إنّ حالة الأمة اليوم هي نتاج نفسيات وقناعات ذميمة شلت القوة الاجتماعية وأدخلتها في أزمات عصفت بها من غربها إلى شرقها، فأقحمتنا  في نفق الأمم الراكدة حضاريا، إذا كنت واحدا من المهتمين بنهضة الأمة والرفع من شأنها ستجد أن هذه القصة البسيطة نموذج موجود عند كل فرد من هذه الأمة في حياته.
لم يكن هذا  بعيدا، في أحد أيام الجامعة قبل سنتين في أحد حصص الأعمال الموجهة في مقياس علم الوراثة، كانت الحصة تسير وفق نمط سائد؛ بأن يقدم الأستاذ التمرين والطلبة يحاولون حله قبل أن يقوم أحدهم بتقديم الحل الصحيح للجميع.
كنت حينها غير مبال للأمر وغير مهتم لفكرة المشاركة بحل أحد الأمثلة، كان المقياس مهضوما بالنسبة لي، وكنت أعتبر أن من يقوم بحل التمارين من يزاوله الشك في بعض الأمور، لم يكن هذا تكبرا،  إنما كان عن قناعة خاصة  فقد كنت أجيد بعض التطبيقات في حل المسائل الوراثية وذلك من خلال بحوثي الخاصة، لكن  لم أبادر يوما في طرح اقتراح جديد أو طريقة أسهل.
أستاذ المادة انتبه أنني غير مهتم بالمشاركة، فنطق بمقولة لا أزال أتذكرها إلى اللحظة التي أنا فيها الآن  ''الفرد العربي والجزائري بالخصوص رغم كل مؤهلاته ينقصه الفعل'' (قالها باللغة الفرنسية)،  كانت نصيحة فعلية ولكنني لم أبال لها. 
مرت الأيام، وبعد فترة الامتحان وجدت بأن النقطة غير عادية بعد استفسار بسيط وجدت بأنني لم أحصل على العلامة في أحد الأسئلة بسبب مخالفتي للطريقة المنهجية وأجبت بطريقة خاصة بي، وفي الحقيقة الطريقة الخاصة بي كانت أسهل للفهم وأسرع من الطريقة التي تم تدريسها، الأستاذ حينها أجاب بجملة واحدة: "لو بادرت يوم الدرس بهذا الحل لكانت هي الإجابة النموذجية!" ''فبهت الذي كفر''،  لو أنني شاركت في تلك الحصة لكانت ستكون طريقتي هي النموذج وكانت ستختصر الوقت والإجابة في الامتحان وكانت ستكون نعمة على الطلبة؟ 


الفاعلية إذن أزمة أبصرت بوضوح في مجتمعنا، افتقدناها فافتقدنا ركوب موجة النهضة والحضارة، لا بد  من كسر سكون الإنسان من أجل عالم إسلامي جديد، ''إذا تحرّك الإنسان تحرّك المجتمع والتاريخ، وإذا سَكَنَ سكن المجتمع والتاريخ''.

هكذا هي الحياة مع أغلبنا، هذه القصة كانت انطلاقة حقيقية بالنسبة لي لعالم آخر وجديد، ما الذي يمنعني حقا من طرح أفكاري ومشاريعي للمجتمع، بعدها انطلقت مبادراتي في شتى المجالات وتوسعت شبكة علاقاتي.
المتتبع للشأن العام سيلاحظ أن الأمة تمر بأزمة فعالية وهي من أهم الأزمات التي تفتك بواقعها وتشكل عائقا لها  في مسار النهضة، فكم من فكرة بقيت في سجن عقول الناس غير المبادرين وكم من حلم لمشروع بقي حبيس الورق والقلم ولم يرَ النور لأن صاحبه لم يبادر إلى العمل عليه وطرحه لعامة الجمهور.
أعلم أن هذه القصة البسيطة  هي عينة فقط من مئات الحالات المشابهة التي يمر بها الفرد في حياته، ثروات من الأفكار البناءة لا تزال مادة خاما في جوف عقل الإنسان تحتاج إلى طرحها والالتفاف حولها. 
الفاعلية إذن أزمة أبصرت بوضوح في مجتمعنا، افتقدناها فافتقدنا ركوب موجة النهضة والحضارة، لا بد  من كسر سكون الإنسان من أجل عالم إسلامي جديد، ''إذا تحرّك الإنسان تحرّك المجتمع والتاريخ، وإذا سَكَنَ سكن المجتمع والتاريخ''.