يعتبر التعليم من أهم الحقوق المشروعة التي يجب توفيرها لكلّ فرد، وذلك لأنّه يوفر حياةً قويمة ونامية تساعد على توفير مختلف سبل الراحة ومقاومة تحديات الحياة.

 نناقش في هذا التقرير أهمية التعليم بالنسبة لمختلف العناصر التنموية، فهل يعتبر التعليم مؤثرا هاما على الإنتاجية والاقتصاد والدخل والوعي المجتمعي ليُعتَبَر حقا مفتاحا للتنمية؟

هل يؤثر التعليم على الإنتاجية واقتصاد الدولة؟

وفقاً للوكاس وروبرت [1] فإنه كلما ارتفع مستوى تعليم القوى العاملة زادت الإنتاجية الإجمالية لرأس المال، لأنّ الأكثر تعليما هم الأكثر ابتكارا، وبالتالي يؤثر على الإنتاجية، إذن، التعليم يؤثر على طبيعة الصادرات والمنتجات ونموها، مما يؤثر على معدل النمو الكلي، وبذلك يمكن القول أن التعليم يؤثر على الأداء الكلي. 

 تجدر الإشارة أنه من غير الممكن أن يحقق أي بلد تنمية اقتصادية دون استثمار كبير في رأس المال البشري، إنّ التعليم وحده بالطبع لا يمكن أن يُنعش الاقتصاد، إنما يتطلب ذلك تشكلا كميا ونوعيا للاستثمار المحلي والأجنبي إلى جانب السياسة العامة، تعتبر هذه العناصر عواملا محددة للأداء الاقتصادي، إلا أنّ مستوى التنمية البشرية له تأثير على هذه العوامل أيضا، فجودة صنع السياسات وقرارات الاستثمار تتأثر بالمستوى التعليمي لصناع السياسات والمدراء على حد سواء، كما أنّ احتمالية زيادة الاستثمار سواء المحلي أو الأجنبي تزيد بزيادة رأس المال البشري الواعي في المجتمع.

          بالإضافة إلى ذلك، فإنّ زيادة مستوى التعليم يمنح العامل القُدرة على البحث عن فرص أكبر، فنجد أصحاب الدخل المنخفض يعززون أعمالهم إما بأعمال إضافية استنادا على خبراتهم العلمية الأخرى أو بزيادة ساعات العمل. 

ما دور التعليم في الوعي المجتمعي؟

          يعتبر التعليم أعظم قوة حضارية لأنه ينقل تجارب وخبرات الماضي إلى الأجيال اللاحقة، وتوجد الكثير من الدراسات التي توضح أنّ الأُسر المتعلمة تعتبر أكثر وعيا ونجاحا، وأنّ الأمهات اللواتي يكملن تعليمهن الأساسي والثانوي يكون معدل الوفيات والأمراض لأطفالهن بنسب أقل، وذلك لاهتمامهن بالغذاء المناسب والبيئة الصحية المطلوبة، كما أنّ الأسر المتعلمة تهتم بتوفير صحة جيدة وتعليم معزز لأطفالها وتحرص على إنماء قيمهم التربوية، فالأُسر تعتبر المروج الرئيسي للقيم في أي مجتمع.

 إنّ عائد التعليم على المجتمع كبير جدا من حيث الجانب الصحي أيضاً؛ وقد ذكرت الأستاذة الحان في تقرير مفصل لها عن دور التعليم في تنمية الاقتصاد [2]؛ أن الأشخاص المتعلمين في الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى أقل عرضة للتدخين كما الأمر في تركيا، فالمتعلم يميل إلى تناول أطعمة غذائية صحية. 

إنّ حقيقة وجود ما يقدر بنحو 250 مليون طفل في جميع أنحاء العالم لا يتعلمون المهارات الأساسية لدخول سوق العمل أمرٌ مُقلق، ناهيك عن الذين يتلقون تعليماً غير ممنهج يرتبط فقط بعام دراسي محدد ينتهي بورقة إمتحان، إنّ ذلك لا يُعتبر تعليماً للأسف، فالتعليم ليس بالتلقين ولا التزام الاختبارات وإنما بما يبقى في العقول ويُعمَل به، فالتعليم يجب أن يبدأ بتحبيب العلم نفسه للمجتمع وللطالب لنجعله بعد تلقيه أساسيات العلم قادراً على تحديد مستقبله، إنّ طالب اليوم يحتاج إلى مهارات القرن الحادي والعشرين من تفكير نقدي وحل مشكلات وإبداع ومحو الأمية الرقمية [4].

إنّ تحقيق الأهداف التعليمية بالطبع سيكلف كثيرا من المال، وفقًا لليونسكو؛ فإنه من أجل تحقيق الأهداف التعليمية الأساسية بحلول عام 2030م، يجب سد فجوة تمويل سنوية خارجية تبلغ حوالي 22 مليار دولار، مع وفرة الموارد، تنقصنا الإرادة السياسية للقيام بالاستثمارات اللازمة.

لقد وضع الدين خارطةً قويمة لتكون أُمتُنا هي أعظم أمة أُخرجت للناس، ويعتبر طلب العلم مطلبا دينيا، بل إنّ الله فضل العالِم على المُتدَين -لأنّ من بلغ مُنتهى العلم سيصل للتدين لما يراه من إعجاز-، وكما حثّ الدين القويم على طلب العلم من المهد إلى اللحد، فإنّ من فضل الكريم أيضاً أن جعل لنا في طلب العلم كثيرا من الأجر فبكُلِ حرفٍ أجر! كما أنّ نشر العلم من أساس الدين، بل إنّ من يكتُم العلم يُلجم بلجامٍ من نارٍ يوم القيامة! فأي حثٍ على التطوير أكثر من هذا؟

نحتاج إلى تكثيف جهودنا لتوفير التعليم لجميع الفئات، فالتعليم حق للجميع؛ إنه حق للفتيات كما للأولاد، حق للأطفال المعوقين تمامًا كما هو الحال بالنسبة لأي شخص آخر، إنه حقٌ لـ 37 مليون طفل وشاب غير ملتحق بالمدرسة في البلدان المتأثرة بالأزمات والصراعات، التعليم حق بغض النظر عن مكان ولادة الفرد وتنشئته، والجميع مُكلفون بتأدية أدوارهم في توصيل هذا الحق لأصحابه! 

 

المصادر

  • [1]
  • Lucas , Robert , "On The Mechanics of Economic Development," Monetary Economics, 1998.
  • [2]
  • I. OZTURK, "The Role Of Education In Economic Development: A Theoretical perspective," Rural Development and Administration , pp. 39-47, 2001.
  • [3]
  • ك. ر. م. ا. العالمي.
  •