إن الإنسان دائم السعي إلى الوصول للنسخة الربانية التي ارتضاها له الله -عز وجل- بين جهاد النفس والصبر على المكاره، وبين الاستجابة لنداء الحق -عز وجل- والرجوع إلى القيم البناءة التي تصلح النفس وتخالف هواها، وبين استقامية "إياك نعبد" وتحقيق العبادة الشاملة "وإياك نستعين"، بالتوكل عليه عز وجل في تصحيح مقاليد النفس وكسر هواها، ليدرك أن مفاتيح السعي لتحقيق هذه الغاية هي الصبر كقيمة تصحيحية لمسار يحاكي شموليتها في تحريك الذات لمحاربة الهوى، بحسن الخلق في معانيه الكاملة وصفاته المستقرة في النفس في ضوئها وميزاتها، بحسن الفعل في نظرنا أو بقبحه فإما يختار بذلك أن يقدم عليه أو يحجم عنه.

 

  هذه المبادئ والقيم التي حصرت في مفهوم متكامل لحسن الخلق تعمل إن اجتمعت في ذات النفس البشرية على تنظيم سلوكنا وفق الضوابط التي حددها الوحي، وفصلت فيها السنة النبوية لتحقيق غاية من وجود الإنسان على الأرض، فما حسن الباطن إلا وظهر به حسن الظاهر. 

 فليس من حسن الخلق أن يدرك الإنسان أنه مفطور على عبودية خالقه ومدرك لتبعات هذه الطريق، فيترك العنان لهذه النفس التي بين جنبيه في اتباع هواها… لكن القرآن الكريم جاء لبناء الإنسان، وسعيا منه لتصحيح مساره عن النسيان والخطأ قيد النفس بمفتاح الصبر كميزة تدرك بها كمالات الأشياء والصفات وحسنها من سيئها.  

 ومن مجالات الصبر؛ الصبر على العبادات وتأديتها بشروطها الصحيحة بنية خالصة مخلصة لوجه الله -عز وجل- في ميزان للأعمال في باطنها، فالعبادات تصحيح لمسار الإنسان شرعه له الرحمن. أليست العبادة هي رسالة الإنسان في الوجود؟ وتشمل الدين كله وتسع الحياة بمختلف جوانبها. 

 لو أدركنا هذا المفهوم لوصلنا لخلاصة مفادها أن الله في غنى عن عبادتنا، فلا تنفعه ولا يضره إعراض الإنسان أو صده عنه، ويدرك الإنسان أن نفسه رهينة بين يديه سبحانه، فإن صبر على مشاق هذا الطريق الموصل لرضى الله -عز وجل- وسعى إلى تحقيق الغاية من وجوده في الأرض، وعلم بيقين جازم أن العبادة هي السبيل الوحيد لحريته إن كانت خالصة لله عزوجل فهي تعتق القلب من رق المخلوقين وتحرره من كل ما سوى الله -سبحانه وتعالى- فذلك لحاجة ذاتية من القلب إلى رب معبود، فإما يعبد الله أو يمتثل لهواه، وإما يسعى لعبادة الله بصبر ومجاهدة لنفسه، أو يخضع لها فيصير أسيرها؛ يمتثل لأوامرها وينتهي لما لا ترضاه. 

 وبالتالي نحتاج إلى تقييد وصبر في التنفيذ بين "إياك نعبد وإياك نستعين"، بين الصبر على أداء ما أمرنا به وأن نعبده مخلصين له الدين حنفاء تهذيبا للنفس، بأداء العبادات من صوم وصلاة وزكاة وحج وتلاوة وذكر ودعاء، واتباع للشريعة والتزام أحكام الحلال والحرام، فيكون صلاح النفس هو ثمرة العبودية اللازمة للعبادة الحقة.

وهذا ما أجاب به النبي ﷺ أناسا حين وصفوا له قوما يصلون ولكنهم يقومون بأمور لا تليق بمقيم الصلاة، فقال لهم: "صلاتهم ستنهاهم"، إذن مقصد العبودية الأصلي هو الخضوع لله -عز وجل- مع أسمى معاني القرب لرب الخلق.

 ورحم الله من قال إن العبادات هي التعبد دون الالتفات للمعاني، وأخلاق المؤمن لون من العبادة لأنها أخلاق ربانية باعثها الإيمان بالله عز وجل.