لقد عرف العالم الإسلامي بعد نهاية الحرب الباردة وتصدع المعسكر الشيوعي عدة تغيرات جيوسياسية بظهور وحدات وأنساق جديدة ذات الأغلبية المسلمة داخل المجتمع الدولي، منها الجمهوريات الإسلامية الخمسة وهي أوزبكستان تركمنستان، طاجكستان، كزاخستان وقيرغيزستان، وهي دول منغلقة جغرافيا استقلت عن الاتحاد السوفياتي سابقا عام 1991، يبلغ عدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة، لها أهمية جيوبوليتيكية واستراتيجية كبيرة جدا، الأمر الذي جعلها محل تنافس شديد من قبل الفاعلين الكبار وهو ما عبر عنه وزير الخارجية البريطاني السابق دوغلاس في خطاب ألقاه أمام الجمعية الملكية للشؤون الآسيوية في لندن بقوله: "إن آسيا الوسطى تعود إلى عصر المباراة الكبرى التي جرت بين روسيا وتركيا والصين وإيران والهند من أجل الحصول على المزايا الاقتصادية والسياسية في هذا الإقليم الجغرافي مما جعل المباراة أكثر خطورة مما كانت عليه منذ مائة سنة".
تقع هذه الدول في شرق آسيا على مساحة تقدر بـ 04 ملايين كلم أي ما يعادل 29.5 بالمائة من مساحة الدول العربية، ولها حدود جغرافية مهمة جدا خاصة مع الصين شرقا وبحر قزوين غربا ذي الأهمية الاستراتيجية، موقعها هذا يؤهلها أن تكون في موقع القلب بجزيرة العالم قياسا على نظرية "ماكيندر" التي تتيح لمن يسيطر على الجزيرة أن يسيطر على العالم، وهذا بفعل امتلاكها لعناصر القوة الاستراتيجية من موارد طبيعية واقتصادية ذات قيمة مرتفعة، وهذا التمركز في آسيا الوسطى يتيح لهذه الدول الإطلالة الأكثر سهولة والأقل تكلفة باتجاه العمق الحيوي الروسي شمالا، والعمق الحيوي الصيني باتجاه الجنوب الشرقي، والعمق الحيوي لشبه القارة الهندية باتجاه الجنوب، والعمق الحيوي الإيراني باتجاه الجنوب الغربي وكذلك العمق الحيوي لكامل منطقة بحر قزوين باتجاه الغرب.
كما أنّ السيطرة على موارد آسيا الوسطى يتيح التحكم في إمدادات النفط والغاز والمعادن والموارد الزراعية إلى تلك المجالات الحيوية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ضف إلى ذلك أنّ السيطرة على الممرات البرية والبحرية والمضايق الحيوية تعطي لهذه الدول السبق الجيوبوليتيكي أمام القوى الكبرى في المنطقة ثم مع بقية المنافسين.
تمتلك الجمهوريات الإسلامية الخمس مقدرات هائلة تجعلها بالفعل قوة مؤثرة في الساحة الدولية إذ تحوز على احتياطات كبيرة من النفط تعادل تلك الموجودة في بلدان الخليج العربي، ولها موارد طبيعية وثروات باحتياطات عالمية، فأوزبكستان هي سادس دولة في العالم في انتاج الذهب، والرابعة من حيث احتياطات الخام الفضي، والثالثة عالميا في إنتاج القطن، ولها اليورانيوم والنحاس والزنك والفحم فضلا عن النفط والغاز الطبيعي، أما طاجكستان فتملك مناجم كبيرة من اليورانيوم وترقد قيرغيزستان على مناجم عظيمة من الذهب، أما تركمنستان فهي ثالث احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، ولكازاخستان أكثر من 05 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي واحتياطي نفط لأكثر من 4 مليون طن و2 مليون طن من الفحم وهي ثاني احتياطي عالمي في اليورانيوم وثالث أكبر احتياطي عالمي في معدن المغنيزيوم وخامس أكبر احتياطي من النحاس، والعاشرة عالميا في احتياطي النحاس، كما أنّها رابع أكبر احتياطي عالمي من الذهب وتصنف كازاخستان على أنها ضمن المراكز العشرة الأولى عالميا في تصدير الفحم والحديد والذهب، تعد أيضا تاسع أكبر دولة في العالم مساحة وأكبر دولة إسلامية بها 8500 نهر أهمها نهر الأورال و48000 بحيرة.
أما بحر قزوين بطول 1200 كلم، والذي تشترك في حدوده كل من تركمستان وكزاخستان، فهو غني بالنفط وبه ثاني أكبر حقول النفط والغاز في العالم بعد حقل الغوار بالسعودية بالإضافة إلى غناه بمعادن الذهب والنحاس واليورانيوم.
فهذه الدول اليوم هي محل جذب قوي، ولذا في عصر التكتلات السياسية لابد من تقوية الروابط الاقتصادية والسياسية بينها، مع فتح مجالات الاستثمار وتكييف المنظومات الاقتصادية والقانونية بشكل يسمح لها بتقوية بناها التحتية وتعزيز قدراتها الاقتصادية، في إطار عملية تكامل واعتماد متبادل فيما بينها في شكل كتلة اقتصادية موحدة قطعا لكل طامع في الموارد والمقدرات، الباحث عن فجوة للنفوذ بكل الوسائل المتاحة، ذلك أنّ حاجات الإشباع الاقتصادي متعددة وغير متوفرة للجميع فهي مدعاة للتنافس والصراع الدولي.
إنّ سياسات الغرب تطبق ما يقوله "ماكيندر" وأمثاله في إطار المصالح القومية وفقط، دون النظر إلى مصالح الدول الأخرى، وما يهمهم دائما هو استنزاف الثروات والتوغل والنفوذ حتى وإن تطلب ذلك القيام بحروب مباشرة أو عن طريق الوكالة.
تلك هي إذن الجمهوريات الإسلامية الخمس، الجسر الرابط بين الشرق والغرب بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، هي بلاد سمرقند وطشقند وبوخارى وخوارزم وهي بلاد أشهر العلماء والعظماء المسلمين، فهي من أنجبت البخاري ومسلم والخوارزمي والبيروني والنسائي والزمخشري والترمذي والخرساني وابن سينا وغيرهم من العظماء، وهي فعلا قطعة من العالم الإسلامي وامتداد أصيل له، بلاد ما وراء النهرين وطريق الحرير فهل سيرعاها العالم الإسلامي لتكون نبضه في الشرق؟