لا يحمل هم الأمة إلا شبابها ولا يرفع رايتها إلا سواعد لا تعيى وقلوب لا تضمر، ولذا فالأمة الشابة حيوية النشاط دائبة الحركة يعمرها الطموح العالي والإنتاجية الوفيرة، مرنة مع التغيير متصالحة مع التجديد. فجوهرها الشباب عماد حضارة الأمم، وسر نهضتها؛ عنفوان الهمم المتوثبة والجهود المبذولة، من البذل والعطاء والتضحية والفداء. لا تقوم بغيرهم قائمة ولا تعول بدونهم منزلة، فمتى ما ملكوا الطاقة والحماسة والعزم أثمروا نضجا بخدمة أوطانهم وأمتهم وسلكوا صحيح درب التنمية والتقدم ومتى ما جهلوا وزاغوا كانوا عين التراجع والتخلف.

وقد عني الإسلام بحضانة الشباب وأولاهم رعاية فائقة سديدة على مستويات العقل والروح والجسد والقرآن والسنة يحملان من الشواهد العديد ففي قوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “ما آتى الله عزّ وجلّ عبدًا علمًا إلاّ شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشّباب”، فكانت الأخلاق الحميدة وقوة العقيدة وملكة الجسم من خصال الشبان إذ أولت لهم المسئولية في الميدان وأسندت إليهم المناصب والقرارات إعدادا وصقلاً وتنمية لملكاتهم وطاقاتهم ولأنهم مقدمة الحشود ونخبتها والأقدر على سبيل التغيير فلا يكاد يخفى على قارئ ومتأمل في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أن طليعة التوحيد كانت شبابا يافعين إذ آمن به أبو بكر الصديق رضي الله عنه (38عامًا)، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه (أسلم ولم يبلغ الثلاثين من عمره)، وكذلك علي وعبد الله بن مسعود، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم، وخباب، والعشرات غيرهم.

على مر التاريخ، كانت الراية للشباب وكان اللواء بقيادتهم فلا توجد حركة تحررية ولا فكرة نقدية ولا تغيير إجتماعي كان أو إقتصادي أو سياسي وثقافي إلا والشباب أصحاب السبق قيادة وجمهورا من قادة الحركات التحررية إلى الرؤساء الوطنيين، ومن الكتّاب إلى الإعلاميين والمناضلين السياسيين على الرغم من عديد الحواجز والمصاعب إلا أن الشجاعة والعزم والتمرد على وضعيات الأفكار الميتة والإقدام على الإصلاح والقيادة من أبرز ما يطبع الأمم الشابة. فها هو صموئيل هانتنجتون في كتابه صدام الحضارات يؤول الأحداث المفصلية في تاريخ الدول والحضارات لنسبة الشباب فيها، فيقول: “الشباب هم أبطال الاحتجاج وعدم الاستقرار والإصلاح والثورة. وتاريخيا، فإن وجود مجموعات عمرية شبابية بنسب معتبرة يتصادف دائما مع تلك الحركات”. أما اقتصاديا فتتنامى الأصوات لأهمية تمكين الشباب كمورد حيوي واستثماري قادر على خلق الأفكار وتطويرها واقتناص الفرص في الإعمار والتنمية المستدامة لأوطانهم وأكبر مثال على ذلك المعجزة الآسيوية التي يتربع تضخم رأس المال البشري على عوامل نجاحها وديمومتها.

في الصورة المرفقة خريطة للأعمار المتوسطة في العالم:


وعليه فإن فئة الشباب هي الأقدر على شأن التنمية والتطوير، التغيير والرفض والمجابهة، ذلك أن من تقدم به العمر يعز عليه تغيير ما يعتقده خوفا من تحمل تبعات ذلك لإنهاك أصاب جسمه وتغلف أصاب عقله، فالإنسان لا يغير إلا لإيمان واستعداد قوي منه بالتضحية من أجل أن يكمل مسلكه التغييري، والشباب هو المرحلة الأنسب للخوض في غمار التغيير، والأمة أمس ما يكون بحاجة ليد من حديد لإعادة بنائها وتشييدها وإحياء حضارتها التي بقيت راسخة ملايين السنين.