ساد الارتباط بين المقاومة كمصطلح وثيق بالعمل التحرري والكفاح الوطني بغية تحقيق الاستقلال كمطلب حق وبناء الدولة والنهضة التنموية كضرورة لصيقة وهدف أكيد. لكن سرعان ما تتلاشى الهمم وتتقاعس النفوس لتنبت من رحم التغيير.. التأثير. فرغم استحقاقات الشعوب وتضحياتها المنجزة إلا أنها لا تتوازى وميزان السيرورة التاريخية ومشاريع النهضة والتنمية. وعليه وجب تقديم مراجعة شاملة للمنظومة الفكرية والمفاهيمية والخطط الاستراتيجية لما يعيق تقدمنا ويؤخر فعالية جهودنا في عملية إرادة وإدارة التغيير المنشودة.
"إن لكل تغيير مقاومة، ظاهرة تارة وخفية تارة أخرى، قوية تارة وضعيفة تارة أخرى، هذه المقاومة هي التي تتسبب في إفشال العملية التغييرية"
*على الحمّادي 


فما نعني بالمقاومة؟

لا تعرف المقاومة بالعوائق أو المصاعب والتحديات ومن أمثلتها قلّة المال، وضعف الكفاءة البشرية، وتخلّف طرق الإدارة ونحوها إنما بقوى الشد التي تقاوم عملية التغيير وتحد من فرص نجاحه بالتدحرج للخلف وإعاقة كل تقدم. وعلميا Resistance مصطلح يقصد به كل جهة أو فرد عامل على مقاومة التغيير سواء كان الأخير إيجابيا أو سلبيا ونجاحها مرهون بمدى ذكاء وحنكة التغيير ومرونته.

ما هي مقاومة المقاومة؟

الطرق والمنهجيات والاستراتيجيات ذات المقاييس المضبوطة والمُسهمة في ريادة التغيير وترويض المقاومة.


ما أشكال المقاومة؟


تندرج في أهم التيارات المقاومة للتغيير ضمن خصوصية كل مجتمع أو منظمة. فمنها الذاتي ومنها الخارجي، والواقع جلي الوصف والمقام أبلغ، فما تعانيه الأمة الإسلامية  من الاستبداد السياسي يطحن فيها أي محاولة لممارسة فاعلة، لرأي مجدد أو لتغيير جذري، كذلك الفساد المالي والأخلاقي الذي ولدّ ظواهر مجتمعية طبقية وسلوكيات لا تمت للحضارة والتمدن بصلة. ومددّ ذلك بأئمة وعلماء دين على مقاس السلاطين، بتثبيط كل تجديد أو معارضة أو رفض وكل محاولة للخروج من بوتقة الاستبداد وتضليل الحاكم، ما آزر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للأمة وقضى على أوصالها تشتيتا وتخريبا وفتنة وقمعا لكل إرادة شعبية حرة والكيان الصهيوني جرثومة كل احتلال. ناهيك عن الذهنيات المريضة والأفكار المترسبة والأوهام التي تحجم كل فعالية وتقضم كل أمل وتغيير.


ما أسباب مقاومة التغيير؟

يأتي التخوف كدافع نفسيّ رئيس لكل ركود إذ يحجم فرص التغيير ويشكك في إرادته ومحاولة تطويره.حتى وإن كان التغيير إيجابياً، سنجد أنه الخوف، نعم الخوف؛ كالخوف من المستقبل المجهول، أو فقدان المصالح المادية والمعنوية، أو فقدان العلاقات الشخصية، الخوف من "الانحراف" عن المنهج والفكرة والأصول، الخوف من تغيير "ما تعودنا" عليه، الخوف من "تسلط الآخرين" نتيجة للتغيير، الخوف من أن "تكلفة" التغيير ستفوق أرباحه، وقد يكون أيضا عدم "الثقة" بالقائمين على التغيير.وهو في الأخير تخوّف قد لا أساس له، بحيث لا يعطي التغيير فرصة أصلاً.


ما من معادلة رئيسة للتغيير؟
(نجاح التغيير) = (درجة الألم) × (وضوح الرؤية) × (وضوح الخطوات الأولى).

والضرب في المعادلة يمد كل عنصر بقيمته وفعاليته فلو ضف جزء  ضاع المجموع وفشل التغيير. وبالتالي وجب وضوح وصرامة المعادلة وضرورة تواجد العناصر الثلاث بنسب عالية.


مثال: فرضا لو كانت:
(درجة الألم) 100 %
(وضوح الرؤية) 100 %،
(الخطوات الأولى) 10 % 
فعند الضرب سنجد أن فرصة (نجاح التغيير) هو 10 % فقط.
لكي تنجح أية عملية تغييرية، فلا بد من توافر ثلاثة عناصر في الأمة:


(أ) درجة الألم:

فاستشعار الشعوب لخطورة الوضع المأساوي الذي وصلت إليه الأمة، ومدى الضعف والتخلف الذي تسبب به الاستبداد بالذات، زات فرصة نجاح التغيير.
وإذا لم تستشعر الأمة درجة الألم، وجب على قادة التغيير إشعال وقود الشعور بالألم، من خلال إيضاح المآسي الظاهرة والباطنة، وأنواع المصائب التي تسببت بها العوامل الخمسة المقاومة التغيير (الاستبداد، الفساد، الجمود، التدخل الأجنبي، الكيان الصهيوني).

(ب) وضوح الرؤية:

فالشعارات الرنانة للمستقبل كالإسلام هو الحل ومستقبلنا مشرق ونحوها، تضعف من فرصة نجاح التغيير وفرص المقاومة لإسقاط التغيير كبيرة. مالم تتوج برؤية واضحة ومرسومة  للمستقبل على شكل خطط استراتيجية توجّه المسار، وتحدّد المؤشرات، وفيها مقاييس واضحة للأهداف.

(ج) وضوح الخطوات الأولى:

بضبط كل خطوة وتحديد كل مسار بزمن معين قابل للتنفيذ والقياس.

ما هي طرق المقاومة؟

نظرة في مقياس المقاومة ذو العشرين طريقة المعتمدة في ممانعة والتصدي للعملية التغييرية على مستوى المنظمات والدول. ونأتي على أهمها في:

مهاجمة مشروع التغيير والتركيز على قادته بشكل أكثر شخصنة بمحاولة الطعن في أخلاقهم، مصداقيتهم أو كفاءتهم ليتحول النقاش حول الأشخاص بدلاً من نقاش الأفكار.
الطعن في مشروع التغيير بشكل هلامي وعدم نقاشه بالتفصيل، فيصبح الحوار حول مدى مثالية مشروع التغيير، وعدم مناسبته دون نقاش المشروع نفسه، 
الحديث العام حول مخالفة مشروع التغيير للمبادئ والأصول والثوابت والمنهج الذي قامت عليه المنظمة، والبناء الذي قام به المؤسس.
طرح المقاومة للتخوفات من إمكانية إحداث المشروع لبلبلة بين العاملين ينتج عنها عدم استقرار في الأوضاع تؤدي إلى إضعاف النتائج، فلا اُستفِيدمن التغيير ولا حُوفظ على المكتسبات الحالية.
التركيز على دم مناسبة  توقيت التغيير وتفضيل التأجيل، وإشاعة أن التوقيت يهدف لتحقيق مصالح شخصية لقادة التغيير.
التشويش بالإشاعات والأكاذيب وبلبلة الأوضاع بالاعتصامات والمظاهرات المناهضة للمشروع التغييري أو قادته، وعدم إعطاء فرصة للنقاش الجاد للمشروع.
استعمال القوة لمواجهة قادة المشروع، والتي قد تكون ناعمة باستعمال التكبيل القانوني، أو التجميد للصلاحيات والمناصب، وقد تكون المواجهة صلبة باستعمال السجون والاغتيال.


ما هي قواعد مقاومة المقاومة؟

في سرد عملي للقوانين والقواعد القائمة على مواجهة عوائق وتيارات التصدي للتغيير. فمعرفة طرق المقاومة وحيلها وخططها لا تكفي ما لم نشمل المعرفة بطرق وقواعد وقوانين مقاومة المقاومة التي وجب على  قادة التغيير معرفتها وإجادتها إذ لا يكفي أن تعرف خطة خصمك دون أن تصنع لك واحدة، ومُحكمة. والتالي بعضها:

التركيز على مشروع التغيير وتجنب كل محاولات التشتيت.
إذا اشتد الطعن الشخصي في قادة التغيير وكان مؤثراً فعندها فالرد الواحد والقوي والشامل مع النشر على أوسع نطاق، بحيث لا يتم الرد على كل هجوم، وكل طعن، وكل تشويش بشكل جزئي.
المحاولة الدائمة في تحويل المقاومة لنقاش تفاصيل المشروع.
محاولة عقد مقارنات بين الواقع الحالي والمشروع التغييري (وليس بين قادة التغيير وقادة المقاومة).
محاولة  إشعال الألم  بالواقع الحالي مقارنة مع (المستقبل المشرق) الذي سوف يحققه المشروع.
إذا تم طرح التوقيت على أنه غير مناسب، فتحديد الوقت المناسب مع قادة التغيير مع عدم الرضا بتوقيت عام.
تحريك الأنصار والمؤيدين للتحدث عن المشروع ولا تكتفي بحديث قادة التغير عنه.
وضع الاحتياطات القانونية والأمنية اللازمة للحفاظ على المشروع وقيادته.


وبالتالي: مشروع التغيير هو الخطة، والمقاومة (بأنواعها الخمسة) سوف تحاول إيقافه، ومعرفتنا بالمعادلة العامة للتغيير وبقوانين مقاومة المقاومة سيعطينا فرصة كبيرة للنجاح بإذن الله تعالى.