يعتبر الفساد الإداري ظاهرة عالمية منتشرة بشكل واسع، آخذة أبعادا واسعة، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع لآخر، وتعتبر كذلك من ظواهر السلوك الإنساني التي أقلقت أفراد المجتمعات البشرية، وتتعلق ظاهرة الفساد بمجموعة من الاختلالات والانحرافات الإدارية والوظيفية والتنظيمية الصادرة عن الموظف المنتمي سواء للقطاعين العام أو الخاص أثناء تأديته لعمله ومهامه.

لقد تعددت المصادر التي تناولت الفساد، وكانت النظرة إلى الفساد ومحاولة تعريفه من الباحثين تتأثر بالمنظور الذي ينطلق من الراغب في تعريف الفساد وبتعدد الأشكال التي يتخذها، وتعدد المجالات التي يمكن أن ينتشر فيها، ولذلك ليس هناك إجماع على تعريف شامل يحظى بموافقة جميع الباحثين. 

والفساد بصورة عامة: هو إخراج الشيء الصالح عن غايته والإخلال بالتوازن باستخدام المنصب العام لغايات شخصية، ويتضمن الرشوة، والابتزاز واستغلال النفوذ والمحسوبية، والاحتيال، والاختلاس، واستغلال مال التعجيل والمقصود به المال الذي يدفع للموظفين لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن نطاق اختصاصهم لقضاء أمر معين... [1]

وبهذه الأوجه أو بأخرى تعالت ردود أفعال الساكنة والمواطنين عامة منددين ومعارضين لمثل هذه السلوكيات اللاأخلاقية واللامهنية التي تمارس داخل الإدارات بشكل بين وفي وضح النهار بدون حسيب ولا رقيب، والغريب في أمر هؤلاء هو تجاهلهم لما جاء في القرآن الكريم من آيات عدة تتحدث عن أهل الفساد باختلاف مجالات فسادهم، حيث قال عز وجل في كم من آية: «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين» [2] «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون» [3]، «الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد» [4]، والآيات والأحاديث كثيرة في هذا الصدد.

وللفساد الإداري نتائج وآثار وخيمة، تتمركز على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية...، فعلى المستوى الاقتصادي تحدد آثاره في تراجع دور الاستثمار العام، وإضعاف في مستوى الخدمات وفي البنى التحتية، وفي ارتكاب جرائم إهدار المال العام...، أما على المستوى السياسي فتتجلى آثاره في عدم تبني المشاركة السياسية بالانتخابات لدى المواطنين بسبب عدم ثقتهم بنزاهة المسؤولين والادارة، أما بخصوص المجال الاجتماعي فينتج عنه تدني مستوى القيم ورداعة المجتمع، والإخلال بالاستقرار الاجتماعي، ورفع نسبة الفقر، وانتشار السلوكيات المنحرفة، واللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وانعدام تكافؤ الفرص [5]، وغيرها من الآثار التي تؤثر سلبا على الأفراد والمجتمعات والدول، وللحد من هذه الظاهرة وما تخلفه من نتائج فلا بد من إيجاد حلول ووضع آليات لمكافحتها واحتوائها، 

نذكر منها على سبيل الذكر:

  • الإصلاح الإداري بالتخلص من السلوك الإداري الفاسد، وتحسين الادارة العامة من خلال وضع نظام عادل للتعيين وتقييم أداء الموظفين والمسؤولين وترقيتهم، وزيادة رواتبهم وتحسين مستوى المعيشة والعمل على إصلاح نظام الخدمة المدنية من خلال معالجة الأسباب المنشئة للفساد الإداري.
  • تفعيل دور المؤسسات الرقابية والتي لها الحق في الإشراف ومتابعة حالات الفساد الإداري، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
  • الإصلاح الاجتماعي والثقافي، وذلك بالعمل على زيادة وعي الناس بمخاطر الفساد والتأكيد على دور الاسرة والمدرسة والمسجد في غرس القيم الدينية والأخلاقية كالصدق والأمانة والإخلاص والمهنية في العمل وبناء الإنسان القدوة في ممارسته للمهنة وفضح المفسدين [6].

إن ظاهرة الفساد الإداري تشكل قلقا دائما للجهات المسؤولة في مؤسسات الدولة، وأن محاولات علاجه لم تكن بالمستوى المطلوب رغم تشكيل لجنة لمحاربة الرشوة والمجلس الأعلى للحسابات، وتفعيل البرامج الإلكترونية ووسائل الاتصال للتبليغ بالمفسدين، وذلك لأنه يستمد قوته من الغموض والسرية والتمويه، لأن ترتيبات الفساد دائما ما تتم بدرجة عالية من السرية لأنها أعمال غير قانونية تتضمن خيانة الموظف الإداري للثقة العامة [7]، ولهذا يجب على جميع المتداخلين في الشأن المحلي والجهوي والوطني من أفراد وجمعيات المجتمع المدني، ومدارس، وإعلام، ومؤسسات حكومية وغير حكومية، في التعاون والتشارك وتكثيف الجهود، وضرب بيد من حديد كل من سولت له نفسه العبث والتخريب والاختلال بالمصالح الخاصة والعامة ونشر جميع أنواع الفساد.