يوماً بعد يوم في عالم الأرقام والذكاء الذي أصبح اصطناعياً نشهد تسارُع تطور التقنيات وانتشارها بشكل واسع، الشيء الذي يُعزز من تطوير التعليم في مُختلف مراحله لصُنع جيل يتواءم مع التغيُرات الجذرية التي تطرأ على مر الأجيال.
يُمثل أطفال اليوم قادة وشباب المُستقبل، وعلى التوازي تُشكل تقنيات اليوم بتطوراتها اليومية تحدياً للمواكبة، فهل نستطيع أن نتحكم في هـٰذين العُنصرين لضمان الازدهار وعدم رجوح كفة التقنية وابتعادها عن مستوى معرفة شباب الغد؟
في عالم التنافس الحالي يُعتبر التعليم ضرورة أساسية للإنسان بعد الطعام والملبس والمأوى! فالتعليم لا يقتصر فقط على أبجديات اللُّغة وتركيبات الجُمَل وبلاغتها، وليس أيضاً حساباتٍ تتذبذبُ في خط العدّ بين الموجب والسالب، القصد وراء التعليم يكمُن في الفائدة وما يُنتجه من أفراد. و لبلوغ أرفع وأفضل النتائج يجب مراعاة جودّة التعليم، فالتعليم المدرسي الجيّد يجب أن يُركز على عدة جوانب تُساهم في تنمية العقول الصغيرة كما الكبيرة لأجل إنتاج جيل واع مُحب للمعرفة باحث عن الأفضل. وفي هذا المقال عزيزي القارئ نحاول سرد بعض الفوائد المهمة التي يجب أن يوفرها التعليم الجيد والذي يجب أن يكون منهجاً يُدرس في المراحل الابتدائية.
المدرسة ونمو العقل !
الإنسان مُكرم بالعقل الذي يتغذى على المعرفة، فنجد الإنسان منذ نشأته يسعى لتطوير قدراته العقلية مُستفتحاً بالقراءة والاطلاع وكثرة السؤال، فالطفل منذ نشأته يسأل عن ماهية ومعاني الكلمات المختلفة، لكن عند إتقانه للكلمات الموجودة في بيئته يثبت مخزونه اللغوي والمعرفي عند ذلك الحد تقريباً ما لم يتلق كلماتٍ ومسائل تعمل على تحريك عقله قبل أن يؤول للركود.
يُعتبر التعليم منبعا أساسيا للمعرفة ومُحركا فعالا للعقل، فهو يعرضنا لعوالم مختلفة ويتيح لنا علوماً مختلفة من علم إنسان وأدب وتاريخ بجانب الرياضيات والسياسة ومُختلف اللغات. يُعتبر الطفل المُتعلم أكثر انفتاحيةً وتقبُلاً للمجتمعات والثقافات المختلفة، كما ينمي مهارات الخطابة والإبداع الفكري الذي يهيئ له المُساهمة الفكرية في المستقبل، كما يتعلّم أبجديّات الكتابة والرسم والفنون التي ترفع من مستوى الإبداع الفكري والخيال لدى الطفل. التعليم الجيد يُساعد في نموّ قدراته العقليّة ويُكسبه المهارات التي تؤسّس لبناء شخصيّته.[1]
تعزيز الاجتماعيات
تنحصر تعامُلات الطفلُ منذ نشأته على والديه وأفراد العائلة المُقربين، فتُعتبر المدرسة السبيل الأول لملامسته للعالم الخارجي والشخصيات الجديدة، فيتعامل الطفل مع مختلف الأفكار من مختلف الأطفال بنفس عمره فيكتسب مفاهيم إنسانية تُساعده في معاملاته المستقبلية، والتي لا يمكن اكتسابها دون المدرسة كاللطف والجد اللذان يلقاهما من المعلم والصداقات التي يكونها بحُر اختياره والمشاركات العملية والشجاعة الأدبية، كما تغرس فيهم روح المُساعدة والعمل الجماعي، ويتعرض للمواقف المُختلفة التي تبني شخصيته وردود أفعاله مُقابل الأفعال المُختلفة وبذلك تُعد المدارس أول وسيلة لبناء الاجتماعيات.
العقل السليم في الجسم السليم! فهل يُحقق المنزل بناء البنية الجسدية السليمة؟
المنازل وكما نعلم جميعاً تُقيّد حركة الطفل من لعبٍ ولهو فلا يستطيع مثلاً اللعب بالكُرة داخل المنزل ولا حتى الجري لمسافات بعيدة، بينما ديدن الطفل في مراحله الأولى أن يمتلك طاقات كبيرة يحتاج لتفريغها باللعب لمساعدة جسده على النمو والنشاط. وتعتبر البيئة المدرسية بمساحاتها الواسعة ومُخصصاتها من الطابور الصباحي وحصص الرياضة والنشاط مفرغاً ممتازاً للطفل وبطرق مختلفة مما ينمي جسده بطريقة يعتبرها الطفل ممتعة مع وجود أطفال بنفس عمره، كما أثبتت الدراسات أنه عندما يكون الطفل في بيئة مألوفة ومع أطفال من مثل عمره يستطيع أن يتعامل مع نزعاته الطاقية ويتعلم كيف يفرغها في أشياء مثمرة. [2]
الحياةُ مدرسة، لكن …
يترعرع الأطفال في مختلف البيئات وعلى مُختلف الثقافات والعادات بالسيء والجيد منها، وقد يتقيد عقل الطفل بمفاهيم خاطئة يعتقدها صحيحة، وللأسف نجد ذلك ظاهراً في قبائل ومناطق عديدة لا تعتبر التعليم أساساً ولا منهاجاً فلا يزال سكانها يمارسون عاداتٍ أصبحت بمقاييس اليوم جاهلية ولا يرجع ذلك إلا لسوء فهم العلم والدين، أما في البيئة المدرسية والمناهج المختلفة فالعقل يتحرر من أغلاله معلناً حُرية الخيالات والأفكار المُبتكرة وأن لا مُستحيل مع العلم والمعرفة، فيعرف لماذا وكيف صُنعت الأشياء ويواكب المناهج الدراسية العالمية ويتعلم مختلف اللغات التي لا يمكن تعلُمها في المنزل، كما يتعرف على مختلف الثقافات التي توسع أُفُق فهمه وتقبُله للآخر، فالتعليم يطور الفرد ويُنتج منه شخصية فعالة تُساهم في بناء وتنمية المحيط.
تُعتبر عملية التعليم فعّالة في تشكيل شخصية الفرد وطريقة تعامُله مع تقلُبات الحياة المُختلفة، كما يُسهل التعليم عملية غرس التفكير الصحي وتنظيم القُدرات الإدراكية للفرد. [2]
من الناحية الدينية، يُعتبر التعليم والتثقيف حقا من حقوق الطفل في الإسلام [3]، فمن الواجب على الوالدين توفير الرعاية العلمية والثقافية التي تنفع الطفل في دينه و دُنياه، ونجد ذلك في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي حثّت على طلب العلم وتوضيح الفوارق بين العالم وغير ذلك.
إنّ عملية التعليم هي البيدق الذي يُوصلنا للتنمية والتطور، فالتعليمُ ليس لأجل مالٍ ولا جاه بل وسيلة لتحقيق مفهوم الإعمار الذي خلقنا الله لأجله، وإنما يستنتجُ من يتفكَر! لذلك يجب توفير منهج تعليمي جيّد لأطفال اليوم لنضمن حصاد ما غرسناه فيهم مع تطورات المستقبل.
ختاماً إن لم تستطع أن تُعيد الحضارة، كُن أنتَ من يُهيئُ جيل النصر والحضارة !