إن عدم كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية يسبب ضياعًا في الإمكانيات البشرية الضخمة، وفي عصر التكنولوجيا نجد أنّ أنظمة التعليم والصحة المتكاملة والفعّالة في البلدان المتطورة والتي استفادت من منتجات العصر الحالي، تختلف جذريًا مع الخدمات الصحية والتعليمية المتدنية والتي تكاد تكون معدومة في بعض البلدان النامية. 

كما أن عدم اتخاذ أيّة إجراءات من قِبَل الحكومات والمنظمات من أجل البلدان النامية يمكن أن يُكرس عدم المساواة ويزيد من نسبتها، فقد تم إحصاء ما يقارب 250 مليون طفل في سن الدراسة خارج المدرسة، و330 مليون طفل في المدرسة ولكنهم لا يتعلمون بطريقة جيدة! رغم أن الوصول لا يزال يمثل مشكلة، إلا أن نقص الخدمات الجيدة يعني أن الناس لا يحصلون على التعليم أو الرعاية الصحية التي تفيدهم حقًا وتمكنهم من النماء والازدهار "الآن وفي المستقبل".

تُعتبر التكنولوجيا أحد الوسائل الحديثة لزيادة مستوى كل من الخدمات الصحية والتعليمية، لكن على الرغم من اعتبارها أمرًا مُهمًا إلا أنه من الضروري التنبُه لأهمية دراسة آليات الاستثمار والاستخدام الجيد، ففي بعض البلدان النامية دفعت ضجة الاستثمار التكنولوجي إلى استثمارات باهظة لأجل تطبيق الحلول وضمان المستقبل الإلكتروني، فنجد بعض البرامج التي تهدف إلى حصول كل طالب على حاسوبٍ محمولٍ، إلا أنها تغفل عن تدريب المعلمين بشكل جيّد لاكسابهم المهارات اللازمة التي تُساهم في تحقيق هدف التعليم الإلكتروني، وقد أدى هذا إلى مجموعة من الأجهزة المغلقة والمُخزنة في الأدراج، وينطبق هذا على المستشفيات، فقد أصبحت الأجهزة تجمُعًا للغبار، مثل هذه الاستثمارات لم تتسبب في إهدار الأموال فحسب، بل خلقت الكثير من الجدل وسوء الفهم حول أفضل السُبل للاستثمار في الحلول التكنولوجية [1].

تُوجد الكثير من الاستثمارات الفعالة التي ساعدت كثيرًا في تغطية الفجوات الصحية والتعليمية، ولضمان أن تكون الخدمات الصحية والتعليمية فعّالة وذات كفاءة لا بدَّ للحكومات أن تتخذ قراراتٍ حكيمة تساعد في توفير الصحة والتعليم بالمستوى العالمي المتطور، وكل لحظة إنتظار تُحسب سلبًا على الفرص المتاحة لأجل تحقيق هذه الأهداف.

الحلول لا تتعلق فقط بالتكنولوجيا اللامعة، وإنما تتعلق بتشخيص وحل المشكلات النظامية أولًا واستخدام التكنولوجيا بشكل مناسب.

يمكن للتكنولوجيا أن تصبح مفتاحا لإصلاح وتغيير نظام الصحة والتعليم إذا تم تسخيرها بشكل صحيح، ولقد قامت بعض الأبحاث الجديدة بالبحث حول أسباب فشل بعض برامج الإصلاح السريع التي تعتمد على التكنولوجيا وما يتطلبه نجاحها، وكانت النتائج تدور حول إعتماد حلّين:[2]

 الأول ألّا تركز هذه الحلول التكنولوجية فقط على الأجهزة، إنّما على المحتوى ومشاركة البيانات والاتصالات على مستوى النظام الذي يتم تمكينه بواسطة التكنولوجيا الرقمية. والثاني ألّا يتم نشر التكنولوجيا إلا بعد دراسة متأنية، وعندما يكون ذلك مناسبًا لمعالجة مشكلة حقيقية محددة!

 فمثلًا نجد أن سياسة شراء جهاز كمبيوتر محمول لكل طفل قد فشلت في "البيرو" في حين نجح برنامج مماثل في "الصين"، وذلك لأن أجهزة الكمبيوتر في الصين كانت مضمنة في وسائل التدريس والمحتوى الرقمي كان مُعدًا بشكل جيد.

من جهة أخرة، تُساهم التكنولوجيا كثيرًا في إدارة الأنظمة الصحية ومتابعة الحالات العامة على نطاق أوسع، ويحدث ذلك بشكل أمثل عندما نستهدف جذور المشكلة، فمثلًا في يوغندا كانت هنالك مشكلة في عدم معرفة عدد الأطفال، وبالتالي لا يعلمون أماكنهم ولا أعدادهم لتوفير الخدمات والمساعدات اللازمة فجاء التطبيق الهاتفي[ VRS[3المُتصل بالإنترنت والذي يقوم بتسجيل بيانات المواليد، ما يُساعد في رصد معدلات تسجيل المواليد من 28% إلى 70% في جميع أنحاء البلاد، وهذا أعان صناع القرار على تتبع الحالات الصحية وتحسين وصول الخدمات إلى هؤلاء الأطفال! 

 كما نجد في مالي أن برنامج العاملين في مجال الصحة المجتمعية الذي تديره Muso[4]، والذي يرسل الأطباء لتحديد هوية المرضى وعلاجهم في منازلهم في المناطق النائية قد حقق البرنامج أدنى معدل وفيات للأطفال في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

كما نجد مثالًا حيًا لنجاح التكنولوجيا في مجال التعليم أيضًا في كينيا من خلال برنامجTusome[5] الذي أطلقته وزارة التعليم والذي يتمثل في منصة لمحو الأمية تحتوي على مواد تعليمية رقمية ونظام لاستجابة المعلمين، ويرجع نجاحه لاستهدافه لنقطتين مهمتين هما مراقبة موارد التعليم ومتابعة أداء المعلم!

تُعطي هذه الأمثلة أملًا في أننا يمكن أن تستخدم التكنولوجيا لسد الفجوة الصحية والتعليمية بين الفقراء والأغنياء – بشرط أن تتم بالشكل الصحيح- وتكون الخطوة الأولى للتحسين واسع النطاق لكلٍ من النظم الصحية والتعليمية، بالتركيز على الاستخدام الأمثل للبيانات التي تعتبر وقود الأنظمة الرقمية الفعالة. 

إن وصول التكنولوجيا الرقمية إلى أفقر الناس وأكثرهم تهميشًا في العالم بفعالية، يمكن أن يزيد من تطوير الإمكانيات البشرية الهائلة.

كما قد تُحدث التكنولوجيا ثورة في الصحة والتعليم وترتقي بالطريقة التي يتعلم بها الطلاب، بشرط أن يتم تطبيق هذه المنهجية بحذر شديد لتجنب المخاطر والخسائر الممكنة.