غالبا ما يتردد إلى المسامع ربط الفكرة الدينية بالظواهر وما استحدثها فترى الناس على عامتهم يسقطون مختلف الأحداث من حولهم على الدين، كأن ينسب الفساد والخراب لضياع الدين، وينسب الاكتئاب لقلة الإيمان، وتُرى كثرة المال بميزان الحلال والحرام، أو نجد أحيانا مناظرات تقوم على مسألة أن العلم والدين متلازمان يخدمان بعضهما، وذلك من خلال وضع أي مستجد علمي أسفل مجهر التحليل الديني، كل ذلك لأن شمولية الدين لمختلف جوانب الحياة ولّد شعوبا متمسكة بكل ما يتعلق بعقيدتها وهذه ميزة لدى شعوب الأمة الإسلامية، فشيوع الإيمان والتدين وتصدره الأولوية من حياة المواطن المسلم يعد أمرا يستحق الدراسة والتأمل.
فماذا لو تعلق الأمر بقدرات وميزات الأمم، هل يمكننا أن نعتبر محبة الدين ورموزه وكل ما يسقط عليه أحد قدرات الأمة؟ وكيف يكون ذلك؟ وكيف يسهم في تنافسية وحضارة الدول؟
الدين والشعوب العربية
هذه الشعوب تتنفس دينا!، فمن أبرز المشاهد التي يستحيل أن يمر يومك دون رؤيتها أو سماعها أو الوقوف عليها هي الطقوس الشعائرية، فعلى غرار الأديان والشعوب الأخرى لا يكتفى المسلم بالتعبير عن حبه لدينه بشكل دوري، بل لا يكاد يمر عليه يومٌ دون أن يصلي أو يذكر الله ويسبح بملكوته، فلو سألت شارب خمر عن الله أو عن النبي صلى الله عليه وسلم لرد بدون أدنى تفكير بأنه يحبهم ويقدّسهم بالرغم من ما يقره على نفسه من التقصير. فما بين الدين والالتزام به فجوة يختلف الناس في مقدارها إلا أنهم يجمعون على أساسية الدين وفي الإسلام على وحدانية الله ونبوة المصطفى.
ففي إحصائية أجرتها وفي استطلاع آخر أعدّته مؤسسة "غالوب" الأمريكية حول علاقة الفرد بالدين؛ سألت السؤال التالي: "هل الدين جزء مهم من حياتك اليومية؟" كانت النتائج أن الناس كأفراد يحبّون الدين، ولهذا الأخير تأثير مباشر على حياتهم اليومية. حيث توضح النتائج ما يلي:
في الكويت (82%) نسبة من قالوا بأن الدين جزء مهم من حياتي اليومية.
في السعودية (98%) نسبة من قالوا بأن الدين جزء مهم من حياتي اليومية.
في الإمارات (98%) نسبة من قالوا بأن الدين جزء مهم من حياتي اليومية.
في مصر (98%) نسبة من قالوا بأن الدين جزء مهم من حياتي اليومية.
في الأردن (92%) نسبة من قالوا بأن الدين جزء مهم من حياتي اليومية.
في اندونيسيا (99%) نسبة من قالوا بأن الدين جزء مهم من حياتي اليومية.
وفي تركيا التي حكمت (80) سنة بالعلمانية صوّت (86%) فيها بأن الدين جزء مهم من حياتهم اليومية.
يمكن الإطلاع عبر الرابط على خريطة الشعوب التي تعتبر نفسها متدينة
كيف يؤثر الدين ببنيان المجتمع؟
يلعب الدين كنسق إعتقادي ومعرفي مشترك دورا أساسيا وحيويا في المجتمع وفي ترسيخ الضوابط الأخلاقية العامة في التعاملات، فلا يدعو الدين للفضيلة وحسن السلوك فرديا فحسب بل يتجاوز للعمل الأخلاقي والتضامن الاجتماعي والاحترام وتشاركية القيم بما يخدم المجتمع والمحيط وما يخضع للقانون الروحاني بطواعية ورحابة بدلا من قانون المدنية الذي تلعب فيه السلطة الحد والرادع الشكلي حيث يقول جون آدمز "لا توجد أي حكومة مسلحة بقوة وسلطة التحكم قادرة على التنافس مع عواطف رغبات الشعوب المبنية على الدين والروحانية"
وحديثنا هنا عن الدين الحق كفكرة مؤسسة على الفهم والمعرفة المجردة والإدراك والوعي بكهنه وماهيته بالتلازم مع التجسيد المادي والسلوك الحسي كتصرفات وأفعال لا التدين الشكلي معين النمط الذي لا يعكس بالضرورة أصالة ورقي الدين كمنهج حياتي مبني على التسامح واحترام الحريات والدعم اللامشروط والخيرية السمحة.
بذلك يتجاوز أثر الممارسة الدينية حيز الفرد كالروحانية وضبط غاياته الحياتية والسمو الروحي الذي يتغلب به الصعوبات والمتغيرات بواقعية وتوازن وأمل إلى تماسك الأسرة وحاجة الالتزام وتنامي المسئولية ناهيك عن أمور الاقتصاد والسياسة والفكر وجعلها ضمن فلسفة ومنظومة الخير والصالح العام فالقضاء والسياسة والتجارة وغيرها من أمور العامة والسلطة لها حيز واسع في المعتقدات فـ"الدين يضع الضوابط الاجتماعية التي تعمل على إدارة الأمر بطريقة إنسانيّة واقعيّة، بحيث تندفع إلى معالجة المشاكل الطّارئة في نطاق الفرد والمجتمع، ليبقى التوازن العام في حركة القيم التي يختزنها الجميع في معنى الإيمان، ويتحرّكون من خلالها في معنى المسؤوليّة، فيلتقي الوازع الداخلي بالوازع الخارجيّ في إقامة القاعدة العامّة الضّابطة للواقع كلّه، في حدود الإمكانات الواقعيّة للانضباط الإنساني" كما يورد مقال دور الدّين في المجتمع الإنساني.
وفي أمتنا الإسلامية، لا يخفى أن الإسلام ركيزة من ركائز المجتمع ولقدر رموزه مكانة وهيبة في النفس ولو قصر الالتزام وقر التقصير غير أن المحبة والذوذ عنه وارتباط أي مكسب إجتماعي أو وطني أو أممي له بالدين وثاقة لأنه الوازع الأول والحافز الأكبر في الدفع والتغيير من أجل استنهاض الحضارة من بوابات عدة اجتماعية واقتصادية وسياسة.