أولى المغرب اهتماما كبيرا بالأسرة لطبيعة العلاقة التي تربط بين مكوناتها، وسعيا للحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها من أجل أداء دورها الأساسي في بناء كيان أفراد المجتمع، أكد المغرب على أهمية اللجوء إلى تسوية النزاعات الأسرية عن طريق الصلح، لكونها تكتسي طابعا خاصا وتتعلق بعلاقات ذات حساسية وخصوصية بين أفراد الأسرة، خاصة بين الزوجين والأبناء، وتقتضي الكثير من الكتمان والسرية والحكمة والتروي في معالجة جوانب منها، لأنها تكون على درجة من التعقيد، وتتميز باختلاف طبائع الناس والتقاليد والمحيط الذي نشأ فيه أطرافها، بالإضافة إلى تداخل ما هو قانوني وما هو اجتماعي ونفسي في النزاع.

فالصلح يخضع من حيث أحكامه إلى مدونة الأسرة والفقه الإسلامي وذلك يتبين من خلال آيات داعية إليه:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }.[1] 

وقوله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}. [2] 

أما بخصوص الصلح في قضايا الطلاق، فإن المحكمة تحرص على ضمان الحضور الشخصي للطرفين للإصلاح بينهما حسب المادة 81 من مدونة الأسرة، وعند حضور الطرفين تجرى المناقشات داخل غرفة المشورة، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود، وللمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب الحكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين. 

وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما، فإذا نتج عن الإجراءات التي باشرتها المحكمة صلح بين الزوجين، حرر به محضر ويتم الإشهاد به من طرف المحكمة. 

وقد أقر المشرع الصلح في قضايا التطليق من المادة 94 إلى المادة 113 من مدونة الأسرة، مما يبين إلزامية المشرع المحكمة بأن تقوم بكل المحاولات من أجل الإصلاح وفي ذلك مثال من المادة 94 من المدونة التي تنص على ما يلي:

"إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق، وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لإصلاح ذات البين طبقا لأحكام المادة 82".     

المؤسسات المرصدة للصلح

يمكن رصد مؤسستين مساعدتين للقاضي في مهامه الصلحي، ويتعلق الأمر بمؤسسة الحكمين ومجلس العائلة.

فقد نص المشرع المغربي في مدونة الأسرة على وجوب بعث الحكمين من طرف المحكمة في حالة استمرار النزاع بين الزوجين للتوفيق بينهما، و ذلك منصوص عليه في المادة 251 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية على أنه: "يحدث مجلس للعائلة، تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة، ويحدد تكوينه ومهامه بمقتضى نص تنظيمي". 

خلاصة

إن نجاح الصلح كنظام بديل لتسوية المنازعات الأسرية رهين بمدى الاستعداد الذي يمكن أن تبديه الأطراف المتنازعة في التفاوض والتصالح، وتسوية النزاع، واستيعابهم لأهمية هاته الإجراءات، إلا أن تجربة الصلح بالمحاكم الأسرية لم تنجح, وذلك من خلال نسبة الطلاق الذي يتزايد كلسنة حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط وكذا التقرير الذي أعدته جريدة هسبريس والذي تبرز من خلاله:

"... وبحسب تقرير يحمل عنوان "14 سنة من تطبيق قانون الأسرة: استعجالية الملاءمة والمراجعة الشاملة"، صادر عن فدرالية رابطة حقوق النساء، فقد عرفت أحكام التطليق بأنواعه ارتفاعا مطردا بتوالي السنوات وتضاعف عددها؛ إذ انتقلت حسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل من 7213 حكما سنة 2004 إلى 40850 حكما خلال سنة 2013، وبلغت 46801 حكم إلى حدود سنة 2016.

وبحسب المصدر نفسه، شهدت أحكام التطليق بسبب الشقاق ارتفاعا مستمرا بتوالي السنوات؛ فقد سجلت 48376 حالة في سنة 2012، و43438 حكم سنة 2014، و46377 سنة 2015. أما خلال سنة 201، فقد عرفت أحكام التطليق للشقاق انخفاضا طفيفا حيث تم تسجيل 46010 أحكام.

أما بالنسبة للطلاق الرجعي، فقد عرف، بحسب التقرير دائما، منحنى تنازليا منذ صدور المدونة؛ إذ انتقل من 7146 طلاق سنة 2004 إلى 1877 طلاق رجعي خلال سنة 2013، وهذا المنحنى التنازلي استمر طيلة عشر سنوات، وبلغت رسومه المنجزة 1093 رسم طلاق خلال سنة 2016. وأشار التقرير أيضا إلى ارتفاع الإقبال على الطلاق الاتفاقي منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ. [3] 

ومن خلال هذا التقرير يتضح فيه ارتفاع نسبة الطلاق سواء كان طلاقا شقاقيا أو رجعيا، وللحد من هاته الظاهرة الاجتماعية فلابد من مأسسة الوساطة الأسرية خارج أسوار المحكمة وإدماجها وتفعيلها في المجتمع المغربي، فيتم بذلك تقنينها كمهنة حرة لصالح الأمة.