تعرف الدّارسات الإنفاق على التعليم بأنه عبارة عن النفقات التي تصرف على العملية التعليمية بجوانبها المختلفة حسب أهداف التربية وما تتضمنه من الوقت والمال لإنتاج السلع والخدمات، فحين نتحدث عن الإنفاق العام على التعليم فإننا نشير إلى النسبة المئوية (%) من إجمالي الإنتاج المحلي أي إجمالي الإنفاق العام (الحالي والرأسمالي) على التعليم مُعبَّرًا عنه بنسبة مئوية من إجمالي الإنتاج المحلي في سنة معينة، والإنفاق العام على التعليم يشمل الإنفاق الحكومي على المؤسسات التعليمية (العامة والخاصة على حدٍ سواء)، وإدارة العملية التعليمية، والتحويلات/الإعانات المالية المقدمة للكيانات الخاصة (الطلاب/الأسر وغيرهم من الكيانات الخاصة).

انطلاقا من التعريف الرقمي للإنفاق نجد أنه العامل الأقوى والمؤثر في حلقة التعليم، ذلك أنّ قيمته تبرز وتحدد الكثير من العوائد، فكلما زاد الإنفاق كلما توفرت الوسائل المطلوبة في قطاع التعليم، وكلما ضعف كانت العواقب وخيمة والنتائج قليلة.

و في ظل التنافسية العالمية في مجال الإنفاق على التعليم دعنا نتعرف على أكبر وأهم نتائج ضعف الإنفاق على التعليم.

زيادة نسب الجهل والأمية 

إنّ علاقة الأمية والجهل بضعف الإنفاق هي علاقة مباشرة، وذلك من خلال ما يتوفر من مقاعد دراسية وهياكل قادرة على تغطية مختلف أنحاء الدولة، كذلك ارتفاع رسوم الالتحاق بالمدرسة، وعدم توفر تسهيلات للأمر، فحين تعجز الدول عن استيعاب حجم المتمدرسين ممن يبلغون السن الدراسي، فإنّ ذلك يؤدي بالضرورة إلى زيادة نسبة الأمية والجهل، كذلك ضعف الإنفاق يتسبب في عجز الدول على تدارك نسب الأمية من خلال توفير هياكل تساعد الأميين على استدراك التأخر الذي تسبب في تفشي الجهل.

كما نجد أنّ نسب الأمية متزايدة عند الدول ضعيفة الإنفاق مقارنة بغيرها من الدول ذات الإنفاق العالي.

تخلف المناهج وضعف تطويرها

قد يتساءل البعض عن علاقة جودة المناهج بحجم الإنفاق، هل العلاقة مباشرة أم أنها خاضعة لعدة عوامل أخرى، الحقيقة أنّ تخلف المناهج يرتبط ارتباطا مباشرا بضعف الإنفاق، ذلك أنّ ما نشهده من تطور سريع ومتغيرات ومستجدات في ساحة التعليم يفرض على الدول مضاعفة حجم إنفاقها لمجاراة تلك التطورات المتعلقة بالمناهج، ذلك أنّ عصر المناهج التقليدية الصماء قد ولى وباتت المناهج تخضع لمتطلبات أكثر ودائرة احتياج مادي أوسع، لتجديد منابع النهل وتوسيعها لتتواكب مع التطورات الخارجية للدول. 

ضعف رعاية المتميزين والمبدعين من الطلبة

إنّ ضعف الإنفاق في التعليم يتجاوز تأثيره على المنظومة إلى الفرد، بحيث يتأثر هذا الأخير بشكل كبير وذلك بسبب التهميش الذي يتعرض له من خلال إهمال أبحاثه ومنتجاته وخلاصة تمدرسه بسبب ضعف الرعاية المادية ويبدو ذلك ظاهرا جليا عند الدول المتخلفة التي تعاني من هجرة العقول للدول التي تعتني أكثر بالإبداعات وتستثمر في أبحاثها وأفكارها من خلال تمويلات ضخمة ومخصصة للمواهب والإبداعات، كل ذلك من أجل حفاظ الدول على ريادتها في مجال الإبداع والتطوير.

ضعف البنية التحتية

يتولد عن ضعف الإنفاق في قطاع معين شح في الجودة، نجد أن الدول التي تخصص ميزانية جيدة لقطاع التعليم تتميز ببنى تحتية متطورة، وكذلك وفرة في الهياكل التعليمية، ونجد كمثال على ذلك البنية التحتية في كل من الإمارات والبحرين، بحيث نجحتا في تصدر الرتب المتقدمة في التعليم، وذلك بناء على عديد من المعطيات من أهمها كفاية الميزانية، مما ساعد على توفير بنية تحتية وهياكل متطورة تواكب التطورات العالمية، إذن جودة الهياكل تنعكس على جودة المخرجات التعليمية. 

تراجع تعليم النساء

في كثير من الأحيان، يرجع ارتفاع نسب الأمية بين النساء إلى ثقافة المجتمعات خاصة في الدول المتخلفة، أين يتم تهميش المرأة بدوافع عدة؛ منها الشائع كالدافع الثقافي، ومنها الخفي والاضطراري والذي يعتبر عاملا مهما هو الآخر ألا وهو ضعف الإنفاق.

يتجاوز ضعف الإنفاق بعد الجودة في المراكز المتاحة إلى صعوبة الوصول لبعضها، فندرة المقاعد الدراسية هو نتيجة لندرة الهياكل والإطارات المشرفة عليها، لذلك نجد أنّ المراكز التعليمية معدودة ومتباعدة مع انعدام أي وسيلة للالتحاق بها، الأمر الذي يصعب على كثير من الأهالي ترك البنات لخوض مثل هذه المخاطرات، ما يجعلهم مضطرين لمنعهن من الالتحاق، كذلك عدم اهتمام المنظومات التعليمية بوجود فراغ ونقص في الالتحاق أو كثرة التسرب وذلك بسبب واقع الميزانية المتاحة التي غالبا ما تكون سببا رئيسا في وجود مثل هذه الظواهر.

زيادة عدد الطلاب في الفصل الواحد فوق المعدل الطبيعي

ضعف الإنفاق ينتج عنه ضعف البنية التحتية والهياكل ومنه ندرة الوسائل المتاحة للفرد لتلقي تعليمه بشكل جيد، ومن ضمن أدوات التعليم المهمة هي المقاعد الدراسية، ونقصد بها الأقسام المتاحة لذلك، ولأنّ شح الميزانية له تأثير مباشر على الهياكل فإنّ العديد من المؤسسات تلجأ لزيادة عدد الطلبة في الفصل الواحد لمنح فرص أكبر للالتحاق بصفوف الدراسة، الأمر الذي يؤثر على المردود العلمي للتلاميذ وعلى المؤسسة التعليمية، ذلك أنّ الاكتظاظ يؤثر على منسوب الفهم وعلى تركيز كل من المعلم والمتعلم، ما يضعف من العملية التعليمية ويتسبب في تردي المستوى العام.