"من يفوته القطار اليوم، سيضطر للانتظار عشرات السنوات لكي يأتي القطار مجددا"، هذا ماقاله المهندس باسم بشرى خلال ورشة إنترنت الأشياء التي قدمها بالتشارك مع مؤشر عمران.

والقطار الذي يعنيه هنا هو ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة وما تتضمنه من إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وعلم البيانات والتي لا مجال للشك أنها ستكون لغة المستقبل القريب، وأداة التنافس العالمي والحضاري بين البلدان والأمم.

 قد لا يبدو الواقع في العراق مثاليا، فما شهده ويشهده من أزمات لا تخفى على مراقب، ولكن طبيعة الثورة الجديدة تمنح العديد من الخيارات والفرص لمختلف المتنافسين سيما وأنها لا تزال في بدايتها. وأن أصحاب المعاناة هم أجدر الناس باقتناص الفرص والانتفاع بها.

سنمر في جولة سريعة لتشريح واقع العراق الحالي ومدى اقترابه وابتعاده من الثورة التكنولوجية الجديدة.

إنترنت العراق والصدمة.. هل التفكير في عملية رقمنة حقيقية للحكومة منطقي؟ 

يوصف الإنترنت في العراق بأنه من أسوأ الخدمات المقدمة لبلدان المنطقة، حيث لا تنقطع شكاوى المواطنين من شركات الاتصالات وخدماتها التي لا تلبي حاجتهم، وترجع الأسباب في ذلك إلى الفساد المستشري في البلاد، وإلى غياب استراتيجية فعالة لتحسين واقع الاتصالات، بالإضافة إلى تحايل شركات الاتصالات والتي تتنافس مع بعضها بطرق غير قانونية، وإلى تهريب سعات الإنترنت من قبل جهات متعددة.

بدورها وزارة الاتصالات ترجع السبب إلى فقدان وجود استراتيجية من قبل من سبقوهم في تقلد المنصب. إضافة إلى عمليات تهريب سعات الإنترنت التي أعلنت الوزارة حملة ضدها أطلقت عليها حملة (الصدمة) والتي تهدف لكشف المهربين وتدمير أبراجهم. وهو ما نفذته بالفعل في عدة مناطق، وإن كانت الوتيرة لازلت بطيئة. وتسعى الوزارة أيضا إلى إدخال سعات إضافية للإنترنت عن طريق الأردن، حيث تجري اتصالات بين وزير الاتصالات العراقي المهندس أركان شهاب الشيباني مع وزير الاقتصاد الرقمي الأردني الدكتور مثنى الغرايبة.

  صورة لعمليات الصدمة التي تنفذها وزارة الاتصالات في العراق ضد مهربي سعات الإنترنت.

يجادل البعض بأن السبب في سوء خدمة الإنترنت يعود إلى زيادة عدد السكان بنسبة كبيرة عما كان عليه في عام 2000 حال دخول الإنترنت للعراق، حيث كان عدد السكان مايقارب 21 ملونا وتجاوز الآن الـ(40) مليونا. وهو ما جعل أفراد عديدون يشتركون في نفس السعة، حيث السعة المقرر لها أن تخدم ثلاثة أفراد يتم استخدامها من قبل (6) أو أكثر، وهو ما يسبب هذا الخلل. ويقترح هؤلاء ان تقوم شركات الاتصالات بتثقيف المستخدمين بالسعات المناسبة لهم حسب نوعية استخداماتهم.

ويرى آخرون أن السبب الرئيسي هو في كون شبكة الإنترنت في العراق معتمدة على نظام الوايرلس، بينما العالم يتخذ الآن خدمة الكابل الضوئي.

وحتى في التغطية فإن بعض مناطق البلاد النائية لازلت مغطاة بإنترنت الجيل الثاني E، ولم تصلها حتى الآن خدمة 3G، أما في عموم البلاد فلم يتم الانتقال إلى 4G، في حين أن العالم يستخدم الآن 5.

وتجدر الإشارة إلى أن العراق جاء في المرتبة (133) في مؤشر سرعة الإنترنت بالنسبة للهواتف النقالة من مجموعة (138) دولة ، وفي المرتبة (103) بالنسبة للإنترنت الثابت من مجموع (174) دولة في العالم. حسب تصنيف Speedtest Global Index في عام 2020

هذا الواقع المتردي في خدمة الاتصالات يجعل من الصعب بمكان التفكير في عملية رقمنة حقيقية للحكومة أو لقطاعاتها المختلفة، ولا يفتح باب التفاؤل لدخول قوي في عالم إنترنت الأشياء أو المدن الذكية، لاسيما أن هذا يتزامن مع خدمة للكهرباء ليست مثالية أبدا.

علما أن المناطق الشمالية من العراق تمتلك بنية تحتية أفضل من ناحية الإنترنت وخدمات أخرى. ومرشحة للدخول بشكل أسرع في أتون التنافس العالمي في ميدان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

رؤية العراق 2030 طموحات نحو بنية تحتية مطورة.. هل من أمل لتنفيذها؟ 

جاء في ملف رؤية العراق لعام 2030 تحت بند البنية التحتية المطورة: "ينبغي العمل على تطوير البنية التحتية في مجالات النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والكهرباء والماء، بما يفوق ما تسمح به حدود الموارد المتاحة وتوجيه الاستثمارات إليها."

وحث صانعوا الرؤية على أهمية جلب الاستثمارات من القطاع الخاص لهذه المجالات سواء على الصعيد المحلي أو العالمي. وأكدت أن الحاجة لذلك ملحة، وإن كانت منحت الأولوية لما يتعلق بخدمات المياة الصالحة للشرب والطرق والري. 

واقترحت الرؤية مجموعة من الوسائل لتنفيذ هذا التطوير منا: تسعير هذه الخدمات، وتوسيع فرص القطاع الخاص بالإضافة لإدخال الشراكات بين القطاع العام والخاص. وأكدت الرؤية على أهمية تطوير البنى التحتية للاتصالات والمعلومات وزيادة سرعة الإنترنت، وربطها ربطا فاعلا بالشبكة العالمية بالإضافة إلى تطوير بنية محلية للخزن الرقمي، وحددت لذلك مؤشرات في عام 2030، وهو وصول عدد ساعات تجهيز الكهرباء لـ(24) ساعة يوميا، وانتشار خدمات النطاق العريض بنسبة 100% عبر شبكة الاتصالات المتنقلة.

لا يخفى على متتبع أن الوضع العراقي شهد الكثير من كتابة الخطط الطموحة التي مرت السنوات المقررة لتنفيذها وبقيت بعيدة عن الأهداف التي وضعت لأجلها. ويبقى هناك أمل بأن لا ينطبق هذا على رؤية 2030 على حد سواء.

تحتل الرتبة 143 عالميا.. ما هي خدمات الحكومة الإلكترونية في العراق؟ 

تقدم الحكومة العراقية مجموعة من الخدمات إلكترونيا للمواطنين مثل خدمة طلب تدابير حماية من تزايد المستوردات، وخدمة طلب مكافحة الإغراق، وخدمة تسجيل العلامات والبيانات التجارية العراقية، الحصول على إجازة السياقة، الوصول إلى الغرامات المرورية، الوقوف على العجلات المضبوطة لدى الجهات الأمنية، والحصول على جواز السفر الإلكتروني داخل وخارج البلاد، وخدمة التطوع الإلكتروني في وزارة الداخلية، واستمارة طلب تعين، والحصول على موافقات بيئية.

ومن أبرز هذه الخدمات هي خدمة تقديم الشكاوى التي أطلقته دائرة شؤون المواطنين والعلاقات العامة التابعة لمجلس الوزراء على العنوان (www.ca.iq)

والذي تم ربطه بـ(32) وزارة وهيئة مستقلة ومحافظة حسبما أوضحت الدائرة.

ولأجل أن يكون العمل فيه فاعلا عقدت الدائرة مجموعة من الورش للعاملين في الوزارات وهيئات مختلفة من أجل شرح طرق التعامل مع الطلبات الواردة من المواطنين.

ومما يجدر ذكره أن مرتبة العراق في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية عام 2020 بلغت (143) وهو ما يعني أنه يقع ضمن المستوى المتوسط.

كورونا ومجانية الأنترنت.. ما أوضاع الرقمنة في التعليم والصناعة والزراعة؟ 

    بعد جائحة كورونا انتقل العراق كما حصل في كثير من الدول إلى التعليم عن بعد، وعانت العملية من الإرباك بسبب عدم توفر الإنترنت عند جميع الطلبة، وسوء خدمته عند البعض الآخر، وأيضا بسبب عدم جاهزية المناهج الدراسية للتعليم الإلكتروني. 

ويجدر تسجيل أن العملية تخللت عروض مجانية للإنترنت خاصة بالطلاب في مرحلة الدراسة والاختبارات، لكن هذا لا يعني انتفاء العقبات حتى من ناحية توفر الكهرباء، التي تمر بانقطاعات مجدولة عادة.

أما في مجالي الزراعة والصناعة فلا يزال القطاع العام بعيدا كل البعد عن أي توجهات واضحة للرقمنة إلا من بعض الفعاليات هنا وهناك لعمل ورشة أو حضور مؤتمر أو المشاركة في فعالية داخلية أو خارجية للرقمنة في هذه المجالات، وهذا لا يمنع وجود مبادرات فردية.

هل يصنع الشباب العراقي الفارق التكنولوجي بشركاته الناشئة؟  

تشهد الساحة العراقية نشاط يمكننا أن نوصفه بالكثيف أو الواضح للعيان لمبادرات شبابية تدفع نحو التقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والثورة الصناعية الرابعة وما يتعلق بذلك من صناعة الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وعلم البيانات والبرمجة.

فهناك الكثير من المشاريع الناشئة التي أطلقها شباب عراقيون مثل IOT Maker و IOT Kids و المحطة و IOT LAB و Mosul Maker Space و Irbil Maker Space

وهناك فعاليات تنظم سنويا في عدة محافظات يتم عرض فيها نشاطات ومسابقات متنوعة مثل ميكر سبيس وميكر كمب و آي تي لايف. 

  شركة (SAP now) العالمية في العراق واستثمارات في الرقمنة

قامت شركة "SAP" الألمانية بإعلان خطة استثمار تدعم الرقمنة في العراق في قطاعات الغاز والنفط والخدمات المالية والمصرفية. وكذلك برنامج لدعم بناء المدن والحكومات الذكية ينخرط فيه أكثر من (14,100) عميل من القطاع المصرفي، و(3,300) عميل من قطاع النفط والغاز. 

وفي إحدى الفعاليات التي أقيمت في بغداد أظهرت الشركة أهمية التقنيات السحابية في مساعدة الشركات على التنبؤ وعلى المنافسة.

وقال المدير التنفيذي للشركة في بغداد: "بوسع الحكومة العراقية أن تصبح أكثر فعالية، وتستطيع الشركات في قطاع النفط والغاز أن تزود عملاءها بطاقة أكثر استدامة، في حين أن البنوك يمكن أن تثري تجارب المتعاملين"

وقد أطلقت الشركة مبادرة "المهارات الرقمية اليوم" والتي تمكنت فيها من تدريب (1,081) شابا، نجح (120) منهم في معسكرات تدريب مكثف على البرمجة. وتخطط الشركة للتعاون مع المؤسسات التعليمية في الأشهر المقبلة من أجل تدريب الطلبة على المهارات التقنية.

لا يبدو واضحا على أرض الواقع أين وصلت تلك المبادرات التي تطلقها الشركة بعد الأحداث المتسارعة التي شهدها العراق من تظاهرات وتغيير مستمر للحكومات وأيضا الحدث الأبرز فيروس كورونا.

وهكذا يبدو واضحا أن هناك فجوة في واقع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من ناحية أداء المؤسسات العامة، وهو ليس أمرا مستغربا بسبب مايشهده الواقع السياسي من شد وجذب، وتغيير مستمر في المناصب والأشخاص والخطط، لكن يبقى الأمل منوطا ببعض المحاولات والمبادرات وأيضا بالجهود الواضحة التي يبذلها الشباب والمؤسسات الخاصة.