من كوارث الدنيا التي أصابت شباب اليوم أنه يمكن سرقة عقله ببساطة، بمجرد تغيير بعض الأسماء لتنقله من النقيض إلى النقيض.

في هذا المقال سأحاول كشف بعض الطرق التي يُكذَب بها على الملايين من البشر، بمن فيهم تلك النخب التي تعتقد أنها تقوم بمهمة توجيه الجماهير وصناعة الوعي وإرشاد الرأي العام.

في المطاعم، لا يقبل صاحب المطعم أن ترمى بعض بقايا اللحم التي أعدت قطعها الأصلية في وجبات غالية الثمن، فيتم  جمعها وفرمها وإعدادها كطبق يبدو رائعا، لكنه في الحقيقة مجرد بقايا وأحيانا بعضها غير صالح للاستهلاك أصلا.

كذلك بعض قطع اللحم التي تبدأ في التلف أو لم يعد مظهرها جميلا، تكسى بطبقة دقيق رفيعة مع خليط بيض خفيف جدا، ثم يعطونها اسما جديدا يبدو جذابا لكنه كارثة غذائية، (شرائح اللحم المخفيّة "Hidden steaks"، شرائح الدجاج المخفيّة،.. لكن الحقيقة أنّها المتخفية لا المخفية!!)

كذلك في غرفة التبريد، حين تظهر البقع السوداء على كثير من الفواكه التي لم تعد تصلح للعرض على الطاولة، يحولونها الى سلطة فواكه، حتى وإن تلف أكثر من نصفها، ويضيفون لها  بعض السكر وماء الزهر، ثم يقال لك تفضل أحسن طبق! وهكذا مما لا يحصى من الأمثلة التي لا تظهر على حقيقتها، بل تعطى اسما جديدا.

أما أن تهزم أمام كل امتحانات الالتزام فلا تتحمل أية مسؤولية، فذلك يسمى انفلاتا وليس حرية! وهو بلغة أدق انقياد لمراتع الراحة المتوهمة التي لا مسؤولية فيها، وهو ما تبحث عنه حداثة السوق، إنسان منفلت من أي التزام، يسلي نفسه بالاستهلاك 

وهذا حال حداثة اليوم، تريد أن تأخذ كل أولئك الذين فشلوا في امتحان الالتزام بضريبة اختيارهم الحر في الانتماء إلى فكرة ما أو قضية ما تستحق أن يناضل الإنسان من أجلها، فتجعل منهم طبقا جديدا كاللحم المفروم، وتقنعهم بأنهم أحرار ولم يخضعوا لقيود الفكرة الفلانية أو الدين العلاني أو الحزب الفلاني أو المؤسسة العلانية، فضلا عن التقاليد البالية. 

هذه المصارحة مرة، لأنّها تفرق بشكل جلي بين الحقيقة التي هي الفشل في الالتزام وبين النجاح في الانقياد إلى ما يسمونه حرية!

الحرية أن تمتلك القدرة على اتخاذ قرارك بالاختيار، ثمّ تتحمل مسؤولية قرارك بكل أريحية مهما كان مكلفا، فالحرية كما يقال أن تريد ما تفعل، لا أن تفعل ما تريد.

أما أن تهزم أمام كل امتحانات الالتزام فلا تتحمل أية مسؤولية، فذلك يسمى انفلاتا وليس حرية! وهو بلغة أدق انقياد لمراتع الراحة المتوهمة التي لا مسؤولية فيها، وهو ما تبحث عنه حداثة السوق، إنسان منفلت من أي التزام، يسلي نفسه بالاستهلاك الذي يحقق لروادها أرباحا لا يوفرها الإنسان الملتزم بالمعنى الذي تعتبره عدوا اقتصاديا لها ومستهلكا غير مرضي عنه ولا عن عوائده، و تنعته بالمتزمت وتصفه بالعبودية والأدلجة وضيق الأفق ورفض الانفتاح على الآخر!

ينبغي أن نكون أحرارا في الالتزام بما اخترناه بكل حرية، لا أن ننقاد الى مراتع الاستهلاك وضياع المعنى كبحث اجباري عن سعادة متوهمة تحت دعاوى أنغام الحرية المنفلتة!