جلس (فريد) يحدّث أمّه عن ظواهر انتشرت في الجامعة بين الشباب والصبايا، ومنها استهزاء كثيرين من تصرفات يسمّيها الدين "معروفًا"، والاستخفاف بأخلاقيات اجتماعية  تتصف بالإنسانية: كاسترضاء الوالدين، النزول عند رأيهما، والتلطّف وحسن التعامل مع من هم أقل في المستوى الإجتماعي، الحفاظ على الوقت، الالتزام بالموعد، ثم قال مستغربا: "حتى من يعفّ نفسه عن العلاقات الفوضوية بين الجنسين، أولا يمد يده ليسلّم على زميلته، و يغضّ بصره عن العورات، صار معرّضا للسخرية والاستنكار!"، هزّت الأم رأسها متحسرة، وقالت: "نسأل الله أن يثبتنا يا ولدي، هذا زمن انقلاب المعروف إلى منكر، والمنكر إلى معروف!"

 

المأمور سيكون في أمان وسلام، إذا ما التزم بالمكتوب، ولم يُفني حياته بالبحث عن المحجوب، فمصائرنا  رهن أعمالنا، وإنّ من فضل الله تعالى علينا أن أظهر لنا ما أراده منا، فلا مجال للتخمين، وأخفى ما أراده لنا، فلا مجال للتقصير أو التأجيل، والله هو الحكيم الحليم، وهو الموفق والمعين.

 

أكمل (فريد) كلامه، سائلًا والدته تساؤلاً  لم تكن تتوقعه، فقال: "لكن يا أمي، أصدقائي يحتجّون بقولهم: وما أدراك بأنّك ستكون من الناجين، بعدما حرمت نفسك كل تلك المتع؟! إنّ مصير كل واحد منّا مجهول، فلم نقيّد أنفسنا بتلك الواجبات، بينما لا يعرف أحدنا إن كان سيفوز أو سيخسر في النهاية؟!"

سكتت أم فريد لحظات، وقد بدت على وجهها ملامح الأسف، ثم أخذت نفسا عميقا، وقالت: "فعلاً، هذا تساؤل خطير، لكنّ الإجابة عليه بسيطة، وأصدقاؤك يطبقونها عملياً في دراستهم، لكنهم يتغافلون عنها عندما يتعلق  الأمر بالدين!)

ثم أضافت: "قل لي يا فريد، هل ينشغل زملاؤك في الجامعة أيام الامتحانات بالتخمين والتفكير بما قد يأتي من أسئلة في أوراق الامتحانات؟ وهل يقضون أوقاتهم بطرح التوقّعات لما قد يُسألون عنه في الاختبارات؟ هل يغفلون عن الكتب التي بين أيديهم، ويتركون الدراسة بحجة أنهم لا يعرفون من منهم سينجح ومن منهم سيرسب في النهاية؟!"

أجاب فريد: "لا يفعلون ذلك بالطبع، بل ينكبّون على المقررات المعطاة لهم بالدراسة والحفظ والمراجعة."

فقالت الأم: "مع أن مصير كل واحد منهم غير معروف في النهاية، أليس كذلك؟!"

تعجّب فريد من استدراك والدته قائلاً: "ماما، من يدرس ينجح، فالمنهج واضح، والمطلوب دراسته معروف ومفهوم، والأسئلة لن تأتينا من كوكب آخر!"

ابتسمت أم فريد، وختمت الحديث بقولها: "هذا تماماً ما أردتُ أن أبيّنه لك يا ولدي، فماذا يفيد أحدنا لو ضيّع وقته بتخمين أمر غيبي، أو أمضى عمره بالبحث عن مصير مخفي، بينما كان يكفيه أن يدرس المنهج الذي يجده بين يديه مفصلاً،  وأن يصرف الوقت المتاح له في التزود والاستعداد، ولا يشغل تفكيره بالمصائر المخفية، ويركز على الوظائف الواضحة الجلية، مطمئناً بأن الآمرَ حكمٌ عدل، وبأن المأمور سيكون في أمان وسلام، إذا ما التزم بالمكتوب، ولم يُفني حياته بالبحث عن المحجوب، فمصائرنا  رهن أعمالنا، وإنّ من فضل الله تعالى علينا أن أظهر لنا ما أراده منا، فلا مجال للتخمين، وأخفى ما أراده لنا، فلا مجال للتقصير أو التأجيل، والله هو الحكيم الحليم، وهوالموفق والمعين".