يختلف منظرو العلاقات الدولية حول أهمية ودور الجغرافيا في رسم ملامح السياسة الخارجية، لكن غالبيتهم يجمعون على أن للحيز الجغرافي دور مؤثر وحاسم، بل هو حتمي ويعد من العناصر الدائمة والفاعلة في السياسة الخارجية.

يعد موقع المغرب العربي موقعا جغرافيا استراتيجيا بوحداته الخمسة، وهو كتلة جغرافية متناسقة من حيث القرب الجغرافي والبنية الجيولوجية والطبوغرافية، وله وحدة بشرية متناغمة ومشتركة في الثقافة واللغة والأصل والدين والحضارة والتاريخ والطموح المستقبلي، كما يملك مقومات اقتصادية تجعل منه مشروع تكامل واندماج مؤهل لدخول التحدي  والمنافسة، فبمركزه الهام الذي يتوسط قلب الأرض في نصف الكرة اليابس، واطلالته على أحد أهم وأخطر الطرق الرئيسية في الملاحة الدولية، وهما طريق البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، تكتسي الدول المغاربية قيمة إستراتيجية يدركها رجال الاقتصاد والتجارة الدولية كما يدركها أيضا رجال الحرب والسياسة.

دول المغرب العربي هي دول المنطقة الغربية من العالم الإسلامي المقابلة للمشرق العربي، فهي امتداد طبيعي للأمة العربية والإسلامية في أفريقيا، تقع فلكيا بين دائرتي العرض 15 و 38 درجة شمالا وخطي الطول 17 و 25 درجة شرقا، وتشكل الجزء الشمالي من القارة الأفريقية، يحدها شمالا البحر الأبيض المتوسط، وغربا المحيط الأطلسي، شرقا مصر،  ومن الجنوب والجنوب الشرقي كل من السنغال ومالي والنيجر والتشاد والسودان بمساحة تقدر بـ 06 ملايين كلم² أي حوالي 20 % من مساحة إفريقيا ما يعادل خمس القارة و 43.3 % من مساحة الوطن العربي، أي ما يعادل نصف المنطقة و 4.5 % من مساحة العالم، وبذلك فهو يحتل المرتبة السابع عالميا بعد كل من روسيا وكندا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل  واستراليا، كما يبلغ طول الشريط الساحلي لمنطقة المغرب العربي حوالي 7000كلم ما بين 4200كلم على البحر الأبيض المتوسط و2600كلم على المحيط الأطلسي بأقصى اتساع وامتداد من الشمال إلى الجنوب بـ 2500كلم ومن الشرق إلى الغرب بـ 4000كلم، ولا يفصلها عن أوروبا سوى 14كلم عبر مضيق جبل طارق و140كلم عبر مضيق الصقلية.

بهذا الموقع يعد المغرب العربي ملتقى ونقطة لقاء بين ثلاث قارات آسيا أفريقيا وأوروبا، حيث يرتكز في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يتفاعل كثيرا مع القارة الأوروبية، ويتواصل مع القارة الأمريكية التي يفصلها عنها المحيط الأطلسي رغم بعد المسافة وهو نقطة ارتكاز مهمة نحو العمق الإفريقي.

اقتصاديا، يساعد الموقع الجغرافي لهذه الدول على الانفتاح  والتطور الاقتصادي، ويشكل فرصة حقيقية للتبادل التجاري بين نقاط القرب الموصلة إليه، اطلالته على واجهتين بحريتين تجعله مصدرا للثروة السمكية والملاحة البحرية وممرا للتجارة العالمية، إذ نجد أن 50 % من البترول المستهلك من أوروبا يمر عبر المتوسط، كما تملك دول المغرب العربي مقومات اقتصادية هامة من حيث الثروات الطبيعية والموارد الطاقوية والمائية والانتاج الزراعي والمؤهلات السياحية ولها أفضل المناطق في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية من خلال الصحاري الواسعة، فيها أكثر من 22 مليون هكتار من المساحة الزراعية وهي غنية بالمياه الباطنية الجوفية والمياه المتجددة باحتياطي عالمي يقدر بـ 40 % وعلى مصادر إستراتيجية من الطاقة أهمها البترول في الجزائر و ليبيا باحتياطي يفوق 05 ملايين طن و 6000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي التي تحتل فيه الجزائر خامس احتياطي عالمي وثاني مصدر لأوروبا  والأولى إفريقيا من حيث الإنتاج، كما يعد المغرب ثالث منتج للفوسفات في العالم والمصدر الأول له، تأتي بعده تونس وبخامس احتياطي عالمي بالإضافة إلى معادن أخرى منها الحديد في الجزائر وموريتانيا باحتياط يقدر بــ 90 مليار طن ولهذه الدول 17 % احتياطي عالمي من الفحم ناهيك عن احتياطات كبيرة غير مستغلة من الرصاص واليورانيوم والنحاس والزنك و الذهب.

أما إذا نظرنا من الناحية العسكرية، فيرى الخبراء الاستراتيجيون العسكريون أن منطقة المغرب العربي هي امتداد كبير للأرض المغاربية التي تجعل منه وحدة استراتيجية ذات خطر كبير في أي صدام عالمي مقبل وعلى أي مستوى من مستويات الأسلحة والتكتيك المتبع في القتال، كما أن هذه السعة في الأرض والامتداد وقيمة التموقع الجغرافي في مركز القلب على البحر المتوسط يضمن للدول المغاربية العمق الاستراتيجي الملائم، ويوفر لها القدر الكافي من الأمن والراحة بالنسبة للتخطيط الإنتاجي، وسهولة في توزيع القواعد والنقاط العسكرية البحرية الجوية والبرية وضمان جاهزيتها في المعارك.

وهذه القيمة الفعلية للموقع الجغرافي كانت دائما وأبدا عبر التاريخ تشكل هاجسا بالنسبة للقوى الكبرى الراغبة في الاحتلال  والنفوذ، وهي تخشى من أن تكون منطقة المغرب العربي كتلة واحدة موحدة لأنها تعرف بأن ظهورها كنسق تكاملي منظم معناه السيطرة على المنافذ الاستراتيجية، وبالتالي الاختلال في ميزان القوى.

لهذا تشهد المنطقة صراعات وتجاذبات بين مصالح اللاعبين الكبار في ظل التوجهات الاستراتيجية بعد نهاية الحرب الباردة خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية، الصين والإتحاد الأوروبي خصوصا فرنسا، حيث أصبحت الحوافز الاقتصادية وفي مقدمتها النفط هي المسير الرئيسي للعلاقات المغاربية مع الدول الأجنبية، فالمنطقة أضحت سوق مفتوحة وهامة أمام الصادرات والاستثمارات الأوروبية والواردات من إمدادات النفط والغاز الطبيعي في إطار الشراكة الأورومتوسطية حتى أن نيكولا ساركوزي قال ذات مرة أن "مستقبل أوروبا في الجنوب".

من جهتها تدرك الولايات المتحدة الأمريكية الأهمية الجيوسياسية لمنطقة المغرب العربي، وهي التي انتصرت على دول المحور انطلاقا من قواعدها في المنطقة ووجودها في المتوسط، وهي تسعى دائما إلى تأمين مصالحها وليست مستعدة للتنازل لصالح فرنسا على سوق بها أكثر من 100 مليون نسمة وموارد طاقوية مهمة، وليست مستعدة أيضا للتفريط في المنافذ الأمنية التي تحتاجها في أي تحرك لوجيستيكي، فخلال حروب الخليج مرت 90 % من قواتها وقوات حلفائها عبر مياه المتوسط.

أخيرا، يقول الأستاذ الأمريكي  دانيال برجن أن البترول 10% اقتصاد و 90 % سياسة، ويقول لا توجد أي مادة أولية لها علاقات حميمية جدا وقوية مع الجيوبولتيك كما هو البترول، وأقطارنا الإسلامية  ليست ضعيفة، بل تملك من القدرات والمؤهلات الجيوسياسية ما يجعلها توظف نقاط قوتها لصالح نهضتها.