في كتابه العقل الفاضل، يقول جوناثان: العاطفة هي من تسيرنا وتجند من أجل ذلك العقل بكل ما يحمله من أدلة ومنطقية، لذلك من المستحيل أن نجد رد فعل موضوعي بحت إذ لا بد للتوجه العاطفي أن يؤثر ويقود، الأمر الذي يجعلنا ندرك مدى أهمية الخبرات العاطفية وتوجهاتها في تحريك المجتمعات الإنسانية فالشعوب، خاصة أنها رباط تركيز المؤثرين والقادة.

إذ يعتبر تجنيد العواطف قوة لا يستهان بها ذلك أنها -أي العاطفة- تتميز بكونها مؤمنة، مغامرة ومخلصة ولا تضع أهمية لحجم التضحية، بعكس العقل الذي يتميز بالتخطيط والحساب والتريث وكثرة الشك وأولوية المنطق. ففي كتابه "العقل السياسي: دور العواطف في تقرير مصير الأمة" يقول درو وسترن "في السياسة، عندما تلتقي العاطفة بالمنطق، تفوز العاطفة وبثبات" مضيفا "طريق النصر مشحون بالعاطفة" شارحا بالأدلة والأحداث التاريخية كيف يمكن تحريك الشعوب والناخبين بسوق العواطف الذي يخضع في مجموع عوامله  للقيم والتصورات وطبيعة الخطابات. ذلك أن حديثنا عن العواطف هنا عام وشامل يجمع المشترك الإنساني الذي يتولد فطريا ويطبع قيم المجتمعات، خلفياتها وهوية شعوبها. في حين يبرز كتاب: "العواطف الجماعية: وجهات نظر من علم النفس، الفلسفة، علم الإجتماع" الدور الواضح والمتزايد الذي تشهده جماعية العواطف وتشاركيتها بدءا من الثورات لساحات الملاعب والتجمعات الجماهيرية الموسيقية والرياضية وما تلعبه من توحيد للصفوف ودفع للصراع في دراسة حثيثة لظاهرة الانفعال الجماعي.

وعلى العكس، يمكن أن تكون العاطفة دافعا ومحركا ممتازا تستغله الحكومات للتحكم في الشعوب وفرض سيطرتها، إذ يذكر الكاتب الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه «عشر استراتيجيات للتحكم بالشعوب» جاء في إحداها:  «استثارة العاطفة بدل الفكر»، حيث تستعمل هذه الاستراتيجية للتعطيل التحليل المنطقي للعقل، وبالتالي الحس النقدي للأشخاص الذي يمكنهم من معرفة نتاج تصرفاتهم، كما أنّ استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور والوصول إلى العقل الباطن دون أي معيقات تحليلية، وزرعه بالأفكار، الرغبات، المخاوف، النزعات، أو السلوكيات، باستثارة العاطفة وجعلها المحرك الأساسي لتصرفات أي شخص.

وعليه تعتبر الأمة الإسلامية أكثر الأمم عاطفة  لما تملكه الأمة من استعداد استنائي للإقدام يصل أحياناً إلى درجة التهور في حين يمكن أن تُستثمر هذه العاطفة استثماراً إيجابياً، وتوجه نحو العطاء والإنجاز والتطور.

ولقد رأينا هذه العاطفة الجيّاشة متجسدة في مشاهد ومناسبات عدة بالإساءة لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم عرفت تنديدا واسعا اصطفت له المظاهرات وانتظمت له المسيرات على مستوى العالم الإسلامي أجمع، ردا قويا صارخا وهبة شعبوية من صغار الأمة وكبارها، رجالها ونسائها، مفكريها وعلمائها،كذلك الالتفاف الشعبي لنصرة القضية الفلسطينية من مختلف أقطار الدول العربية والإسلامية، وكل قضايا التحرر وحقوق الإنسان ورفع الظلم ومد العون وإغاثة الملهوف.