فيسبوك حاليا وبسبب الفراغ الذي أصاب الناس مليء بالمخترعين الذين يحاولون إنقاذ البشرية وتقديم حلول للمشاكل التي وقعنا فيها بسبب انتشار هذا الوباء. في كل دقيقة ترى منشورات عن شباب مجتهدين اخترعوا أجهزة، والدعوات تترى عليهم أن يحفظهم الله من أهل الشر ويجعلهم ذخرا لأوطانهم.. المفروض أن كل هذا جميل، فلا أحسن من إعمال العقل والاجتهاد أليس كذلك؟
حسنا الجواب في رأيي هو لا.. وقبل أن تشتمني، سأوضح في هذا المقال الطويل لماذا أنا منزاح إلى قوى الشر ضد مخترعي الوطن!  

بداية، يجب الاتفاق على المصطلح، وهو ما أراه أحد العناصر المهمة في المشكلة فما الذي تعنيه كلمة اختراع؟
الاختراع هو الإتيان بما لم يأتي به من قبلك من طريقة أو تقنية لصنع أو فعل شيء، والعنصر الأساسي هو الجِدَّة أي أن إعلانك عن فكرة أو صنعك لجهاز قد وضع فكرته أحد قبلك لا يعتبر اختراعا بل تصنيعا أو تركيبا على حسب الحالة. 
 وحسب المكتب الأمريكي لبراءات الإختراع (US patent office) فإن شروط قبول منحك براءة اختراعك  لفكرتك هي ثلاث، أن تكون الفكرة: 

  • جديدة: لم يذكرها أحد من قبلك أو يرسمها أو ينشر عنها في أي وسيلة نشر وإعلان.
  • مفيدة: فلا يقبل أن يعطيك أحد براءة اختراع في شيء غير نافع إطلاقا . 
  • غير بديهية: فلا يمكنك تسجيل براءة اختراع لكيفية شرب الماء من فمك مثلا.

المشكل الذي يقع بشكل متكرر هو أن وسائل الإعلام تستعمل مصطلحات من قبيل "اختراع" و"ابتكار" بشكل اعتباطي وفي العديد من الحالات لوصف ما يسمى حقيقة بالتصنيع أو النمذجة ( Prototyping)، ولو حاولت تقصي ما يظهر في الإعلام وتطبيق القواعد الثلاث المذكورة سابقا لما وجدت إلا حالات قليلة تعد على رؤوس الأصابع. فما يعرض عادة هو عملية تركيب لقطع كهربائية أو ميكانيكية أو في أحسن الحالات تحسينا لأدوات موجودة أو تبسيطا يخل بمبدأ عملها أساسا.

حسنا لماذا يقع هذا الخلط؟

أولا، لضعف المستوى اللغوي والمهني لمعظم المؤسسات الإعلامية فهي لا تجيد استخدام المصطلحات المناسبة لوصف الأمور بشكل دقيق، والأمر يزداد سوءا عندما ننتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فهي عالم أبعد ما يكون عن التحقق والمراجعة وكل يغني على ليلاه، ويمكن رؤية ملايين المخترعين في اليوم الواحد ينقذون الكوكب أكثر مما فعل أبطال أفلام Avengers.

avengers

ثانيا، إن كان الأمر يتعلق بوسائل إعلامية حكومية موجهة فالأمر متعمد، تميل الحكومات الشمولية والفاسدة إلى إبقاء مستوى لا بأس به من الشوفينية والاعتداد الفارغ بالنفس والإيحاء بأن الأمور على ما يرام، فما دام الوطن يحتوي كل هؤلاء المخترعين فلا خوف علينا أبدا، كما أن الأمر يحاول ترسيخ عقيدة بالتميز الفطري واعتبار الأمر ذكاءا أنزله الله على بني قومنا لأنهم شعب الله المختار، والحديث دائما يكون عن أفراد لا عن مؤسسات، لأنه لا سمح الله المؤسسة الوحيدة التي يجب أن تكون هي الحكومة وبقية الشعب هم رعاياها العباقرة

ما الضرر الواقع من هذا الخلط والتدليس؟

أضرار كثيرة وعميقة ويصعب إصلاحها لاحقا والقضية على بساطتها تظهر الكثير من الخلل في جذور أنظمتنا التعليمية، الاقتصادية، الإعلامية، وحتى من ناحية فهمنا لقدراتنا الحقيقية. يمكن سرد بعض النقاط لتوضيح الموضوع أكثر:

  • الحديث الكثير عن مخترعين وهميين يجعل المخترعين الحقيقيين يغيبون عن الصورة، لأن عملهم يتطلب الكثير من الموارد، المهارة وكذا الصبر .. الكثير منه.
  • انتشار هذه الأحاديث يجعل الناس تملك أملا زائفا وشعورا بالانتفاخ على أساس أنها شعب ذكي بالفطرة، وأن كل ما يلزمها هو القليل من الحظ والظروف كي تتغير أحوالها بين ليلة وضحاها، والدليل هو جيوش المخترعين الذين سيعالجون السرطان ويقضون على التلوث ويوزعون الأموال ويعم الخير الأرض. 
  • عندما تحل مصيبة وينقطع الأمل بالناس ينقسمون إلى فئتين، فئة تكفر بكل من يدعي أنه يملك حلا لأي شيء ويتشح بالسواد ويبدأ بالقول أن هذه هي النهاية ولا أحد يملك الحل، وفئة أخرى تغرق في الأمل وتتغذى على كلام الدجالين والنصابين وأنصاف المخترعين وتهمل الأمور الحقيقية التي ستنقذها أثناء المصيبة. 

حسنا ما هو الحل؟ كيف أن يجب معاملة المخترعين؟ وكيف نستفيد منهم؟ كيف نفرقهم عن المزيفين؟