وتم افتكاكه من قبل الروم والاستيلاء عليها وإذلال وتعذيب وانتهاك حرمات المنطقة، الحادثة وقعت حين حاول أحد جنود الروم سبي إمرأة مسلمة فقامت ونادت باسم الخليفة "وامعتصماه"، ووصل الخليفة ما جرى في المشهد فحشد جنوده نحو عمورية ومنه كانت المعركة الشهيرة أين تم استرجاع عمورية. فعزة المسلم وشرفه كانت وساما توسمت به الأمة طوال تاريخها، وكانت دافعا لاستنهاض الهمم نحو النصر والفوز.

وعليه يدعو الإسلام لعزة وشرف المؤمن فلا خيار لتقبل المذلة أو المهانة مهما تعددت صورها وأشكالها، سواء أكانت فعلاً أم قولاً، لذا لما جاء رجلٌ إلى رسول الله  وقال (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي، قَالَ قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي، قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ) رواه مسلم
 

فهذه أمتنا أمة تقتفي آثارها العوالي من عزة وجبروت معبودها، فهي عزيزة ما أعزها خالقها ذليلة ما ركنت واستكانت لغيره، شريفة بما تحفظه من مبادئ وقيم توارثتها سنوات من الكفاح والنضال، وفي سبيل ذلك تبذل الغالي والنفيس وتجتهد من أجل استنهاض حضارتها والعودة بها لركب القوة.