ما إن تُذكر جودة التعليم الإبتدائي حتى يذكر معها إسم فنلندا؛ هذه الثنائية التي باتت متلازمة جعلت الكثير من البلدان العربية والإسلامية الطامحة إلى تحسين جودة تعليمها إلى دراسة التجربة الرائدة لفنلندا في مجال التعليم؛ إذ أشارت الدراسات والبحوث الخاصة بمؤشرات التعليم في العقدين الأخيرين –من هذا القرن– إلى القفزة النوعيّة التي حقّقها نظام التعليم في فنلندا، فنتائج الامتحانات الدوليّة تضعها في طليعة الدول في التحصيل، وهذا ما خلص إليه استطلاع مجلة نيوزويك لعام 2010 الذي أشار إلى أنّ فنلندا تعتبر "أفضل دولة في العالم من حيث الصحة والاقتصاد والتعليم والبيئة السياسيّة ونوعيّة الحياة، كما تعتبر فنلندا ثاني أكثر البلدان استقرارًا في العالم"، ومن 2015 إلى اليوم؛ لا تزال هذه الدولة الاسكندنافية الصغيرة أقوى دولة في التعليم في العالم وفقًا لتقرير التنافسية العالمية، في هذا التقرير نستعرض أبرز العوامل والأسباب التي حقّقت لنظام التعليم في فنلندا هذه القفزة والمكانة المميّزة.
أطفال فنلندا من حمل المعاول والبنادق إلى حمل الكتب المدرسية.
يحوي تاريخ فنلندا على مآسي كثيرة، فالدولة الإسكندنافية الصغيرة التي نالت استقلالها عن روسيا بعد الثورة البلشفية سنة 1917، لم تعرف الاستقرار كحال الدول الأوروبية حتى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية منتصف القرن الماضي؛ وهو ما دفع بأجيالٍ متعاقبة من أطفال فنلندا مضطرين إلى المشاركة في الحروب المتتالية التي خاضتها فنلندا بحمل السلاح في خلال الحرب العالمية الثانية بعد أن شنّت فنلندا الحرب على الاتحاد السوفيتي، ليسقط الآلاف من أطفال فنلندا ضحايا لتلك الحرب.
بعد نهاية تلك الحروب؛ توجهت سياسة فنلندا إلى إنقاذ اقتصاد البلد المدمّر عن طريق اهتمامها بالزراعة والصناعة، ما جعل كل شرائح المجتمع الفنلندي بما فيهم الأطفال يشمرون عن سواعدهم ويتوجهون إلى الزراعة والصناعة، وأمام الهبة الشعبية لمواطني فنلندا إزاء إنقاذ بلدهم من الإفلاس والضياع طرأت تغييرات عديدة على المجتمع الفنلندي، بدءً من تطوير الخدمات العامة إلى أن أنشأت الرعاية الصحية العامة والضمان الاجتماعي والتعليم الابتدائي.
ماذا فعلت فنلندا لتصبح رقم واحد في التعليم في العالم ؟!
ورغم المشاكل العديدة التي واجهت بدايات التعليم الإبتدائي في فنلندا خصوصًا في ستينات القرن الماضي بعد أن كان النظام التعليمي فيها تحت السيطرة المركزية، إلى أنّ استعانة وزارة التعليم الفنلندية بشكل خاص بالنماذج التعليمية في السويد وألمانيا مكّن الدولة الصغيرة من بناء تجربةٍ فريدة استطاعت من خلالها وفي ظرف ثلاثين سنة فقط من بناء نظام تعليمي هو الأفضل في العالم.
10 أسباب جعلت من نظام التعليم في فنلندا مثاليًا.
1- التعليم في فنلندا جزءٌ من هويتك.
بعد أن استقلت سنة 1917، بنت فنلندا هويتها القومية على التعليم؛ فجعلت من التعليم أداة للحفاظ على الهوية الوطنية ومحو الأمية والحرية السياسية ، فبات الفخر والاحترام الكبير للتعليم في فنلندا يعد من الجوانب الأساسية للثقافة الفنلندية.
2- أن تصبح مدرسًا في فنلندا فهذا أصعب من« المشي على الماء»
لكي تكون مدرسًا في مدارس فنلندا الابتدائية فيجب أن تتوفر فيك شروطٌ قد لا تتوفر في مدرسين بشتى بقاع العالم، فمن بين الشروط التي تعتمدها وزارة التعليم الفنلندية لاختيار المدرسين؛ هي أن يكون المدرس حاصلًا على شهادة الماجستير، وفقط أفضل 10% من الخريجين هم من يختار منهم للتدريس؛ كما لا يدرّس في المدارس الفنلندية إلّا المعلم المتحصل على مؤهلٍ تربوي.
3- المدرسة في فنلندا تجاوزت «الأسرة»
يمكث المدرسون في مدارس فنلندا فترة طويلة مع طلابهم، ولا تقتصر المرحلة الابتدائية على عام واحد وإنما تصل إلى 5 سنوات دراسية، مما يوطد العلاقة بين المعلمين والطلاب الذين يبلغ عددهم 20 طالبًا فقط في الفصل الواحد؛ فالطالب في فنلندا يعيش مع مدرسِه أكثر ممّا يعيش مع والده.
يتساءل الكثير عن سر تفوّق طلبة فنلندا ونجاحهم الباهر؛ ويربطه بالجهد الكبير الذي يبذله الطلاب في مرحلة التعليم الإبتدائي وهو الشائع بيننا؛ غير أن النظام التعليمي الفنلندي شذ عن تلك القاعدة!
4- في مدارس فنلندا «الكل سواسية».
تكثر في المدارس الإبتدائية سلوكيات عنصرية؛ لهذا جعلت فنلندا المساواة في مدارسها الشعارالأكثر أهمية في التعليم.
وتطبيق هذا الأمر يجعل الطلاب الفنلنديين سواء كانوا في مناطق ريفية أو حضارية، فقيرة كانت أو غنية يحصلون على جودة تعليم متساوية، ولضمان هذا ألغت المدارس الفنلندية التصنيف وترتيب الطلاب.
5- الفصل من مدارس فنلندًا ممنوع.
في مدارس فنلندا لن تجد طالبًا واحدًا تعرّض للفصل من مدرسته بسبب أدائه التعليمي، فنظام التعليم يلزم المدارس بتصعيد المستوى التعليمي للأطفال المتأخرين دراسيًا، وعدم عزل الطلاب وفقًا لمستواهم التعليمي، حتى يصلوا إلى المستوى التعليمي المتوسط والسائد بين زملائهم، وهو ما جعل فنلندا تمتلك أصغر فجوة بين الطلاب الأقوى والأضعف في مستوياتهم التعليمية على مستوى العالم.
6- طلاب فنلندا من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة مباشرةً.
يكاد يكون مسار جميع طلاب المرحلة الإبتدائية في فنلندا متشابهًا، ففي فنلندا والتي تعدّ من الدول القلائل التي لا يعرف طلبتها الرسوب في دخول المدارس العليا؛ تصل نسبة نجاح الطلبة في نهاية التعليم الثانوي إلى 93% وهي نسبة مرتفعة بشكل كبير.
7- مدارس فنلندا « راحة أكثر و وواجبات أقل».
يتساءل الكثير عن سر تفوّق طلبة فنلندا ونجاحهم الباهر؛ ويربطه بالجهد الكبير الذي يبذله الطلاب في مرحلة التعليم الإبتدائي وهو الشائع بيننا؛ غير أن النظام التعليمي الفنلندي شذ عن تلك القاعدة؛ فعدد ساعات مكوث الطلاب في الصفوف للتعلّم لا يزيد عن ثلاث ساعات في اليوم، فيما يستمتع الطلاب بقية ساعات اليوم في الأنشطة الترفيهية والهادفة، كما لا يخشى طلاب فنلندا من فوبيا الامتحانات ولا الواجبات المنزلية، ففي مدارس فنلندا لا وجود لما سبق.
8- بيئة ملائمة للدراسة.
توفّر فنلندا مؤسسات ومدارس عصريّة، ذات فصولٍ واسعة مزوّدة بجميع التجهيزات ووسائل الراحة والتعليم، كما تجد في المدارس الإبتدائية الفنلندية مختبرات وأماكن الاستراحة والأكل، وهناك مرافق أخرى كالمكتبات والملاعب الرياضيّة وقاعات الأنشطة والمسارح وكلّها مجهّزة لتستجيب لحاجات المتعلّمين للعب والتسلية والتعلّم والرياضة.
9- الطالب المحور الأساسي في نظام التعليم الفنلندي.
من بين أهداف التعليم في فنلندا إعداد الطالب لمواجهة الحياة وذلك عن طريق إكسابه المهارات والمعارف والقيم التي تمكنّه من المساهمة في تقدّم وطنه ورفاهيته واقتصاده، ومن هنا استثمرت فنلندا في طلبتها لتجعلهم المحور الأساسي في النظام التعليمي الخاص بها؛ فالطالب في فنلندا له قدسية كبيرة داخل المؤسسات و المجتمع الفنلندي.
10- التعليم مجاني للجميع في فنلندا.
كغالبية الدول العربية وخلاف معظم دول العالم؛ التعليم في فنلندا مجاني، إذ يفرض القانون الفنلندي التعليم الإجباري على جميع المواطنين في مرحلة التعليم الإبتدائي، كما يلزم الدولة بضمان مجانية التعليم في جميع المراحل بما في ذلك المرحلة الجامعية. كما تلتزم الحكومة الفنلندية بتوفير الكتب الدراسية، والوجبات اليومية، ووسائل النقل للطلاب المقيمين بعيدا عن المدرسة بأكثر من 3 كيلومترات.