لا ينفي التطور العلمي والتكنولوجي ومستقبل الآلات والمعلوماتية أهمية الوجود البشري واستمرارية العطاء الإنساني وملكاته التي تتصدر ديناميكية الكون بإبداع متجلٍ وإمكانات فذة، ذلك أن التركيز على الفرد هو استثمار في حد ذاته، لأن الإنسان مركز التغيير والتطوير في هذا العالم فكيف إذا كان هذا الفرد صاحب فكر يرتكز أساسا على حسن الاستخلاف في الأرض والبناء والتشييد وبث المحبة والسلام على من حوله من العالمين؟

 

يحصى تعداد العالم حالياً بـ7 بليون نسمة تقريباً في حين تتجاوز نسبة المسلمين 1500 مليون نسمة، أي أكثر من تعداد الصين، وهذا العدد الكبير يمثل قوة هائلة ومنتجة لو أحسن استثمارها وتوجيهها خدمة لمبادئ الاستخلاف ومراميه في نشر الخير والتنمية والسلام.

 


ففي حين أن ينمو عدد سكان العالم ينمو بنسبة 32٪ في العقود القادمة، فإنه من المتوقع أن يزيد عدد المسلمين بنسبة 70٪ - من 1.8 مليار في عام 2015 إلى ما يقرب من 3 مليارات في عام 2060، في عام 2015، شكل المسلمون 24.1٪ من العالم من تعداد السكان، وبعد مرور خمسة وأربعين عاما، من المتوقع أن يشكلوا أكثر من ثلاثة في كل عشرة من سكان العالم (31.1 في المائة).

 

يقول الأستاذ خورشيد أحمد الخبير الاقتصادي: "القوة الغالبة لا تكون في المستقبل إلا للبلاد التي تتمتع بزيادة السكان، وتتحلى في الوقت ذاته بالعلوم الفنية" مضيفا: "ما أصْدَق المفكر الأمريكي أورجانسكي في قوله: (في المستقبل، إنما تكون القوة أكثر عند المعسكر الذي يكون عنده الأفراد أكثر)، ويقول أيضاً: "مما لا يخفى على طالبٍ لعلم التاريخ أن تعدد السكان له أهمية سياسية جذرية، ولذا فإن كل حضارة أو قوة عالمية قد أولت جل اهتمامها إلى زيادة أفرادها في عصرها الإنشائي والتعميري والتقدم المدني لأي حضارة إنسانية"
 

يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم لأهمية العدد في حياة الأمة المسلمة حاثا على  التكاثر، إذ يقول أنس بن ما (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ (الزواج) وَيَنْهَى عن التَّبَتُّلِ (الرهبانية) نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) في حين يجدر الإشارة أن التكاثر الذي ننشده هو تكاثر نوعي وليس كميا يرافقه تعليم قوي وتربية سديدة وأمان شائع وفساد مدحوض،  تكاثر محقق للغلبة, الغلبة التي تثبت أن الإسلام دين حياة ومعاد, الغلبة التي تجعل من المسلمين الأمة التي اختارها الله كخير الأمم لعمارة الأرض, ليس بالتقنية فقط بل بالأخلاق والحفاظ على البيئة وحفظ كرامة الإنسان.

وما خلاف ذلك إلا إغراق بمفهوم سطحي محقق لا محالة لما حذر منه -صلى الله عليه وسلم- فحديث التداعي «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ" هو تحذير مما سيؤول إليه حال المسلمين إن هم حادوا عن الصواب". فالكثرة تكون محمودة إذا كانت تعود بالنفع والفائدة فيمن يستعان بهم في قضاء المراد، والتغلب على الأعداء. بحيث لا يؤثر العدد فيها على النوع، والكم فيها لا يفسد الكيف، بل يدعمه ويقويه.