يعتبر مجال التعليم والصحة من أهم عوامل تقدم الأمم أو تراجعها، وتعاني معظم دول العالم الإسلامي من تدني مستويات هذين المجالين لأسباب كثيرة منها غياب الرؤية والتخطيط السليم والفساد الحكومي والصراعات المحلية أو التدخلات الخارجية التي تقف حائلاً أمام الحكومات في تنفيذ برامج تساعد في تطور التعليم والصحة. 

في المقابل، تولي الدول المستقرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً اهتماماً بالغاً بالتعليم والصحة، كونهما من أهم الجوانب التي تهيئ البيئة المناسبة لتطور البلاد وتصدُرها مصاف الأمم المنتجة والسليمة من الأمراض العضوية والجهل الذي لا يقل تأثيره في المجتمعات عن الأمراض الأخرى.

عادةً ما تكون البلدان الأكثر صحة هي البلدان المتقدمة، وفيها معدلات أقل من التلوث وتتمتع برعاية صحية جيدة ومياه شرب نظيفة وآمنة، أما البلدان غير الصحية لا تحصل على مياه الشرب النظيفة أو أي نوع من الرعاية الصحية مع تفشي الأمراض، وقد يكون التلوث مرتفعاً، مما يؤدي إلى مشاكل صحية وأمراض تؤدي إلى الموت.

لا يحظى جميع المواطنين في دول العالم بنفس الفرصة لتلقي التعليم، أما البرامج الصحية تقول منظمة الصحة العالمية أنّ نصف سكان العالم البالغ عددهم 7.3 مليار نسمة على الأقل يفتقرون إلى التغطية الكاملة بالخدمات الصحية، وتعاني الرعاية الصحية حول العالم من قلة الموارد، وعجز مقداره 18 مليون عامل صحي، ومن بين 30 بلداً لدى المنظمة بيانات عنها لا ينفق سوى 8 بلدان 40 دولاراً أمريكياً كحد أدنى لكل شخص على الرعاية الصحية سنوياً.

حسب منظمة الصحة العالميّة، تعرف الرعاية الصحية بأنها "نهج للصحة والرفاهية يشمل كل المجتمع ويتمحور حول احتياجات وأولويات الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية، وتتناول الصحة والرفاهة بجوانبهما البدنية والنفسية والاجتماعية الشاملة والمترابطة".

وحسب نفس المصدر فإنّ مفهوم الصحة لا يقتصر على مجموعة من الأمراض المحدّدة، بل جوهرها هو توفير الاحتياجات والرعاية للشخص طوال الحياة، وتضمن حصول الأشخاص على رعاية شاملة، تتراوح بين الإرشاد والوقاية إلى العلاج وإعادة التأهيل والرعاية الملطِّفة كأقرب ما يمكن إلى بيئة الناس اليومية.

ترتكز الرعاية الصحية على الالتزام بالعدالة الاجتماعية والإنصاف والاعتراف بالحق الأساسي في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، كما ورد في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية".

قياس مستويات الصحة والتعليم

سنوياً، تصدر العديد من المؤسسات الدولية غير الربحية تقارير ونشرات حول برامج التعليم والصحة حول العالم، وأفضل الدول في هذين الجانبين وأسوأها، وفق معايير معروفة تنشرها منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي ومنظمة اليونسكو ومنتدى الاقتصاد الدولي وكذلك منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومنظمات الأمم المتحدة.

تبنى التقارير والمؤشرات على تحليل قاعدة بيانات السكان الصادرة عن المنظمات الدولية وتعتمد على عدة معايير منها: نسبة العاملين ومستوى تعاطي التبغ والبدانة وارتفاع ضغط الدم ومتوسط العمر والعوامل البيئية مثل الصرف الصحي والمياه النظيفة والهواء والتلوث والحصول على مياه شرب نظيفة وآمنة وسلامة الأغذية وتناول الصحية منها والمخاطر الصحية وسوء التغذية وأسباب الوفاة، ومعدل الوفيات لدى الأطفال الرضع.

أما معايير التعليم تعتمد على نسبة المتعلمين من البالغين، ونسبة التسجيل في المرحلتين الابتدائية والثانوية، وعدد السنوات التي تقضيها المرأة في المراحل التعليمية المختلفة، وذلك لقياس قدرة الدولة على إشراك مواطنيها في النظام التعليمي، وأحد أهم هذه المؤشرات السنوية المعتمدة عالمياً هو مؤشر "بلومبيرغ"، إذ يشمل 169 بلداً.

وبعد تحليل البيانات وتقييم النتائج للعام 2019، أظهرت أن إسبانيا هي الدولة الأكثر صحة في العالم تليها إيطاليا في المرتبة الثانية ثم آيسلندا في المرتبة الثالثة. وجاءت اليابان في المرتبة الرابعة بينما احتلت سويسرا المرتبة الخامسة والسويد السادسة وأستراليا السابعة وسنغافورة الثامنة والنرويج التاسعة وفي المرتبة العاشرة جاءت دولة الاحتلال الصهيوني، في حين حلت الولايات المتحدة في المرتبة 35 عالمياً، وفقا لإصدار 2019 من مؤشر "بلومبيرغ" لأكثر الدول صحة (Bloomberg Healthiest Country Index) الذي يصنف 169 اقتصاداً وفقاً للعوامل التي تساهم في الصحة العامة.

ووفقاً للبيانات التي جمعتها الأمم المتحدة، فإن إسبانيا لديها أعلى مستوى عمر متوقع بين بلدان الاتحاد الأوروبي، إذ تشير دراسة نشرها معهد القياسات الصحية والتقييم التابع لجامعة واشنطن في أكتوبر العام 2018 إلى أنه من المتوقع أن يكون لدى إسبانيا أعلى معدل العمر المتوقع لأي دولة في العالم بحلول عام 2040 مع متوسط عمر متوقع يبلغ 85.8 عاماً.

الدول الأفضل في مجال التعليم

تهيمن مؤسسات التعليم الأمريكية على تصنيف أفضل الجامعات في العالم، ومن بين أفضل 10 جامعات، توجد 8 منها في الولايات المتحدة. لكن رغم امتلاكها لأفضل المؤسسات التعليمية في العالم،وحسب منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) فإنّ الولايات المتحدة تحتل المرتبة السادسة في مستوى التعليم عند الكبار.

المنظمة الدولية، حددت، وفقاً إلى دراسات استقصائية، أكثر الدول تعليماً في العالم ومستوى تعليم الكبار بناءً على عدد السكان البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عامًا، الذين أكملوا نوعاً من التعليم العالي بعد المدرسة الثانوية سواء كانت شهادة لمدة سنتين أو أربع سنوات أو برنامج مهني.

تصدرت كندا المرتبة الأولى عالمياً وبلغت نسبة المتعلمين في المجتمع 56.27%، ثم اليابان في المرتبة الثانية وبلغت نسبة التعليم في المجتمع 50.50%، ودولة الاحتلال الإسرائيلي في المرتبة الثالثة بنسبة تعليم 49.90%، وتليها كوريا الجنوبية في المرتبة الرابعة 46.86%، وفي المرتبة الخامسة المملكة المتحدة 45.96%، وفي المرتبة السادسة الولايات المتحدة 45.67%، وجاءت أستراليا في المرتبة السابعة 34.74%، وتلتها في المرتبة الثامنة فنلندا وبلغت نسبة التعليم في المجتمع 43.60% ثم النرويج في المرتبة التاسعة وبلغت نسبة التعليم في المجتمع 43.02%، وفي المرتبة العاشرة لوكسمبورغ وبلغت نسبة التعليم 42.86%.

أما في الدول الأقل نمواً عادة يكون العكس هو الصحيح، إذ تكون الدول المتخلفة وغير المتطورة، جودة التعليم فيها رديئة، والكثير من الناس قد لا يحصلون على التعليم إطلاقاً.

ارتفاع نسبة التعليم والصحة في المجتمعات المتقدمة حول العالم جاء بعد تراكم ثقافة أصبحت سائدة لدى السكان المحليين، ونتيجة تفاعل عمل الحكومات مع القطاع الخاص وشركات التأمين المتواصل، وجهودهم المبذولة لتنفيذ برامج ومشاريع ساهمت بشكل كبير في معالجة هذه الأزمات وأفرزت أجيالاً تعي أهمية المحافظة على عادات غذائية صحية ومستوى معين من التعليم.

بالإضافة إلى ممارسة التمارين والأنشطة اليومية أو الأسبوعية في الهواء الطلق، ينصح الأطباء والمختصين بتناول الأغذية الصحية، واحداً منها نظام غذاء البحر الأبيض المتوسط أو ما يعرف بحمية البحر المتوسط، الذي يتبعه معظم سكان المجتمع الإسباني والإيطالي، ويحمل هذا النظام فوائد صحية كثيرة، أهمها تقليل أعراض الاكتئاب وانخفاض معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة منها القلب والسكري، وكذلك مخاطر الوفيات بين كبار السن والمحافظة على وزن صحي.

هذا النظام يعتمد تماماً على الغذاء الطبيعي، مثل تناول نسبة كبيرة من البقوليات والحبوب وزيت الزيتون والخضروات والفواكه، وتناول نسبة معتدلة إلى كبيرة من الأسماك، وتناول نسبة معتدلة من منتجات الألبان، ونسبة منخفضة من اللحوم، فيما يبتعد هذا تماماً عن تناول اللحوم والدهون المشبعة والسكريات، لهذا فهو غني جداً بالألياف والدهون الصحية النافعة والفاكهة والخضروات الملونة، التي تكون غنية بمضادات الأكسدة، إذاً يساعد هذا النظام على المحافظة على الوزن المثالي المؤكد من دون حرمان الجسم من العناصر الغذائية الهامة المختلفة.