«لا يمكن لأي نظام تعليمي أن يرتقي إلى مستوى أعلى من مستوى المعلمين فيه»، لعل هذا القول المأثور يفسر تولية الإصلاحات –التربوية العالمية الحديثة– "المعلم" الأهمية الكبيرة، حيث جعلت منه اللبنة الأساسية لأي ارتقاء تربوي، فالمعلم الفعّال هو مفتاح التفوق في العالم. 

للمعلم دور رئيس في تحسين جودة التعليم وتعزيز فعاليته نظرًا للمركز الأساسي الذي يحتله في النظام التعليمي، حيث يعتبر عنصرًا مؤثرًا في تحقيق أهدافه، وحجر الزاوية في أي إصلاح أو تطوير تربوي، فمع تطور العلوم النفسية والتربوية والانفجار المعرفي، أصبح على المعلم أن يكون موجهًا ومخططًا وميسرًا، وقادرًا على فهم حاجات طلابه وخصائصهم وإعدادهم للحياة.

في مقالي هذا رحلة سريعة للاطلاع على تجربة دولة رائدة في مجال التعليم، إنها فنلندا التي تحتل مكانة عالميةً في مجال التعليم.

    تعد برامج تدريب المعلمين الفنلندية انتقائية للغاية، حيث تقبل طالبًا واحدًا فقط من كل عشرة طلبة يتقدمون إليها، والنتيجة أن فنلندا تختار مدرسيها المستقبليين من نخبة النخبة، ويجري تقويم المتقدمين بناءً على سجلهم في المدارس الثانوية العليا، وأنشطتهم خارج المنهاج، ونتائجهم في امتحان القبول الجامعي، وبمجرد أن يتخطى المتقدم هذه الجولة الأولى من التصفية، تتم مراقبته في نشاط شبيه بالتدريس كما تتم محاورته أيضًا، ويُقبل فقط المرشحون الذين يتمتعون بالأهلية وبالأداء الأكاديمي القوي، يقبل هؤلاء ليكونوا طلابًا في برامج إعداد المعلمين.

    تعد درجة الماجستير شرطا أساسيا لممارسة مهنة التعليم في فنلندا، ويجب على الطلبة أن يمضوا سنة كاملة في التدريس في مدرسة مرتبطة بجامعتهم قبل التخرج، حيث يطور المعلمون المستقبليون والباحثون ويصوغون تمارينا جديدة، ويتابعون الدراسات والأبحاث حول التدريس والتعلم، ويراقب مجلس تقويم التعليم العالي برامج إعداد المعلمين في فنلندا.

من خلال ما سبق نجد أنّ التركيز على عملية إعداد المعلم بدايةً بحسن انتقاء الطلاب وفق معايير دقيقة ونهايةً بتدريبهم لفترات طويلة وإلحاقهم في مدراس للتدريب والاستفادة من المعلمين الخبراء، من أهم أسرار نجاح فنلندا في مجال التعليم.

وإن أي محاولة إصلاح تهمل التعليم ستكون نهايتها الفشل، ولا ريب أن عملية الإصلاح والتغيير تبدأ من التعليم، والمعلم هو الأساس في المنظومة التعليمية وبحسن انتقائه وإعداده الجيد وتدريبه وتطويره وبذل الجهود ليكون في أفضل حال، نكون قد بدأنا السير في الطريق الصحيح بإذن الله تعالى.